حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)
الحوار المتمدن-العدد: 8407 - 2025 / 7 / 18 - 21:53
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
شاركت في المؤتمر العلمي بكلية التربية بجامعة الزنتان إحدى الجامعات الحكومية الليبية، يوم 16 يوليو 2025، بناءً على دعوة كريمة من رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر. وقد طلب مني تقديم مداخلة بعنوان "دور كليات التربية في الإعداد والتأهيل المهني للمعلمين لتحسين جودة التعليم في ليبيا وفقًا لمتطلبات سوق العمل والتنمية". تتناول هذه المداخلة، التي تم نشرها هذا العام، أهمية تعزيز الجودة في كليات التربية. كما تناقش أبرز التحديات التي تواجه هذه الكليات في سبيل تحقيق التنمية المهنية المستدامة للمعلمين.
لقد تعودت في كل فعالية مهمة على رصد بعض الملاحظات والتوصيات، لعلها تُستفاد منها مستقبلاً من قبل القائمين على تلك الفعاليات. هذه الملاحظات ليست بغرض التشهير أو الإحراج، لا سمح الله، بل تهدف إلى توضيح بعض الأمور التي لم يُسمح لها الوقت بالتفصيل أو الشرح خلال الفعالية.
ركزت مداخلتي على أهمية وجود إدارة سياسية حقيقية لمعالجة التحديات التي لا تزال تواجه كليات التربية. وفي هذا الصدد، أود أن أذكر أنني كنت رئيس لجنة مكلفة بتحديث مناهج كليات التربية في الجامعات الليبية، وذلك بناءً على قرار رقم (168) لسنة 2021. وقد بلغت ساعات عمل اللجنة حوالي 720 ساعة، حيث رأيت الكثير من الأمور ولدي الكثير من النقاط التي لا تكفي هذه المقالة للحديث عنها. لذا، سأحاول إيصال كل ما رأيته للإدراك، بالرغم من صعوبة الأمر، بغية رفع الستار الذي كان يحجبها. حيث أعتقد أنني أتمتع بشجاعة مهنية تمكنني من مواجهة التحديات دون خشية من ردود أفعال المسؤولين. وهنا تبرز أمامي أبيات شعر يقول صاحبها:
أُغَمِّضُ عَيْنِي فيْ أُمُوْرٍ كَثِيْرَة وَإِنِّي عَلَى تَرْكِ الْغُمُوْضِ قَدِيْرُ
وَمَا عَنْ عَمًى أُغُضِي وَلَكِنْ لَرُبَّمَا تَعَامَى وَأَغْضَى المَرْءُ وَهْوَ بَصِيْرُ
لقد أكدت أعمال هذه اللجنة على ضرورة إعادة تعريف كليات التربية من حيث الأقسام والبرامج. كما بينت الحاجة إلى وجود رؤية ورسالة وأهداف لكليات التربية خلال المرحلة القادمة، وذلك بناءً على التحول المأمول في هذه الكليات. من الممارسات الجيدة التي تم التأكيد عليها آنذاك، أهمية إجراء مسح للطلبة في المستوى الأخير من التعليم الثانوي، مع ترغيب المتميزين منهم في تخصصات كليات التربية وترشيحهم بشكل مباشر أثناء هذه العملية.
ورصدت اللجنة عددًا من التحديات التي تواجه كليات التربية في ليبيا، حيث تتعدد وتتنوع هذه التحديات. ففي تقرير صادر عن وزارة التعليم العالي عام 2019، تم التأكيد على أن "كليات التربية تتحمل العبء الأكبر في بناء الإنسان وتأهليه. ومع ذلك، لم تحظَ هذه الكليات بأي تطوير وإصلاح في مراحل التعليم، بدءًا من معاهد المعلمين العامة والخاصة، وصولًا إلى دور الجامعات في عمليات التأهيل والتدريب من خلال كليات التربية التي أوكلت إليها مسؤولية إعداد المعلمين وتأهيلهم وتدريبهم قبل ممارسة المهنة وأثناءها" (تقرير لجنة تقييم كليات التربية، 2019، ص 5).وهذا يعني ببساطة أن كليات التربية في الجامعات الليبية تعاني من مشكلات جسيمة، ففيها ما يُبكي وفيها ما يُضحك، والأيام بينهما دول.
