محمد المحسن
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8429 - 2025 / 8 / 9 - 00:14
المحور:
الادب والفن
قراءة أولى : ( الحزن السافر..والوجع الكافر)
حين أتحدث عن الومضة،أو التوقيعة،فإني أعني بحديثي..النزعة البلاغية الشعرية،وتقنية الانزياح،والإيحاء،والتكثيف اللوني،واستنطاق رموز الحياة وصورها.
وقد جنح الشعر العربي الحديث نحو القصيدة القصيرة،ونحو التكثيف والتركيز.فقد غدت القصيدة تعبيراً عن لحظة انفعالية محددة، وأضحت هذه القصيدة شديدة الشبه بفن التوقيع، لتكثيفها،وإيجازها.
وومضة الشاعر التونسي القدير محمد الهادي الجزيري،تمثل بؤرة الشعرية،ومبعث الألم الذي يعانيه،والحزن الموجع الذي يكابده-لأنها حافلة بالشحنات المنفعلة،والملتئمة بما هو جوهري وعام. ومن ثم تضفي على جماليات التشكيل الفني دفقاته الشعرية الكثيفة،فيحول الشاعر شعريته إلى خطاب اتصالي،ويثير انفعالات المتلقي، ويجعله يشارك الشاعر في فضائه الشعري حين يتفنن في حسن الاختيار،وجودة التأليف،ليفجر لغة شعرية مؤلمة،لكنها عذبة،وومضة شعرية متخمة بوجع الفراق،لكنها مدهشة.
وتبقى..الكتابة خطاب لا يمكن أن يتمرد دون وجود الآخرين.وهذا القلق المؤلم يجعل الشاعر-الجزيري-يمد يده إلى الآخرين محترقاً بالجمر،وقابضاً عليه.ومتخما بالوجع وصابرا عليه..
ولعل أهم ما يخرج به قارئ توقيعة محمد الهادي الجزيري،أنه يركز على رد فعل قارئه،ليصل به إلى مرحلة القارئ المثالي الذي يشكل جملة قراءات ناجمة عن قدرة تأويلية لديه،محاولاً إبراز الوظيفة الأسلوبية "الومضة" التي تظهر أدق تشعبات الفكر..لذلك تتأكد قيمة الصورة الشعرية في قصيدته الومضة كنوع من الاختزال الرائع..
ولكم سديد النظر..
لمْ نُفكّر ولا مرّة في الطلاقْ
باعدتْنا القوارير والنسوة العاشقاتُ..
وطوّحني الشعر نحو تخوم العراقْ
وجُننتُ .......
ولكنْ جميعُ خصوماتنا تنتهي بالعناقْ
لمْ نُفكّر ولا مرّة في الطلاقْ
فالمنافذ مغلقةٌ
اشرحي لي بربّكِ :
من أين حلَّ ..
وكيفَ تسلّل هذا الفراقْ..؟؟؟!!!
هذه الومضة التي لامست بمواجعها المبطنة،وشهقاتها الحافية،وجداني،أكدت لي بوضوح عمق التجربة الشعرية التي يتمتع بها محمد الهادي الجزيري وقدرته المذهلة في الجمع بين كثافة اللغة والصورة،والتقاط المشاهد الحياتية بفلاش أو ومضة بعمق الدلالة ومنتهى التوافق.فضلا عن براعته في إضافة الجديد للمشهد الشعري،ورسم أبجدية إبداعية تزيح الاحتباس الإبداعي وتنتشله من تحت ركام الارتهان والتقييد..
دمت بعطائك ورقيك وألقك الشعري..يا محمد..
#محمد_المحسن (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