أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - امال قرامي - بكاء الرجال














المزيد.....

بكاء الرجال


امال قرامي

الحوار المتمدن-العدد: 8425 - 2025 / 8 / 5 - 09:58
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



يصنّف المجتمع الأهواء (كالغضب والغيرة والرغبة في الانتقام وغيرها من الأحاسيس) وأشكال التعبير عن المشاعر حسب الجنس ويجعلها متلائمة مع النظام الثنائي المتضاد: رجل/امرأة، أنثى/ذكر، فوق/تحت، عقل/عاطفة... ويسهر المشرفون/ات على التنشئة الاجتماعية على أن يمتثل كلّ فرد للتوقعات الجندرية. فيغدو بكاء النساء مقبولًا اجتماعيًا لأنّه يُجوهر الاختلاف بين الجنسين، ويبرهن، في الوقت ذاته، على ضعف المرأة وعدم قدرتها على التحكّم في انفعالاتها.

وفي المقابل يُمنع الصبيّ من التعبير عن المشاعر الدالة على الخوف أو العجز أو الانكسار وغيرها من الصفات التي تنسبها الثقافة للنساء، فيقال له: لا تبكِ فأنت رجل ، لا تبكِ فإنّ بكاء الرجال الصناديد عار وشنار . ولذا يواجه كلّ مخالف بعقوبة الوصم فيعيّر بأنّه "امرأة" ما دامت المرأة في التصوّر الجمعيّ أقلّ قيمة من الرجل.

ويتعيّن على كلّ من أراد أن يثبت رجولته أن يعرف متى يبكي وأين؟ وأن يُحكم كبت رغبته في البكاء إذ لا يجوز للرجل أن ينتحب أمام الآخرين أو أن يرثي امرأة أو يعبّر عن ألم الفقد في العلن بل إنّ عليه أن يظهر قدرته على التحمّل وضبط النفس وعقلنة الحدث حتى يحافظ على مكانته بين الرجال.

وهكذا تتأسّس الفروق بين الجنسين: فالمرأة تبكي متى شاءت وفي أيّ مكان أمّا الرجل فإنّ عليه أن يتوارى عن عيون الناس ويتّخذ مكانًا قصيًّا للتنفيس عن مشاعره، وحبّذا لو أجهش بالبكاء ليلًا إذ الليل ستّار العيوب".

ثمة فئة من الرجال تصالحوا مع ذواتهم وعبّروا عن مشاعر النصر والفرح والقهر والأسى بكلّ حرّية

ولمّا كان الجندر بناءً اجتماعيّا مرتبطًا بمختلف السياقات وخاضعًا للتحوّلات فإنّ طرائق التعبير عن المشاعر والرغبات قد تغيّرت فصارت فئة من النساء أكثر قدرة على التحكّم في الرغبة في البكاء حتى يتماهين مع المعايير الذكورية السائدة في أماكن العلم والعمل، وأدركت أخريات أنّ إثبات الذات لا يكون باستجداء العطف وذرف الدموع بل بالكدّ واكتساب المعرفة والمهارات.


وفي السياق نفسه انتبهت فئة من الرجال إلى أنّ البكاء تفاعلات كيميائية تأتي استجابة لحاجة نفسية وهو مفيد للصحّة فتصالحوا مع ذواتهم وعبّروا عن مشاعر النصر والفرح والقهر والأسى بكلّ حرّية فانهمرت دموعهم مدرارا أمام النساء وفي الفضاء العامّ.

وتعلّم رهط من رجال السياسة فوائد الشكوى وذرف الدموع فأتقنوا البكاء على الركح وتمكّنوا من التأثير في الجمهور فجعلوه يتعاطف ويتضامن معهم. كما أنّهم استعملوا البكاء لضرب الخصوم وكسب أصوات الناخبين أو الإفلات من المساءلة والمحاسبة. فكان بكاء السياسيين أو من هم في مواقع صنع القرار واستحواذهم على الصفات التي تُنسب إلى النساء وتوظيفها في مجالات مختلفة (كإدارة الأعمال)، في الغالب، وظيفيّا. وهم لا يرون أنّ هذا الأمر يقلّل من شأنهم ماداموا يعرفون متى يستوعبون الصفات الأنثويّة ومتى يتخلّصون منها بدعوى أنّها مُشينة.

