كريم المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 8428 - 2025 / 8 / 8 - 02:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
زيارة رئيس دولة الامارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ، الى العاصمة الروسية موسكو ، ولقاء الرئيس فلاديمير بوتين في أحدى قاعات الكريملين "يكاترينسكي" ، والتي تأتي بحسب الرئيسين لتعزيز جسور التعاون بينهما ، فقد أبدى الرئيسان رغبتهما في زيادة هذا التواصل في جميع الاتجاهات والصعد ، خصوصان وان مقومات هذا النجاح متوفرة لدى كلا الجانبين ، " والثقة المتبادلة " بينهما كفيلة في تفعيل هذه الرغبة لدى الجانبين .
الزيارة مهمة لكلا البلدين ، فالكرملين في بيانه أكد على التوافق بين مواقف روسيا والإمارات ، بشأن معظم القضايا الراهنة على الأجندة العالمية والإقليمية ، ويجري تنسيق السياسة الخارجية في إطار المنظمات الدولية بين موسكو وابو ظبي ، بما في ذلك الأمم المتحدة ومجموعة بريكس (مع الأخذ في الاعتبار انضمام الإمارات إلى المجموعة كعضو كامل العضوية في 1 يناير 2024)" ، وان الاتصالات بين البلدين "ودية" و"قائمة على الثقة".
وتستند العلاقات الروسية الإماراتية ، إلى إطار قانوني واسع ، ومن أهم الوثائق اتفاقيات التعاون التجاري والاقتصادي والتقني (1990)، والتعاون العسكري التقني (2006)، والشراكة الاستراتيجية في قطاع النفط والغاز (2010)، وتشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة (2010)، والتعاون في الاستخدام السلمي للطاقة الذرية (2012)، ومعاهدات تسليم المجرمين والمساعدة القانونية المتبادلة في المسائل الجنائية (2014) ، وفي عام 2018، وُقّع إعلان شراكة استراتيجية بين البلدين ، وفي فبراير 2025، وقّع البلدان اتفاقية بشأن إزالة الازدواج الضريبي ، في حين تتولى اللجنة الحكومية الدولية الروسية الإماراتية للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني (التي تأسست عام 1994) تنسيق التعاون الاقتصادي؛ ويعمل مجلس الأعمال الروسي الإماراتي منذ عام 2006.
المحادثات بين الرئيس بوتين والشيخ محمد ، تبادلوا خلالها وجهات النظر حول مختلف القضايا الدولية ، وبالتأكيد تم تركيز اهتمام خاص على الوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك الوضع في منطقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، حيث تؤيد موسكو وابو ظبي حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، وتدعوان باستمرار إلى حل هذا الصراع الطويل الأمد من خلال الوسائل السياسية والدبلوماسية ، على أساس قانوني دولي معترف به على نطاق واسع، والذي يفترض إنشاء دولتين لشعبين".
كما ان زيارة رئيس دولة الامارات الى موسكو ، جاءت متزامنة مع التطورات السياسية حول الملف الاوكراني ، بعد لقاء مبعوث الرئيس الامريكي مع الرئيس بوتين وما تمخض من نتائج قال عنها الرئيس الامريكي دونالد ترامب " انها مثمرة اكثر مما هو متوقع " ، وبالتالي فقد زادت التوقعات عن امكانية ان تكون الامارات مكانا لعقد أول قمة روسية امريكية بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب ، وقد سبق وان عبرت الإمارات أستعدادها لأن تكون منصةً للقاءٍ الرئيسين الامريكي والروسي ، كما وسبق وان ابدت المملكة العربية السعودية وتركيا أيضًا نفس الاستعداد ، فالأخيرة عضوٌ في حلف الناتو، وهذا يُمثل عائقًا لها، والمملكة العربية السعودية خيارٌ مُرجَّحٌ للغاية ، ولكن هذه المرة الكفة تميل الى الامارات ، على اعتبار ان البلدين السعودية وتركيا ، سبق لهما استضافت اجتماعات امريكية روسية واوكرانية .
وفي الوقت نفسه ، وعلى غرار دول أخرى في المنطقة العربية ، اتخذت الإمارات موقفًا محايدًا في الأزمة الأوكرانية، داعيةً الأطراف إلى حل النزاع بالطرق الدبلوماسية ، كما ونجحت الإمارات في لعب دور الوسيط ، وتوسطت مرارًا وتكرارًا في تبادل أسرى الحرب بين روسيا وأوكرانيا ، وبفضل مساعدتها، تبادلت موسكو وكييف حوالي 3.7 ألف شخص ، وتؤكد وزارة الخارجية الإماراتية أن أبوظبي ستواصل "جهودها لحل النزاع الأوكراني سلميًا وتخفيف آثاره الإنسانية" ، وبالتأكيد فإن هذه القضية ، قد حظيت باهتمام كبير في اجتماع بوتين والشيخ محمد ، وامكانية مناقشة تبادل وجبة جديدة الأسرى وعددًا من القضايا الإنسانية الأخرى.
ومن المعروف أن الزعيمين ناقشا في الجزء الخاص من القمة القضايا الراهنة على جدول الأعمال الدولي، بما في ذلك الوضع في الشرق الأوسط والوضع في منطقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، حيث تتوافق مواقف روسيا والإمارات العربية المتحدة في معظم القضايا: فكلا البلدين يؤيدان حل النزاع بالوسائل السياسية والدبلوماسية وإقامة دولتين مستقلتين ، ولكن لا يزال البحث عن حل لأزمة غزة ، والذي يعتبر من أهم القضايا الجوهرية التي تواجه العالم العربي اليوم ، وتهتم الإمارات بحسب إيلينا ميلكوميان، الباحثة الرائدة في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، لصحيفة إزفستيا ، بدعم خططها في الشرق الأوسط ، لذا من المهم بالنسبة لها معرفة ما يمكن لروسيا فعله لضمان تنفيذ هذه الخطط بالشكل الذي يناسب الدول العربية ، وتقر الخبيرة بأن الإمارات تختبر قدرات روسيا ، أو حتى ستحاول إقناع موسكو بممارسة المزيد من الضغط على إيران ، لدفعها إلى اتباع سياسة أكثر اعتدالًا.
