أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - همام طه - الجامعات العراقية بين سيادة القانون وفائض السلطة















المزيد.....

الجامعات العراقية بين سيادة القانون وفائض السلطة


همام طه

الحوار المتمدن-العدد: 8412 - 2025 / 7 / 23 - 02:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مع كل موسم امتحانات جامعية في العراق، تتكرر المشاهد ذاتها: مسؤولون جامعيون، وسياسيون أحياناً، يدخلون القاعات أثناء أداء الطلبة لاختباراتهم، يلتقطون الصور، يتبادلون الابتسامات والمجاملات مع المراقبين والطلبة، يأخذون أوراق الأسئلة ويطلعون على مضامينها، وتُنشر "جولاتهم التفقدّية" على صفحات التواصل الاجتماعي.
يبدو هذا السلوك عادياً في السياق الثقافي العراقي الراهن، لكنه يخفي وراءه الكثير من الأسئلة المتعلقة بفهمنا للمؤسساتية، وحدود السلطة الجامعية، وسلامة البيئة الامتحانية.
ويسعى هذا المقال لتفكيك هذه "النزعة الاستعراضية" في فضاء التعليم العالي، والتي تكرّسها ثقافتنا بلا مساءلة، وتمرّ على حساب القيم المهنية والرصانة الجامعية والكرامة المؤسسية.
في لحظة تأمّل عابرة على هامش موسم الامتحانات الجامعية، وجدتني أطرح على نفسي سؤالاً بسيطاً ظاهرياً، لكنّه، بالنسبة لي، يختزل في داخله كل تعقيدات الإدارة والتعليم والسلطة:
هل يملك مسؤول اللجنة الامتحانية في الكلية الحقّ والصلاحية لمنع رئيس الجامعة أو عميد الكلية وضيوفهما من دخول قاعات الامتحان أثناء أداء الطلبة لاختبارهم؟
ربما يبدو السؤال غريباً في بيئة اعتادت أن تُستعرض فيها السلطة في كل لحظة ممكنة حتى أثناء صمت القاعة الامتحانية. ما أطرحه هنا ليس تطرّفاً ولا خيالاً، بل محاولة لمحاكاة فكرة "سيادة القانون" و"احترام الصلاحيات"، وهي من أبرز مؤشرات الإدارة الرشيدة في أي مؤسسة محترمة.
أن يُمنح مسؤولو اللجان الامتحانية في الكليات الصلاحية الحصرية لإدارة الامتحانات يعني أن الأمور تُدار وفقاً لنظام واضح وليس وفق الأهواء أو الرمزية الشكلية للمناصب. حين يدخل عميد الكلية أو رئيس الجامعة أو عضو البرلمان إلى القاعة في وقت الامتحان مصحوباً بالمرافقين والكاميرات، فهم - من حيث لا يشعرون - يتسبّبون في ارتباك الطلبة والمراقبين، وفي كسر الهيبة الضرورية لهذا الظرف الدقيق، وينتهكون حُرمة الزمان والمكان، إلى جانب الخرق الرمزي للقانون والتعليمات وثقافة المسؤولية داخل البيئة الجامعية.
ما نحتاجه هو ثقافة قانونية وإدارية جديدة تصون المؤسسات وترفض الاستعراض وتلتزم بالتعليمات والصلاحيات إلى جانب الالتزام بالتراتبيات الإدارية. هل هذه دعوة مثالية؟ نعم، ولكنها، باعتقادي، مثالية واقعية، مطلوبة، بل يجب السعي إليها لتكريس الانضباط المؤسسي والكفاءة الإدارية، لا التراجع عنها بحجة أنها ليست من "عاداتنا وتقاليدنا" البيروقراطية!
غالباً ما يُختزل مفهوم السيادة في وعينا العام إلى سيادة الدولة على أراضيها أو في علاقاتها الخارجية، لكن السيادة الحقيقية تبدأ من الداخل، من سيادة القانون ذاته، حين يُفهم على أنه الإطار الأعلى الذي ينظّم العلاقات داخل المؤسسات، ويحدّد المسؤوليات الإدارية والاختصاصات الوظيفية بعيداً عن الأمزجة والمجاملات والهياكل الشكلية للسلطة.
فكلّ موظف حكومي، صغيراً كان أو كبيراً، لا يُقاس وزنه بموقعه في الهرم الإداري بل بمدى التزامه بما يفرضه عليه القانون من واجبات وحدود مسؤولية وتوصيف وظيفي.
