أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صابرين ستار جبار - الرابطة الإبراهيمية ودورها في خدمة الكيان الصهيوني















المزيد.....



الرابطة الإبراهيمية ودورها في خدمة الكيان الصهيوني


صابرين ستار جبار

الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 00:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الرابطة الإبراهيمية ودورها في خدمة
الكيان الصهيوني
د. صابرين ستار جبار
شهد تاريخ الفكر السياسي نقاشات فكرية وصراعات واسعة بين فكرتي الدين والدولة، فمنذ التنظيم الاول لشكل الدولة ووضع حدودها وأساسسها كان هذا التداخل والصراع قائم وهذا مادلت عليه الكثير من الوثائق في الحضارات البابلية واليونانية والرومانية وغيرها من الحضارات الأخرى وما دلت عليها الصراعات الدينية بين سلطة البابا والملك في القرون الوسطى الاوروبية، وما بعدها من عصر النهضة والانفتاح ومن ثم الدخول في فترة الحداثة وما بعد الحداثة جل افكارهم وصراعهم كان يدور ما بين تحديد صلاحيات رجال الدين وصلاحيات الملك، إذ تراوحت هذه الصلاحيات بين التداخل والتحجيم، وان هذا الصراع لم يضع حداً فاصلاً له إلا ما ندر، فلغاية أيامنا لايزال التداخل قائماً وان اختلفت الاساليب والسياقات لهذا التداخل، إذ نجد هنالك التوظيف الكثير للدين في مجال السياسة والعكس صحيح.
من هذا المنطلق جاءت فكرة توحيد الديانات الإبراهيمية في إطار مسميات عدة منها الأخوة الدينية أو الأخوة الإنسانية أو السلام العالمي، وهي ما تمثل التوظيف السياسي للدين خير توظيف، إذ أن النظر إلى هذه الفكرة في الوهلة الأولى يرى أنها أقرب ما تكون لفكرة التكامل والاندماج في الشق الحضاري والديني.
وبناءً على ما تقدم نحاول في هذه الورقة توضيح مجموعة من الأسئلة الدائرة حول مفهوم الرابطة الإبراهيمية؟ واستخدامتها السياسية؟ والاطراف الداعمة لها؟ ومن هو القائم عليها؟ وما خطورتها؟ وكيف ينبغي التعامل معها كمشروع يستهدف الأمة والمنطقة العربية والإسلامية؟.

أولاً: الإبراهيمية الأهداف السياسية وآليات التجسيد
بدأ الحديث عنها في القرن التاسع عشر تحت مسمى "الميثاق الإبراهيمي" (the Abrahamic Covenant) الذي يجمع بين المؤمنين في الغرب، ثم رسخه "لويس ماسينيون" في الخمسينيات من القرن العشرين، في مقالة نشرها عام 1949 تحت عنوان "الصلوات الثلاث لإبراهيم، أب كل المؤمنين"، ثم تحولت "الديانات الإبراهيمية" إلى حقل دراسات مستقلة بنفسها.
ومنذ مطلع الخمسينات من القرن الماضي انطلقت دعوات للحوار مع المسلمين من جانب الكنائس البروتستانتية، ومن جانب مفكرين كاثوليك ومستشرقين، وما كانت دوافع الكنائس البروتستانتية منفتحة على مقولة الإيمان المشترك وحسب؛ بل كانت لها دوافع سياسية، وتحالف تلك الكنائس الوطنية مع بلدانها في عمليات الصراع والصدام السياسي، وخاصة تلك الصدامات الموجودة ضمن عالم الإسلام وفي منطقة الشرق الأوسط، ولذلك فقد انعقدت منتديات الحوار الأولى في لبنان وباكستان بوصفها آنذاك من حلفاء الولايات المتحد، وحدثت فيها جدالات سياسية وقومية بغطاء ديني مثل قضية فلسطين، وقضية كشمير ومسائل تصفية الاستعمار، ومن هنا انطلق التركيز من طرف العلماء المسلمين على الاشتراك في الإيمان بالإله الواحد في الأديان الثلاث، والدوافع الأخلاقية الكبرى في السلام والعدالة، وفي هذه الأجواء الحوارية عادت الأطروحة الإبراهيمية للبروز من جانب مفكرين ومستشرقين كاثوليك، حتى إن مجمع الڤاتيكان الثاني 1962-1965 الذي أصدر وثائق في الاعتراف وفي التشارك الإبراهيمي مع اليهودية والإسلام، تحولت هذه الدعوات الفردية إلى عمل جماعي بحيث اتجهت المؤسسة الكنسية الكاثوليكيّة، وبعض المؤسسات الكنسية البروتستانتية للتحاور، ومن هنا انطلق ما يسمى بالتعاون مع الدول الإسلامية، والمؤسسات الدينية الإسلامية لأجل دفع فكرة الإبراهيمية نحو الأمام ونحو جعل شعوب هذه الدول تتقبل هذه الفكرة في أوساطها التربوية والعلمية.
لقد مضى على هذه المساعي والمسارات ما يزيد عن الستين عاماً، وصدرت مجلدات ضخمة تتضمن البيانات والإعلانات المشتركة وصارت الأطروحة الإبراهيمية سائدةً في أكثر الخلفيات والمناقشات وصار للحوار أنصاره والعاملون عليه من الكاثوليك والبروتستانت على مضى من الإبراهيمية إلى ما وراءها أو إلى أعماقها؛ لأنه في أطروحته العامة أدخل الديانات الآسيوية أيضا. والأطروحة تقول: "لا سلام في العالم إلا بالسلام بين الأديان. ولا سلام بين الأديان إلا بوجود أخلاقٍ عالميةٍ تتضمنها تلك الأديان" وتملك الديانات الإبراهيمية تكليفاً خاصاً في هذا السياق، وذلك بسبب كثرة معتنقيها من جهة، وأنها تمتلك بالفعل قيم إيمان مشتركة، ومنظومة أخلاقية كبرى ومشتركة، وكما أصدر هانز كينغ قرابة المؤلفات العشرة بعد وثيقته في الأخلاق العالمية للأديان1991، فإنّ لاهوتيين كباراً مسيحيين وغير مسيحيين أقبلوا بعد كينغ على تأمل الإسلام بعيونٍ جديدة.
ويعود استخدام مصطلح "المشترك الإبراهيمي" و"السلام الإبراهيمي" لأول مرة، إلى دراسة نشرها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في عام 1985 في كتاب حمل عنوان "دم أبراهام".
كما تقف وراء "الديانة الإبراهيمية الجديدة" مراكز بحثية ضخمة وغامضة، انتشرت مؤخراً في ربوع العالم وأطلقت على نفسها اسم "مراكز الدبلوماسية الروحية"، ويعمل على تمويل تلك المراكز أكبر وأهم الجهاتِ العالمية، مثل: الاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والولايات المتحدة الأميركية.
هذا وقد شكل إعلان الرئيس الأمريكي السابق دولاند ترامب في أكتوبر 2020، عن الدبلوماسية الدينية من خلال تطبيع العلاقات مع إسرائيل أو ما أسموه بالاتفاق التاريخي بين الإمارات العربية والمتحدة والبحرين وإسرائيل حول "اتفاق ابراهم"، حيث يسعى الاتفاق إلى معالجة دينية للصراع القائم في الشرق الأوسط تحت لواء ما أسموه بالدين الإبراهيمي، وهو ما يمثل بشكل مباشر روح الاستخدام السياسي للمواضيع الدينية أي تحقيق الأهداف والمصالح السياسية عبر الأطروحات الدينية، وهي إستراتيجية قديمة تاريخياً تطرح بأساليب جديدة، وذلك لما للدين من تأثر بليغ في حياة شعوب منطقة الشرق الأوسط، بلغة أخرى هذه الاستخدام السياسي لفكرة الإبراهيمية يمكن من تحقيق الأهداف المرجوة بأقل تكلفة ممكنة دون الاضطرار إلى خوض الحروب العسكرية التي تعتبر ذات نتائج عكسية في كثير من الأحيان، وان هذا الطرح المقدم في أعلاه يدعونا للتساؤل عن مالمقصود بالدين الإبراهيمي؟
ثانياً:الدين الإبراهيمي
يهدف المشروع إلى صهر الأديان في دين رسمي جديد يسمى "الدين الإبراهيمي" ويتم فيه انتقاء تعليمات من الكتب السماوية (القرآن الكريم – الإنجيل –التوراة) تتعلق بالأخلاق والسلوك ويستبعد كل ما له علاقة بالتشريعات والأحكام بمعنى إلغاء الشريعة وأحكام الله تعالى وحدوده، وقد بدأت بعض المدارس الدولية برفع مادة الدين ووضعت مكانها مادة الأخلاق.
