جواد بولس
الحوار المتمدن-العدد: 8428 - 2025 / 8 / 8 - 02:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
السابع من اكتوبر، البداية والنهاية !
يتعاطى الاعلام الاسرائيلي، هذه الايام، أبعاد قرار بنيامين نتنياهو احتلال قطاع غزة ويتساءل حول مدى جدّيته، وكأنّ ما جرى ويجري على أرض غزة، منذ أن اجتاحها جيش الاحتلال الاسرائيلي واحرقتها نيران قذائف طياراته، لم يكن احتلالا.
لا يشغلني هذا الموضوع ولا النقاشات الدائرة حوله، فاستمرار الحرب بأشكالها السابقه أو اللاحقة، وإصرار نتنياهو على إلحاق الهزيمة بحماس، وهو يعرف ان تحقيق ذلك الهدف غير واقعي بالمطلق، يؤكد ما قيل حول هدف هذه الحرب الرئيسي وهو استمرار القتال من اجل تصفية القضية الفلسطينية، أو سحقها حتى تفقد قوامها كقضية شعب يقاتل من أجل تحرره من الاحتلال ونيله دولة مستقلة أسوة بشعوب الارض.
تحاول حكومة نتنياهو إنجاز هدفها بمخطط ثلاثي المحاور، وتستهدف في آن واحد الجبهات الفلسطينية الثلاث: تدمير غزة وتهجير أهلها أو قتلهم، وتحويلها إلى أرض يباب لا يمكن إعادة إعمارها في المستقبل المنظور.
إن تصعيد اعتداءات الجيش وكتائب المستوطنين الدموية ضد سكان الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية وضد ممتلكاتهم وأرضهم بهدف تهجيرهم أو قتلهم أو اخضاعهم كرعايا في مملكة اليهود - غير مسبوقة. والتضييق على المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل بهدف اخضاعهم، هم أيضا، كرعايا أو تهجير من لا يرضى منهم بذلك، او معاقبة العُصاة والمتمردين كما تجيز التوراة وقوانين المملكة.
يخدم تناقل الأخبار، حول وقوع خلافات بين نتنياهو وبين قائد اركان جيشه، سياسة نتنياهو وألاعيبه في صرف الابصار عما يضمره لفلسطين وللفلسطينيين؛ فالجميع يعلمون أن جيش اسرائيل لا يواجه في غزة جيشا منظما ونظاميا لحماس أو لغيرها من الفصائل كي يحاربه؛ والجميع يعلم ويشاهد كيف يقوم الجيش الاسرائيلي بتنفيذ عملياته العسكرية بحرية شبه مطلقة وتقتل قواته يوميا أعدادا كبيرة من الأبرياء وتلاحق الناجين منهم وهم يهربون من "ملجأ آمن" الى "ممر آمن" وليس عندهم منجى حقيقي آمن الا أقدارهم، وتلك الصُّدف التي حدثنا عنها "لاعب النرد".
اعتمدت حركة حماس ومؤيدو عمليتها في السابع من أكتوبر 2023 موقفا يفيد بأن المواجهة بين الفلسطينيين واسرائيل لم تبدأ في ذلك الصباح؛ ففهمت اسرائيل الرسالة واعلنت حكومتها انه اذا لم تكن تلك بداية الحرب، والقصد كان أن البداية كانت في نكبة 1948، فلتكن اذا هذه الحرب نهاية للحروب بيننا وبينكم؛ وراحت تشن حربها وسط اجواء وبيئة داعمة.
لقد استوعب نتنياهو، وهو القائد المجرب، معنى اللحظة التاريخية التي سنحت له، فاستغلها مؤمنا انها لحظة مؤاتية لتحقيق حلم الصهيونية القديم في التخلص من المسألة الفلسطينية. لكنه تخطى كل الحدود والمعايير والقيم، فانقلبت الموازين عليه، وأصبح يواجه معارضة واسعة لسياسته في العالم وداخل اسرائيل نفسها، نشاهدها في المظاهرات الكبيرة ضده.
لا يمكن الرهان على مصير حكومة نتنياهو، فالكثيرون داخل المجتمع اليهودي في إسرائيل معنيون بإسقاطها؛ لكننا يجب أن نتوقع الأسوأ وأشكالا جديدة أكثر خطورة من القمع والملاحقات والاضطهاد التي خبرناها، فماذا لدينا لنصمد ومن سيحمينا ؟
لدينا تاريخنا في مواجهة سياسات القمع والتضييق والحصار، ولدينا ارادتنا، إن تعقلنا. ولدينا مجتمع، رغم علّاته، قادر، ان أُعِدّ، على مواجهة ما تخططه هذه الحكومة؛ ولدينا المؤسسات القيادية، السياسية والمدنية. ولدينا الاحزاب والحركات السياسية التي تمثل مجموعة التيارات السياسية الفاعلة بيننا.