لقد واجهت هذه اللجنة تحديات وإكراهات من قبل المسؤولين في الوزارة، وهنا أقصد المستشارين ومديري الإدارات. حيث تم الضغط على الوزير لتفريغ القرار الصادر منه من أي محتوى، مما جعل اللجنة تبدو وكأنها لا تملك شيئًا. وقد أُزيحت مسألة تطوير المناهج أو تحسين الأداء بقرار وزاري آخر، حيث تم تشكيل لجنة وزارية جديدة تُناط بها مهمة تحسين مناهج كليات التربية.
على الرغم من ذلك، وبمعية خبراء من الجامعات الليبية، وبدعم من خبراء من الجامعات العربية، وأخص بالذكر هنا الجامعات السعودية واللبنانية والبحرينية، قمنا بمراجعة أعمالنا ونتائج ما توصلنا إليه. وتمت صياغة لائحة خاصة بكليات التربية تتضمن عددًا من عناصر الإصلاح المهمة، منها على سبيل المثال تحديد آلية اختيار القيادات التربوية لكليات التربية، وكذلك خصائص الخريجين من كليات التربية وتحديد مخرجات التعلم المستهدفة، وبرنامج التأهيل التربوي لأعضاء هيئة التدريس الجامعي. كما تشمل اللائحة الالتزام التام بأعداد المقبولين والتخصصات المطلوبة التي تحددها الوزارة بشكل سنوي أو نصف سنوي. كما أوضحت اللائحة أهمية التنسيق التام بما تقرره وزارة التربية والتعليم فيما يخص فتح و/أو حجب برنامج أو برامج كليات التربية وفق احتياجات الوظائف التعليمية حسب المناطق الإدارية. كما يتعين على المدارس الشريكة تمكين كليات التربية في إجراء البحوث والدراسات الميدانية ذات الطبيعة التعليمية والتربوية التي تطبقها الكلية وأعضاء هيئة التدريس. وأخيرًا، أوضحت اللائحة أهمية وضع آلية تعاون بين وزارة التربية والتعليم وكليات التربية، بالإضافة إلى تشكيل لجنة وطنية دائمة تُناط بها مسؤولية تنفيذ هذه اللائحة.
ولضمان أن تكون عملية تحديث وتطوير كليات التربية فعالة في التخطيط والتنفيذ والتقويم، بينت اللجنة التي التي أترأسها عددًا من المتطلبات المهمة التي يجب أخذها بعين الاعتبار، أهمها:
• إحالة مسودة اللائحة إلى مجلس الوزارة لإقرارها.
• قيام وزارة التعليم العالي بإصدار قرار تشكيل اللجنة الوطنية لتقويم وتطوير كليات التربية، حيث ستناط بهذه اللجنة مسؤوليات وواجبات تقويم وتطوير جميع برامج كليات التربية، بالإضافة إلى إصدار عدد من النماذج والأدلة المتعلقة بالجودة والاعتماد.
• استحداث قسم التربية العملية في جميع كليات التربية، حيث ستناط به عدد من الواجبات والمسؤوليات المتعلقة بالأنشطة والبرامج التدريبية.
• استحداث برنامج التأهيل التربوي في كليات التربية.
• قيام رئاسة الجامعات الليبية بالسعي الحثيث لتوفير الإمكانيات المادية لكليات التربية، مثل: أجهزة العرض، أجهزة الحاسوب، والسبورات الذكية.
• وضع خطة وزارية لصيانة مباني كليات التربية، بما في ذلك القاعات الدراسية والمعامل والمختبرات ودورات المياه، وغيرها.
• حث وزارة التربية والتعليم على أهمية وضع معايير واضحة لاختيار القيادات المدرسية
عموماً، تم عرض نتائج هذه الأعمال في اجتماع ضم عددًا من المسؤولين والمستشارين بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، فضلاً عن اللجنة الوزارية المناظرة لنا، والتي تُناط بها أيضًا مسؤولية تطوير مناهج كليات التربية.
وهنا أود أن أشير إلى أن لجنتنا لم تتقاضَ أي مكافآت حتى الآن، بالرغم من حجم الأعمال التي قامت بها اللجنة ودقتها. ومع ذلك، لا زلت أتحمل مسؤوليتها، حيث يتواصل معي بعض أعضاء اللجنة بشأن تلك المكافآت. وقد لا أكون مبالغًا إذا قلت إن أعمال لجنتنا قد تجاوزت، من حيث العمق والرؤية، كل ما قامت به تلك اللجان الأخرى المكلفة من قبل الوزارة بمتابعة وتقييم أداء كليات التربية. فقد تبين أن أعمال اللجنة المناظرة لنا كانت أقرب إلى أعمال فرق التدقيق أو المراجعة التي يقوم بها المركز الوطني لضمان جودة واعتماد المؤسسات التعليمية والتدريبية، حيث قامت بتقييم كليات التربية بناءً على معايير ومؤشرات المركز الوطني لضمان الجودة، دون أن تقوم بتشخيص أو الكشف عن المسكوت عنه أو وضع أي معالجات حقيقية.
