أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قحطان الفرج الله - الحلاج ، سؤال لا يموت…. بين الفلسفة والتصوف.














المزيد.....

الحلاج ، سؤال لا يموت…. بين الفلسفة والتصوف.


قحطان الفرج الله

الحوار المتمدن-العدد: 8402 - 2025 / 7 / 13 - 15:13
المحور: الادب والفن
    


الحلاج ، سؤال لا يموت….
بين الفلسفة والتصوف.

قال لي أحد الطلاب ذات يوم، بجملة تثير أكثر مما تُجيب:“لا توجد علاقة بين الفلسفة والتصوف؛ فلا يمكن فلسفة الغيب، ولا يمكن عقلنة التذوق الصوفي.”
قد يبدو هذا الرأي متعجّلًا، لكنه يُحيل إلى إشكالية مركزية طالما أرّقت التراث الإسلامي، وهي التوتر البنيوي بين ما هو عقلي/برهاني، وما هو ذوقي/كشفي. فالفلسفة تُؤسَّس على العقل والمنطق والسؤال المتسلسل، بينما التصوف ينبني على الفناء والتجربة المباشرة والذوبان في الحضور الإلهي، وهو ما يجعل العلاقة بينهما متشابكة، لا تقبل الفصل التام ولا الاتحاد الكامل.
إن التصوف –في بنيته الأصيلة– ينحّي منطق العقل جانبًا، ويستعيض عنه بإرادة الاتصال بالله، لا كغاية فحسب، بل كمنهج في المعرفة. هنا يظهر الحلاج (ت 309هـ) بوصفه نقطة التحوّل الأخطر في تاريخ التصوف الإسلامي. فقد كان أول من حاول إدخال التصوف إلى ساحة الوعي العقلي والنقاش الفلسفي، فدفع الثمن رأسه، كما قال عنه شيخه الجنيد: “أحدث ثغرة في الإسلام لا يسدها إلا رأسك.” وهكذا كان. قُطع الرأس، لكن الثغرة لم تُسد.
من يتأمل شطحات الصوفية، يرى أن ما قاله البسطامي (ت 261هـ)، من عبارات مثل: “سبحاني ما أعظم شأني!”، أكثر جرأة ظاهرية من قول الحلاج: “أنا الحق!”. ولكن البسطامي لم يُتهم بالكفر، ولم يُحاكم، بل دافع عنه الجنيد نفسه، لأن تلك الأقوال كانت تُفهم كتعبير وجداني صرف، صادر عن فناء ذاتي في المحبوب، لا تسعى إلى التنظير أو إنتاج نسق.
أما الحلاج، فقد فعل ما لم يفعله غيره: أقحم التصوف في فضاء الفلسفة. لم يكن صوفيًا ذاق وسكت، بل كتب، ونظّر، وجادل، وفسّر، محاولًا أن يُؤسس نظرية وجودية تستند إلى الذوق، وتستعين بالعقل، وتتحدى المألوف، هذا المسار الذي بدأه الحلاج وجد امتداده لاحقًا عند السهروردي (ت 587هـ) في “حكمة الإشراق”، وعند محيي الدين ابن عربي (ت 638هـ) في “الفتوحات المكية” و”فصوص الحكم”، وعبد الكريم الجيلي (ت 832هـ) في “الإنسان الكامل”، لكن هنا تبرز المفارقة: هؤلاء الصوفية المتفلسفون لم يدّعوا أنهم توصلوا إلى نظرياتهم بالذوق وحده، ومع ذلك لم ينكروا على أنفسهم الانخراط في إنتاج معرفة نظامية، تتجاوز الفناء إلى البناء النظري.
قال ابن عربي في الفتوحات: “الذوق لا يُفسر، وإنما يُذاق.” لكنه قال أيضًا: “من لم يذق لم يعرف، ومن عرف لم ينطق.” وفي ذلك، كما يرى الدكتور سليمان العطار، نوع من التناقض المعرفي، حيث “يتحدث ابن عربي عن معارف ذوقية، لكنه يسهب في شرحها وتعقيدها، ويستعمل مصطلحات فلسفية ومفاهيم ميتافيزيقية تبتعد عن نقاء الذوق الصوفي كما مارسه ذو النون المصري أو رابعة العدوية.” ويضيف العطار، في أكثر من دراسة له، أن “ابن عربي في تصوفه أقرب إلى البناء الفلسفي الذوقي، بينما يمثل ذو النون المصري التجربة الصوفية في براءتها الأولى، التي لم تتورط بعد في التفسير أو التنظير.” وذو النون المصري، الذي يعدّ أول من أدخل مصطلح “الذوق” في الخطاب الصوفي، كان يؤمن أن التجربة الروحية لا تُنقل بالكلام، ولا تُنظّر، بل تُعاش. لذا، حين سُئل عن المعرفة بالله، قال: “عرّفني به فذُبتُ، ثم عرفني بنفسي فعدتُ.”
بالمقارنة مع أفلوطين أو سبينوزا –الذين رأوا في معرفة الله ذروة عقلية ووجدانية معًا– يبدو أن ابن عربي والسهروردي وغيرهم من الصوفية المتفلسفين حاولوا بناء تصوف فلسفي، أو فلسفة صوفية، تجمع الذوق بالبرهان، والكشف بالمنطق، لكنها كثيرًا ما وقعت في فخ التناقض، فالتصوف حين يُكتب، لا يعود ذوقًا خالصًا، بل يتحول إلى “نظام”، وهذه خيانة لمنهجه الأصلي.
ومن هنا، “لا يمكن الحكم على هذه النظريات بأنها تتويج الذوق لعمل العقل، كما هو الحال لدى أفلوطين أو سبينوزا، لأن هؤلاء فلاسفة تصوّفوا، أما السهروردي وابن عربي فصوفية تفلسفوا، وليس في قدرتهم أن يدّعوا أنهم توجوا بالعقل عمل الذوق، لأن الذوق –في رأي الصوفية– أسمى من العقل.”
وبالنتيجة، أصبح هؤلاء الصوفية المتفلسفون، وعلى رأسهم الحلاج، أشبه بالجسم الغريب تمامًا على التصوف، إن لم يكونوا –بحسب منطق التصوف الطرقي– مسوخًا داخل المنهج، ارتكبوا خطأً منهجيًا في حق التصوف، وخطيئة معرفية في حق الذوق، بل وربما دينية أيضًا، حين فتحت أقوالهم الباب للاشتباه، والفتنة، وقطع الرؤوس، لكن الحقيقة الأعمق هي أن الحلاج لم يمت، لأنه لم يكن “رجلًا”، بل سؤالًا حيًّا، هل يمكن للذوق أن يُقال؟ وهل التجربة الروحية قابلة للكتابة؟ وهل التصوف اليوم بحاجة إلى من يعيشه، أم من يفسّره؟
سؤال يعيدنا، من جديد، إلى تلك العبارة التي كتبها الحلاج بدمه: “وما لي وللناس، إنما أنا نفسي!”



