أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مجدي مهني أمين - أبو زَحْطَلون














المزيد.....

أبو زَحْطَلون


مجدي مهني أمين

الحوار المتمدن-العدد: 8430 - 2025 / 8 / 10 - 01:52
المحور: المجتمع المدني
    


هي غالبا "أبو بنطلون"، ولكن الأطفال، أشقياء شوارعنا المجاورة، حوروها إلى "أبو زَحْطَلون"، كانوا يرددونها بموسيقي صاخبة،

- "أبو زَحْطَلون"، "أبو زَحْطَلون"،

يرددونها وكآنهم مجموعة من الضباع الصغيرة وقد وجدت فريستها، فريستهم رجل كبير قارب الستين من عمره، أو لعله تخطاها، ممتلئ بعض الشئ، مهدّل في كل شيء، قميصه، وفي الشتاء جاكته، بنطلونه واسع باهت اللون، حزام البنطلون ملتف بالكاد حول وسطه، الرجل كله مترهل، في يده حقيبته السوداء، صغيرة متهدّلة، يغطي رأسه بطاقية تشبه طاقية توفيق الحكيم، ولكن هيهات، فطاقيته كالحة منهكة مثل صاحبها، يمشي الهوينا، لا يستطيع المشي بسرعة، لا يستطيع، رغم رشقه بالطوب، فالأطفال، أشقياء شوارعنا المجاورة، بمجرد أن يروه، لا يكتفون بصيحاتهم الهستيرية،

- "أبو زَحْطَلون"، "أبو زَحْطَلون"،

لا يكتفون، بل يرشقونه بالطوب من هنا وهناك، الحقيقة لم أرَ طوبة واحدة تلمسه، طاقيته على رأسه، ووجهه للأرض، يمشي بنفس خطوته البطيئة يتلقى عقابه اليومي دون ضجر، ودون اعتراض، حتى يصل باب بيته، باب خشبي كبير، يُخْرِجُ من جيبه مفتاح كبير، متجاهلا رشقات الطوب، يفتح الباب ويختفي، ويختفي الأطفال، أشقياء شوارعنا المجاورة، نعم شوارعنا المجاورة، أطفال شارعنا كلهم مؤدبون، كلهم أصحابي وأنا أعرفهم جميعا، إلا هؤلاء الأطفال، يظهرون ويختفون من حيث لا أدري.

يختفي أبو زَحْطَلون في داره، بعد عودته، ولا نراه في الصباح، لعله يذهب إلى عمله باكرا جدا، قبل أن يستيقظ أحد، ولكن يعود قُرْب الخامسة مساء، نفس الرأس المدلاة المنكسرة، ونفس الأطفال، أشقياء شوارعنا المجاورة،

- كم كان يسعدني عندما يمر أمامي في بعض الأيام ويصل إلى بيته دون أن يقتحم المشهد هؤلاء الأطفال، وقتها كنت أراقبه بعيني حتى يصل بيته، وكأني أحرسه.

يلحقه ابنه، بعده بساعة، وأحيانا قبله، شاب في منتصف العمر، نحيف بدرجة لا توصف، عكس أبيه تماما، عيناه واسعتان جدا، وجهه ضامر جدا، ينظر للأمام، وأحيانا لأعلى، للسماء تقريبا، خطوته واسعة وسريعة، أقرب للجري منها للسير، يصل البيت، نفس الباب الخشبي، يطرق، يفتح أحدهم ويختفي داخل البيت، ومثل أبيه لا نراه أبدا إلا بعد الخامسة مساء بقليل عائدا من عمله بهذه الخطوة السريعة، وبدون أطفال أشقياء يشيّعونه، هم فقط يشيّعون الوالد ويتجاهلون الأبن.
كنت اقترب من هذا البيت، الباب الخشبي الكبير، الباب منهك أيضا مثلهم، يقع البيت في النصف الثاني من شارعنا، البيت يبدو صغيرا ملاصقا للبيوت المجاورة، كأنه يحتمي بها، البيت مبني بالحجارة والطوب اللبِن ومكون من دورين، الدور الأول لا يوجد به شباك، لا يوجد سوى الباب، الدور الثاني به شباك مغلق لا يُطل منه أحد، كلما مررت بالنصف الثاني من شارعنا أبطئ الخطو أمام هذا البيت كأني أريده أن يروي لي قصته. وذات مرة لمحت وجه فتاة فائق الجمال أَطَلَّ بطريقة خاطفة واختفى في أحضان هذا البيت الصامت، أسرعت نحو أمي قائلا لها:

- أمي، لقد رأيت وجها ملائكيا يُطِلُ من شباك ذاك البيت.

تنهدت أمي وصمتت، فسألتها "ما القصة؟"، وأجابت بعد صمت:

- الجمال الذي رأيته يا بني هو نكبة هذا البيت.
- كيف؟
- الأخت الكبرى لمَن رأيت كانت تفوقها جمالا، واختطفها ذئب بشري، أغواها وهرب بها، وحَمَلَت، وألقى بها في الشارع ولم تستطع العودة لأهلها، واختفت، هل عاشت؟ هل ماتت؟ لا أحد يعلم، وانكفأت الأسرة على قصتها لا تملك من أمرها شيئا، وصارت كما تراها.

ساد صمت بيني وبين أمي، لم نعاود الحديث في تلك القصة أبدا، ولم أرَ الفتاة الجميلة أبدا، واختفى أبو زَحْطَلون مع الأيام، واختفى ابنه، ولا نعلم ماذا حدث للبيت بأكمله، وكأن البيت كله مقبرة عليها شاهد يقول:

- لقد أخذنا من الدنيا النصف القاسي من نصيبنا، ونذهب للسماء كي نبحث عن النصف الثاني.



#مجدي_مهني_أمين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نعم أعرف
- ‎100 من 700
- السياسة والتحالفات، والإيمان بالرسالة
- يهوذا واعتراض الطريق
- الناظر شيوعي!!
- ‎الأخت أديلا، المحاربة المبتسمة
- صلاح سبيع، عندما تكون التنمية وجهة نظر
- أبونا وليم، صفحة من كتاب الإيمان الحي
- أَعْطُوهَا الْوَلَدَ الْحَيَّ وَلاَ تُمِيتُوهُ فَإِنَّهَا أُ ...
- شنودة الذي حل ضيفا على هذا المجتمع القاسي
- ساويرس، بكري، علاء، والحق الضائع وغير الضائع
- الموعِظَة على الجبل، والعِظَات المصاحبة
- لكن عشق الجسد فاني
- الرجل رأس المرأة
- المؤمن ثقيل الظل
- الصيدلي المتشدد والعمل الإرهابي في سيناء
- دون مزايدة
- عَيِّلة تايهة يا ولاد الحلال
- أبونا عيروط، إصلاح الخطاب الديني
- يا أهل المحبة


المزيد.....




- هل أدّت عملية اغتيال الظواهري إلى اعتقال مواطن أمريكي في أفغ ...
- عشرات الشهداء والجرحى جراء مواصلة العدوان والمجاعة وارتفاع ع ...
- الأونروا تحذر من نقص حاد في حفاضات الأطفال بغزة
- الموت الجماعي ينتظر آلاف المرضى في قطاع غزة نتيجة استمرار سي ...
- اعتقال المئات في احتجاج جماعة -فلسطين أكشن-.. ومراسلة CNN تو ...
- فيديو متداول.. إعدام لصوص مساعدات في حي الشيخ رضوان
- جوتيريش: تعيين منسقة جديدة مقيمة للأمم المتحدة في ليبيا يدعم ...
- الأونروا: استمرار القصف الإسرائيلي يقتل المدنيين ويفاقم الكا ...
- عائلات الأسرى تعلن تحركا لشل مرافق الاقتصاد الإسرائيلي يوم 1 ...
- جيش الاحتلال يعلن اعتقال 70 فلسطينيا في الضفة الغربية


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مجدي مهني أمين - أبو زَحْطَلون