والخاسر في هذا المشروع هو الإسلام لأن اليهود والمسيحيين لا يعتمدون تعاليم التوراة والإنجيل في قوانينهم ودساتيرهم باعتبارها دولاً وأنظمة علمانية، بينما الإسلام يعتمد على القرآن الكريم كمصدر للتشريع، وعليه سيتم وفق هذا المشروع انتقاء الآيات والسور التي تتحدث عن الأخلاق والقيم والمثل ويتم تنحية ما يتعلق بالتشريع أو الجهاد أو ما يكشف حقيقة اليهود والنصارى (أهل الكتاب) باعتبارها تحث على الكراهية كما يزعمون.
وكما يقول أحد الباحثين "هي بوتقة لصهر الأديان السماوية الثلاثة، الإسلام واليهودية والمسيحية، لينتج عنها ديانة جديدة يدعو إليها بنو صهيون، يزعمون أنه من خلالها يعم السلام، والأخوة الإنسانية، والمشترك الديني، وذلك من خلال جمع نقاط الاشتراك بين الديانات الثلاث، وتنحية النقاط المختلف فيها جانباً".
وهذا هو نهج التلبيسِ والخلط بين الحق والباطل، بتقديم الإسلام واليهودية والمسيحية على قدم المساواة بحيث يطلب من المسلمين الاعتراف بأن جميعها أديان، وأنها توصل إلى الله تعالى وبذلك لا ينكر على أحد إن اتبع اليهودية أو المسيحية، وبعد الاعتراف بمساواة الإسلام باليهودية والمسيحية يتم التخلص من الإسلام بحجة أن الإسلام يعترف باليهودية والمسيحية، والمسيحية تعترف باليهودية، واليهودية لا تعترف بأحد وعليه تكون اليهودية هي المشترك الذي يجب أن يعترف به من الجميع.
من جهة أخرى مناقضة تماماً يسعى المشروع إلى تعزيز الإلحاد والدعوة إليه ونشر الأسئلة المشككة والمحيرة بين أوساط الشباب غير المتعلمين وقاصري الوعي الديني وغير المحصنين، إذ لا يشترط "الدين الإبراهيمي" المزعوم على معتنقيه أن يكونوا أصحاب دين، بل قد يقبل فيه اللادينيون، "فالدين الإبراهيمي" دين عالمي والمواطنة فيه عالمية، فيدخل فيه المسلم واليهودي والمسيحي والملحد وغيرهم.
ومما يثير الحيرة هو جمع هذا المشروع بين المتناقضات فمن المعلوم أن الدول الغربية تدعي العلمانية وتتخذها منهجاً في العلاقة بين الدين والدولة، ولا تعتمد الدين لحل النزاعات السياسية بين الدول، بل وتحاول استبعاد أي وصف للنزاعات بأنها نزاعات دينية، وفي هذا المشروع نجد العكس فالعنوان ديني" والنزاعات دينية والدبلوماسية روحية، والسلام يعم بفضل الدين، بعد أن كان الدين سبب شقاء المجتمعات كما يدعون". ومن جانب آخر يظهر المشروع داعياً إلى "دين" جديد بينما مبادئه وآلياته تسمح باللا ديني والملحد وأتباع ما تسمى بالديانات غير السماوية بل وتعمل أجنحة خفية من المشروع على نشر الإلحاد والترويج له.
هذا وان هذا الدين لا يخلو من وجود صلاة له لذا نتسأل عن ماهية صلاة الدين الإبراهيمي وهو ما يتم تناوله في النقطة التالية.
ثالثاً: الصلاة الإبراهيمية
يهدف "المشروع الإبراهيمي" إلى اختزال الصلوات في "صلاة إبراهيمية" واحدة وقد بدأ تطبيقها في الإمارات وسميت "صلاة الخميس" حيث خصصت الإمارات مسجداً وكنيسة وكنيساً في مكان واحد وسمته "البيت الإبراهيمي" لتقام فيه صلاة الخميس وكان البداية بإقامة صلاة تحت عنوان "ليوفق الله البشرية لمواجهة كورونا" وقد انتقدها شيخ الأزهر بقوة في مؤتمر بكازاخستان.
وفي شهر مارس 2021، وفي زيارته إلى المنطقة العربية، وفي العراق تحديداً، قام بابا الفاتيكان بأداء ما زعموها "صلاة أبناء إبراهيم"، مع ممثلين عن اليهود والمسلمين، وبحسب ما تناقلته وسائل الإعلام فقد أجرى البابا فرنسيس في مدينة أور عقب وصوله بلحظات إلى المدينة التاريخية، صلاة موحدة "للأديان الابراهيميةِ الثلاثة" وبحضورِ ممثلي الأديان.
ومثل هذا الدين الإبراهيمي وصلاته ورابطته لا يخلو من أهدافاً يطمح لها وهي تنقسم في شقين أهدافاً علنية يتم من خلالها أقناع الناس بان هذه الرابطة في خدمة الإنسانية جمعاء، وأهدافاً أخرى خفية وتمثل غاية وصلب الرابطة الإبراهيمية وهدفها الأساس هو خدمة اليهود وكيانهم، وتتمثل هذه الأهداف بما يلي:-
رابعاً: الأهداف العملية للرابطة للإبراهيمية
1- الأهداف العلنية:
تعتبر الإبراهيمية دلالة على جمع الأديان السماوية الثلاثة تحت دين واحد، أي جمع الإسلام واليهودية والمسيحية تحت لواء واحد، وحسب هذا الطرح فإن النتيجة هي تحقيق السعادة والسلام والأمن العالميين تحت غطاء إنساني مشترك، وبعبارة أخرى الاحتفاظ بنقاط التشارك في الأديان الثلاث ونبذ كل نقاط الخلاف والاختلاف بينها، ومن هذا المنطلق يرى جيمس روزينو أن مستقبل العالم سيركز على السلام العالمي، الذي لا يمكن تحقيقه في ظل الخلافات الدينية والعقائدية، في الديانات المتناقضة فكرياً وتاريخياً -مع ذلك الكم الهائل من الحروب والصراعات التاريخية- وحتى حضارياً، وهذا يعتبر مدخلاً جديداً بحسبه لحل النزاعات في العلاقات الدولية، وكطرح بديل عن نظرية صدام الحضارات لصاموئيل هنتغتون ونظرية نهاية التاريخ لفوكوياما، ظهرت مفاهيم توحيد الديانات الإبراهيمية وكلها مفاهيم تصب في صميم المفاهيم الجديدة في العلاقات الدولية يسودها التسامح والسلام العالمي، ويمكن أن تختصر النقاط الأساسية للديانات الإبراهيمية فيما يلي:-
1-نبي الله إبراهيم عليه السلام له محورية القدسية والقبول وهو بمثابة العامل المشترك بين الأديان الثلاث.
2- تلاقي ممثلين من شخصيات مؤثرة ومعروفة في المجالات السياسية والدبلوماسية والدينية من الأديان الثلاث (المسيحية، الإسلام، اليهودية) للنقاش لأجل وضع ميثاق مشترك بمثابة الدين الموحد في قدسيته.
3- الاعتماد على دبلوماسية المسار الثاني، وعلى ما أصبح يسمى بالدبلوماسية الروحية، لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، والسعي لحل المشكلات العالقة بشكل يرضى كل الأطراف والجهات، لأجل إنهاء الخلافات الحاصلة في مختلف مناطق العالم.
4- صهر الأديان الثلاثة في دين واحد هو الدين الإبراهيمي الجديد لحل الصراع .
5- تحفيز التنمية الاجتماعية، والنمو الاقتصادي، والسياحي لتلك المناطق والبلدان.
6- الكشف عن الآثار التاريخية الخاصة بالنبي إبراهيم في تلك المناطق.
7- التواصل والإلتقاء بين الناس من الشرق الأوسط وكافة دول العالم.
8- إقامة مناسك حج مشتركة بين الأديان الثلاثة تحت مسمى الأديان.
9- الاقتراب أكثر من القيادات الصوفية التي تعتبر الأكثر قرباً من ناحية الفكر للتعامل مع الإبراهيمية واستغلالها كبوتقة تساهم في جذب المريدين وتسهيل إقناع المسلمين من الداخل.
10- التشجيع على إعادة قراءة الديانات السماوية وفق مناهج علمية جديدة مع التشجيع أكثر على البحث في سبل تقبل الإبراهيمية وإعطائها الصبغة العلمية والمصوغ الشرعي.
ويعتمد ترسيخ فكرة الإبراهيمية على قادة روحيين يعتبرون بمثابة الأدوات المهمة لنشر هذا المفهوم وجذب الناس من الأديان الثلاث وإقناعهم بجدوى نشر هذا الطرح في مجتمعاتهم عبر مختلف القنوات والوسائل الاتصالية.
