|
نقد نظرية ميشال فوكو حول السياسة الروحية. نظرية الخميني ونظرية تأليه نظام الحكم*
احسان طالب
الحوار المتمدن-العدد: 8402 - 2025 / 7 / 13 - 14:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وتُسمى أيضاً نظرية ألوهية الحاكم؛ وتقوم هذه النظرية على أن الحاكم ذي الطبيعة الإلهية يُعبد ويُبجل، وقد حددت هذه النظرية أن الحاكم من طبيعة غير الطبيعة البشرية، أي يُعتبر ذا طبيعة إلهية، وبالتالي تقوم هذه النظرية على وصف ألوهية الحاكم. فالحاكم (الله) يعيش بين الناس ويحكمهم. وما دام الأمر كذلك، فعلى الطبقة الحاكمة تأليه الحاكم والعمل على تقديسه وعبادته كإله قدوس. ويترتب على هذا المفهوم أن هؤلاء الحكام ذوي الطبيعة الإلهية كانوا يمتلكون سيادة مطلقة، وسلطة مقدسة لا حدود لها على رعيتهم، وأن هؤلاء الرعايا كانوا يطيعونهم ويخضعون لهم تماماً، وينفذون أوامرهم المقدسة بدقة، دون أدنى اعتراض أو نقاش، لأنهم كانوا ينظرون إليهم بإجلال وتبجيل كألهة. وقد وجدت هذه النظرية تطبيقات عديدة في الممالك والإمبراطوريات القديمة، مثل اليونان والرومان ومصر والصين. في المدن اليونانية القديمة، كان يُعتقد أن أول من حكم اليونان كانوا مخلوقات من عنصر أسمى من الإنسان، لأنهم من أصل إلهي. وكما كان الحال بالنسبة للأباطرة الرومان، اعتبر الإمبراطور الروماني نفسه إلهاً. مفهوم الثيوقراطية "الثيوقراطية" كلمة يونانية الأصل، وكلمة (ثيوقراطية) تتكون من كلمتين مدمجتين: "ثيوس" وتعني الله، و"كراتوس" وتعني حكم الله، أي أن الله مصدر السلطة. ولكن في معناها الشائع، يُقصد بالمصطلح حكم الدين أو حكم رجال الدين، أي حكومة الكهنة أو الحكومة الدينية. وهكذا، فإن الثيوقراطية نظام حكم يستمد فيه الحاكم سلطته أو شرعيته مباشرة من الإله الذي يمثل السلطة السياسية العليا، وتكون القوانين الإلهية هي القوانين المدنية المعمول بها. وبصفتهم خبراء في هذه القوانين الإلهية، فإن رجال الدين هم سلطة الله، التي يجب عليهم تجسيدها بفرض وتطبيق قوانينه السماوية. وقد اعتقد كثير من القدماء أن إلههم قد سلّم القوانين إلى حكوماتهم،2 وكان يُعتقد أن قوانين حمورابي نزلت من السماء. تُعتبر الثيوقراطية أحد أشكال الحكم الفردي المطلق، الذي كان يحكمه الملك بالوراثة، ولا يجوز لأحدٍ مخالفته بصفته خليفةً لله. ومن خالفها فقد خالف الله، ففعل ما يشاء. ونتيجةً لذلك، نشأ مفهوم الدولة الثيوقراطية، وهي دولة دينية تُفوّض فيها للكنيسة وقضاتها سلطة الحكم وسلطة التشريع. ـ13 ـ كان فوكو مفكراً مبدعاً ومثيراً للإعجاب، يتمتع برؤى عميقة. ومع ذلك، فإن عمله إشكالي من منظور النظرية السوسيولوجية. فقد تدرب كفيلسوف، وبينما اختار مواجهة العديد من القضايا الأساسية في علم الاجتماع، إلا أنه فعل ذلك دون أي أساس متطور في النظرية السوسيولوجية.
