أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين معزة - المعارضة السياسية العربية من الخارج















المزيد.....


المعارضة السياسية العربية من الخارج


عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)


الحوار المتمدن-العدد: 8416 - 2025 / 7 / 27 - 20:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل هي نقمة على الأوضاع العامة في اوطانهم الأصلية، أم هي عمالة للخارج؟
المعارضة السياسية في الخارج تعارض الحكومة أو النظام القائم في بلدها، ولكنها تتواجد وتعمل خارج حدود ذلك البلد. قد تتخذ المعارضة في الخارج أشكالًا متعددة، بما في ذلك الأحزاب السياسية، وحركات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، والمنظمات غير الحكومية، وحتى الأفراد. غالبًا ما تهدف هذه المعارضة إلى التأثير على السياسة في بلدها الأم من خلال الضغط على الحكومة، أو توعية الرأي العام، أو دعم المعارضة الداخلية، أو حتى السعي لتغيير النظام القائم ولو عن طريق وسائل العنف.
انتشرت في عصرنا هذا ظاهرة «المعارضين السياسيين» للدول العربية سواء منها الأنظمة الملكية او الجمهورية، وهؤلاء المعارضون يعيشون في الدولة الغربية التي احتضنتهم ووفرت لهم الحماية وأحيانا حق اللجوء السياسي. فكرة المعارضة التي يتبنونها دائماً ما تأتي مغلفة بشعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وفصل السلطات واستقلالية القضاء والشفافية في تسيير الشأن العام التي تتناسب مع واقع دول الغرب الديمقراطي التي يقطنُها أولئك «المعارضون السياسيون»، ويقارنون بين دول الغرب الديمقراطي ودولهم على كلّ الأصعدة؛ بدءاً بالقوانين، مروراً بمستوى الخدمات، وصولاً إلى المعيشة اليومية للمواطنين وما يعانونه من بيروقراطية متعفنة وقضاء غير مستقل وفقر وظلم اجتماعي وسوء توزيع الثروة وارتفاع نسبة البطالة وارتفاع نسبة الفقر في في المجتمع . كلُّ تلك المقارنات تصبُّ في هدف واحد يتلخَّصُ في التعبير عن النقمة على بلدهم الأصلي الذي هاجروه بشكل طوعي وبإرادتهم في أغلب الأحيان مع وجود استثناءات قليلة جدا هاجرت هروبا من السجن بسبب آرائهم المعادية لأنظمة اوطانهم.
عندما نقرأ ونشاهد خطابَ تلك المجموعات المعارضة، نرى التنظير حول أهمية الديمقراطية والتعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة. في المقابل، نرى الانقسامات التي تمزّق أولئك الأفراد، وكيف تتحوَّل المجموعة إلى مجموعات، حيث يستقل كلُّ عضوٍ بمجموعة من الشُّبان الجدد ليكوّنوا مجموعة جديدة تحمل عنواناً برّاقاً يستنهض شبابَ الوطن للانضمام إلى «طريق المعارضة». ولنا هنا أن نتساءلَ عن مصداقية الشعارات البرَّاقة التي يتبنَّاها أولئك الأشخاص والتي تسقط بمجرد التنازع على قيادة مجموعةٍ صغيرةٍ من الشَّباب المغرر بهم، أو حفنة دولارات من مصادر التمويل التي يتنازعونَ عليها بشراسة! بمعنى، هل يُؤتمن هؤلاء على تسلم السلطة في أوطانهم؛ وهم ينهشون بعضَهم بعضاً، ويتنازعون على الموارد التي يمدّهم بها من لا يرجو الخير لأوطانهم؟
عندمَا يقوم المعارض بتنظيم مسيرة ضد مسؤول رسمي من بلده قادم لزيارة بلد المهجر الذي يحتضن المعارض، فإنَّه يحاول رفع الشعارات التي تدغدغ مشاعر الإعلام، حتى ولو لم يؤمن بها ذلك المعارض. والشَّواهد كثيرة على رفعهم صور أشخاص يكرهونهم حدّ التكفير والتخوين، ولكنَّهم يرفعون صورهم ويذيعون «مظلوميتهم» بهدف تجميع النقاط على حكوماتهم.