هذا علاوة على أن نشر ما يسمى بالقيم المشتركة وتوحيد وجهات النظر الدينية تحت لواء الإبراهيمية بشكل فعال يستوجب معه إيصال هذه الأفكار للأجيال الصاعدة، من خلال تلبية تلك الدعاوي الرامية إلى ترسيخ هذا المفهوم في المناهج التربوية لهذه الأجيال مع تدريسهم لليهودية والمسيحية كمقررات دراسية إجبارية وهذا يرافقه بطبيعة الحال السعي لحذف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تعلن صراحة خطر اليهود والنصارى على الإسلام والمسلمين، لذلك تم وصف هذه المساعي على أنها مساعي سياسية بحتة، في سياق استخدام القوة الناعمة لأجل بسط الهيمنة والنفوذ على ما تبقى من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك تدعيماً لسياسيات التطبيع بين الحكومات السياسية ونقلها لأن يصبح التطبيع محل رضا شعبي.
2- الاهداف الخفية:
هنالك اهداف حقيقية تخفيها الإبراهيمية تحت ستار طرق ومسارات الحج الإبراهيمي وهي مايلي:
1 - إلغاء المواطنة للشعوب في تلك الدول المستهدفة في المبادرة، وإحلال فكرة المواطن والمواطنة العالمية.
2- إلغاء فكرة المدن المقدسة، وهدم المقدسات الإسلامية في القدس ومكة المكرمة وهدم الكعبة المشرفة.
3- إثبات أن أصحاب الأراضي العربية من العرب ليسوا بسكانها الأصليين.
4 - إجبار الدول التي هاجر منها اليهود على تمكينهم من العودة إلى أراضيهم، أو تقديم التعويضات المالية عن تلك الأراضي بقيمتها الحالية.
5- تسمية المسجد الأقصى في المبادرة بجبل الهيكل وفي هذا دليل على أن المبادرة إنما جاءت لخدمة وتحقيق أهداف صهيونية.
ولا يخفى على عاقل واع ما يعقب تطبيق وتحقيق تلك الأهداف من الويلات والشرور على شعوب تلك البلدان خاصة، وعلى الأمة الإسلامية عامة .
وان تطبيق هذه الأهداف يستوجب وجود حدود معينة يتجسد عليها الهدف وقوى داعمة تضع الهدف موضع التطبيق الفعلي عبر وجود التحالفات والمواثيق الدولية وان حدود وقوى وتحالفات الدعم لهذه الرابطة تتمثل بالآتي:-
خامساً:حدود الرابطة الإبراهيمية
حدود ما تسمى بالولايات المتحدة الإبراهيمية (أو الديانة الإبراهيمية) أو الرابطة الإبراهيمية هي نفس الحدود التي وضعها الكيان الصهيوني (من النيل إلى الفرات)، يفترض المشروع الإبراهيمي أنه يجب أن تلغى الحدود السياسية بين الدول التي تمثل ما يسمى بالمسار الإبراهيمي، وهي الرحلة التي قام بها نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام من العراق إلى مصر حسب الرواية المسيحية، وإلى مكة حسب الرواية الإسلامية، وهي واقعياً نفس ما تدعيه الصهيونية بأن حدود الكيان الإسرائيلي هي من النيل (مصر) إلى الفرات (العراق)، وأما الحجاز (مكة والمدينة) فهي مما يعتبرها اليهود من ممتلكاتهم التي هجروا عنها وقد صدر كتاب "العودة إلى مكة" للكاتب اليهودي "دينيس آفي ليبكين"، والذي عمل لسنوات كضابط في جهاز الموساد الإسرائيلي، وهو يحلم بـ "العودة إلى مكة" ما يعني أن مكة المكرمة ستكون ضمن حدود ما يسمى الولايات المتحدة الإبراهيمية، ويتضح مدى التدليس اليهودي في توظيف المصطلح حين تم استخدام مصطلح "العودة" وكأنهم كانوا في مكة وإنما يريدون فقط العودة.
فيفترض المشروع أن الشعوب الأصلية التي هجرت من المنطقة (ما يسمى الشرق الأوسط) قد ظلمت ويجب أن تعود إلى أراضيها التي هجرت منها وهم في الواقع إنما يقصدون اليهود فقط، وبدأ القائمون على المشروع بالعمل على استصدار قرارات دولية من الأمم المتحدة عن حق السكان الأصليين والشعوب الأصلية.
سادساً: القوى الداعمة للرابطة الإبراهيمية
منظمة إسرائيلية تعرف بـ IEA organization ترى هذه المنظمة أن الدين يمكن أن يكون حلاً لجميع الصراعات، وهذا خلاف ما يصوره لنا الغرب من أنهم لا دينيين وعلمانيون، تدعو المنظمة الإسرائيلية إلى "التسامح" و"التوحد بين الأديان" وتقوم بأعمال إنسانية لإظهار الوجه الإنساني للدعوة.
معهد space Island والمجلس الدولي للمسيحيين واليهود في أمريكا كلاهما بشر بـ "الديانة الإبراهيمية" من قديم ويقومان بالدور الأكبر في الدعوة إلى الدولة الإبراهيمية وينظمان العديد من المؤتمرات برعاية الأمم المتحدة وتحت راية "الحوار والتوحيد بين الأديان الثلاثة"، تقام بعض تلك المؤتمرات في ألمانيا ويتم دعوة الكثير من الشباب من جميع أنحاء العالم إلى "الدين الرابع الجديد" بدعوى أنه القادر على نشر السلام.
الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون أثناء اتفاق أوسلو 1993، بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني بحضور ياسر عرفات وإسحق رابين تكلم عن "أبناء إبراهيم".
والرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما تكلم في عدة مناسبات عن التوحد بين الأديان وقال لا فرق بين الأديان ودعا للتعايش بينها، وفي عام 2013، وخلال زيارته للكيان الصهيوني امتدح أوباما التجربة الصهيونية في إنشاء دولة لكل اليهود من كل أنحاء العالم وقال إن هذه تجربة إنسانية عالمية بكل معانيها.
ديفيد فريدمان، سفير أميركا السابق لدى الدولة الصهيونية يقول: "إبراهيم كان أباً للديانات الثلاث الكبرى ولا يوجد أفضل منه ليرمز إلى إمكانية الوحدة بين جميع الديانات الثلاث".
جامعة هارفارد في عام 2000، بدأت بنشر المبشرين لهذا المشروع في الدول العربية والإسلامية في هذه المنطقة، فبثوا أفكاراً بأن اليهود والعرب أولاد عمومة وأنهم أصلهم واحد وأن جدهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
سابعاً: التحالفات والمواثيق الدولية
تسعى الدول المعنية بتنفيذ الرابطة الإبراهيمية إلى عقد اتفاقات وتحالفات وتوقيع مواثيق تحت عناوين جاذبة كالتسامح والتعايش والإخوة من أجل إزالة الفوارق بين ما يسمونها الأديان الثلاثة.
وبرزت دولة الإمارات بجهود حثيثة لتحقيق تلك الأهداف ومن تلك الإجراءات:
1- وثيقة الإخوة الإنسانية فبراير 2019: عقدت الإمارات لقاء موسعاً لما سمتهم قادة الأديان بحضور بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر والعديد من الشخصيات والجمعيات والمؤسسات وتم التوقيع على ما سميت بوثيقة الإخوة الإنسانية والتي تأتي في إطار التقريب والدمج بين الأديان الثلاثة وسائر الأديان الأخرى غير السماوية، ودعت إلى ما سمته حرية الاعتقاد، وكان من أهم بنودها دعم ما يسمى حرية المعتقد، والدعوة للتسامح كمدخل لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ووصف الجميع بالمؤمنين، وغيرها من البنود الموجودة في نص الوثيقة التي يتم الترويج لها حالياً.
2- حلف الفضول الجديد: في العاشر من ديسمبر 2019، عقدت الإمارات ما أسمته حلف الفضول الجديد وهو حلف نظمته أبو ظبي وجمعت فيه الكثير من الباحثين والمفكرين والعلماء من جميع الديانات والطوائف واعتبروا التوقيع عليه نتاج لقاءات وحوارات لأعوام بهدف ما يسمونه إعلاء القيم كما يفهمها أصحاب "العائلة الإبراهيمية" والتسامح واحترام أديان "المؤمنين الآخرين".
3- البيت الإبراهيمي (بيت العائلة الإبراهيمية): ويمثل إحدى المبادرات الأولى التي دعت إليها ما تسمى وثيقة الأخوة الإنسانية، حيث سيضم البيت كنيسة ومسجداً وكنيساً تحت سقف صرح واحد، ليشكل للمرة الأولى مجتمعاً مشتركاً، وتدعي الإمارات القائمة على بناء المشروع في أراضيها أن الهدف منه ترسيخ قيم التعايش والتسامح والإخوة الإنسانية، ولكن الحقيقة أنه أحد خطوات تنفيذ المشروع الإبراهيمي وشرعنة الوجود الصهيوني عبر التطبيع السياسي والتطبيع الديني حيث من المفترض أن يحضر الافتتاح حاخامات من الكيان الصهيوني.
