أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عامر عبد رسن - العراق بين توازن الردع وفوضى الاستثناء: قراءة استراتيجية في لحظة مفصلية















المزيد.....

العراق بين توازن الردع وفوضى الاستثناء: قراءة استراتيجية في لحظة مفصلية


عامر عبد رسن

الحوار المتمدن-العدد: 8408 - 2025 / 7 / 19 - 17:26
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


في ذروة التوتر النووي الإقليمي، وتحت وقع طبول الحرب الباردة المتجددة في الشرق الأوسط، خرج صوتٌ من الخليج يحمل نبرة غير معتادة، لكن ناضجة ومدروسة: الأمير تركي الفيصل، الدبلوماسي والمفكر الأمني المعروف، كتب في صحيفة The National مقالًا أثار أصداء تتجاوز حدود التحليل، ليُلامس جذور المعضلة التي تهز النظام الدولي: لماذا تُعاقب الدول التي تفكر في التخصيب النووي السلمي، وتُكافأ إسرائيل رغم امتلاكها ترسانة نووية سرّية؟
وبالواقع أن ما قاله الأمير، رغم خلفيته السعودية، لا يمكن فصله عن الأدراك المعرفي العربي الأوسع بعد أحداث حرب الـ 12 يوما الاخيرة، ولا حتى عن حسابات العراق تحديدًا، وهو يقف اليوم عند منعطف تاريخي في إعادة تعريف موقعه في معادلة السلاح والسيادة، وسط أمواج متلاطمة من الاستقطاب والابتزاز الإقليمي.
ديمونا: المنشأة التي أسقطت القاعدة الأخلاقية للنظام الدولي : المفاعل النووي الإسرائيلي في “ديمونا” ليس مجرد منشأة عسكرية – علمية، بل رمزٌ لصيغة استثنائية من الحصانة الدولية، تتناقض جذريًا مع مبدأ “عدم الانتشار” الذي تطالب به القوى الكبرى الجميع، وتُسائل به دولًا مثل إيران والعراق وحتى مصر.
يقول الأمير، بعبارة تهز الخطاب التقليدي: “لو كنا في عالم عادل، لكانت قنابل B2 قد أمطرت ديمونا.”ويضيف هذه ليست دعوة للقصف، بل دعوة للمساواة في تطبيق القانون الدولي، وتحذير من أن ازدواجية المعايير، وهي الطريق الأقصر لانهيار النظام العالمي نفسه.
العراق: ساحة الردع المختلط وتحدي السيادة المتنازع عليها : في هذا السياق، يبدو العراق وكأنه مختبر حي لفشل النظام الدولي في إدارة توازنات السلاح والسيادة.
• من جهة، عانى العراقيون من تدمير بُنى الدولة بحجة امتلاك “أسلحة دمار شامل” لم تثبت يومًا.
• ومن جهة أخرى، شهدت أراضيه نشوء توازن ردع داخلي وخارجي معقد، حيث تمتلك فصائل مسلحة قدرات صاروخية وارتباطات عابرة للحدود، بينما تبقى الدولة الرسمية مكبّلة باتفاقيات وتفاهمات لا تستطيع فرض سيطرتها الكاملة.
اليوم، ومع تزايد الحديث عن حرب إقليمية مفتوحة، بات واضحًا أن كل دولة لا تحتكر قرارها الأمني، ستُدفع عاجلاً أم آجلاً إلى هامش الصراع، أو تُستخدم كمنصة فيه دون إرادتها.
بين “الردع المحمي” و”الردع المؤمم” : التمييز الذي يطرحه المقال – وإن ضمنيًا – هو أن العالم يقبل بـ”ردع محمي” إسرائيلي لا يخضع للمساءلة، لكنه يرفض أي محاولة لامتلاك أو حتى التفكير بردع مستقل من قبل دول المنطقة. وهنا تحديدًا تتقاطع الرسالة مع هواجس النخب العراقية التي باتت تُدرك أن الردع يجب أن يكون خاضعًا للدولة، لا للولاءات، وأن السيادة لا تُمنح من الخارج بل تُبنى من الداخل.
التوازن الجديد: العراق أولاً… لا ضد أحد، بل مع الجميع : إذا كانت إسرائيل تُسلَّح وتُحمى خارج القانون، وإيران تُحاصر داخل معايير مشددة، وربما ذات المعادلة ستخضع لها تركيا وباكستان قريبا ، فإن العراق معنيّ اليوم بأن يُعيد بناء معادلة مستقلة، لا تعتمد على الاصطفاف مع أحد، بل على تحصين قراره الوطني ومؤسساته الأمنية. وهذا لا يتحقق بالشعارات، بل من خلال:
1. استعادة احتكار الدولة للسلاح بمبادرة داخلية، لا بأوامر خارجية.