عند الأزمات التي تعصف بالمنطقة العربية وما اكثرها، تتعالى أصواتهم داعية الولايات المتحدة والغرب لتغيير أنظمة الحكم فيها، معتقدين بأن نموذج العراق 2003 قابل للتطبيق متى ما أرادت واشنطن، وبأنَّ الغرب عبارة عن جمعية خيرية تبذل مواردها من جنود وأموال في سبيل مظلومية المعارض البطل. هذا النوع من الأحلام يعكس مستوى الوعي الذي يتملكونه وفقاعة الأوهام التي تغلف حياتهم.
هذا النوع من الأنشطة يطرح سؤالاً أساسياً حول المبادئ التي ينطلق منها هؤلاء المعارضون في طرح نقدهم ورؤاهم. نتساءل هنا: ما معاييرهم للتميز بين الخيِّر والشرير؟ وعلى وجه التحديد، ماذا يريدون من حكوماتهم بالضبط؟
مع التسليم باختلاف مستوى أداء الحكومات العربية وكثرة المشاكل الاجتماعية، ومستوى كرامة العيش في الدول العربية، فإن الملاحظ تساوي حدة الخطاب بين من لا يجد لقمة العيش والكرامة في بلده، ومن عاش معززاً مكرماً في بلده. ولنكن أكثر صراحة، فإنَّنا نجد من يصف نفسه بالمعارض والقادم خاصة من الجزائر وبعض دول الخليج او السودان او مصر أكثر قسوة في كلامه على وطنه من الأعداء.
يستند هذا الموقف إلى إرث تاريخي للحركات المعارضة التي تستقي خطابَها من اليسار والتي نشأت في الدول الغربية من جهة ولنا عبرة في حزب نجم شمال افريقيا الذي تأسس في فرنسا، ولكنه كان وطنيا حمل راية الدفاع عن الشعب الجزائري ووقف في وجه الاستعمار الفرنسي وحركة «الإخوان المسلمين» من جهة أخرى. فقد رَسَّختِ الحركاتُ اليسارية والدينية (المبنية على فكر الإخوان) من النَّظرة الدونية لأوطانهم، وبالتَّالي، فإنَّ المعارضَ الجزائري او الخليجي او المصري يكرّر عباراتِ أساتذته اليساريين والاخوان الذين عفَّى عليهم وعلى خطابهم الزمن.
الذين يتابعون المعارضين الجزائريين في فرنسا ولندن وكندا وغيرهم، ويتابعون تحريضهم على بلدهم وتشكيكهم بكل جهاز وطني فيه وخاصة الجيش الوطني الشعبي، وتأويل الأحداث الداخلية وأقوال المسؤولين الى ما يخدم المتربصين، ونتابع بنفس الوقت التسهيلات الاعلامية والسياسية التي تقدم لهم من أسيادهم. تماما كما نتابع ما أمكننا من المغتربين الجزائريين الوطنيين الأحرار، الذين لا يطرحون أنفسهم للأجنبي كمعارضة مستوطِنه، بل يطرحون همومهم وأفكارهم ورؤاهم لبني جلدتهم ولصحفِ بني جلدتهم.
معظمهم عملاء للخارج، لكنهم يسهمون في صنع بنك من المسوغات السياسية للإجهاز على الوطن، ولا بد من مواجهة لعبتهم. وهذا لا يعفي الدولة بذات الوقت من اصلاحها لنفسها على مقاس مصالح الوطن وشعبه، ففي ذلك فقط يقبع حزام الأمان.
بعد الحراك السلمي الذي عرفته الجزائر، عاد التساؤل مجدداً حول أسباب دفع معارضين جزائريين في الخارج إلى الفوضى داخل البلاد، وبات الاستغراب يسيطر على النقاشات نظراً إلى غياب طرح البدائل في انتقاداتهم وانعدام أيديولوجية يدافعون عنها، ما جعل المتابعين يرفضون تصنيفهم كمعارضة، وإنّما شخصيات ناقمة لأسباب شخصية أو لخدمة أجندات أجنبية.
وهناك امثلة على ذلك، دعا المعارض الجزائري المقيم في تركيا رضا بودراع، إلى تسليح الحراك في إطار ما سمّاه "توازن الرعب" بين الشعب والدولة من أجل الدفاع عن النفس.