3- وحدة الأديان: نظرية إلحادية يقصد بها الخلط والمزج بين الإسلام وبين الديانات الأخرى المحرفة والقصد من الخلط إزالة أي اختلاف بين هذه الملل، وأن الاختلاف ما هو إلا كما الافتراق بين المذاهب الفقهية في الإسلام، وأنه لا فرق بين الأديان وأنها توصل إلى الله سبحانه وتعالى، والمقصد الحقيقي من هذه النظرية أنه لا يكون ولاء ولا براء ولا تقسيم للناس بين مؤمن وكافر.
ومن أنشط من يدعو إلى وحدة الأديان في هذا العصر (غارودي) (توفي في عام 2012) الذي دعا إلى مؤتمر دولي في قرطبة سنة 1987تحت أسم (الحوار الدولي للوحدة الإبراهيمية).
وعند العودة للقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه نجده يقرر وحدة الدين وليس وحدة الأديان، فالدين عند الله تعالى الإسلام وكل من يتعبد الله تعالى بغير الإسلام فلن يتقبل الله منه يقول تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" صدق الله العظيم.
5- الدبلوماسية الروحية: الهدف المعلن والمزعوم من الدبلوماسية الروحية هو تحقيق السلامِ العالمي وحل النزاعات، وتحقيق التنمية المستدامة، عبر مكافحة الفقر ومسبباته، والاضطلاع بخدمات ومشروعات تنموية تكرس الولاء للفكر الجديد؛ لكن غرضها الحقيقي تحقيق المصالح الغربية الصهيونية، وتدمير الأديان السماوية، خاصة الإسلام والمسيحية، وإضاعة الحقوق، وتزييف التاريخ، وتغيير الواقع، لصالح المخططات الصهيونية.
وفي عام 2013، تم تشكيل إدارة خاصة سميت "إدارة الحوار الاستراتيجي مع المجتمع المدني" داخل وزارة الخارجية الأميركية عندما كانت تتزعمها هيلاري كلينتون، وضمت هذه الإدارة 50 دبلوماسياً و50 ممن أطلق عليهم "القادة الروحانيين" في المنطقة العربية أو "الشرق الأوسط"، ويقصد بهم رجال دين من ما يسمى الديانات الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية)، ومنذ ذلك الحين ظهرت الدبلوماسية الروحانية التي تهدف إلى توظيف الدين في خدمة الأجندات السياسية أو ما يعرف بالاستراتيجية الأميركية في المنطقة.
ثامناً: اتفاق أبراهام ودوره في خدمة الكيان الصهيوني
كتب أول رئيس وزراء لإسرائيل ديفيد بن غوريون، في مذكراته: "إسرائيل تؤمن أن قوتها ليست في امتلاكها للسلاح النووي منوهاً إلى أن "تل أبيب تؤمن بأن نجاحها في ذلك لا يعتمد على ذكائها بقدر ما يعتمد على جهل الطرف الآخر وغبائه وعمالته"، ومن هذا المنطلق يمكن فهم تطبيقات الإبراهيمية المصاحبة لموجة التطبيع العربي مع إسرائيل.
من هذا المنطلق أيضا يمكن اعتبار الاتفاق الذي أطلقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمسمى كما أسلفنا الذكر في أعلاه بـ:"أبراهام" والذي تمخض عنه عملياً اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، في 13 أكتوبر2020، حيث أوضح بخصوصه السفير الأمريكي لدى إسرائيل أن سبب إطلاق تلك التسمية على الاتفاق يرجع إلى أن إبراهيم كان أباً لجميع الديانات الثلاثة العظيمة، فيشار إليه بأسم (أبراهام) في المسيحية، و(إبراهيم) في الإسلام، و(أبرام) في اليهودية، لافتاً إلى أنه لا يوجد شخص يرمز إلى إمكانية الوحدة بين جميع هذه الديانات أفضل من إبراهيم، ولهذا السبب تمت تسمية هذا الاتفاق بهذا الأسم، تسمية اتفاق التطبيع بين الإمارات والبحرين وإسرائيل بهذه التسمية أثارت أسئلة كثيرة حول دلالات تلك التسمية وخلفياتها والغايات الحقيقية التي تقف وراء هذا الاتفاق.
إذ لا يمكن النظر إليها بعيداً عن جذورها وخلفياتها الدينية، التي تكشف بوضوح مدى التوظيف السياسي للأبعاد الدينية والتاريخية والحضارية الأمر الذي قد يسهل تمرير أجنداته السياسية تحت غطاء ديني، وتحت غطاء مفاهيم الإنسانية والسلام العالمي والأخوة العالمية وغيرها.
تدعم إسرائيل والدول الغربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية نشر فكرة الإبراهيمية لأن هناك العديد من الأهداف الإستراتيجية المرجوة من وراء هذا الاتفاق الديني تحت غطاء ما أصبح يسمى بالدبلوماسية الروحية، من بين أهم هذه الأهداف الإستراتيجية فكرة ضمان السلام والأمن لإسرائيل وفض النزاع العربي الإسرائيلي أو ما أصبح يسمى بعد اتفاقية كامب ديفيد النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، بل والأكثر من ذلك فبحسب الصهيوني دان شوفتان في مقالة له بصحيفة "إسرائيل هيوم" يرى بأن انسحاب أمريكا من افغانستان فرصة لإسرائيل لقيادة حلف يضم الدول العربية، وذلك لأجل سد الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة الأمريكية في افغانستان.
إذن يتضح بأن إسرائيل لا تبحث فقط عن الأمن والسلام مع الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط، بل أبعد من ذلك فهي تهدف إلى القيادة والهيمنة على دول المنطقة حكومات وشعوب.
تاسعاً:تحديات مسار أبراهام
هناك عدة تحديات قد تقف حجر عثرة أمام تنفيذ الطريق يجب استيعابها وحلها أو تقليل خطرها. ورغم أنها حائل أمام التنفيذ لكنها في الوقت ذاته تمثل خطراً مستقبلياً على المنطقة، وتترابط في الوقت نفسه مع رؤية جامعة هارفارد لحل الصراع، ومنها:
1− حاجز المعرفة: فكيف يمكن لقصة إبراهيم أن تحدث تغيراً تحويلياً للجماعات بالشرق الأوسط التي مزَقتها الصراعات وتحظر التدخلات الدولية في شؤونها.
2− إرساء رؤية ذات صدقية للمسار: إن طرح مفهوم تأمين مسيرات الحج بهذه المنطقة التي تعج بالصراعات أمر غير موثوق به، كما أن الحديث عن أن هذا المسار ستتبعه تنمية اقتصادية بالمنطقة أمر ليس محل ثقة. بل إن توزيع العائد بشكل عادل أمر غير وارد.
لذا فالحل الذي توصلت إليه الفرق البحثية يكمن في استخدام رمز النبي إبراهيم ونشر مفهوم المشترك الإبراهيمي، وهذا سيخلق بدوره حالة من الود بسبب الترويج لوجود صلة قرابة تجمع أبناء المنطقة؛ الأمر الذي سيكفل تحقيق الكفاية والازدهار عبر خلق هوية شاملة للمنطقة ككل تكفل موافقة القرى المحلية بتأمين المسافر على الطريق مع الاستفادة المادية بسبب عوائد السياحة الدينية.
3− عدم الثقة بالدوافع خلف المسار: حيث تنتشر نظريات المؤامرة في هذا الجزء من العالم، في ظل عدم الثقة بالدور الأمريكي، وهو ما يزيد الشكوك حول المسار، وبخاصة إذا شاركت خلاله أية شركات تحمل العلامات التجارية الأمريكية. هنا توصل الفريق البحثي إلى أن خطة العمل يجب أن تتم وفق مسارين: الأول: موجّه إلى السكان المحليين بكل دولة، والثاني: موجه إلى التنسيق مع الحكومات عبر وسطاء مشتركين. ولإنجاح الفكرة نظمت زيارات لعدد من الفاعلين بهذه الدول لخلق رأي عام دولي مؤيد للفكرة كقوى ضاغطة على أنظمة تلك الدول لكسب مزيد من الثقة على الأرض.
4− كسر الحدود السياسية تجاه المسافرين على الطريق: وبخاصة أمام الإسرائيليين بالمنطقة، وجاء ذلك في تقرير أعدته باحثة بجامعة هارفارد عام 2004، تسمى سوزان كولن، حيث عملت في غزة والضفة مع الفلسطينيين ومع الإسرائيليين داخل الأراضي المحتلة.
5− وضع إسرائيل ورفض دول المسار التطبيع معها: فمن الصعب فرض إقامة مشروعات معينة في دول الطريق كالتطبيع مع إسرائيل -وذلك في البداية فقط- لذا من الأفضل أن يتم ذلك بالتنسيق وحث الدول على تبنيها للمشروع، وليس فرضها عليها كأمر واقع، فالأمر يجب ألا يظهر وكأنه مرتبط بنهج طريق إبراهيم -كشرط للتنفيذ- تفادياً لأي توترات سياسية، على أن يكون التطبيع أمراً لاحقاً، وأن يتم تدريجياً خلال الأنشطة المستقبلية للمسار.
6− ملكية الطريق (أي من يملك الطريق ويتحكم فيه): هل للقدماء؟ أم لأصحاب المبادرة؟ أم لسكان الإقليم الذين لا يعلمون شيئاً عنه؟ أم لمن يسير على الطريق؟ أم لأبنائهم؟ أم للأجيال المستقبلية؟ وتوصل رعاة الفكرة إلى أن لقادة كل مجموعة صغيرة تسير على الطريق مكانة خاصة، علاوة على المسافرين الأوائل حيث سيكونون سفراء بأسم الطريق ووجودهم مهم في تطوير الطريق والمبادرة ذاتها إلى حين مناقشة قضية ملكية أرض المسار على نحوٍ أوسع بعد اكتمال المشروع.
لمواجهة هذه التحديات وضعت خطة تنفيذية على الأرض للتصدي لها والتعجيل بظهور المسار إلى أرض الواقع؛ بدأت بزيارات متكررة من وفود الدول على مسار الطريق شملت دول المرحلة الأولى.
ففي عام 2006، نظمت زيارات لوفود من 10 دول حرص خلالها على الترويج الإعلامي للزيارة، وفي الوقت نفسه بدأت عملية التفاوض مع حكومات الدول لنشر المفهوم للحصول على الدعم السياسي للمسار. كما استكشفت الجماعات المحلية والقيادات الدينية الممكن الاعتماد عليها خلال تنفيذ الطريق وتم تحديد فريق عمل بكل دولة من دول المسار. ومثل عام 2007، بداية مأسسة المسار من طريق إنشاء مؤسسة "مبادرة طريق إبراهيم" كمبادرة أهلية تحت مظلة جامعة هارفارد.

ومن المهم الإشارة إلى أن أصحاب المبادرة ذكروا في وثائقها أن الغرض من الارتباط بهارفارد هو تكوين سمعة جيدة للمبادرة بوصفها أكبر جامعة في العالم ولها وضعها واحترامها وصدقيتها وتحظى بالثقة، وهو ما يمثل مقاومة كبيرة للمخاوف الأولى.
وفي هذا السياق، اختير الكيان كمؤسسة غير حكومية لا ترتبط بالإدارة الأمريكية إدارياً، التي يعترض الكثير على دورها السياسي والعسكري في المنطقة نتيجة دعمها المستمر لإسرائيل وغزوها العراق وأفغانستان؛ وبخاصة أن المؤسسة تحتاج ليس إلى الدعم الحكومي فحسب، بل إلى الدعم الشعبي وتعاون المجتمعات المحلية بالأساس أيضاً، الأمر الذي يحتاج إلى الظهور بشكل محايد ومقبول أمام الدول المستهدفة.
في هذا الإطار، أعلنت المؤسسة عدم تبنيها لأية رؤية سياسية أو انحيازها ضد أحد الأطراف في الصراعات الدائرة، وذلك لتضمن القبول المجتمعي لها وعدم التخوف من التعاون معها، بل ودعمها. فأعلنت هويتها كمنظمة "غير سياسية وغير طائفية مفتوحة أمام الجميع من دون تمييز، تكرم جميع الثقافات والأديان وتحترمها. فمهمتها ليست خلق مسار جديد بالمنطقة، بل مساعدة الناس على إعادة اكتشاف مسار قديم… فترفع شعار "نحن ببساطة نزيل الغبار عن خطى قديمة" لتؤكد أن هدفها بالأساس هو إحياء التاريخ المشترك وبناء الثقافة التاريخية المشتركة لأتباع الأديان الإبراهيمية".
وقد نجحت الجهود الأمريكية في ربط مسارات الحج المشتركة بمفهوم السلام الديني العالمي ورحلة النبي إبراهيم عليه السلام، وهذه الرحلة المذكورة تشمل دول مخطط أرض إسرائيل الكبرى وطريقها، حيث عبر إبراهيم من أور حتى مصر وفقاً لليهودية والمسيحية ووصل إلى مكة وفقاً للإسلام، وهذه المسيرة إذا تكاملت فستمتد من النيل إلى الفرات بالفعل.
عاشراً: مخاطر الإبراهيمية
إن الدعوة إلى الإبراهيمية سبيل إلى تمييع الدين، وإضاعة معالمه وأركانه في نفوس المسلمين، وتهون من حرص المسلم على التمسك بالإسلام والاعتزازِ به، بل إن الأمر قد يصل في بعض الأحيان إلى تهوين الخروج من الإسلام، والتحول إلى غيره؛ حيث إنه ـ بحسب الإبراهيمية ـ لا فرق بينه وبين اليهودية والنصرانية، وأنه باتباعه الديانة الإبراهيمية لا يعد متخلياً عن دينه، وفي الواقع أنه قد خرج عن ربقة الإسلام.
كما أن الإبراهيمية تنزع عن الإسلام تفرده بأنه الدين الوحيد الذي سلم من التحريف، وتضفي على الأديان الأخرى صفة القدسية والصحة.
وكذلك سيؤول الحال مع القرآن الكريم؛ حيث لن يكون الكتاب الذي اختصه الله تعالى بالحفظ من بين سائر الكتب.
ومن مخاطر الإبراهيمية كذلك أنها تؤدي إلى إضاعة العبادات التي شرعها الله تعالى، وفتح البابِ واسعاً للتلاعب بها، والابتداع فيها، كما حدث فيما سمي بـ "الصلاة الإبراهيمية".
ثم إن "الإبراهيمية" كذلك سبيل إلى تعطيل شريعة الله، وإلغاء كثير من الأحكام التي أمر بها الله؛ حيث إن هذه الدعوة تقوم على التلاقي والاجتماع على ما يسمى المشترَك الإبراهيمي والذي يمثل مجموعة من العادات والقيم والسلوك المشتركة.
وأما عن المخاطر السياسية للإبراهيمية؛ فإنها تنطوي على توجهات غايةٍ في الخطورة على أمتنا وقضايانا العادلة، وخاصة قضيةَ احتلال الصهاينةِ لفلسطين، وسعيِهم إلى ابتلاع الأرضِ المباركة وما حولها، في إطار مخطط "إسرائيل الكبرى"
إن "الإبراهيمية" وما يتفرع منها، من شأنها أن تجعل وجود اليهود في منطقة المشرق الإسلامي أمراً مقبولاً، وتخرج الصراع اليهوديّ الإسلاميّ من دائرة كونه احتلالاً واغتصاباً صهيونياً بالقوة لأرضٍ مسلمة، إلى كونه نزاعاً بين أبناء عائلة واحدة، هي "العائلة الإبراهيمية"
ثم إن من أكبر مخاطر "الإبراهيمية" على المسلمين دينياً وسياسياً: القضاء على الرابطة الحقيقية التي تربط جميع المسلمين برباط واحد، هو رباط الإسلام، وأُخوة الإيمان، واستبدالها برابط ما يسمونه الإخوة الإنسانية.
و كذلك تكمن خطورة هذا المشروع باستبدال المقدس بمقدس آخر، فماذا لو استمر الحج في "أور" بداعي أن إبراهيم عليه السلام هو المشترك بين الأديان، بعدها سيولد جيل مسلم يرى أن "أور" هي المكان المقدس الذي تحج له الأديان وليس مكة المكرمة حينها عندما تتعرض المقدسات الأصلية للهدم لن يكون هنالك من يدافع عنها، لذلك تتعالى بعض الأصوات لتهوين القضية الفلسطينية، كجزء من عملية غسيل أدمغة واستحضار أفكار جديدة بدعم من منظمات مجتمع مدني مدعومة من وزارة الخارجية الأميركية من قسم الدبلوماسية الروحية وتدريبهم على دورات تسمى (أنظمة الحكي) وهي كيف تقنع الأخرين بالأفكار الجديدة من خلال الكلام، للتأثير على مجتمعاتنا وقتل روح المقاومة والدفاع عن أوطاننا، وهذا متطابق مع مشروع البنك الدولي.
كما ان الصهيونية أدركت أن استمرار بقاء الكيان الإسرائيلي في المنطقة العربية مرهون بتغيير عميق في ثقافة شعوبها التي تعتبر الدولة العبرية كياناً غريباً ومعادياً لها، ويرى جاسم يونس الحريري، أن المخاطر السياسية من الترويج لهذه الديانة يمكن حصرها في عدة نقاط أهمها:
1- هيمنة الكيان الصهيوني على المنطقة من خلال التطبيع الشعبي بعدما نجحت في التطبيع الرسمي فقد طبعت مع معظم حكومات المنطقة، وتغيير هوية الأمة الإسلامية من خلال الديانة الابراهيمية.
2- تحاول إسرائيل توظيف مفهوم "الديانة الابراهيمية" لإيجاد مدخل لترسيخ "حق اليهود بالأراضي العربية الفلسطينية" وإبعاد أتباع الديانات الأخرى عن مناصرة حقوق الشعب الفلسطيني.
3- فتح الباب واسعا أمام الحقوق التاريخية اليهودية المزعومة في الدول العربية، وخاصة في شبه الجزيرة العربية، والعمل على استعادتها.
4- أن تكون الإمارات دولة منزوعة الهوية من خلال دعوات التعايش مع الديانات "الوثنية" الأخرى في العالم كالبوذية، والهندوسية، خاصة أن الامارات نصبت تمثالاً لبوذا في أراضيها، وافتتحت معابد للهندوس.
5- العبث بالمناهج ضمن مخطط هادئ ومستمر وفاعل في معظم الدول المسلمة، هدفه تغيير الفكر وتصفية القضية الفلسطينية من الجذور عبر سنوات طويلة، فالأجيال الجديدة لن يكون في فكرها المطالبة بفلسطين أو القدس كعاصمة لها من الأساس، فضلاً عن ترسيخ فكرة تجريم مقاومة الاحتلال اليهودي والصهيوني للأقصى والقدس وفلسطين.
6- محاولة تغيير نظرة العقل الجمعي العربي والمسلم إلى الكيان الصهيوني، وبناء أجيال جديدة تتقارب مع الصهاينة كما يحدث حالياً في بعض دول التطبيع مثل الإمارات.
7- فتح الباب على مصراعيه للتطبيع السياسي والثقافي مع إسرائيل، والتهيئة للتنازل المستقبلي عن مناطق أوسع من الشرق الأوسط وتدويلها بحجة أنها مناطق إبراهيمية، ليست حكراً على جهة معينة.
8- تزييف التاريخ وتشويه وعي الأجيال الجديدة، حيث حاولت منظمة الأونروا فور وصول ترامب إلى السلطة حذف عبارة "القدس عاصمة فلسطين" من المقررات الدراسية للصف الأول إلى الرابع الابتدائي بمدارسها لتحل محلها عبارة "القدس المدينة الإبراهيمية"، كمحاولة لتغيير وتغييب هوية الأطفال خلال مرحلة التشكيل ليكونوا نواة التطبيق للمخطط المستقبلي، وتمهيداً لزرع مصطلح الإبراهيمية.
وبناء شكل جديد للعلاقة بين العالم العربي والكيان الصهيوني، دون النظر إلى تاريخ الصراع بين العرب والصهاينة، وتقديمها على أنها علاقة بين الأديان الثلاثة، دون أن تتأثر هذه العلاقة بالظروف والتطورات التي قادت إلى ولادة الكيان الصهيوني على هذه الأرض، ودون النظر إلى سياساته ومخططاته التوسعية في المنطقة، والتي تهدف إلى التوسع المكاني والاندماج المجتمعي والهيمنة السياسية والاقتصادية في المنطقة.
التسويق بأن الصراع في المنطقة هو صراع أديان ومذاهب؛ صراع مسلمين ويهود ومسيحيين، سنة وشيعة، وهكذا، وهي فكرة مستمدة من كتابات صمويل هنتنغتون، وخصوصاً "صراع الحضارات والثقافات"، وقبله برنارد لويس، ويمكن تسويته عبر أفكار من طينته، مثل الإبراهيمية، ومشاريع مختلفة، مثل كونفدرالية الأراضي المقدسة.
عاشراً: الرابطة الإبراهيمية بين التأييد والرفض
تفاوتت الاستجابات للدعوة إلى المشترك الإبراهيمي إلى اتجاهين: أحدهما مقاوم للفكرة ومعارض لها، والآخر مستجيب ومؤيد لها، ونستعرض كلا الاتجاهين فيما يلي:-
1- المقاومة والمعارضة:
قامت جهود متعددة لمواجهة هذه الدعوة عبر كتابات ومقالات في المواقع الإلكترونية والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى المقاطع المصورة في مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن النماذج المهمة لجهود مواجهة طرح الديانة الإبراهيمية: مؤتمر "موقف الأمة الإسلامية من الديانة الإبراهيمية".
نظمه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالتعاون مع رابطة علماء السنة ورابطة علماء المغرب العربي مؤتمراً افتراضياً عبر تطبيق ZOOM في 2021، وأداره الشريف الحسن الكتاني رئيس رابطة علماء المغرب العربي، وشارك فيه مجموعة من العلماء من 16 دولة إسلامية؛ منهم مفتي القدس د. عكرمة صبري، ود. علي القره داغي الأمين العام للاتحاد العلمي لعلماء المسلمين، ود. محمد الحسن الددو من موريتانيا، ود. محمد العوضي من الكويت، ود. سلمان الحسيني الندوي من الهند، ود. عبد الحي يوسف من السودان، ود. عبد الوهاب إكينجي من تركيا، ود. عبد الستار الجنابي من العراق، وغيرهم من ليبيا وتونس ومصر وأستراليا وإندونيسيا والسنغال..إلخ.
وقد فنَّدَ هؤلاء العلماء في كلماتهم تلك الدعوة، واعتبارها فخاً للسيطرة على المنطقة بطرق خبيثة، بدعوى التعايش بين الديانات الثلاث، وفي الحقيقة يراد بذلك السيطرة على المنطقة وتمييع عقائد المسلمين وإفساد دينهم عليهم، وإهدار حقوقهم في مقدساتهم كما في القدس والمسجد الأقصى.
وفي البيان الختامي للمؤتمر تم التأكيد على أن القرآن الكريم هو أعظم كتابٍ احتفى بإبراهيم عليه السلام، وأن علماء المسلمين مع التعاون الإنسانـي، والتعايش القائم على الحرية والعدل، وعدم ازدراء الأديان أو الأنبياء، ومع الحوار الإنسانـي لبناء المجتمعات، ولكنهم يقفون متحدين ضد تحريف الإسلام، وتشويه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما أن السعي لدعم "اتفاقيات إبراهام" للتطبيع والتركيع عبر تسويق لدينٍ جديدٍ يؤازر التطبيع السياسي هو أمر مرفوض شكلًا وموضوعاً، وأصلاً وفرعاً؛ ذلك أن الأمة المسلمة لم تقبل بالتطبيع السياسي منذ بدأ أواخر السبعينيات من القرن الميلادي الفائت، ولن تقبل اليوم من باب أَوْلَى بمشاريع التطبيع الديني، وتحريف المعتقدات.
خرجت أصوات تهاجم هذا المؤتمر من جانب شخصيات ومؤسسات تابعة للدول والجهات التي تروج للمشترك الإبراهيمي؛ فمن جانبه قال وسيم يوسف، وهو أردني إماراتي يتبنَّى دائمًا تأييد المواقف الإماراتية الرسمية في برنامجه "بيوت من زجاج"، إن المؤتمر يحاول "تشويه ثقافة التعايش الديني الذي تقوده دولة الإمارات العربية المتحدة"، ودافع عن "البيت الإبراهيمي" الذي شيدته الإمارات ويضم مسجداً وكنيسة وكنيساً في مكان واحد. كما هاجم العلماء المشاركين في المؤتمر متهماً إياهم بأنهم هم من أفتوا لداعش، وأفتوا للثورات، وأفتوا بنحر الأعناق، وأفتوا بالخروج على السلطان.
بدوره قام موقع قناة الحرة الأمريكية بنشر مقال لكاتب سوداني يُدعى منصور الحاج، ينعى فيه على منظمي المؤتمر اعتباره فكرة "الدين الإبراهيمي" فكرة باطلة، وقَرَنَ موقف العلماء المجتمعين فيه بموقف تنظيم الدولة "داعش" الذي اعتبر فيه الإبراهيمية "ديانة الكفر والإلحاد الجديدة"، وقال إن هذا التوافق بين الفريقين لم يحدث صدفة، لأن المشتركات بينهم أكبر من الاختلافات.

2- الاستجابة والتأييد:
من الشخصيات الحاضرة بقوة في مشهد المشترك الإبراهيمي يبرز اسم الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة ورئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي؛ حيث يحرص على تأكيد أهمية أدوار أتباع أديان العائلة الإبراهيمية في نشر قيم السلم وتعزيزه في العالم. وأن أبناء العائلة الإبراهيمية يتشاركون في الرواية الأصيلة للقيم والفضيلة وأصول الأخلاق التي تؤسس للسلام والتعايش بين مختلف الشعوب، وقال إنه من هذا المنطلق فقد قام منتدى تعزيز السلم، وبالتعاون مع قيادات دينية من أنحاء العالم بوضع الأسس لصناعة تحالف أخلاقي بين ديانات العائلة الإبراهيمية الثلاث بكل فصائلها ومذاهبها، وبمشاركة محبي الخير من أبناء العائلة الإنسانية الكبرى ويسعى هذا الحلف، الذي اختار اسم حلف الفضول الجديد، إلى التعايش السعيد في هذا العالم الذي نعيشه اليوم، باعتباره ضرورة وواجبا دينيّا تدعو إليه جميع الديانات.