إن السلطة داخل المؤسسة، وخصوصاً في السياقات الحساسة كإجراء الامتحانات في مؤسسة تعليمية، لا تُوزّع وفق تراتبية طبقية سلطوية، بل تُبنى على تشاركية واضحة يضبطها القانون والتعليمات النافذة. فمسؤولو القاعات الامتحانية، في لحظة أداء الامتحان، هم مصدر القرار داخل القاعات، وأصحاب السلطة القانونية، ليس على الطلبة الممتحنين وحدهم، بل حتى على القيادات الجامعية الأعلى منهم رتبة إدارية ولقباً علمياً. ومن حقهم، بل من واجبهم، أن يمنعوا دخول أي شخص - بما في ذلك عميد الكلية أو رئيس الجامعة – إلى القاعات ما لم يكن مخولاً من اللجنة الامتحانية لأداء دور محدّد ومشروع قانونياً وذي صلة فعلية بسير الامتحان.
فالسلطة التشاركية لا تسأل: "مَن هو الأعلى؟" بل تسأل: "مَن المسؤول عن هذا الفعل؟". وبهذا وحده تُصان كرامة المؤسسة، وتتحقق الشفافية، ويُترجم احترام القانون من خطاب إنشائي إلى ممارسة فعلية.
إن السيادة الجامعية لا تقتصر على استقلال الجامعة عن التدخلات السياسية والحزبية والعشائرية فحسب، بل تتجلّى بشكل أعمق وأدق في وعيها هي كمؤسسة باستقلاليتها وممارستها للسيادة على فضائها الداخلي، من خلال احترام كل فردٍ فيها لقوانينها وقواعد السلوك فيها، والحفاظ على كرامتها الإدارية والأكاديمية، وضمان مهنية الأداء داخلها في كل تفصيلة من تفاصيل عملها، بدءاً من تنظيم المحاضرات مروراً بإجراء الامتحانات وصولاً إلى منح الشهادة الدراسية.
هذا الشكل من السيادة ليس ترفاً إدارياً، بل هو مظهر من مظاهر السيادة المعرفية، أي ذلك التصوّر الذي يتعامل مع المعرفة لا باعتبارها مجرد محتوى أكاديمي، بل أساساً تقوم عليه الدولة والمجتمع، وقيمة مركزية توجّه السياسات وصناعة القرار وأساليب الإدارة والوعي الجمعي.
فالسيادة المعرفية لا تُبنى بالشعارات ولا بالتفاخر بعدد الجامعات ولا بالتباهي بفخامة الألقاب الجامعية والعناوين الوظيفية والمناصب القيادية؛ بل حين تُدار تلك الجامعات، بوصفها مراكز لإنتاج المعرفة منطقاً وسلوكاً ومحتوى ابتكارياً، بروح مؤسسية حقيقية تُعلي من شأن القوانين، وتضع لكل موظف صلاحياته وحدوده، وتحمي الممارسات الجامعية من الاستغلال السياسي، وتحفظ للفضاء الجامعي استقلاليته، وللقاعات الامتحانية صمتها، وللمعرفة قيمتها وجوهرها.
عندها فقط تصبح الجامعة مؤسسة سيادية بالمعنى الأعمق: ليست سيادية لأنها فوق القانون، بل لأنها تمثّل سيادة القانون بوصفه تجسيداً حضارياً لسيادة المعرفة؛ وليست سيادية لأنها منفصلة أو معزولة، بل لأنها تُنتج الحماية الفعلية للدولة والمجتمع من اللامسؤولية واللاعقلانية واللاتنظيم.
ليس ما نحتاجه اليوم هو مسؤول جامعي يتجوّل في أروقة الكليات محاطاً بابتسامات الترحيب والتودّد من الكوادر الوظيفية وأضواء الكاميرات والخطى المسرعة للمرافقين، بل نحتاج نظاماً يحترم كرامة المؤسسة العلمية وهيبة الصمت الامتحاني، وعقلاً مؤسسياً يؤمن بأن صورة الطالب والطالبة وهما يكتبان أجوبتهما في هدوء، بلا صخب ولا استعراض، أكثر بلاغة من ألف صورة دعائية.
الجامعة ليست مسرحاً للعب أدوار البطولة المطلقة، والامتحان ليس عرضاً سياسياً أو مهرجاناً انتخابياً. وحين تتحول الإدارة إلى مشهد فوتوغرافي، فإن القيم المؤسسية تتعرض للخرق والانتهاك، ولكن بصمت.
لا يدعو هذا المقال إلى التصادم بين اللجان الامتحانية من جهة، وعمداء الكليات أو رؤساء الجامعات من جهة أخرى، كما لا يشجّع أي مسؤول امتحاني على اتخاذ إجراءات قد تضعه في مواجهة مباشرة مع المسؤولين الإداريين، خصوصاً في السياق العراقي الذي قد لا يوفّر دائماً حماية وظيفية كافية للممارسات المؤسسية السليمة. إن الهدف من هذا الطرح هو إثارة نقاش مسؤول حول فهم الأدوار والصلاحيات، واحترام مهنية المؤسسة الجامعية بوصفها جزءاً من مشروع أوسع لتكريس سيادة القانون في مؤسسات الدولة.