إن ظهور حركة رشاد ومعارضتها الراديكالية للنظام الجزائري القائم، امتداد لأطروحات حزب الجبهة الإسلامية المحل، كما أنه بعد أحداث منطقة القبائل في 2001، سُجّلت هجرة قوية لا سيما نحو فرنسا، تحمل فكراً علمانياً وترافع للهوية الأمازيغية وتعارض أجندة النظام القائم.
أن المعارضين الجزائريين في الخارج الذين ينتهجون أسلوب التحريض والدفع إلى الفوضى وتهييج الشارع، يستغلون فئة قليلة من متابعيهم، فئة لا تعرف الحقيقة المرّة لهؤلاء الأشخاص.
إن عدداً كبيراً مِمَّن يستعملون أسلوب التحريض على العنف والفوضى، هم أشخاص هاربون من العدالة الجزائرية ولا يمكن أن نسمّيهم معارضين، فمنهم مَن هو متورّط في قضايا أمنية، وهناك مَن صدرت في حقهم أحكام قضائية غيابياً، وآخر ينتحل صفة دبلوماسي سابق وهو في الأصل لم يكن أبداً كذلك بحسب التقارير طبعاً.
أما الهارب من العدالة الجزائرية هشام عبود، وهو بالمناسبة ضابط سابق في الجيش الجزائري ، فتتميز حملاته بشراسة تجعله يذهب إلى حد أنه لا يتوقف عن وصف الحاكمين في الجزائر ب ( أولاد الحرام ) ٠
كلنا يعلم ان المعارضين السياسيين الجزائريين كل محاولاتهم لتغيير النظام الجزائري باءت بالفشل والسبب يعود إلى عدم وجود لبرنامج سياسي لهم وعدم درايتهم بالممارسة السياسية وبدواليبها،
العدمية السياسية: إن المقصود بالعدمية في هذا السياق هو ببساطة فقدان المجتمع بأطيافه ونخبه الفكرية المختلفة الثقة في الفعل السياسي للمعارضة ودورها، وقدرتها وإمكاناتها في تحقيق الأهداف التي ترفعها وفي قيادة المجتمع إلى التغيير، ويستتبع ذلك امتداد هذه العدمية إلى فقدان الثقة في المؤسسات والهيئات النقابية والحزبية والمجتمع المدني وانسداد الأفق وسيادة اليأس من التغيير والتحوّل وهو الأمر الحاصل في معظم البلاد العربية التي قاد فيها ما أطلق عليه حراك “الربيع العربي” الحركات الإسلامية إلى السلطة.
الشعبوية السياسية: إذا كان المقصود بالخطاب الشعبوي في الغرب الخطاب الموجه بالأساس إلى الفئات الشعبية وقد ارتبط أساسا بالتيارات الفكرية اليسارية والتقدمية قبل أن يكون خطابا لليمين كذلك، فإن تعريفه ومقصديته ومحصلته في العالم العربي كانت تتفيه الخطاب والفعل السياسيّين وهو ما تشهد عليه خطابات الأغلبية كما المعارضة في المجالات السياسية العربية.
الإرهاب وإذكاء الإيمان بالعنف في التغيير: إن الفشل الذي منيت به تيارات الإسلام السياسي في التغيير وبناء دولة دينية مثالية، وما قادها إليه من فقدان للمشروعية السياسية وثقة القاعدة الجماهيرية، هو ما رسم أنفاقا مظلمة تقود عبرها الطائفية وفتاوى فقهاء الظلام وأنصاف العلماء وأرباعهم المجتمع إلى الدم والدمار والخراب قاعدة، بدل الحوار والتداول والتوافق والاتفاق والاختلاف حول التدبير والتسيير لشؤونه.
تحولات المجتمع وجمود الفكر
شهد العالم العربي برمّته ويشهد تحولات نتيجة ما يعرفه محيطه المحلي والدولي من متغيرات مست السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، في حين ظل الفكر السياسي العربي حبيس مرجعيات فكرية وأيديولوجيا إنتاجها كان محكوما بشروط مختلفة تماما عن الشروط التي يعيشها العربي اليوم، والحال أن السياسة باعتبارها علما وممارسة لا تعني كما ذهب المفكر عبدالإله بلقزيز غير “فكر متأقلم مع الواقع في سيرورته وفي صيرورته، في حركية تطوره الموضوعي وفي المآلات والمصائر التي يستحيل إليها وممارسة متكيفة مع متغيراته ومستجدّاته الواقعية الجارية بمقتضى قوانين موضوعية هي عينها قوانين الواقع”.