2. الاستفادة من التجارب الإقليمية في حماية الأمن القومي دون خوض سباق التسلّح.
3. استثمار مكانة العراق الجغرافية كجسر توازن، لا كممر صراع.
4. بناء خطاب سياسي موحد بين النخب يرفض الاستثناء الدولي، دون أن ينزلق إلى محاور تتنازع عليه.
منطق الحماية مقابل السيادة… لم يعد مقبولًا : الرسالة الأهم في هذا المشهد، أن مرحلة “التحالف مقابل الحماية” قد انتهت. فحسب ما قال الأمير، الولايات المتحدة لم تعد مرجعًا أخلاقيًا مطلقًا، بل صارت – في نظر كثيرين – تمارس الابتزاز الأمني والاقتصادي على حلفائها في الخليج . وإذا استمر الصمت العربي، فإن القادم قد يكون فرض ترتيبات أمنية إقليمية تُشرعن استثناء إسرائيل نوويًا، وتُحوّل دول الجوار إلى أدوات ضبط لا أطراف تفاوض.
العراق يحتاج إلى خطاب سيادة ذكي… لا عاطفي : ما قاله الأمير تركي الفيصل يصلح أن يكون مرآة للنخب العراقية: ليس مطلوبًا من العراق أن يدخل سباق النووي، لكن من حقه أن يرفض التمييز، وأن يُطالب بمظلة قانونية عادلة، تحميه من الابتزاز، وتُعيد إليه مكانته السيادية.
في ضوء هذه المعطيات المتداخلة، يقف العراق أمام فرصة تاريخية نادرة: أن يتحرر من منطق الاصطفافات، ومن ضغوط الخارج، ومن إرث الداخل المثقل بفوضى السلاح وتنازع القرار. إن صُنّاع القرار في بغداد، بمختلف مستوياتهم، أمام مسؤولية استراتيجية لا يمكن تأجيلها:
• أن لا يُترك ملف السلاح خارج الدولة عُرضة للانفجار عند كل أزمة إقليمية.
• أن تُبنى معادلة الردع الوطنية على أساس سيادي، دستوري، ومهني، لا على التحالفات الظرفية.
• أن يُعاد الاعتبار للمؤسسة الأمنية الرسمية، بوصفها الضامن الوحيد لاستقرار الدولة، والوسيط المقبول محليًا ودوليًا لأي مشروع توازن.
• وأن تُستثمر الأصوات الإقليمية – مثل ما جاء في مقالة الأمير تركي الفيصل – كسند سياسي وديبلوماسي لتعزيز مطلب العراق العادل: أن لا استثناءات في القانون الدولي، لا سلاح فوق الدولة، ولا دولة بلا سيادة.
إننا بحاجة إلى تحوّل في العقيدة العسكرية والأمنية والسياسية العراقية، من منطق “ردود الأفعال” إلى هندسة المبادرات الوطنية ، مثل :
• تحويل الجغرافيا العراقية من ساحة عبور للصراع، إلى ممر للتكامل الاقتصادي الإقليمي.
• الدعوة إلى تحالف اقتصادي-تنموي إقليمي، لا يقوم على "التحالفات الأمنية" التقليدية، بل على الربط اللوجستي، والطاقة، والغذاء، والمياه، والتكنولوجيا النظيفة.
• بلورة إطار شراكة تُسهم فيه الدول المتوسطة والناشئة (العراق، السعودية، تركيا، الامارات ، إيران، الأردن، مصر) في خلق واقع إقليمي يحميها من هشاشة النظام الدولي المتصدع.
إن هذه الرؤية ليست ترفاً نظرياً، بل مخرجًا عقلانيًا من دوامة الردع العسكري نحو منطق الردع التنموي؛ فالدول التي تتشارك مصالح اقتصادية عابرة للحدود، تخلق شبكات حماية متبادلة تُعزز الاستقرار من الداخل، وتُقلل من فرص انزلاقها إلى حروب بالوكالة أو ابتزاز دولي.
فلا أحد سيمنحنا السيادة… إن لم نثبت أننا قادرون على إدارتها.
السيادة لا تُعلن في الخطب… بل تُبنى في المؤسسات.
والاستقلال لا يعني الانفصال عن الواقع، بل القدرة على تشكيله من موقع الندية لا التبعية.
ولعل هذا هو التحدي الأهم لصانع القرار العراقي اليوم:
أن يحوّل منطق الدفاع إلى منطق بناء، ومن فوضى التوازن إلى هندسة الاستقرار.
في خضم العاصفة، السيادة ليست ترفًا، بل شرط بقاء.
والسلاح، إن لم يُدار بعقل الدولة، فسيدار من خارجها.
والاستثناء إن لم يُكسر، سيتحوّل إلى قاعدة ضدنا جميعًا.
نعم، العراق أولاً… وهذا ليس شعارًا، بل مشروع دولة، في زمن تتلاشى فيه الدول أمام فائض السلاح، ونقص القرار.