وأشار إلى أن "ميثاق حلف الفضول الذي أصدرته العائلة الإبراهيمية السنة الماضية (2019) في أبوظبي يمكن أن يشكل مرجعية قوية للانطلاقة الجديدة، فقناعتنا أن ميثاق حلف الفضول ليس مجرد مبادئ نظرية لا فاعلية لها، بل تجب ترجمته وبلورته في منهج عملي وبرنامج تطبيقي".
وكذلك كتب الدكتور رضوان السيد مؤيداً الدعوة قائلًا: ما دخل المشترك الإبراهيمي أو العهد الإبراهيمي بين الديانات الثلاث في دبلوماسية الدول وخطابها في السياسة الخارجية حقًا إلا في السنوات الأخيرة، من جانب دولة الإمارات العربية. وتساوق ذلك بالتأثير أو العمل المشترك مع دعوة الأزهر ومجلس الحكماء ومنتدى تعزيز السلم – من رفْع لواء التسامح والتعارف إلى الدخول من طريق المشترك الإبراهيمي، إلى وثيقة الأخوة الإنسانية بين شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان (2019)، إلى ميثاق حلف الفضول الجديد من جانب منتدى تعزيز السلم، ورئيسه الشيخ عبد الله بن بيه، عام 2019 أيضا. وقد انطلق كلا الإعلانين من أبوظبي كما هو معروف.
وبالرغم من تصريحه بأن الدبلوماسية الروحية أو الدينية (وليس الإبراهيمية) استخدمت بعد عام 2001 بكثافة، لكنها كانت اشتراطية اعتذارية، وربما استبعادية، وليست بقصد الجمع والضمّ والاعتراف المتبادل أو التعارف، فإن الدكتور رضوان يستدرك في النهاية قائلًا: ما كان صحيحاً في الماضي، وليس صحيحاً اليوم: اعتبار المشترك الإبراهيمي خطاباً استعمارياً لأنَّ فلاناً أو علاناً من الأميركيين وغيرهم ذكره أو خطب فيه أو دعا إليه. فالمسلمون عانوا، كما عانى دينهم، من الاستبعاد لعصورٍ متطاولةٍ، من جانب المسيحية المسيطرة بالذات. وزادت الطين بلة تيارات التطرف والإرهاب. فنحن باعتبارنا بشراً، وباعتبارنا أهل دين عالمي، وباعتبار ديننا جزءاً من كرامتنا وإنسانيتنا، لدينا مصلحة كبرى في هذا الاعتراف المتبادل الذي يقود الدعوة إليه وإلى إحقاقه البابا فرنسِس، وتنخرط فيه من الجانب الإسلامي مؤسسات دينية كبرى ومدنية بارزة وجهات سياسية معتبرة. وما من شيء من ذلك فيه "تقليد" للاستعمار، ولا عملً له. فكفانا أوهامًا وفصاميات؛ لا نريد أن نخاف من العالم، ولا أن نخيفه، بل نريد أن نكون ونبقى جزءاً في حاضره ومستقبله.
كما يقول كل من البروفيسور لورد ديفيد ألتون والدكتور وائل العجي في مقالهما: إن العائلة الإبراهيمية تتألَّف من أكثر من ثلاثة مليارات مؤمن، ترغب أغلبيتهم الساحقة في العيش بسلام وتوافق، وقد حان الوقت للشخصيات الحكيمة والعاقلة من كل الأطراف لتتلاقى، وترفع صوتها لتتحدَّى وتفكك خطاب التطرف والكراهية، وتسترجع الأديان الإبراهيمية من أيدي الأشخاص والجماعات التي تستغلها لتحقيق مكاسب وأطماع سياسية، مغذية بذلك نظريات صراع الحضارات.
ويضيفان: إن المبادرات التي ظهرت مؤخراً في أنحاء مختلفة من العالم تدعو للتفاؤل، فمن السعودية والأردن ومصر والإمارات وإسرائيل والفاتيكان نشهد عدداً من المبادرات والأفكار التقدمية في هذا المجال ومحاولات واعدة للحوار وتحقيق السلام.
وثمَّنَا على وجه الخصوص الزيارة غير المسبوقة التي قام بها رئيس رابطة العالم الإسلامي الشيخ محمد بن عبد العزيز العيسى لمعسكر الاعتقال النازي في أوشفيتز في بولندا على رأس وفدٍ ضمَّ 62 عالماً مسلمًا من 28 دولة إسلامية مختلفة. كما شارك وفد رسمي من اليهود الأميركان في تلك الزيارة أيضاً.

ختاماً ومما تقدم في أعلاه عن فكرة الرابطة الإبراهيمية نتوصل إلى جملة من الملاحظات وهي على النحو الآتي:-
فكرة الرابطة الإبراهيمية ليست جديدة، بل تعود جذورها إلى عقود طويلة، طرحت فيها الفكرة وباتت محلًّا للتنفيذ عندما تبنتها دوائر سياسية بعد اقتناع بجدواها وتهيئة الظروف المناسبة لها سياسيّاً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً في المنطقة العربية.
فالتربة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للمنطقة العربية تم تهيئتها مرات عديدة خلال هذه الفترة بعد عددٍ من الحروب وإسقاط عددٍ من الأنظمة وإجراء تغييرات في بيوت الحكم، وخلق واقع اقتصادي جديد مرتبط أكثر من ذي قبل بالاقتصاد العالمي، وإجراء تجارب متعددة في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، فيما يتعلق بالأسرة والتربية والتعليم والمشروعات الاقتصادية والمناخ السياسي الذي تم إضعاف القوى المدنية الفاعلة فيه، ومن ثم اضطرار السلطات الحاكمة للاعتماد على تأييد ودعم خارجي لا شعبي مما يسهل تمرير المخططات الرامية لتغيير الوضع في المنطقة لصالح إسرائيل وهيمنتها على المنطقة.
فقبل أن تتغير خطط تسريع عملية التطبيع من منظور الرابطة الإبراهيمية التي كان يعمل على الإسراع بها ترامب ونتنياهو أملًا في بقائهما مدة أخرى في السلطة، كان قد تم إنشاء "صندوق إبراهيم" بقيمة 3 مليارات دولار لخدمة أهداف هذه الاتفاقيات مما يساعد على الاقتناع والتمسك بها من جانب الدوائر السياسية والاقتصادية العربية، لكن مع وصول جو بايدن للسلطة وخروج ترامب من البيت الأبيض، يبدو أن هذا الصندوق توقف، حيث استقال أرييه لايتستون، الذي عينته إدارة ترامب لإدارة الصندوق، ولم يتم تعيين بديل. في الوقت نفسه، أثيرت تساؤلات حول شفافية الصندوق، ومقره في إسرائيل، وهل تم تسييسه أم لا؟
وبغض النظر عن موقف إدارة بايدن فإن الشاهد هنا مدى الاستجابة لبعض الدوائر العربية المستفيدة من عملية التطبيع، فبحسب "تايمز أوف إسرائيل" فإنه تم تقديم أكثر من 250 طلباً إلى الصندوق في الفترة ما بين تشرين الأول 2020 إلى كانون الثاني 2021، بما في ذلك شركات خاصة ومبادرات شبه عامة في الإمارات العربية المتحدة والأردن والبحرين ومصر وأماكن أخرى في المنطقة، كان بعضها مشاريع مشتركة ثنائية. تم اختيار خمسة عشر مشروعا في نهاية المطاف وإرسالها إلى مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية DFC في واشنطن للموافقة عليها.
وبالرغم من تراجع إدارة بايدن عن استخدام هذا المصطلح على هذا المستوى الذي استخدمه فيه ترمب باعتبار المصطلح علامة تجارية للرئيس السابق، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن هناك تراجعاً عن الفكرة، ولكن ربما كان ترمب متسرعاً كعادته في حرق المراحل، أملاً في إعادة انتخابه، وفريقه لا يزال يحاول الحفاظ على مكتسبات إدارته وتهيئة الأرض في المنطقة استعداداً لعودة محتملة بعد رحيل إدارة بايدن، إذ تعاونت اثنتان من كبار المسؤولين السابقين في إدارة ترامب هما: فيكتوريا كوتس، التي شغلت منصب نائب مستشار الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وإيلي كوهانيم، نائب المبعوث الخاص السابق لوزارة الخارجية لرصد ومكافحة معاداة السامية، في إنشاء مؤسسة فكرية تتمحور حول الشرق الأوسط لمكافحة معاداة السامية المتزايدة والعمل على توسيع السلام بين إسرائيل وجيرانها العرب. وذلك من أجل ضمان دعم الأعمال الأساسية التي أرستها "اتفاقيات إبراهام" التي لعبت فيها كوتس دوراً مركزياً في تمهيد الطريق لإدارة ترامب للتوسط في اتفاق سلام تاريخي بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والحفاظ على التزام أمريكا تجاه إسرائيل ومحاربة معاداة السامية العالمية.