وإذا كان هذا الخلل في الفهم قد نتج عنه من جهة تخلف فكر المعارضة عن حركية الواقع العربي، فإنه من جهة ثانية جعل من المعارضات العربية منذ نهاية الستينات من القرن العشرين إلى اليوم معارضات مؤسسة على امتلاك الحقيقة، والحقيقة واحدة، وقدرتها دون غيرها على العبور بالمجتمع من الاستبداد وآثاره إلى مجتمع العدالة الاجتماعية، وذلك ما عكسته التصورات السياسية الاشتراكية الماركسية واللينينية. أو مؤسسة على اليقينيات والثوابت والأخلاق والقدرة على الارتفاع بالمجتمع إلى عالم المثال حيث يسود العدل ويحكم النص والشورى، بعيدا عن شعارات الديمقراطية والحرية والمساواة التي مضمونها تارة برجوازي رأسمالي، وأخرى غربي كافر.
إن هذا الفهم والانغلاق والرؤية الأحادية التي نتجت عنه هو ما قاد فكر ونشاط المعارضات السياسية العربية باختلاف مرجعياتها وتصوراتها إلى العقم والعجز عن صياغة برامج بديلة تخرج بالأوطان العربية وشعوبها من أزماتها وتخلفها، وهو عينه ما قادها إلى الفشل في التواصل مع الشباب خاصة، وشد انتباههم إليها وجعلهم متفاعلين معها وقاعدة لها، ما بجعل أحلامهم ركنا من أركان أفقها السياسي.
أغلب المعارضات السياسية العربية اليوم تعيش أزمتين؛ أزمة داخلية تجلت في استبداد قياداتها بإدارة أجهزة أحزابها وتسييرها والانفراد بقراراتها بعيدا عن التداول للتسيير كما اتخاذ القرار، وهو ما جعل منها صورة مصغرة للسلطة الحاكمة وحوّلها إلى مؤسسات تنعدم فيها الديمقراطية وتسود فيها الانتهازية والبيروقراطية والدوغمائية الفكرية، وأفقدها التمثيلية وأورثها الانشقاقات والتمزّقات.
أما الأزمة الثانية فهي ناتجة عن الأولى وتمثلت في فقدانها لاستقلالية القرار السياسي، فالمعارضة السياسية في العالم العربي حولت نتيجة ما لحقها من أعطاب وظيفتها من تمثيل الجماهير الاجتماعية، أو قسم منها على الأقل في الدفاع عن مصالحها، والتعبير عن رغباتها، إلى أدائها لوظيفة أخرى تجلت في حصر أفق المطالب الاجتماعية والسياسية للناس والالتفاف حولها ولجم احتجاجاتها، وسواء أكانت التبعية للداخل؛ للسلطة الحاكمة أو للخارج، فإن ذلك سبب من أسباب فقدان الشرعية والقدرة والفاعلية في أداء أدوارها.
إن أهمية الفكر السياسي المعارض تتمثل كما في تصور بلقزيز في “صون الحياة السياسية من الاضطراب ومدها بأسباب الاستقرار”، وهو بالنسبة إلى السلطة الحاكمة كما للمجتمع وأفراده صمّام أمان، ووجود هذا الفكر ومؤسساته بالغ الأهمية باعتباره صوتا أساسيا من أصوات المجتمع وصيغة ضرورية من صيغ التعبير عن إرادة التغيير من جهة متابعة القرار والأداء الحكوميين، ومن الطبيعي أن يكون فشل حركة الفكر المعارض ومؤسساته نتيجة لجملة الأسباب الذاتية والموضوعية التي ذكرنا بعضها تفصيلا أو تلميحا، وصرفنا النظر عن أسباب أخرى لا تقل أهمية عنها في شل حركة المعارضة السياسية في الوطن العربي وقيادة الفعل السياسي جملة إلى الانحطاط والعدمية.
