أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صافي صافي - المورسكي والفلامنغو في رواية “ عودة الموريسكي من تنهداته” لعدوان العدوان















المزيد.....

المورسكي والفلامنغو في رواية “ عودة الموريسكي من تنهداته” لعدوان العدوان


صافي صافي

الحوار المتمدن-العدد: 8415 - 2025 / 7 / 26 - 14:27
المحور: الادب والفن
    


( صدرت في 140 صفحة من القطع المتوسط/ أوغاريت/ رام الله 2010)
سأتناول الروية من قاعدة الفلامنغو، الرقص الشعبي الأندلسي الغجري الموريسكي.

إن أهمية أي عمل أدبي هو ديمومته، فهو ليس علاجا للحظة تاريخية معينة، أو تشخيصا، أو تأ
ملا. الأدب الحي يدوم حتى لو مرت عليه سنوات، لذلك ما زلنا نقرأ لكبار الكتاب، الذين “تحول عظمهم لمكاحل”، ليس تخليدا لهم، وإنما تخليدا لهذا الفن الرفيع، والفن لا يعني الرواية فقط، بل يعني كل ما يكتب، وكل ما يرسم، وكل ما يغنى، وكل ما يمسرح، وكل ما يرقص، وكل ما يقال.
إن أهمية العمل الروائي بالذات الذي سأتناوله هذه المرة، هو إثارة الأسئلة التي لا تجد لها إجابة واحدة بالضرورة، بل تولد مزيدا من الأسئلة، وانفتاح الإجابات على مصراعيها من قراء ونقاد ومفكرين. الأعمال الفنية تثير التفكير، تعمل على تحفيز العقول للشغل الداخلي، ما بين الأذنين، لإعادة قراءة الماضي، والتنبؤ بالمستقبل، فكل مرة تقرأه بشكل مختلف. فالرواية هي مدخل للتفكير النقدي وما فوقه، بحيث ترى نفسك من نقطة أعلاها، مما يعيد تشكيل المنظومة الفكرية بشكل جديد، يدفعك لتغيير رؤيتك، وتغيير سلوكك.
إذا صح أن “الفلامنغو” مشتق من”الفلاح المنكوب”، وكثير من الكلمات العربية انسلت إلى اللغة الإسبانية، بعد حكم امتد لحوالي ثمانية قرون في الأندلس، وبعد الاحتكاك الثقافي الواسع بين بلاد الشام وإسبانيا، وبين شمال أفريقيا والأندلس على مدى قرون وقرون. إذا صح معنى ذلك المصطلح، فإنني يمكن أن أرتكز عليه، وأجد منطلقا ومعنى لما سأقوله تاليا.
نشأ “الفلامنغو”، بعد انتهاء الحكم العربي الإسلامي هناك، فالحكم العربي تم تفتيته، وجعله على شكل جزر منعزلة، حتى أن الدويلة الواحدة حاربت جارتها، وتآمرت عليها، واستعدتها، وتواطأت مع “حكم البيض”، بل ناصرت الأعداء، وطلبت نصرتها، لمواجهة الأخوة الأقربين، دون وعي بأن الكل مستهدف، والاستهداف وجودي، بحيث يقتلع الجميع دون رحمة، دون شفقة، ودون إنسانية.
انتهى حكم غرناطة، بالقتال، وبالمؤامرات، وبالإتفاقيات الموقتة طبعا، كما يحدث هذه الأيام في منطقتنا. فتوزع الموريسكيون بين قتيل، ومهجر، ومن لم يقتل في “الدويلات” تم قتله في الطريق. انتهى حكم غرناطة وغيرها من دويلات الأندلس، وتم تنصير من تبقى منهم، أو تعذيبهم أبشع تعذيب، بكل الوسائل المتاحة والوحشية، بالنار وبالصلب، وبالحصار والتجويع، والاغتصاب، وفصل الأبناء عن الوالدين، وبسجون الموت الجماعي، وبالسحل، وبكل أدوات التعذيب والقتل وقتها.
الموريسكيون هو المصطلح الذي أطلق على العرب والذين ناصروهم في الأندلس، وهو مشتق من المغربيين، بصفتهم الأقرب جغرافيا إلى الأندلس، ويستخدم مصطلح “مورو” كمسبة، بمعنى الفوضوي والمتوحش، أو كصفة للذين يسكنون جنوب المتوسط، كما يستخدم اليوم مصطلح “إرهابي” من قبل الغرب في وصفهم لنا.
انقسم الموريسكيون لعدة أقسام، منهم من تعامل مع الدولة، وتم الغدر بهم، ومنهم من بقوا في الأندلس تحت الحكم الكاثوليكي، وأجبروا على اعتناق دين الدولة، ومنهم من تم تهجيرهم إلى شمال أفريقيا، ومنهم من تم قتالهم وتعذيبهم، ومنهم من اختفوا في الجبال، فاختلطوا ب “الغجر” القادمين من شرق أوروبا، ومن الهند أصلا. فهم متنقلون، مهمشون، لهم ثقافتهم الخاصة، وعاداتهم وتقاليدهم، وفنونهم.
اجتمع بعض “الموريسكيين” مع “الغجر”، ليحموا أنفسهم، ويشكلوا حماية لبعضهم، فنشأ اختلاط بين فنونهم، الفن “الغجري” من جهة، والفن الأندلسي من جهة أخرى، فكونوا عجينة غريبة، هي ما نراه اليوم ونسميه “الفلامنغو”.
