مفارقة الجد/بين هوكينغ و الفلاسفة /

منال حاميش
مهندسة مدني.. باحثة بالباراسيكولوجي
(Manal Hamesh)

الحوار المتمدن-العدد: 8426 - 2025 / 8 / 6 - 07:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

مفارقة الجد: بين ستيفن هوكينغ والفلاسفة – حوار بين العلم والفلسفة

تمهيد

منذ أن بدأ الإنسان يتأمل في الزمن، لم يفارقه سؤال محيّر: هل يمكن العودة إلى الماضي؟ وإن أمكن، فماذا يحدث إن غيرنا شيئًا ما؟ كأن نمنع أنفسنا من الولادة؟
هذا هو جوهر ما يُعرف بـ "مفارقة الجد" – وهي واحدة من أشهر المعضلات في الحديث عن السفر عبر الزمن. لكن بينما يتعامل الخيال العلمي مع هذه الفكرة بحرية، فإن الفيزيائيين والفلاسفة يحاولون مواجهتها بالمنطق والعقل.

أولًا: مفارقة الجد بلسان ستيفن هوكينغ

"حتى لو كانت معادلات الزمكان تسمح بعودة إلى الماضي، فإن المنطق قد لا يسمح بذلك."
– ستيفن هوكينغ، تاريخ موجز للزمن

يطرح هوكينغ مفارقة الجد كمثال كلاسيكي على المشاكل المنطقية التي تظهر عند الحديث عن السفر إلى الماضي. تخيّل أن شخصًا يسافر عبر الزمن إلى الوراء، ويقتل جده قبل أن يُنجب والده، فهل سيوجد هو أصلًا ليعود ويقتل جده؟ هذه هي المفارقة.

النقاش العلمي عند هوكينغ

من خلال نظرية النسبية العامة ونظريات الكم، ناقش هوكينغ إمكانيات السفر عبر الزمن، خاصة من خلال:

الثقوب الدودية: "أنفاق" في نسيج الزمكان قد تختصر المسافات أو حتى الأزمنة.

الدوائر الزمنية المغلقة: مسارات نظرية في الفضاء-زمن يمكن أن تعيدك لنقطة زمنية سابقة.


لكن بالرغم من أن هذه المسارات مسموح بها رياضيًا، فإن هوكينغ لم يكن مقتنعًا بإمكانية تحقيقها في الواقع.

مبدأ الحماية الكونية للتسلسل الزمني

ولحل مفارقة الجد، قدّم هوكينغ ما سمّاه:

"مبدأ الحماية الكونية للتسلسل الزمني"

ويقول فيه إن:

الطبيعة تضع حدودًا تمنع السفر إلى الماضي.

حتى لو وُجدت ثقوب دودية، فإن الاضطرابات الكمومية ستؤدي إلى تدمير هذه المسارات بمجرد أن تُستخدم للسفر عبر الزمن، وكأن الكون "يرفض" المفارقة.


هل ينكر هوكينغ إمكانية السفر عبر الزمن؟

لا، بل كان منفتحًا على فكرة السفر إلى المستقبل، والتي تسمح بها النسبية الخاصة. أما العودة إلى الماضي، فكان يتعامل معها بحذر شديد، مفضّلًا الثقة بالعلم والمنطق على الحسابات النظرية البحتة.

ثانيًا: مفارقة الجد في الفكر الفلسفي – بين ديفيد لويس ونيتشه

ديفيد لويس – الفيلسوف الذي أحب السفر عبر الزمن

في مقاله الشهير "The Paradoxes of Time Travel"، طرح الفيلسوف التحليلي ديفيد لويس رؤية دقيقة:

"نعم، يمكن السفر إلى الماضي، ولكن فقط إن لم تغيّر الماضي."

لويس يميّز بين:

الإمكان المنطقي للسفر إلى الماضي

واستحالة تغيير الأحداث التي جرت فعلًا


بمعنى: إذا عدت إلى الماضي، فأنت كنت هناك دومًا. وبالتالي، إن حاولت قتل جدك، فستفشل دائمًا. لأنك جزء من التاريخ، لا مغير له.

فريدريك نيتشه – العود الأبدي

الفيلسوف نيتشه لم يتحدث عن السفر عبر الزمن صراحة، لكنه طرح مفهومًا قويًا قد يُعتبر معالجة فلسفية للمفارقة:

"العود الأبدي": الفكرة أن كل ما يحدث، سيحدث مرة أخرى، إلى الأبد، بنفس التفاصيل.

نيتشه، بطريقة رمزية، يرفض التغيير الكوني، ويعزز فكرة حتمية الحدث، وهي فكرة تُعزز عدم إمكان تغيير الماضي – تمامًا كما يقول هوكينغ.

خاتمة تحليلية: مفارقة الجد كمرآة لفهم الزمن والوعي

مفارقة الجد ليست مجرد سؤال علمي، بل سؤال عن طبيعة الوجود نفسه.

في منظور ستيفن هوكينغ، المفارقة تمثل جدارًا منيعًا في وجه اللاعقلانية. هو لا يرفض فكرة السفر إلى الماضي لأنها غير ممكنة رياضيًا، بل لأنها تهدد اتساق قوانين الكون.
أما لويس، فيقبل بها تحت شرط واحد: ألا تحاول اللعب بتاريخٍ كُتب بالفعل.
ونيشته، بروحه المتحدية، يذكّرنا بأن الواقع لا يتغير، بل يتكرر، ولعلنا نحن الذين نرفض حتميته لأننا نحب وهم "الإرادة الحرة".

خلاصة شخصية

لو طُلب مني أن أختار، فأنا أقف بين هوكينغ ونيتشه.
أؤمن كما آمن هوكينغ بأن الزمن ليس بابًا نعود من خلاله كما نشاء.
وأعتقد كما رأى نيتشه أن محاولاتنا لتغيير الماضي هي في العمق تمرد على الحتمية.

لكنني أضيف بعدًا إنسانيًا:

مفارقة الجد، في جوهرها، ليست حول القتل ولا الجد، بل عن السؤال الأخلاقي العميق: هل يجب أن نكون قادرين على تغيير ما كنا عليه؟

والجواب الأصدق قد لا يكون علميًا أو فلسفيًا، بل وجوديًا:
نحن لا نحتاج إلى قتل جدّنا، بل إلى فهمه... وربما هذا هو المعنى الحقيقي للسفر عبر الزمن.

#منال_حاميش (هاشتاغ)       Manal_Hamesh#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل