كوسلا ابشن
الحوار المتمدن-العدد: 8416 - 2025 / 7 / 27 - 22:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يلاحظ على المستوى النظري ان هناك تناقض و تباعد بين الفكر اليساري و الفكر الاسلامي الا ان هذا التضاد يكمن في البعد الايديولوجي و السياسي في الصراع الدائر بين الطرفين للظفر بالسلطة السياسية و التربع على عرش الحكم.
اما على المستوى المصلحة العامة فيلاحظ التماثل في المواقف بين اليسار القومجي و الاسلامي اليميني الى حد التحالف ضد العدو المشترك, وهذا ما يظهر جليا من مواقف اليسار القومجي الشوفيني و اليمين الاسلامي العروبيين في بلاد امازيغن من تماثل في مواقفهما إزاء القضية الامازيغية أو مواقفهما من قضايا الشرق الاوسط.
الأطروحة الاستعمارية الوهمية لما يسمى بالإمتداد العربي, وحدت الطرفين في صراعهما الوحدوي في ترسيخ الأسس المادية و الفكرية للنظام الكولونيالي من خلال مشروع التحول الهوياتي و معاداة القضية المصيرية للشعب الامازيغي و محاربة الفكر التحرري في بلاد الأمازيغ.
بعد انسحاب دولة الحماية, قامت النخبة الحداثية-السلفية للكولونيالية الجديدة بأول خريطة طريق لبناء النظام الإحتلال الإستطاني, و كان أول خطوة قام بها النظام الجديد هو تنفيذ المشروع العرقي بالتعريب الشامل بهدف صناعة العنصر العربي عبر سياسة التحول الهوياتي ( بشهادة محمد اليازغي أحد قادة التيار البعثي, صرح لإحدى القنوات التلفزة لموركية بقوله ( ان الأمازيغ كانوا يشكلون 90% من سكان البلد بعد إنسحاب فرنسا), بداية الخطوة كانت بانشاء (اللجنة الملكية لاصلح التعليم) سنة 1957, مهمتها تعريب التعليم في المدارس العمومية و الحفاظ على الفرنسية في التعليم و التدبير الاقتصادي ( ازدواجية بين اللغة العربية الفصحى والفرنسية), مع إقصاء اللغة الوطنية الامازيغية من التعليم و إقصاءها من كل المؤسسات.
في خضم معركة صناعة العنصر العروبي, وحد النظام النخبة البعثية و السلفية بقيادة عبد الله ابراهيم لإبادة الامازيغ بيولوجيا و هوياتيا و تكثيف النشاط الدعوي-الايديولوجي في المجتمع الامازيغي, لإستمالة العناصر الانتهازية الوصولية القابلة للتعريب أو القابلة للتدجين والعمالة للنظام الاستعماري الجديد.
قال المقيم العام الفرنسي الماريشال ليوطي:" لم أتمكن من إحكام القبضة على لمورك, إلا بفضل سياستي الإسلامية" عن دانيال ريفي في كتابه ( ليوطي و مؤسسة الحماية الفرنسية بالمورك). و هي نفس السياسة التي إتخذها النظام الكولونيالي الجديد في عهد محمد السادس لإعادة إنتاج الخطط اليوطية لترويض الامازيغ و إسمالتهم بهدف السيطرة على البلاد.
إتخذ القصر الخطة الورقية بالاعتراف بالبعد الأمازيغي في الهوية الوطنية, و بهذا زعزع البنية الشمولية و ثقافة المحرمات التي كانت سائدة, لتتسارع الجماعات اليسراوية و الاسلامية لتتبنى القرار الورقي و التجنيد لتلميع صورة النظام, لكن من منطلق ركن التقية. موقف القصر فرضته التغيرات الدولية و خاصة في مجال حقوق الإنسان و كذا النضال الأمازيغي في الداخل, المشاركة الفعلية للامازيغ في 20 فبراير بشعارات التنديد بسياسة إنتهاكات حقوق امازيغن, و على المستوى الدولي تكثيف النشاط الفعال للمناضلين الامازيغ, و دينامية منظمة المؤتمر العالمي الأمازيغي في المحافل الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الأمازيغي. هذه التغيرات أجبرت القصر على الإعتراف الورقي لتلميع صورته دوليا, و لم يتأخر بيادق القصر العرقيون بالإعتراف الورقي, تماشيا مع خطوة القصر الجديدة.
الاعتراف الورقي لم يلغي سياسة التمييز القومي و لم يغير من استراتيجية آبادة القضية الامازيغية, فقد حافظت البنية الفكرية اليسراوية و الاسلامية العروبيتين عن سرديتهما في وهمية الامتداد العربي و سراب المغرب العربي ( في ربط هوية البلاد بهوية أجنبية حجازية شرق أوسطية), أو صهينة الامازيغ (إتهام لا محل له من الاعراب), و هذا ما لا تخفيه القوى المعادية للقضية الامازيغية في أنشطتها السياسية و الثقافية, و ما تعبر عنه في مناسبات مختلفة على سبيل المثال ما صرح به عبد الله الحريف ( قيادي في زاوية النهج) بقوله: " الحركة الأمازيغية، فهي ترى العلاقة بين الثقافي والسياسي في نفي العنصر العربي في هويتنا الوطنية وتسعير العداء ضد العرب بإسم مواجهة "القومجية" وهي بالتالي، بقصد أو بدون قصد، تسعى إلى عزل المغرب عن محيطه وإمتداده الطبيعي، أي العالم العربي، والمزيد من تعميق تبعيته للغرب الامبريالي. ومن الطبيعي أن تصبح هذه النخب الهامشية والأكثر غلوا في الشوفينية متصهينة". و ارتباطا بمجزة غزة خرج النهج البعثي بالإسطوانة التهريجية بما أسماه ( بموجة التصهين التي تجتاح عقول بعض الفاعلين المنتسبين للحقل الثقافي الأمازيغي، في ظل الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على يد الكيان المحتل). اليسراوية الصبيانية المصابة بالمرض الوسواس القهري تصنف كل من لا يتفق مع اطروحتها الايديولوجية و السياسية, صهاينة و عملاء للامبريالية, و جعلت العروبة و فلسطين معيار للوطنية. حسب اليسار الاستطاني فوطنية الامازيغ من عدمها تقاس بمدى الولاء للقضايا العروبية خاصة القضية الفلسطينية,( رغم تأييد امازيغن للقضية الفلسطينية كقضية انسانية, إلا أن الامازيغ ليسوا عرب و لا يستوطنون بلاد العرب لربطهم بالصهيونية و الخيانة و العمالة للامبريالية), لكن الصحيح هو ان اليسراوية القومجية البعثية هي نفسها من خلال مواقفها المبدئية من تكون عميل للقوى الأجنبية المشرقية خصوصا.
ركن التقية من يتحكم في ذهنية اليسراوية و مواقفها ازاء القضية الامازيغية, فهي من جهة تغازل قطيع البربر المريدين و من جهة اخرى تعادي القضية الامازيغية, لما تسببه هذه القضية من عراقيل لمشروع إنجاح سياسة التعريب و تحقيق المشروع العرقي المتمثل في الوحدة العربية في أوطان الشعوب المحتلة. من اجل المشروع الاستعماري و استفزاز الشعب الامازيغي, إستضافت الجماعة اليسراوية المؤتمر الأول لما يسمى "الجبهة العربية التقدّمية" بطنجس أيام 25، 26 و27 أكتوبر 2019، تحت شعار: "الوحدة العربية ضرورة تاريخية ورهان استراتيجي", تأكيدا عن ولائها لقضايا الشرق الأوسط و خيانة قضايا من تدعيه باطلا وطنها.
الايديولوجية اليسراوية بقناع الثورية, في جوهرها شوفينية قاهرة, تتبنى النزعة العرقية المعادية للهوية الطبيعية للارض و الشعب المحلي, كل ما تتشدق به من العبارات الثورية الشعاراتية الاستهلاكية لا تعدو أكثر من ثرثرة تسويقية تهدف الى تزييف الوعي الامازيغي عبر الترويض و الاحتواء في خدمة المشروع الاستراتيجي للتحول الهوياتي.
حتى لا تغلو اليسراوية في ركن التقية من الاختلاقات الماضويةو فإننا نسجل عن جماعة طلبة الجامعة اليسراويين ( ما يطلق عليه يسار السبعينات) ان مواقفهم من القضية الامازيغية كانت ضمن مواقف اليسار الكولونيالي المنحاز لمشروع النظام الكولونيالي العروبي العنصري, فقد تعاملت الجماعة الطلابية القومجية البعثية مع القضية الامازيغية من خلال المنظور السوسيو-بوليتك الغير المدروس و الصبياني بإختزال الشعب الامازيغي في فئة اجتماعية اقطاعية معادية للتقدم و الحداثة و نعت الثقافة الامازيغية بفولكلور الشيخات, و نعت اللغة الامازيغية بلغة التخلف صنيعة الاستعمار الفرنسي.
الاطروحة اليسراوية تختلف عن الجماعة الاسلامية اليمينية من حيث الشكل و التكتيك المتبع لتحقيق الاهداف, لكنهما تتفقان في الاستراتيجية التي تجمعهما لانجاح مشروع صناعة الهوية العروبية للمجتمع الامازيغي. ما قيل عن الجماعة اليسراوية يقال عن الجماعة الاسلامية. إرتبط الاسلام بالعروبة منذ النشاة وتطور على أساس الهيمنة و التعريب, لصناعة الأمة العربية الاسلامية. الجماعة الاسلامية في بلاد امازيغن تأسست على أساس هذا المنظور و على هذا المنهج. منذ الظهور إتخذت الجماعة الظلامية من الهوية الثقافية و اللغوية الأمازيغيتين عدوها الاستراتيجي, المعرقل لإنتشار اللغة العربية الربانية, في هذا الصدد كتب البربري الاسلامي عبد السلام ياسين، المرشد السابق لـجماعة العدل والإحسان، في كتابه (حوار مع صديق أمازيغي) : "اللغة العربية من عصاها عصى الله، ومن شاقها شاق الله، ومن كفر بها كفر بالله" الجماعة كفرت المدافعين عن اللغة الوطنية الطبيعية التي يرجع تاريخها الى مئات الآلاف من السنين في بلادها الطبيعية تمازغا ( شمال افريقيا),لأن ربه آمر بإماتة اللغة الامازيغة المعرقلة لصناعة الروبو العروبي لينسجم الفعل مع المقولة المقدسة ( كل من تكلم بالعربية فهو عربي).
تطور العداء للقضية الامازيغية أكثر بإستلام زاوية للاعدالة و اللاتنية الاخونجية لرئاسة موظفي القصر آل علوي, التي وافقت على الدستور الممنوح لسنة2011 و المتضمن بالإعراف بالهوية الامازيغية. الجماعة الاسلامية بالمحاربة العلانية لكل ما هو مرتبط بالثقافة الامازيغية, بإستهادف الرموز المادية و اللامادية في التراث الامازيغي المعبر عن خصوصية الذات الامازيغية, بفصل ذاكرة الشعب عن ماضيها بالقطيعة الابستمولوجية.
أطلقت الجماعة العنان لأبواقها الدعوية من فوق منابر المساجد المدنسة لمحاربة القضية الامازيغية و لتبخيس الثقافة و اللغة الامازيغيتين و تكفير المناضلين امازيغن و تحريم التراث الامازيغي الى حد تحريم الحلى الامازيغية التي وصفوها بأنها ترمز للديانة الوثنية. كما قام القطيع الاخوانجي بجريمة انسانية بتدمير و تشوية الآثار الامازيغية النموذج( النقوش والرسومات على اللوحات الصخرية في جبال الاطلس التي تعرضت للتدمير والتشوية, منها لوحة بحروف تيفناغ التي يرجع تاريخها الى 2700 سنة).
في سنة 2012 بعد عام واحد من الاعتراف الورقي الرسمي بالهوية الأمازيغية, قامت الجماعة الاسلامية التابعة لزاوية اللاعدالة و اللاتنمية و بغطاء رسمي بتدمير نقوشا صخرية تعود إلى ما قبل التاريخ ( قبل 8 آلاف سنة) تصور إله الشمس فوق قمة جبال الأطلس الكبير. و بعد سنوات تم التعتيم الرسمي على مذبحة الآثار الأمازيغية في الصحراء الامازيغية, شركة متخصصة في إستغلال المقالع الحجرية وبرخصة مؤسساتية (إقليم سمارة) وبإرادة سياسية عنصرية, تم إستهداف موقع آثري أمازيغي و تم تدمير و تخريب مئات من النقوش الصخرية التاريخية, تعبر عن حياة ايمازيغن القديمة, الموقع يضم أكبر عدد من حروف تيفناغ ( الحروف الامازيغية), والعملية دلالة عن سياسية ممنهجة لتدمير التراث الامازيغي و التعتيم عن تاريخية تامازغا و موروثها الحضاري بهدف طمس الحقوق الطبيعية لإيمازيغن في جغرافيتهم.