ويفرض هنا بالضرورة إعادة طرح سؤال ما العمل؟ ومحاولة تقديم إجابات له تنطلق من تشخيص الوضع العربي ومعارضاته ونقد للذات، وينتهي بإعادة بناء لما طاله الهدم في الفعل السياسي على المستويين التصوري والتنظيمي، وفي هذا السياق نقدم بعض المقترحات التي نراها كفيلة بالعودة بالفكر المعارض المتطلع إلى التغيير على وجه الخصوص إلى أداء أدوراه واستعادة وهجه وطاقته على الاستقطاب وممارستها الفعل بدل المراوحة في حيز الانفعال وتقديم مشاريع بديلة، ولعله الطريق الذي نعتبره ممكنا لانتشال الشعوب العربية من ظلمات التخلف والقمع والقهر الاجتماعي.
الإسلام السياسي من المعارضة إلى العنف
لعلّ الخروج المتردد للشعوب العربية أو لفئات واسعة منها إلى الشارع للاحتجاج من أجل مطالب اجتماعية ومقاومة الاستبداد ورفض القمع الذي يطال الحريات يوما بعد يوم، ويأتي على الأخضر مما انتزعه بالدم والسجن، دون إحراز نتائج، دليل واضح على الحاجة الملحة إلى إعادة بناء المعارضة الفكرية والسياسية.
وتستدعي عملية إعادة البناء هذه، وهي عملية آنية لا تقبل الإرجاء أو التأخير لحساسية الظرف وعدم نضوج شروط التغيير المتصلة خاصة بعدم وجود تيارات ومؤسسات سياسية محل ثقة الجماهير وبرامج قادرة على جعلها تلتفّ حولها باعتبارها منبراً وبرنامجا مطلبيا وطنيا، معالجة ثلاث علل نخرت جسد الخطاب المعارض ولا يكون علاجها إلا بتجديد هذا الخطاب ومنابره.
• ولا يكون تجديد الخطاب السياسي -بالدرجة الأولى- إلا بإعادة وصل الثقافي والفكري بالسياسي، وهو ما يؤكد الحاجة إلى اضطلاع المثقفين بدورهم الاجتماعي والتاريخي في التعبير عن مواقفهم تجاه قضايا المجتمع العربي وهمومه وأزماته، وبانخراطهم في التأسيس لخطاب يركز على عقل الجماهير ويسعى إلى إقناعها بمشروعية التغيير وإمكانيته، ويوازي مخاطبة الوجدان الذي يزرع الحماسة في سبيل تحقيقه.
إن انخراط المثقف في صياغة خطب التغيير المجتمعي هو الكفيل بتصحيح الأخطاء التي قادت قوى التغيير إلى الانفصال عن شروط الواقع والتاريخ وعن المبادئ والقيم في ممارستها وبرامجها وفي الانفصال نتيجة لذلك عن الجماهير، وسيمكّنها من قنوات جديدة لتجديد تصوراتها وتعديل برامجها وفقا لما تقتضيه حاجات المجتمع ومتغيراته، وتشييد رؤى جديدة في الثقافة والسياسة والاقتصاد لا تنحرف عن المبادئ ولا تشذّ عنها.
ومن شأن المثقف المنخرط في الفعل السياسي أن يكشف زيف المناضل الذي صنعه الإعلام والشعبوي اللذان طبعا الحياة السياسية العربية اليوم بالسطحية والانحطاط على مستوى الخطاب والممارسة، كما من شأنه أن يتصدى لفكرة امتلاك الحقيقة المطلقة والرؤية الواحدة الأحادية والتوظيف الأيديولوجي والسياسي للدين.
إن من أكثر الأسباب التي عجّلت بإفراغ المعارضات السياسية من دورها وجمهورها أن من عارضوا بالأمس القريب الاستبداد وكانوا في مقدمة الرافضين للبيروقراطية والانتهازية والإقصاء في تسيير مؤسسات الدولة هؤلاء أنفسهم تحولوا إلى عقبة كأداء في طريق التغيير.
ولعل من المهام المستعجلة من أجل الخروج من حالة الجمود هي إتاحة الفرصة للأجيال الجديدة من الشباب العرب ليدلوا بدلوهم في مشروع التغيير، ويقدمون بالتالي رؤاهم التي سترفد حركة الفكر العربي برؤى جديدة ودم جديد.
وهو ما يحتاج حركة واسعة من التفكير النقدي ومن مراجعة التصورات السابقة التي فشل معتنقوها فشلا ذريعاً في جل معاركهم خلال المئة سنة الماضية.