#همام_طه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق: ساحة للاستلاب الإقليمي أم دولة ذات سيادة؟!
- مأساة الكوت وأزمة الدولة العراقية
- من البوابة إلى الحضن إلى الانكفاء: صراع السرديات حول تموقع ا ...
- العنف المؤسسي في العراق: بين انحدار اللغة وكرامة الإنسان
- الاستثمار في الذات: ثورة على المرايا المكسورة
- قمة بغداد: محاولة عربية لقول شيء مختلف
- القمة العربية في بغداد: بين الرمزية السياسية وتجديد الخيال ا ...
- التشكيل والتأويل: قراءة النص الديني في ضوء العمل الفني
- في مديح التطبيل: يا عزيزي كلّنا مطبّلون!
- الذكاء الاصطناعي وتحديث الفكر الديني: أفق جديد للتفكيك والإص ...
- السوداني وتمرين المركزية الهادئة: حين يتمرّد القرار العراقي ...
- دهوك بطلاً للخليج: من المنجز الرياضي إلى أفق الجغرافيا التشا ...
- السوداني وفلسفة السيادة الأخلاقية: عقلانية سياسية تتجاوز جرا ...
- منطق الدولة بين العنف والحوار: نحو فلسفة أمنية جديدة لإدارة ...
- من الطائفية إلى الفئوية: تحوّلات الخطاب الحقوقي في العراق
- المعلم العراقي بين الواجب والمعيشة: مقترح لإعادة توزيع الكوا ...
- ترييف المدينة: بين التحوّلات الحضرية والتحامل الطبقي
- الخسارة كفرصة: حين تُعيدنا كرة القدم إلى أسئلة الوطن الكبرى
- الترجمة الخلّاقة: إعادة إنتاج المعنى بروح جديدة .. حوار مع ا ...
- إعادة تشكيل الوعي الوطني: الدين والتنوّع في الدولة الحديثة


المزيد.....




- الرئيس الإسرائيلي خلال زيارة للجنود في غزة: نحن دولة تلتزم ب ...
- مسؤول إيراني: وفد فني للوكالة الدولية للطاقة الذرية سيتوجه إ ...
- صفقة تبادل.. إطلاق سراح جندي أمريكي سابق أدين بقتل ثلاثة فنز ...
- خبير عسكري: مشاهد المقاومة تثبت كذب القادة العسكريين الإسرائ ...
- أنباء عن تفويض وفد إسرائيل بإنهاء الحرب ولقاءات مرتقبة لويتك ...
- -ريفييرا غزة- و-السيادة الإسرائيلية في الضفة- يناقشها الكنيس ...
- سجال فلسطيني إسرائيلي في اجتماع لمجلس الأمن بشأن غزة
- ماذا أراد الكنيست من تصويته على مشروع قانون ضم الضفة؟
- القوات السورية تغلق الطرق إلى السويداء بعد اشتباكات عنيفة
- -لم يلبِ التوقعات-.. مصادر لـCNN عن رد -حماس- بشأن انتشار ال ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - همام طه - الجامعات العراقية بين سيادة القانون وفائض السلطة