منال حاميش
مهندسة مدني.. باحثة بالباراسيكولوجي
(Manal Hamesh)
الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 08:22
المحور:
الطب , والعلوم
تخيّلوا لو لم يكن الزمن خطًا مستقيمًا يبدأ من الماضي ويتّجه نحو المستقبل، بل كان مجالًا ثلاثي الأبعاد مثل الطول والعرض والارتفاع. هذا ليس سيناريو خيال علمي، بل هو ما اقترحه الباحث الفيزيائي Günther Kletetschka في أوراقه العلمية المنشورة في أبريل ويونيو 2025. نظريته الثورية تقلب مفاهيمنا التقليدية عن الزمن رأسًا على عقب، وتقترح أن الزمن يمتلك ثلاثة أبعاد مستقلة، منها تُشتق الأبعاد المكانية الثلاثة، مما يُنتج كونًا سداسي الأبعاد (3 زمن + 3 مكان).
---
🧠 المفهوم الأساسي: زمن ثلاثي الأبعاد
وفقًا لنظرية Kletetschka، فإن الزمن ليس مجرد "سهم" ثابت يتجه من الماضي إلى المستقبل. بل يُمكن تخيّله كمتّجه ثلاثي الأبعاد، يتحرك في فضاء خاص به. وتمامًا كما نتحرك في الطول والعرض والارتفاع، فإن الكيانات الفيزيائية – بحسب هذا النموذج – لها "موقع" في ثلاثة محاور زمنية مستقلة.
🔷 ماذا يعني هذا؟
بدلاً من اعتبار الزمان والمكان أربعة أبعاد (3 مكانية + 1 زماني)، فإن Kletetschka يقترح أن الكون مكوّن من ستة أبعاد: 3 زمانية و3 مكانية. الأبعاد المكانية (x, y, z) تُشتق أو تتولد من الأبعاد الزمنية الثلاثة، أي أن الزمن هو الأساس الأعمق الذي يُنتج المكان. يتم تصور متجه زمني ثلاثي الأبعاد بدل المتجه الزمني الخطي المعتاد، وهذا المتجه الزمني يمر عبر "نقاط تقاطع" يُولّد فيها البُعد المكاني الموافق. وبالتالي، فإن أي كائن مادي، ليظهر في الفضاء، يجب أن يكون له موقع معيّن في الأبعاد الزمنية الثلاثة.
---
🔬 الأساس العلمي
تعتمد النظرية على خلفيات من النسبية العامة وميكانيكا الكم، وتركّز على ما يلي:
تمثيل رياضي جديد للزمن كمتجه ثلاثي الأبعاد.
كل نقطة زمكانية تنتج موضعًا مكانيًا عند تقاطع معين لأبعاد الزمن الثلاثة.
الأبعاد الزمنية قد تحمل تناظرات وانكسارات، مما يفسر الكتلة والطاقة.
---
🧪 النتائج التي تطرحها النظرية
تشير النتائج التي تطرحها النظرية إلى بنية سداسية الأبعاد للكون، حيث يُنتج الزمن المكان: ثلاث أبعاد زمنية → ثلاث أبعاد مكانية، كما أن كتلة المادة قد تكون ناتجة عن اختلال أو انحراف في توازن الزمن الثلاثي، وتظل العلاقات السببية محفوظة رغم وجود ثلاث محاور زمنية، وذلك بفضل البنية الرياضية المقترحة. ومن جهة أخرى، يمكن فهم الجاذبية كمجرد تشويه في الزمن بدلًا من الفضاء، مما يفتح الباب أمام إمكانية التوحيد بين ميكانيكا الكم والنسبية، وتقترح النظرية كذلك إمكانية اختبار واقعية من خلال تجارب مستقبلية في مجالات موجات الجاذبية والمجالات الكهرومغناطيسية غير الخطية.
---
🧭 ما الذي يجعل هذا الطرح ثوريًا؟
يعكس النموذج التقليدي تمامًا: فبدلًا من أن ينبثق الزمن من المادة أو المكان، يقترح أن المكان ينبثق من الزمن.
يعيد صياغة مفاهيم السفر عبر الزمن: إذا كان الزمن ثلاثي الأبعاد، فقد يكون المستقبل والماضي مجرد اتجاهات، ويمكن التنقل بينها نظريًا.
يتقاطع مع موضوعات غامضة مثل:
الوعي والإدراك الزمني
التشابك الكمومي
ظواهر الثقوب السوداء
المادة المظلمة (dark matter)
---
🧬 اختبار النظرية: هل يمكن التحقق منها؟
Kletetschka لا يكتفي بالفكرة الفلسفية، بل يقدّم مقترحات علمية يمكن اختبارها، مثل:
تحليل سلوك الجاذبية عند مقاييس نانوية.