فإسقاط الأنظمة العربية ربما يكون أسهل بكثير من مرحلة ما بعد السقوط، ألا وهو امتلاك المعارضين سواء في الخارج او في الداخل لمشروع استراتيجي يحمل في رحمه مقومات الدولة والنهوض بها. لهذا من الخطورة بمكان إسقاط النظام أي نظام، ولو كان نظاماً فاسداً ومفسدا، إلا إذا كانت تمتلك مشروعاً أفضل مما تم إسقاطه، لأن إسقاط النظام وعدم وجود برنامج سياسي يعني خلق فراغاً سياسياً هائلاً، وهذا أخطر ما يمكن أن يناقش في هذا الأمر. الفراغ السياسي أو ما يسمى "فراغ السلطة" هو من أكبر المحاذير الخطرة في حال سقط النظام -أي نظام كان-، ومن هنا يجب أن تكون المعارضة على وعي بأهمية امتلاكها المشروع الذي يمكن أن يسد الفراغ الحاصل من جراء سقوط الحكم، وهذا لم نجده قد تحقق في كل الدول التي خاضت تجربة الربيع العربي المشكوك في شرعيته أصلاً، باستثناء «تونس»، على الرغم من وجود بعض التحفظات حول طبيعة انتقال الحكم، لكنها تظل أفضل تجربة لمعارضة سياسية عربية على أقل التقديرات، إذ استطاعت أن تتدرج في مسألة ملء الفراغ السياسي بطريقة سياسية وليس بطريقة غوغائية.لا يمكن أن نبرر للأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي، لكن لا يمكننا أيضاً القبول بدكتاتوريات جديدة تحمل صفة «المعارضة»، ربما تخلق من الأزمات والويلات ما لم تخلقه الدكتاتوريات السابقة لها .إذا لم تمتلك المعارضات العربية مشروعاً سياسياً ديمقراطياً رزينا يملأ الفراغ المحتمل لسقوط الحكم، حينئذٍ يجب عليها تأجيل فكرة إسقاط الحكم حتى تمتلك مشروعها الذي يثبت وجوده في ظل فوضوية السلطة التي سبقتها، وأن يكون إسقاط النظام لو تكشَّف زيفه، عبر آلية ديمقراطية صِرفة أو عبر صناديق الاقتراع وليس عبر شلالات الدم والخراب، وإلا سيظل مشروع إسقاط الحكم، محاولة فاشلة لاستنساخ تجربة سياسية لا تقل في بشاعتها عن نظام سابقٍ لو ظل، لربما تستطيع أن تسير في شوارع وطنك بطريقة أكثر أمناً من نظام لا يملك سوى «الفراغ السياسي» القاتل. إن ابتعاد النخب السياسية من أصحاب الخبرة والنضال السياسي في وطننا العربي من تسنم مراكز القرار داخل الدولة أو خارجها -المعارضة-، أفسح المجال للعابثين والمراهقين الانفعاليين من تصدر المشهد السياسي للمعارضات العربية بطريقة ظلامية وغامضة، قد تكون أشد دكتاتورية من أسلافها.
حذر الدكتور عزمي بشارة، في ندوة عقدت في جامعة قطر من استيراد الديمقراطية عبر قوالب جاهزة أو فرضها بالقوة قائلا: إن ذلك الجانب من الديمقراطية شكلي يهتم بالقشور فقط، وقد جربته دول عربية عديدة فكانت المجالس المنتخبة مجرد ديكور، لأنها جاءت كرد فعل على مواقف لحظية غير مؤسسة على وعي مجتمعي بحتمية الديمقراطية، كما حدث في أوروبا على مدار قرون من الزمن.
إذ أن الديمقراطية الغربية لم تصنع بالثورات كما يحاول البعض أن يروج لها بل جاءت بشكل طبيعي تمليه ظروف التطور البشري في تلك المجتمعات وفي كل مجتمعات مماثلة. مضيفا ومن هنا فإن المبادرة إلى الإصلاح كثيرا ما تجر النظام المبادر لفقدان السيطرة على الأمور كما حصل في الاتحاد السوفيتي أيام غورباتشوف.
واعتبر بشارة أنه لا توجد أي أيديولوجية عربية تؤسس لشرعية الدولة القطرية بمفهومها القائم على التحالف بين العلمانيين والاستبداد، وهو تحالف غريب من نوعه حيث أصبحت الكثير من الأنظمة العربية تعمل على وتيرة التخويف لمواطنيها من خطر الفوضى للاستمرار في الحكم.