#قحطان_الفرج_الله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة الخصم أقوى من وعي الحليف… قراءة في عقل الرئيس رفسنجاني ...
- والآن… ماذا بعد أن سقطت ورقة التوت؟!
- ( إيمان) يفرض بسلطة القانون
- حديث راهي جدًا….
- تفاهة اليقين: والخوف من السؤال: لماذا يعادي بعض رجال الدين ا ...
- (اللام الشمسية ) في سياسة حماية الطفولة
- ولاد الشمس: ذكاء الموضوع وعبقرية الأداء
- بين وهم التنمية البشرية والعنف الديني
- مقهى الوجودية
- تجليات معاصرة لشخصية عتمان (ابن الحبلة)
- الفكر الإنساني والأدب قراءة في كتاب د. سليمان العطار (عقلان ...
- صقور الحاج فويلح
- لماذا تأخر العرب وتقدم الصهاينة؟
- رياح التجهيل ومواسم التفاهة
- ثناء على الجيل الجديد ((يترجم القلب كلمات الحب بمعنى واحد …) ...
- سيرچاو صديقي الكردي...
- شعرية (الغموض الإيجابي)
- علم طفلك نطق الــ(لا)
- تشرين ولادة وطن اجهض في اسبوعه الأول
- مسلسل -الجنة والنار- وانعكاس لذّة العنف والبكاء


المزيد.....




- دراسة تنصح بعزف الموسيقى للوقاية من الشيخوخة المعرفية.. كيف؟ ...
- كتّاب وأدباء يوثقون الإبادة في غزة بطريقتهم الخاصة
- حين أكل الهولنديون -رئيس وزرائهم-.. القصة المروّعة ليوهان دي ...
- تكريم الإبداع والنهضة الثقافية بإطلاق جائزة الشيخ يوسف بن عي ...
- أهمية الروايات والوثائق التاريخية في حفظ الموروث المقدسي
- -خطر على الفن المصري-.. أشرف زكي يجدد رفضه مشاركة المؤثرين ف ...
- هل يحب أطفالك الحيوانات؟ أفلام عائلية أبطالها الرئيسيين ليسو ...
- أحمد عايد: الشللية المخيفة باتت تحكم الوسط الثقافي المصري
- مهرجان -شدوا الرحال- رحلة معرفية للناشئة من الأردن إلى القدس ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قحطان الفرج الله - الحلاج ، سؤال لا يموت…. بين الفلسفة والتصوف.