راقبوا فن “الفلامنغو”، لا ترى أي ابتسامة أو ضحكة على وجوه المغنين والراقصين. إنهم عابسوا القسمات، جديين جدا. غناؤهم هو صرخات ومواويل، ورقصهم هو دق الأرجل بالأرض، وأياديهم تلوح شمالا ويمينا، نحو السماء تارة ونحو الأسفل تارة أخرى، يفردونها ويجمعونها بحركات متناسقة. إنه فلكلور العوام، المهمشين. إنه فن المهمشين، الذي انتقل في فترة لاحقة إلى الشوارع والساحات العامة، ثم إلى المسرح الرسمي بعدما تبنته الدولة (هذه قصة طويلة، حين يتبنى المنتصر فنون المنهزم، ويصبح جزءا من تراث الحكام). ثم انتقل إلى المسارح العالمية. بالعكس تماما من الإرث الخاص بمصارعة الثيران، الذي ابتدأ من الفلاحين، ثم تبنته الطبقة الأرستقراطية، وأقيمت الساحات والمسارح الخاصة بذلك، والمهرجانات الشعبية، وبدأ بالتراجع بعد حملات إعلامية لما في ذلك إساءة للحيوانات.
غناء “الفلامنغو” يعبر عن مأساة، فيه الغضب، والألم، والحزن، والبكاء، والنواح، والأذان والدعاء والصلاة، مع الطبيعة ومنها. إنه الولولة والندب على ما جرى ويجري لهم، وترافق التصفيق مع اللحن وحركة الأرجل. إنه التمرد الإيجابي، رفض الواقع، واقع التهميش، واقع الاستعباد، واقع تغيير الهوية وطمسها. بالفقاشات حينا، وبدونها وبغيرها حينا آخر، بألوان ثيابهم الزاهية الفاقعة، الأحمر والأسود. يغنون جماعة أو فرادى، ويحكون جملا هنا وهناك، كقواطع للغناء أو جزء منه، فهم يحكون قصة، وحكايات، وتاريخ وجغرافيا.
قلت التمرد، التمرد لا يعني الخنوع، وهو عكس الانتحار الجسدي، وعكس انتحار “ألبرت كامو”، فالانتحار عنده أن تلتصق تماما بفكرة، ولا تتغير مع الزمن، أن تصبح عبدا، ومقودا من آخرين، يفكرون عنك، ويتخذون القرارات بالنيابة عنك. لكن التمرد هو خيار في هذه الحياة “العبثية”، التي لا تعرف بالضبط لماذا تعيش، ولماذا ستموت. لم تكن الحياة خيارك، ولا يكون الموت خيارك أيضا.
موسى الأول، الذي عاش حوالي 120 سنة، مات في ظروف غامضة، ولا يعرف قبره حتى الآن، رغم المقامات العديدة التي بنيت هنا وهناك، وموسى ابن أبي غسان، اختار المواجهة، ثم ألقى بنفسه في النهر (انتحر)، وموسى النابلسي، هو الآخر، واجه الأعداء، كما موسى الأندلسي، فرأى الخيانة، والمستسلمين، والتآمر، وخذلان بني جلدته، ورأى قتل الذي استسلموا، فأطلق رصاصة في رأسه، واضعا حدا لحياته.
هل هذا هو المقصود من الرواية؟ أن يتم القتل والتعذيب والتهجير والاختلاط بالغجريين (المتمردين)، ثم ننتحر؟ هل كتب علينا الانتحار، لنظل نذكر المنتحرين في قصائدنا وأغانينا ورقصنا ومواويلنا الحزينة؟ هل سنظل نولول تاريخنا المعيب، وغير المتحلي بأخلاق ولا قيم توقف التهجير والقتل والتعذيب؟ هل تتحول هويتنا لهوية المظلوم الذي انتهى وقتل نفسه؟
لا أظن أن د. عدوان قصد ذلك، بل أراد التنبيه لما جرى بالأمس البعيد، وما جرى بالأمس القريب، وما يجري اليوم. أظنه أنه يدعو للتمرد، وعدم قبول هذا الواقع القاسي الذي يحولنا لعبيد، دون نصرة الأقربين، ولا الأبعدين الذي سنوا قواعد وحقوق الإنسان، ومجلس الأمن، والأمم المتحدة، وعديد المنظمات الإنسانية. إنه دعوة لإظهار الخذلان من الذين تباكوا على حقوق الحيوانات، والرفق بها، والذين دعموا مؤسسات غير حكومية لحقوق المعاقين، والمرأة والطفل وكبار السن.
أخشى أن تتحول فنوننا وفنون العالم لبكائيات على مصيرنا، وحاضرنا، كما تسللت الألحان “الفلامنغوية”، كما في أغنية “ألف ليلة وليلة” لأم كلثوم، وألحان فريد الأطرش خاصة في أغنيته “الربيع”، وفي “ يا ريم وادي ثقيف” لنجاح سلام، وفي الأغاني الصوفية المغاربية، والمواويل المصرية، والحبل على الجرار.
ويبقى السؤال الأهم، هو اسم موسى، لماذا موسى؟ سيقول البعض بأنه اسم عربي. نعم صحيح، لكن له رمزيته، وإن تم تعريبه أو العكس. لماذا موسى هو المنتحر في الحالتين؟ موسى الأندلسي، وموسى النابلسي، موسى في غرناطة، وموسى في جبال الأندلس بين “الغجر” ومعهم، وموسى بين جبلين في نابلس. فهل الذي واجه وأنتحر هو موسى الذي يخصنا، أم موساهم؟
أظن أن الكتابة خيار، والأسماء خيار، فهل نحن الموريسكيون الجدد، أم هم؟
الانتحار ليس من قيمنا، ولا تاريخنا بالشكل العام، لكن المواجهة والصبر والتحمل هي ما يميز النابلسي، بين الجبلين وعليهما، بين جرزيم وعيبال، جبال النار. بينما يرد في تاريخ الآخرين أنهم انتحروا، واختاروا غير الحياة.
الرواية كتبت منذ أكثر من عقد، وانتشرت، وهي بين أيدي القراء.
لكن المهم في الرواية هو هذه الأسئلة التي ما زالت تطرح مني ومن آخرين.