رئاسة الجماعة لموظفي القصر أباحت لها السلطة السياسية بالتحكم بملف التطبيق الفعلي لدسترة الهوية الامازيغية, ما أتاح لها تغييب هذا الملف لسنوات, و هذا ما عبر عنه أحمد بوكوس، عميد المعهد للثقافة الأمازيغية بإتهام الجماعة الإسلامية بإعاقة تنزيل القوانين التنظيمية المتعلقة بمراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية, و إتهم الجماعة بمعاداة الهوية الأمازيغية.
البعد الكولونيالي لليسراوية القومجية الشوفينية و للجماعة الإسلامية الظلامية الرجعية, من حدد موقف التحالف المصيري ضد القضية الامازيغية. و بشهادة أهل الدار يقول البراهمة ( قيادي زاوية النهج ) في تصريح لهسبريس عن هذا التحالف "أن حزب النهج يلتقي مع حزبَي الاستقلال والعدالة والتنمية، من حيث اللّغة الواجبِ التّدريسُ بها؛ لأن كلّ الأمم تدرّس بلغاتها الأمّ إذا أرادت أن تكون لها هويّة وتتطوَّر" كما عبر بن كيران عن علوية اللغة المزعومة و التبخيس من اللغة الامازيغية بتشبيهها باللغة الصينية. لسذاجة البهلواني بن كيران و غبائه جعله يجهل ان الصينية ليست لغة دونية كما تصور تفكيره الساذج, بل هي اللغة الحضارة الصينية الضاربة في التاريخ, و هي لغة العلم الذي أوصل الصين الى المنافسة على علوم الارض و الفضاء أمام البلدان المتطورة في العالم ( طبعا ليس امام التخلف العربي بلغته المقدسة).
النزعة الايمانية القاهرة و النزعة الشوفينية لدى العرقيين ميزت بالتوافق على اطروحة العداء للقضية الامازيغية, و جعلت الجماعتين تتوحد في مواقفهما المعادية للنضال الامازيغي, بجعله مجرد حالة تمرد عن آمر الواقع و في خدمة الاجندة الخارجية الصهيونية و الامبريالية. هذا الإتهام ناتج عن مرض الشيزوفيرنيا لدى الجماعتين اليسراوية والاسلامية, لأن الحقيقة الواقعية أكدت بالحقائق و الأدلة عن صهينة و عمالة العروبيين اليسراويون و الاسلاميون.
اليسراوية و الاسلامية هما معا واجهة دعائية لأجندة النظام الكولونيالي في عدائه لقومية ايمازيغن المضطهدة (فتح الهاء), و تتماثل اليسراوية مع اليمين الاسلامي في مواقفهما و افكارهما ازاء القضايا العروبية ومعاداة الحقوق القومية للشعوب الاصلية في خريطة أوطان الشعوب المحتلة.
لمواجهة الإيديولوجيتين اليسراوية و الاسلامية الداعمتين للنظام الكولونيالي,على الجماهير الشعبية الامازيغية الإدراك الواعي لحقيقة الأسباب الموضوعية للإضطهاد القومي و الإجتماعي, ما سيؤدي بالضرورة لمعرفة الجوهر الإستعماري للنظام العلوي, و سيدركون بالوعي الصحيح أن العروبة-الاسلام إيديولوجية إستلابية قسرية تخدم المشروع الكولونيالي للتحول الهوياتي, لكن على الأحرار ان لا يجب الوقوف عند مسألة فهم اسباب الاضطهاد فقط, بل يجب تغيير الواقع المنتج للإضطهاد. كتب ماركس في دفتر اطروحات حول فيورباخ:" لم يعمل الفلاسفة لحد الآن إلا على فهم العالم في الوقت الذي كان عليهم العمل على تغييره". العمل على التغيير و ليس مجرد الفهم و معرفة الواقع المأساوي للشعب الأمازيغي, بل على الأحرار إنتاج الوسائل الممكنة لتغيير هذا الواقع, على الأمازيغ العمل على تغيير الواقع بهدف التحرر من النظام الكولونيالي و ليس مجرد معرفة اسباب اضطهادهم.
#كوسلا_ابشن (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