تعلّم رهط من رجال السياسة فوائد الشكوى وذرف الدموع فأتقنوا البكاء على الركح وتمكّنوا من التأثير في الجمهور

ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى ممارسي الهيمنة الذكورية فهم يوظفون البكاء لمواجهة النسويات. فيكون البكاء، في مثل هذه الحالة، استراتيجيًا لسحب البساط من تحت الحركة النسوية المؤثرة. ويكشف هذا السلوك عن مدى تمكّن الحركات النسوية من إرباك فئةٍ من الرجال إلى درجة أنّ هؤلاء باتوا يتوخّون طرقًا مختلفة للمواجهة والدفاع عن امتيازاتهم وتمركزهم الذكوري. وكلّما مارست النسويات الضغط بحث هؤلاء عن أدوات جديدة للمقاومة الذكورية.

يختلف البكاء من فئةٍ إلى أخرى ويساهم في إرساء التراتبيات بين الجنسين من جهةٍ، وبين الرجال من جهةٍ أخرى، إذ ثمّة اختلاف بين بكاء الفحول وبكاء المخنّثين والمثليين... ويسيّج البكاء بمحدّدات الجندر والسنّ والطبقة والعرق والإعاقة والمستوى الثقافي... فتتنوّع التجارب وتصنّف. فيكون بكاء التوّابين تطهيرًا للنفوس وطلبًا للمغفرة، ويكون بكاء الرجال المعادين للنسويات استراتيجية لكسب فئةٍ من النساء اللواتي يعسر عليهم التوصّل إليهنّ والحصول على أصواتهنّ ومساندتهن إن أفصحوا عن كرههم للنساء، ويكون بكاء من تبطش بهم/هنّ النيوليبرالية المتقاطعة مع البطريكية بكاء من عاش القهر وتحكّمت فيه مختلف بنى الهيمنة فأذلّته، ويكون نحيب من احتّلت أوطانهم وقتل أهلهم ونحر أطفالهم ودكّت مستشفياتهم ومدارسهم وبيوتهم وأبيدوا وهجّروا أمام أنظار العالم آخر صوت يسمع قبيل الاستشهاد.



#امال_قرامي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النساء والترفيه وثقافة التسلية
- امرأة بمائة/بألف رجل: ما وراء الثناء؟
- أهالي السجناء السياسيين وسياسات امتلاك الصوت
- نساء البهجة
- صمتُ النسويّة البيضاء المؤيّدة للاستعمار على إبادة الفلسطيني ...
- التحولات الهادئة واللامرئية : من النشطاء إلى الفاعلين العادي ...
- كيف تتحوّل النساء إلى أشياء؟
- تشكّلُ خطابات جديدة حول الأمومة
- الرجل لا يعيبه شيء!
- من الأدوار الجندرية إلى التشاركية.. هل ينجح الرجال؟
- اعتذار للفلسطينيات ....وهل ينفع الاعتذار؟
- النار في جسدهAaron Bushnellإضرام في التعاطي الإعلامي الأمريك ...
- المتقاعدون يحتجّون: -الحماية والرعاية من البداية للنهاية-
- المؤسسات الجامعية وإبادة الفلسطينيين
- موقع التونسيات في مسار الانتخابات 2023/2024
- الحرب على غزّة والمنعرج الجديد
- جنوب أفريقيا ودرس في إيطيقا المرافعة
- بعض من الأسئلة التي أثارتها حرب الإبادة على غزّة
- نداء إلى الحركات النسوية: -حياة الفلسطينيات مهمّة-
- المجتمع المدني والتعديل الذاتي


المزيد.....




- واشنطن تقيد تأشيرات النساء المتحولات جنسيا المشاركات في الري ...
- أشرف حكيمي.. المدعي العام يطالب بإحالته للمحكمة الجنائية الف ...
- حملة اعتقالات موسعة ضد مشاهير تيك توك في مصر بسبب محتوى -مسي ...
- أرحام جائعة وأجنة مهددة بالموت.. كارثة إنسانية تضرب النساء و ...
- شاهد/حضور امرأة في استقبال بزشكيان في باكستان يثير تفاعلًا و ...
- أرحام جائعة وأجنة مهددة بالموت.. كارثة إنسانية تضرب النساء و ...
- عدد النساء من أصول أجنبية في المناصب القيادية قليل
- حياكة السجاد المزيّن بالنقوش طريقة النساء الايلاميات لحفظ ال ...
- القبض على امرأة نيوزيلندية بعد العثور على طفلة في حقيبة سفر ...
- محامية المغربي حكيمي واثقة من براءته من تهمة الاغتصاب


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - امال قرامي - بكاء الرجال