صلاح زنكنه
الحوار المتمدن-العدد: 8429 - 2025 / 8 / 9 - 23:40
المحور:
الادب والفن
حاوره / صلاح نادر المندلاوي
تصل درجة الأمل والتفاؤل لدى القاص صلاح زنكنه الى حدودها القصوى, حيث يرى أن الكتابة القصصية تسهم في اضاءة طريق الحرية والاستقلال بعيدا عن الأحقاد العنصرية, إذ ينفض عن قصصه بقايا جمالية التعبير برغم الخوف واليأس والاحباط لواقعنا الاجتماعي, ومن خلال الكتابة يشغل زنكنه شمعة الحب والانسانية كونه يعيش في أحضان الأرض ليتعلم تجاوز الواقع المؤلم الطويل في صيفنا اللاهب والنهار المتعب حيث أصوات عجلات عساكر الأمريكان وهي تجوب شوارع بعقوبة.
عرفت صلاح زنكنه عن كثب هادئا لا يخلو من سخط وغضب حيال الاتحاد العام للأدباء الذي قدم استقالته من مجلسه المركزي حيث إنه ـ بتصوري - مثقف ذو نغمات حزينة يتطلع الى الناس والأزقة وعيناه غائرتان في ذاكرته المتعبة بالأحــــــداث والمآسي والآمال وعنف الحياة وتجاهل ساسة البلد للثقافة والمثقفين.
س - بمن تأثرت في بدايتك الأدبية؟
ج - أقول صادقا لقد تأثرت بأمي تلك المرأة العظيمة التي أرضعتني حليب الإباء والكبرياء وهي تتغنى ببطولات (البيشمركة) وشموخ كردستان وتهلهل لأخيها الشهيد في الثورة الكردية, وقد شاهدت مراسيم دفنه سرا في مقبرة جلولاء من قبل والدي ذلك الفلاح الأسطوري الذي نزح من منطقة (زنكاباد) الى جلولاء لكي يشتغل عاملا في سكك الحديد, مؤثرات كثيرة صيرتني ليس أخرها كينونتي الكردية المستلبة, أجل تأثرت بالحروب والمدافع والبنادق والموت والقمع والتهميش.
هذا على صعيد الجانب الحياتي, أما على صعيد الفكر والفن فالمصادر عديدة ومتنوعة (ماركس) أولا ثم (لينين) فهذان العبقريان فتحا عينيّ على العالم, وهناك تشيخوف، كافكا، كزانزاكي, هذا عالميا، أما محليا فكانت مطالعاتي لمجاميع جليل القيسي، محمود جنداري, عبد الرحمن الربيعي, عبد الستار ناصر، محمد خضير, لقد تتلمذت على أيديهم في فن كتابة القصة القصيرة على الرغم من اختلافي معهم في الصياغة القصصية.
س – ماذا يشغل صلاح زنكنه الآن ؟
ج - إن ما يشغلني هو ما يشغل الأدباء والكتاب والمثقفين جميعا, فالوضع الأمني متردٍ والعنف في كل مكان والفساد الإداري والأخلاقي متفشٍ بشكل غير طبيعي, والأهم من ذلك كله الحالة المعيشية المزرية للأدباء نتيجة البطالة ووعود المسؤولين وكذبهم يرهقني, ما يشغلني (العراق) بكل ما فيه من جروح وجمال وأمل وألم وحب وحرب وموت ومستقبل وصخب الحياة وضجيجها.
س- ما الذي يميزك عن أقرانك في الكتابة القصصية ؟
ج - إن ما يميزني في الكتابة عن سائر الآخرين هو ما يميز أي مبدع حقيقي عن غير المبدعين, فالكتابة عندي كينونة وصيرورة ومسؤولية اخلاقية فكرية, فأنا لا أكتب من (البطر) بل أكتب جراء معاناتي وتعبي وغضبي وآلامي وأكتب لأسجل موقفا ازاء العالم، أما عن الخصائص الفنية لنصوصي فعليك أن تراجع عشرات المقالات النقدية التي شخصت هذا الجانب.