وركز الرئيسان على دراسة الجوانب الرئيسية للتعاون الاقتصادي بين البلدين، بما في ذلك التفاعل في مجالات الاستثمار والصناعة والطاقة والثقافة والتعليم، مع التركيز على تنفيذ مشاريع محددة ، ووفقا للبيان، بلغ حجم التجارة المتبادلة بين روسيا والإمارات في عام 2024 نحو 9 مليارات دولار (في عام 2023 بلغ حجم هذا المؤشر 10.2 مليار دولار)" ، وارتفع حجم التبادل التجاري بين روسيا والإمارات العربية المتحدة بنسبة 80% في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، ليصل إلى 3.97 مليار دولار، ووجود نمو متزايد في التيار السياحي بين روسيا والإمارات ففي عام 2024، ارتفع عدد الرحلات التي يقوم بها الروس إلى الإمارات بنسبة 13.4% مقارنة بعام 2023، ليصل إلى 1.47 مليون سائح ، كما ارتفع عدد الإماراتيين الذين زاروا روسيا بنسبة 54% ليصل إلى 67 ألف شخص، وهو أعلى رقم بين دول الخليج العربي.
وعلى هامش محادثات الرئيسين فلاديمير بوتين ومحمد بن زايد آل نهيان ، وقعت روسيا والإمارات العربية المتحدة اتفاقيتين جديدتين للتعاون في قطاعي الاستثمار والنقل ، الوثيقة الأولى تتعلق بتجارة الخدمات والاستثمارات بين حكومتي روسيا والإمارات. ووقعها وزير التنمية الاقتصادية الروسي مكسيم ريشيتنيكوف، ووزير التجارة الخارجية الإماراتي ثاني بن أحمد الزيودي. كما وقع الطرفان على تفاهم مشترك بشأن هذه الاتفاقية ، أما الوثيقة الثانية، فهي مذكرة تفاهم بين وزارة النقل الروسية ، ووزارة الطاقة والبنية التحتية الإماراتية، ووقعها وزير النقل الروسي أندريه نيكيتين، ووزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي ، سهيل بن محمد المزروعي ، واتفق الطرفان على تطوير التعاون في مجال النقل البري.
وعموما فإن العلاقات بين موسكو وابو ظبي ، تتطور بشكل ديناميكي بما فيه الفائدة للطرفين ، وهذا التطور هو نتيجة الزيارات المتكررة التي قام بها الرئيس محمد بن زايد آل نهيان لروسيا ، ولخصوصية العلاقات بين الرئيسين ، فقد عقدا سوية 14 قمة بينهما ، وفي مناسبات عديدة ، ومنذ عام 2022، وبصفته رئيسا لدولة الإمارات العربية المتحدة ، زار الشيخ محمد بن زايد روسيا أربع مرات ، في أكتوبر 2022، ويونيو 2023، ومرتين في أكتوبر 2024 - حيث كان في موسكو في زيارة رسمية يومي 20 و21 أكتوبر، وبعد بضعة أيام زار قازان لحضور قمة "بريكس" ، بالاضافة الى تواصل الرئيسين هاتفيا بانتظام ، ففي عام 2025، تمت ثلاث محادثات هاتفية بينهما - في مارس ومايو ويونيو ، ووصف الرئيس الروسي الاتصالات مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بأنها "ودية" و"قائمة على الثقة" ، في حين أبدى الرئيس الاماراتي ، دعمه لجهود روسيا الرامية إلى بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، بما في ذلك في إطار البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون.
كما وتتمتع روسيا والإمارات العربية المتحدة بعلاقات جيدة للغاية في السنوات الأخيرة ، ففي عام 2024، انضمت الإمارات إلى مجموعة البريكس، وهذا بحد ذاته دليل على الكثير ، وبالطبع، تتعرض الإمارات العربية المتحدة لضغوط مستمرة بسبب تهديد الولايات المتحدة بفرض عقوبات ثانوية عليها. إلا أن هذه الدولة العربية لا تلين، وتواصل التفاعل الفعّال مع روسيا ، وتشير الخبيرة السياسية الدولية إيلينا سوبونينا ، إلى أن لقاء بوتين وآل نهيان قد يهدئ الموقف ويخفف من حدة تهديدات دونالد ترامب لروسيا ، خصوصا وان رئيس دولة الامارات ، قد نجحت بالفعل في لعب دور الوسيط الدولي " الموثوق " في العديد من القضايا المهمة .
وكما اشارنا ، فقد ربط العديد من المراقبين الزيارة ، التي جاءت " مصادفة " قبل يوم من انتهاء مهلة الرئيس الامريكي لروسيا ، والتي تم التحضير لها مسبقًا، وتحديد موعدها مبكرًا ، ولكن وبفضل هذه المصادفة ، يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في تهدئة الوضع إلى حد ما - ورئيس الإمارات مستعد لبذل الجهود اللازمة لتحقيق ذلك ، وبدوره أكد الرئيس الروسي ، أن لدى بلاده العديد من الأصدقاء الذين يُمكنهم المساعدة في تنظيم اللقاء بينه وبين نظيره الامريكي المرتقب ، ومن بينهم رئيس الإمارات العربية المتحدة.
#كريم_المظفر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