#صافي_صافي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين موسى الأندلسي وموسى النابلسي في رواية عودة الموريسكي من ...
- العابرون والمقيمون في رواية تزوجت شيطانا”/ لكفاح عواد
- شهادة عين التينة
- الذاكرة والرواية
- اللون الأزرق في رواية -عداء الطائرة الورقية- لخالد حسيني
- سينمائية رواية -وجع لا بد منه-
- تداخل الأجتاس الأدبية
- قراءة في رواية -علبة حذاء- لصونيا خضر
- رموز ومعاني في -حليب الضحى-
- -الرغيف الأسود: قصص الطفولة المنسية-
- -تحرير الشرق-: نحو إمبراطورية شرقية ثقافية
- شهادتي حول رواية زرعين
- العاشق/ة في -نساء من صمت-
- أطوار الغواية مسرحية في رواية
- أساطير الأولين ما بين الرواية والقصة
- الكتابة والمرأة في إشراقات صباح سالم
- أكاذيب المساء/ محمد رمضان الخضور/ عمان 2020
- الخاصرة الرخوة/ المطلقة/ روايتان لجميل السلحوت
- المطلقة إنسانة لها مشاعر وكرامة وحرية الاختيار والقرار
- رواية دروب المراثي لأسعد الأسعد


المزيد.....




- فنان جزائري: أحاول بلوحاتي إنقاذ أرواح شهداء غزة من النسيان ...
- غابور ماتي يفضح -الصدمة المستمرة- في فلسطين وينتقد الصمت الغ ...
- -عالم الديناصورات: إحياء-… حين تصبح العودة إلى الماضي موتًا ...
- من إسطنبول إلى عمّان.. هكذا تصنع زينب وعيا معرفيا بقضية القد ...
- مهرجان اللغة العربية الثامن في الخليل.. عين على غزة وعين على ...
- إطلاق خطة شاملة لإحياء السينما المصرية.. ما تفاصيلها؟
- رضوان لفلاحي: -لا شيء ممهَّد لشباب الضواحي في فرنسا كي يدخلو ...
- غاليري 54.. بورتريهات من ضوء، ألوان تتسابق وذاكرة تتمهل الزم ...
- رحيل فنان لبناني كبير والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تنعاه!
- احتجاجًا على الرقابة... فنانة أمريكية تُلغي معرضها في المتحف ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صافي صافي - المورسكي والفلامنغو في رواية “ عودة الموريسكي من تنهداته” لعدوان العدوان