لا يعني تراجع إدارة بايدن عن نهج ترمب تأثر هذا الطرح سلباً، فهو طرح تقوم عليه مؤسسات متخصصة وله إدارات ومكاتب مختصة بأروقة الإدارة الأمريكية وبالطبع الإسرائيلية ويتم تنسيق آليات تنفيذه مع العديد من الحكومات ودوائر السياسة والمال والأعمال في المنطقة وخارجها.
بالرغم من وقوف شيخ الأزهر في وجه دعاوى الاستسلام لإسرائيل أكثر من مرة وبشكلٍ علني وبما يخالف توجهات النظام المصري في كثير من الأحيان، لكنه يبدو مندرجا داخل عملية الترويج والتفعيل للطرح الإبراهيمي، الذي يبدو بابا الفاتيكان في طليعة المروجين له، الأمر الذي يظهر البابا قائداً لهذه الحركة وشيخ الأزهر تابعاً له فيها، فهو لا يبدو داعية لها، ولكنه مشارك في جزء من فعالياتها بشكلٍ رسمي، ويوفد ممثلين ومندوبين عنه في هيئاتها، فإذا كان شيخ الأزهر يرى في نفسه مقدرة على المناورة والصمود في وجه ما لا يريد في النهاية، فإن هذا الأمر لا يبدو متسقاً مع إدارته لمؤسسة ستتأثر في الغالب بمثل هذه الخطوات بعد رحيله عنها في يومٍ من الأيام، حين يترك لها واقعاً تجد نفسها فيه أسيرة لأطراف دولية تساهم في تمويل مشروعاتها ومرتبطة بشبكة من العلاقات على مستوى إقليمي ودولي، ومطلوب منها أن تستمر في الوفاء بما تمليه هذه العلاقات والشراكات ورغبات أو اشتراطات الأطراف الممولة، فمن الواضح أن شيخ الأزهر لا يدير المؤسسة بطريقة مؤسسية، وضمان استمرار الأزهر على مواقف شيخه، مرتبط بوجوده الشخصي على رأس المشيخة، لكن في حال غيابه فإن الأزهر سيتكيف على توجهات شيخه الجديد، وهنا مكمن الخطورة التي يجب أن تحجز شيخ الأزهر عن الاندفاع في إقامة علاقات خارجية يظن أنه قادر على التحكم في مآلاتها، لكن قد لا يملك من يأتي بعده هذه المقدرة، أو ربما لا تكون لديه رغبة في مقاومة هذه المآلات.
فالمخططات والبرامج المنبثقة عن فكرة الرابطة الإبراهيمية، تصب في النهاية في مزيد من الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة وقيادتها لها، كما يبدو مسار إبراهيم الذي يشمل عشر دول هو فرض واقع تدريجي يتبلور في النهاية تحقيقاً لحلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.
لا تبدو الصدمات التي تعرضت لها التيارات والمؤسسات والشخصيات ذات الحيثية الدينية بعيدةً عن التهيئة لمثل هذه الطروحات أو على أقل تقدير توفر بيئة خصبة لها، فالتشويه المتعمد للتيارات والمؤسسات والشخصيات ذات الحيثية الدينية، وكذلك الأخطاء التي يقعون فيها، مما يؤدي إلى نفور أو خوف من التأثر بها والاستجابة لها، وهناك بالتوازي مع ذلك دفع نحو الإلحاد تبدو بوضوح ملامح الترويج له، وهو مما يؤدي إلى الاستهانة بشأن الدين في النفوس، لكن هذا الوضع مما لا يستقر معه الإنسان، خصوصاً في المجتمعات الشرقية، الأمر الذي قد يؤدي في النهاية إلى جذب فكرة المشترك الديني الإبراهيمي لهذه الشرائح المجتمعية التي باتت تنفر من الدين الذي تم تشويهه بالنسبة لها، حيث تجد في تلك الفكرة ما يشعرها ببعض الراحة، حيث تنجذب إلى ما تنادي به من أفكار مجردة عن السلام وخلاص من الصراعات التي غرقت فيها مجتمعاتنا عقوداً طويلة.
تبدد فكرة الرابطة الإبراهيمية حقوق شعوب المنطقة في إدارة شؤونها السياسية والثقافية والاجتماعية كما تحول بينها وبين الانتفاع بثرواتها وتضعها تحت تحكم الطرف الأقوى القادر على إدارتها، وهذه القدرة لم تفقدها هذه الشعوب إلا بسبب الدعم الكبير الذي توفره القوى الكبرى للحكومات الموالية لها، لكن القدرة متوافرة حال تمتع هذه الشعوب بحريتها، أما الأنظمة الحاكمة فسوف تتراجع مكانتها وأدوارها تدريجياً حال تنفيذ برامج ومخططات المشترك الإبراهيمي، الذي يصل البعض به إلى اتحاد المنطقة فدرالياً تحت اسم الولايات المتحدة الإبراهيمية.
يجب الاهتمام برفع الوعي بمثل هذه القضايا على مستويات متنوعة عليا ودنيا في دوائر المجتمع المدني والتي يتم استغلالها في تنفيذ هذه المخططات بطريقة جزئية تتكامل مع أدوار أخرى لتحقق المطلوب دون شعور المشاركين أنهم جزء من مخطط أكبر ما كانوا ليوافقوا عليه لو طرح بشكل كامل عليهم. ومن هذا المنطلق فإنه يجدر التنبيه إلى الاستغلال الذي يتم للتيارات الصوفية وللدوائر الاقتصادية وريادة الأعمال في مثل هذه المخططات.
تبدو الاستجابة لمثل هذا الطرح مستدعية لصراع المعسكرات المتصارعة في المنطقة؛ حيث تبدو المقاومة والمعارضة لطرح الرابطة الإبراهيمية بشكل عام من نصيب التيارات الإسلامية والقومية، في حين تبدو أذرع التيارات المؤيدة للحكومات أكثر استجابة لمثل هذا الطرح والانتفاع منه. يعد طرح الرابطة الإبراهيمية بهذه الآليات السياسية والدبلوماسية والأكاديمية التي تقف خلفه تأكيداً على تعاظم دور الدين في هذه المجالات خاصة المجال الدبلوماسي، فقد كان هذا التقدير للدين كطرف إيجابي أحد العوائق لدى الدبلوماسيين الغربيين، فقد كانت معظم مبادرات السياسة الخارجية خالية من السياق الديني، ومن شأن هذا النقص أن يحد من نطاق الفاعلية الدبلوماسية



#صابرين_ستار_جبار (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموساد وتنفيذ الاغتيالات في إيران
- الموساد في ايران واغتيالاته
- مضيق هرمز وتداعيات أغلاقه على العراق
- حمار مقابل ازدهار اقتصاد (هدية ترامب)
- وجهة نظر في حرب ايران
- رؤية في قمة بغداد ال34
- رؤية في قمة بغداد
- دستورية المحكمة الاتحادية العليا أين تكمن
- الحاجة إلى عقلاء
- حركة المقاطعة الفلسطينية بين الماضي والحاضر
- تخبط مجلس النواب العراقي في انتخاب رئيسه
- العراق وأزمة الفراغ السياسي
- لبنان وشبح الحرب الأهليةصابرين ستار
- قراءة في الانتخابات العراقية المبكرة ومخرجاتها
- حي الشيخ جراح والنزاع التاريخي المتجدد
- موقف القوى السياسية من الانتخابات العراقية المبكرة


المزيد.....




- فيديو متداول لـ-مظاهرات مناهضة للسيسي- في مصر.. هذه حقيقته
- لا حوار مع -حكومة الثقة العمياء بواشنطن-.. بيونغ يانغ ترفض ...
- كلمة محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام للحزب في جنازة الرفي ...
- فرنسا تصر على حل الدولتين للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي في مؤت ...
- غانا تنشر قوات لاحتواء نزاع حول الزعامة التقليدية بالشمال
- ناشطة على متن -حنظلة- تروي للجزيرة نت تفاصيل الاقتحام الإسرا ...
- 3 وفيات و53 إصابة بضربات شمس شرقي السودان
- لبيد: العالم بأسره سينبذ إسرائيل إذا لم توقِف الحرب
- تعرف على أحدث الروبوتات المساعدة المعززة بالذكاء الاصطناعي
- الأسكتلنديون يستقبلون ترامب بالاحتجاج اللاذع ونفخ القرب والت ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صابرين ستار جبار - الرابطة الإبراهيمية ودورها في خدمة الكيان الصهيوني