وهو أمر فهمته الأنظمة العربية فعمدت إلى اختيار نوع آخر مع التعاطي الديمقراطي يترك الأمر كله بيد الأجهزة الأمنية، وينظم من حين لآخر انتخابات هزلية فلكلورية لا تتعدى انتخابات برلمانية لا يشارك الفائز فيها في صناعة القرار السياسي، وهو ما جعل الجماهير تعزف عن المشاركة فيها بعد سنوات من كشفها لحقيقة اللعبة. وفضح الإخفاق الأميركي في تثبيت نموذج ديمقراطي كالذي وعدت به إدارة الرئيس بوش في العراق وأفغانستان.
وقال لم يعد الكثير من المثقفين العلمانيين بالذات يثقون في تلك الوعود ما جعلهم أكثر استعدادا للتحالف مع الأنظمة الاستبدادية، خوفا من الفوضى أو من الدولة الدينية الشمولية.
الأمر الذي جعل الاستبداد يتطور في الجمهوريات العربية بشكل أكثر سوءا، كما أن الثقافة السياسية لم تسهم في التحول الديمقراطي، بل أرجعت الشعوب إلى الوراء لتصبح العشيرة أو العائلة هي مصدر الحماية والحصول على الحقوق، وليس الدولة. فالمواطنة لم يعد مصدرها الانتماء للوطن أو الهوية بل غدت هناك مفاهيم عائمة لمفهوم الدولة والهوية والانتماء تغيب لها محددات واضحة المعالم.
ولكن الواجب الأخلاقي يحتمُ علينا أن نطرحَ السؤال على بعض شبابنا الذين يرون خطابَ أولئك الأفراد المعارضين السياسيين في الخارج وحتى في الداخل: هل ترون في طرحِهم ما يخدم مستقبلكم وجودة حياتكم وأمن وطنكم؟ ومل ستنساقون وراء مطالبهم الخبيثة بضرورة تغيير النظام عن طريق العنف؟
للمقال مراجع



#عزالدين_معزة (هاشتاغ)       Maza_Azzeddine#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستعمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر : 1830 ــ 1962
- حكام العرب
- اغتصاب العقل
- الدول العربية سجون كبيرة
- فقهاؤنا
- حرب اثنتا عشرة يوما
- النخب البديلة - المزيفة -
- النكتة - او المعارضة الشعبية الناعمة -
- المخابرات الجزائرية
- أنا إلى أين اسير
- نحن لا نشكو
- معركة وادي زقار 11 ماي 1957 بين رهانات الذاكرة والتاريخ والق ...
- الأكاديميون في جامعتنا العربية
- الأكاديميون في جامعتنا العربية
- إحياء الذكرى 66 لمعركة السطارة دوار بني صبيح بولاية جيجل 26- ...
- جريمة التجارب النووية الفرنسية المسكوت عنها في الجزائر 1960 ...
- جريمة التجارب النووية الفرنسية المسكوت عنها في الجزائر 1960 ...
- أنا بين واقعين متناقضين
- إشكالية التعامل مع تراثنا العربي الإسلامي
- إشكالية التعامل مع تراثنا العربي الإسلامي


المزيد.....




- ترامب يتوصل لاتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي ويخفف الرسوم ال ...
- ستارمر يسعى لمناقشة ملفي غزة والتجارة مع ترامب خلال اجتماع ا ...
- شاهد.. هروب الركاب من طائرة أميركية مشتعلة
- بريطانيا.. تظاهرة ضد الهجرة وسط إجراءات أمنية مشددة
- تصريحات أممية لا تزال تحذر من عواقب الجوع في غزة بعد تخفيف إ ...
- ألمانيا: مصرع ثلاثة على الأقل إثر خروج قطار عن مساره جنوب غر ...
- جماعة الحوثي اليمنية تتوعد بضرب السفن التي تتعامل مع موانئ إ ...
- حرائق ضخمة تجتاح شمال تركيا وسط حرارة قياسية وإجلاء آلاف الس ...
- صحيفة عن مسؤولين بإدارة ترامب: الوقت مناسب لصفقة شاملة تنهي ...
- عاجل | مستشفيات جنوب قطاع غزة: أكثر من 10 شهداء و40 مصابا بق ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين معزة - المعارضة السياسية العربية من الخارج