ولأننا نتعامل مع عقول تعوّدت على عدم الدقة وغياب المسؤولية، اتصل بي مستشار بوزارة التعليم العالي وطلب مني بشكل شخصي إحالة اللائحة المقترحة من قبل لجنتنا. ولأنني شخص متفائل يتعلق بالأمل على حساب التجربة، قمت بإحالة تلك اللائحة إلى ذلك الشخص الذي هيمن على محتواها وقام بالعبث بها، مما جعلها عديمة الفائدة. وهي حاليا أصبحت اللائحة المنظمة لكليات التربية رقم (465) لسنة 2022م، حيث يمكن رصد عدد من الفجوات فيها، أهمها:
• افتقار اللائحة إلى آليات واضحة لتطوير استراتيجيات التدريس والتعلّم في كليات التربية.
• افتقار اللائحة إلى أساليب تقويم الطلاب بشكل واضح وفعّال.
• عدم تطرق اللائحة لإجراءات توصيف البرامج والمقرّرات الدراسية بكليات التربية.
• عدم توضيح آليات استحداث بعض البرامج في كليات التربية بما يتوافق مع الاحتياجات المجتمعية والتربوية.
• عدم التطرق إلى مخرجات التعلم المستهدفة لكليات التربية في المرحلة الجامعية الأولى، فضلاً عن خصائص ومواصفات الخريجين.
• عدم التطرق إلى إجراءات تقويم وتطوير الأقسام والبرامج العلمية القائمة في كليات التربية. حيث يجب على كليات التربية القيام بعمليات تقويم وتطوير الأقسام والبرامج العلمية القائمة كل خمس سنوات، من خلال تحديد مواطن القوة والضعف، وتحديد جوانب التحسين، لضمان جودة الأقسام والبرامج العلمية، وتحسينها وتطويرها بشكل مستمر بحيث تتماشى مع احتياجات سوق العمل ومتطلبات التنمية.
إن الاسترسال في الحديث عن اللائحة وقدرتها على توضيح عملية التحول أمر مهم، لكنني أرى أنه يمكن الاكتفاء بهذا القدر. عمومًا، ليس غريبًا في ظل هذه اللائحة أن تستمر نفس الإشكاليات. وما يدعم وجهة نظر هذه الملاحظة هو غياب الحديث عن اللائحة في هذه الفعالية، وكأنها غير موجودة.
فبعد مرور حوالي ثلاث سنوات على إصدار اللائحة المذكورة، التي كانت أقرب إلى فقاعات جميلة لا تكاد ترتفع حتى تنفجر، لا تزال كليات التربية في الجامعات الليبية تعاني من نفس الإشكاليات والتحديات، دون أي تغيير، حتى في المعطيات الأساسية والبديهية مثل المباني والتجهيزات.
وهنا نسارع إلى القول إنه إذا لم نتوصل إلى دواء لعللنا، فهذا يعني أن هناك خطأ أو نقصًا في التشخيص. لذا، تظل إعادة الفحص ضرورية، حيث يمكن أن تكون محاولة تفكيكية تساعدنا على رؤية الأمور بشكل أفضل، خصوصًا مع ما يستجد من وسائل قادرة على الإحاطة بجميع الأبعاد والنفاذ إلى أعماق المشكلة. وهذا يستدعي تبني رؤية جديدة لمعالجة تلك الإشكاليات.
أعود مرة أخرى للتأكيد على أننا بحاجة إلى تبني عقلية التجديد وليس التقليد. إن عقلية العزم تعني أن نبدأ الآن بالمتاح الممكن، ولكن بصورة متميزة. فالإشكاليات في كليات التربية ليست في المستحيل الذي نرغب فيه أو نتمناه، بل في الممكن تحقيقه أو ممارسته، وهو ما أصبحنا نفتقده ونضيعه كل يوم.
#حسين_سالم_مرجين (هاشتاغ)
Hussein_Salem__Mrgin#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