يمكننا تشخيص أربعة تيارات اساسية، قد يكون أوضحها هو التيار الإسلامي أو "الحالة الإسلامية"، التي على الرغم من تفرعاتها التنظيمية، لكنها تشكل في المحصلة الفضاءات الاسلامية الراهنة بيننا. يليه تيار قد يناسبه اسم "تيار العقلانية والواقعية النضالية" وهو تيار الجبهة الديمقراطية، صاحبة التاريخ الطويل في النضال ضد سياسات حكومات اسرائيل المتعاقبة. ثم التيار القومي الذي تحت خيمته ترتاح عدة أطياف تعتبر نفسها قومية. ورابعهم تيار "غير المنتمين" لجميع من سبق ذكرهم، وقد يكون هذا هو الأكثر تنوّعًا من حيث عدد الفئات وحجمها أيضا؛ ويضمّ في الأساس فئات المأزومين من الحالة السياسية، والعازفين عنها، والخائفين من بطش الحكومة والمنتفعين منها والمتأسرلين على مختلف درجات أسرلتهم.
من الطبيعي أن تحمل هذه التيارات مواقف فكرية مختلفة وحتى متناقضة نظريًا، ولكن من غير الطبيعي أن تتبوأ هذه الاختلافات صدارة العلاقات بينها، خاصة في هذه الاوقات السياسية الاستثنائية والمخيفة؛ ومن غير الطبيعي ايضا انهم، وعلى الرغم من تجاربهم معا خلال العقد الاخير، لم يعملوا على ايجاد صيغ توافقية تمكنهم، في ساعة الصفر، ان يقفوا في جبهة نضالية عريضة واحدة.
قد تكون تلك مهمة مستحيلة؛ لا سيما إذا عددنا تلك القضايا الخلافية بينهم، فإننا سنجدها تغطي مساحة الحياة برمتها. فهم مختلفون حول الموقف من تحديد المخاطر التي يواجهها مجتمعنا والاتفاق على اولويات وسبل مواجهتها؛ ومختلفون حول الموقف من إسرائيل وكيفية التعامل مع مؤسسات الحكم فيها وماهية الخطاب الذي يجب اعتماده، وكيفية العمل على تحقيقه؛ ومختلفون حول الموقف من حل القضية الفلسطينية والموقف من القيادة الفلسطينية؛ ومختلفون حول تعريف الحقوق الفردية الأساسية والموقف من المرأة وحقوقها؛ ومختلفون حول الموقف من تعريف الحلفاء والأعداء.
لن استرسل اكثر، ولكن تبقى اخطر خلافاتهم ما يضمره قادة تلك التيارات، بعضهم لبعضهم، من كراهية وتشكيك وتنافر.
لن تتسع هذه العجالة للوقوف عند جميع تلك الخلافات وتأثيرها على وحدة نضال المواطنين العرب، ونجاعته؛ لكنني سأشير الى مسألة واحدة لأهميتها في الظروف السياسية الحالية وفي ظل تنامي ظاهرة الاحتجاج ضد سياسة حكومة نتنياهو؛ فما هو موقف القيادات والمؤسسات العربية من المشاركة في هذه المظاهرات أو من العمل المشترك مع قوى يهودية وصهيونية لمواجهة خطر الفاشية وسياسات الحكومة ضدنا ؟ على الرغم من أن معظم الاحزاب والحركات السياسية أعلنت في برامجها عن ضرورة التعاون مع كافة القوى اليهودية التي تشاركنا التطلع إلى مستقبل مبني على المساواة التامة والاحترام المتبادل في دولة ديمقراطية مشتركة، وجدنا كيف بقي ذاك الكلام مجرد شعار يتيم ومنسي. اقول هذا منتقدا معظم الاحزاب المعروفة بيننا وبضمنها الجبهة الديمقراطية رائدة الدعوة الى النضال العربي اليهودي تاريخيا؛ فعلى الرغم من وضوح موقفها التاريخي، التزم معظم قادتها الصمت أو نأوا عن هذا المبدأ في المحطات الفارقة؛ لا بل سنجد أن بعضهم قد انضم الى الجوقات التي هاجمت من ينادي ويسعى لبناء شراكات يهودية عربية تؤمن بضرورة وقف الحرب على غزة وإنهاء الاحتلال ومساواة المواطنين العرب باليهود بشكل تام.
سوف يواصل نتنياهو وحكومته حربهم على غزة ولن ينجح في تحقيق هدفه، إلا أنه سيترك فيها دمارا مروّعا وآلاف الضحايا الجدد، وكذلك سيفعل في الضفة الغربية ولن ينجح في تحقيق هدفه الا انه سيزيد من مشاهد الدمار والقتل اكثر واكثر، وسيحاول، مع حكومته، ان "يغلق الحساب معنا" في اسرائيل، إلا أنه لن ينجح، أو ربما سينجح جزئيا ويضاعف معاناتنا وخسائرنا ومنها الخسائر البشرية.
بدأنا في الاسابيع الاخيرة نسمع عن حراكات حزبية متواضعة هي أقرب لعمليات جس النبض بين قيادات لا يسكن الود الصادق بينها. واخشى اننا سنشاهد ونسمع ما رأينا وسمعنا في الجولات السابقة، خاصة، اذا استمرت مؤسسات الجبهة الديمقراطية بالتنكر لمبادئها الأساسية، وحزب التجمع الوطني لا يملك "عصمته السياسية" الكاملة، إذ تَدين بعض قياداته الى من يغذيها ويوجّهها من الخارج، وإذا مضت الحركة الاسلامية على طريق بناء نموذج "المسلم الاسرائيلي"؛ وتركوا الفئة الرابعة لتفتش عن مساندها ومرابعها ومنافعها.
لا تراهنوا على خلافات نتنياهو ورئيس اركانه، ولا على الغيب ولا على جيوش انقاذ، فإنها لن تأتينا ..
#جواد_بولس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