س - كيف تواجه العولمة الثقافية ؟
ج - ولماذا أواجهها ؟ أنا بالعكس أتملاها وأتشربها وأستفيد من جوانبها الايجابية, فالعولمة ليست بدعة طارئة, وهي بالتالي استراتيجية مجتمعية جديدة تمخضت عن المتغيرات الهائلة التي عصفت بالعالم, ويقينا إن الشعوب الضعيفة المتوقعة الخائفة هي من تتصدى وتخشى وترتعد من كل ما هو جديد ومبدع ومغاير, بينما الشعوب الحية القوية بإرثها الحضاري الرصين تتفاعل مع مثيلاتها بما تبدعه وتؤسسه من أفكار ومعارف وثقافات تصب في مجرى تقدم البشرية ورفاهيتها,
أدرك جيدا أن العولمة تشكل خطرا وتهديدا مباشرين على المؤسسات الاصولية التقليدية الثلاث (الدين، الدولة، القومية) لأنها تسعى جاهدة لجعل العالم الكبير أشبه بقرية صغيرة.
س - لكن البعض يتحاشى العولمة الثقافية ويعدها خطرا على مجتمعنا ؟
ج - أنا مع العولمة الثقافية, لأن الثقافة الإنسانية الحقيقية هي بالنتيجة ذات الطابع عولمي أممي والتي هي ثقافة الحرية والانفتاح, لأن الثقافة في نهاية المطاف هي عصارة العقل الإنساني والضمير الجمعي للشعوب، وأوكد لك بأن العولمة ليست تحولا اعتباطيا أو بعبعا مخيفا كما يتصورها الأصوليون, وإنما هي وسيلة تدشين عصر جديد, هو عصر الإنسان الحقيقي.
س - ما دور المثقف في الوقت الحاضر ؟
ج - المثقف بطبيعته كائن معارض كونه الناطق الرسمي باسم الحق وحامل شعلة الحرية والمدافع المستميت عن كرامة الإنسان وصوت المثقف الحقيقي صوت رنان جهوري له دوي وله صدى يخترق الجدران والأبواب والأسوار, وصوت الضمير وصوت العقل، وغالبا ما يكدر مزاج العامة ويعكر صفو السذج والكسالى ويقلق الساسة والسلاطين والطغاة, وهذا ما حدث ويحدث عبر العصور, وثمة شواهد على ذلك، لذا يوهم بالمروق والتمرد والخروج عن أعراف وقيم وتقاليد المجتمع والمقدسات والتابوات بالإضافة إلى قوانين أمن الدولة، وسرعان ما يطارد ويشرد ويعتقل وينفى أو يقتل شر قتلة.
المثقف العراقي الآن بلا دور, أنه متفرج وحسب، هو مقصي ومغيب ومهمش على جميع الأصعدة, وهو يشعر في قرارة نفسه بالخيبة والخذلان لأنه غير مرغوب فيه وصوته القوي يعد نشازا ضمن أوكسترا الأصوات الحزبية والقومية والدينية المتلاطمة.
س - هل أنت راض عن أداء الاتحاد العام للأدباء ؟
ج - بالتأكيد غير راضٍ عن أدائه وإلا لما قدمت استقالتي من المجلس المركزي, أنه كسيح لأن من يتحكم به ذو عقلية كلاسيكية عتيقة لا يتفهم هموم الأدباء وطموحاتهم.
س- ولم الاستقالة؟
ج - استقالتي هي احتجاج رسمي لأولئك الذين يصغون ولا يعملون ثم أن الاتحاد العام والمجلس المركزي والمكتب التنفيذي باتوا يتشبهون بأنظمة الشمولية الدكتاتورية ذات الطابع المركزي المقيت.
أنا أدعو إلى استقلالية الاتحادات في المحافظات, وبالمقابل أدعو الى تأسيس اتحاد أدباء بغداد اسوة بأدباء البصرة والموصل وديالى, كون هذا الاتحاد بات مؤسسة هرمة غير فاعلة.
س- حسنًا ماذا قدمت لاتحاد أدباء ديالي بصفتك رئيسًا منذ عامين ؟
ج - أهم ما افتخر به هو إنني وزملائي في الهيئة الادارية وضعنا معيار الأدب والثقافة والإبداع فوق كل المعايير، ولم نسمح بتغلغل التكتلات الحزبية الى كيان الاتحاد, والشيء الثاني هو ترميم مرفق الاتحاد بغرفه الأربع وقاعته, الآن لدينا قاعة نشاطات تليق بالأدباء وهذا مبعث اعتزاز.
س - كلمة أخيرة لمن توجهها ؟
ج - كلمتي الأخيرة هي لساسة هذا البلد وأتمنى منهم رعاية الثقافة والمثقفين لأن الثقافة العراقية لو بقيت على الوضع الحالي فإن هناك خطرا فادحا قادما لا محالة يهدد الثقافة العراقية الرصينة.
جريدة العدالة 17 / 7 / 2005
#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