دراسة انتشار الضوء عبر مواد ميتا (metamaterials) لاختبار تغيّرات غير مألوفة في الزمن.
محاكاة رياضية لظهور المكان من الزمن في نظم فيزيائية مغلقة.
---
🧠 الفلسفة الكامنة وراء الزمن الثلاثي
إذا صحّت هذه النظرية، فإن "الزمن" لم يعد تدفّقًا خطيًا من الماضي إلى المستقبل، بل فضاءً يمكن الحركة فيه... أو حتى التواجد في زواياه المختلفة. وتتحوّل "اللحظة" إلى نقطة داخل مجال ثلاثي، لا على خط أحادي.
لقد ظلّ الزمن، عبر قرون طويلة، أكثر المفاهيم مراوغة في الفكر البشري. منذ تأملات أرسطو في "الآن"، مرورًا بترميز نيوتن للزمن كإطار مطلق، وانتهاءً بثورات آينشتاين وهايزنبرغ التي كسرت هذا الإطار، كان الزمن دائمًا يقف عند حدود العلم والتجربة، والحدس والوعي. ولكن مع طرح Günther Kletetschka لفكرة الزمن ثلاثي الأبعاد، نحن لا نقف أمام مجرد تعديل طفيف على النموذج الفيزيائي، بل أمام تحوّل أنطولوجي كامل في رؤيتنا للواقع.
هذه النظرية لا تضيف أبعادًا جديدة وحسب، بل تعيد هيكلة العلاقة بين المكان والزمان، وتجعل الزمان ليس مجرد "ساحة" تمرّ فيها الأحداث، بل مصدرًا مولدًا للوجود المادي نفسه. إذا كانت الأبعاد الزمنية الثلاثة تولّد الأبعاد المكانية، فإن المكان يصبح مشتقًا من وعي زمني أعمق، تمامًا كما يُشتق الضوء من تفاعل كهربائي-مغناطيسي، لا كمادة مستقلة، بل كنتيجة لتفاعلات أعقد.
من زاوية فلسفية، فإن هذه الفكرة تعيد إحياء مفاهيم كانت تُعدّ شبه روحية أو صوفية، مثل وحدة الوجود الزمانية، و"الخارج عن الزمن"، و"تعددية الأكوان المترتبة على حركة في الزمن لا المكان". وهي تقترح ضمنيًا أن وعينا بالزمن خطيّ لأن أدوات إدراكنا محدودة، وليس لأن الزمن ذاته خطي. نحن نعيش في مقطع واحد فقط من المجال الزمني، ككائنات مسطّحة في كون سداسي الأبعاد.
أما من الناحية العلمية، فإن إدخال أبعاد زمنية جديدة يمكن أن يُسهم في حل مشكلات عميقة، مثل التناقض بين النسبية وميكانيكا الكم، أو تفسير الجاذبية في سياقات غير مألوفة، أو حتى تطوير نماذج جديدة لفهم المادة المظلمة والطاقة المظلمة. كما أن اعتبار الكتلة نفسها نتيجة انحراف في متجه الزمن يفتح أبوابًا لفهم الجوهر المادي من زاوية غير مادية، بل زمنية محضة.
لكن يبقى السؤال الجوهري: هل يمكن اختبار هذه الفرضية؟
إذا لم تُترجم إلى تجربة يمكن التحقق منها، فستظلّ نظرية ميتافيزيائية علمية، جميلة في منطقها ولكن غير قابلة للدحض. غير أن Kletetschka يقدّم بالفعل خيوطًا عملية لاختبارها، ما يُبقي الباب مفتوحًا أمام مستقبل قد يعيد تعريف المفاهيم الأكثر بداهة لدينا: الزمن، السببية، والوجود.
في النهاية، السؤال عن الزمن ليس مجرد سؤال فيزيائي، بل سؤال عننا نحن: كيف نوجد، وأين نوجد، ولماذا نختبر الوجود بهذا الشكل؟ وإذا كان الزمن ثلاثي الأبعاد، فنحن لا نعيش في خطّ، بل في مجال... مجال قد يكون بإمكاننا التمدد فيه، السفر عبره، أو ربما إعادة تشكيل أنفسنا داخله.
ربما لم يكن الزمن يومًا ما نعتقده، وربما، فقط ربما، لم نبدأ بعد في إدراك الزمن الحقيقي.
#منال_حاميش (هاشتاغ)
Manal_Hamesh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