#عامر_عبد_رسن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الجبال إلى الطاولات: العراق وتركيا على أعتاب شراكة ما بعد ...
- الاقتصاد العراقي مكشوف جويًا ورقميًا: الحرب الصامتة على المو ...
- وصفة إنقاذ: نحو علاج اقتصادي مستدام لسوق الأدوية في العراق
- العراق بين ظلال التحذير وإشراق الفرصة: دبلوماسية الفرص في لح ...
- تحولات السياسة الإيرانية: من -الشيطان الأكبر- إلى شريك أقتصا ...
- فرصة استراتيجية عبر الأطلسي: دعوة اقتصادية من الرئيس الأمريك ...
- صُنّاع العراق: نداء إلى الدولة من أجل نهضة العمالة الماهرة و ...
- الدين كسلاح جيوسياسي: الحروب المقدسة الجديدة في الشرق الأوسط
- العجز المائي والعجز المالي كيف يقود سوء إدارة المياه إلى نزي ...
- نزيف العملة الصعبة: حين تصبح العمالة الأجنبية عبئًا على الاق ...
- إيران بعد الضربة الأميركية من الردع النووي إلى معادلة الردع ...
- العراق في قلب ممرات النقل العالمية: كيف يستثمر في طريق التنم ...
- الاقتصاد العراقي تحت المجهر


المزيد.....




- وزيرة المالية: تقلبات أسعار النفط والخلافات مع الإقليم تؤخر ...
- العراق بين انخفاض أسعار النفط وتقدّم الطاقة المتجددة
- 13.7 مليار دولار عائدات صادرات تركيا من الآلات في النصف الأو ...
- السفير حسام زكي خلال استقباله وزيرة التعاون الاقتصادي الألما ...
- خبير اقتصادي: مصر ثاني أكبر مدين في العالم وصندوق النقد يفرض ...
- شركة أكوا باور السعودية تتفق مع شركات أوروبية لتصدير الطاقة ...
- وزير التجارة الأميركي واثق من إبرام اتفاق تجاري مع الاتحاد ا ...
- هل تكون الصين طريق مصر للخروج من أزمتها الاقتصادية؟‎
- في ظل موجة حر.. إيران تدعو مواطنيها للاقتصاد في استهلاك المي ...
- حسام زكي لوزيرة التعاون الاقتصادي الألمانية: ضرورة الوصول لا ...


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عامر عبد رسن - العراق بين توازن الردع وفوضى الاستثناء: قراءة استراتيجية في لحظة مفصلية