في كتابه "السلطة/المعرفة"، يذكر فوكو أنه منذ ديكارت، كانت المشكلة المركزية للفلسفة الغربية هي فهم جوهر المعرفة أو الحقيقة. يتساءل الفلاسفة: "ما هي المعرفة؟" أو "ما هي الحقيقة؟". ومع ذلك، يؤكد فوكو أيضًا أنه "منذ نيتشه، لم يعد سؤال الحقيقة" هو "ما هو أضمن طريق إلى الحقيقة؟"، بل "ما هي المسيرة الخطرة التي سلكتها الحقيقة؟"... ما هو تاريخ "إرادة الحقيقة" هذه؟ "ما آثارها؟" "كيف يتشابك كل هذا مع علاقات السلطة؟" (اقتباس فوكو، ١٩٨٠، ٦٦). يتساءل: "كيف أُعطيت "الحقيقة" هذه القيمة في مجتمعاتنا، مما وضعنا تحت سيطرتها المطلقة؟" (اقتباس فوكو، ١٩٨٨، ١٠٧). بعبارة أخرى، بتماهيه مع نيتشه، يدّعي فوكو أن مشكلة الحقيقة والمعرفة تكمن في كيفية استخدام الفاعلين لادعاءات الحقيقة. وهذا يُشكّل إعادة صياغة لمشكلة فلسفية في نظرية المعرفة كمشكلة اجتماعية تتعلق بالممارسة الاجتماعية. شكك مشروع فوكو الأثري في الطابع العالمي المزعوم لفهم عصر التنوير للمعرفة، وذلك بإثباته أن فئات الفكر هي بناءات اجتماعية مشروطة تاريخياً. وبدلًا من استخدام البيانات الأنثروبولوجية لدعم هذا الادعاء، استخدم فوكو بيانات تاريخية. وجادل بأن فئات الفكر اختلفت اختلافًا كبيراً عبر العصور المعرفية في عصر النهضة، والعصر الكلاسيكي، والعصر الحديث. في جوهره، استبدل فوكو بديهية كانط العالمية ببديهية تاريخية (اقتباس فوكو، ١٩٨٩). وبينما تختلف البيانات المختارة، فإن المنهج الأساسي واحد؛ إذ يكشف كل من الأنثروبولوجيا والتاريخ عن الطبيعة المشروطة للبناء الاجتماعي لفئات الفكر العالمية المفترضة. ـ14ـ يمكننا القول بأن فوكو طور نظرية دوركهايم في الدين والدولة والمجتمع، وجعل البعد الرابع (المعرفة) بعداً اجتماعياً (الفرد، السلطة، المجتمع، المعرفة) فلكل مجتمع منهجه الخاص في تأسيس الحقيقة ومعرفتها، تلك المعرفة أطلق عليها دوركهايم اسم (الوعي الجماعي) ومع الاعتراف بوجود ذلك الوعي وتأثيراته العميقة على ثقافة وفكر ووجدان الأفراد في المجتمع، فإننا لا يمكننا اعتبار تلك المعرفة أو الحقيقة، التي باتت راسخة أو يقينية مطلقة (دوكسا) حقيقة مطلقة ينبغي الإقرار بها، فلكل مجتمع يقينياته وهي متضاربة ومتناقضة مع المجتمعات الأخرى ومتقابلة في نفس الوقت، لذلك نحن علينا النظر في (الابستمي) مقابل الدوكسا، أي في المعرفة الأصيلة الجوهري مقابل اليقينيات الحتمية. بعبارة أخرى علينا مناقشة ادعاءات الحقيقة، والحقيقة ذاتها، ادعاء الحقيقة المطلقة هي أسهل واسطة للسلطة التي تزعم أنها مفوضة من الله، فهذا جانب لا ينبغي مناقشته، والواجب فقط هو الطاعة والاتباع، وهنا، كما حصل في أيديولوجية الخمينية والدولة الدينية الإيرانية التي تنتهج عقيدة (ولاية الفقيه) أي المفوض الإلهي بالحكم والسلطة، هنا بالتحديد أطاح فوكو بالمعرفة والفلسفة وحتى العلم. "الشاه يعيش قبل مئة عام من العصر" في تشرين أول (أكتوبر) 1978 أجرى فوكو تحليلاً لنظام الشاه لصالح مجلة كورير ديلا سيرا، فكتب: “الشاه يعيش قبل مئة عام من العصر”، التحديث تقولب في النظام السياسي الفاشي للشاه. وقد كتب فوكو ناسباً نفسه إلى عالم ما بعد الحداثة بأن خطة العلمنة والتحديث التي ورثها الشاه عن والده الديكتاتور المتوحش، ذي النظرة الشهيرة، كانت متخلفة وميتة." ـ15ـ لأسباب تعود لطبيعة فكر فوكو النقدي ومراجعاته لمفاهيم السلطة والدول في الغرب الأوروبي، أو لنفسه، اتخذ مساراً يوظف المنطق "الفارغ" ليتحول إلى داعية للخميني، وداعية للحكومة الإسلامية التي يريدها" ففوكو كان متوهماً ولم يقرأ كامل الرسالة الدينية المتزمتة والمتطرفة التي صدَّرها في الحكومة الإسلامية. ففوكو كان ينظر إلى حكم الخميني برؤية متعاطفة بل مسحورة، وهي الكلمة الأقرب لتفسير الحالة النفسية والوجدانية التي كان يعيشها في تلك الفترة، طبعاً نقصد هنا كناية معنى وليس المعنى الحرفي، فوكو لم يقرأ أبداً كتاب الحكومة الإسلامية، وسأثبت بالدليل، فهو لو كان قرأ مقتطفات لما قال في مقالات يمتدح ويدافع فيها عن حكم الملالي. "دعا فوكو إلى الاطمئنان، كما لو كان داعية الخميني إلى “حكومة إسلامية”، فقال: ” هناك غياب للتراتبية التسلسلية لرجال الدين، مع تمتع الزعماء الدينيين بنوع من الاستقلال عن بعضهم، لكن هناك اعتماداً (بعضه مالي) على الأتباع”. ورجال الدين لم يكونوا ديمقراطيين فحسب، بل كانوا يحملون رؤية سياسية إبداعية: “هناك أمر لا بد من توضيحه، فما من أحد في إيران يقصد بقوله “حكومة إسلامية” نظاماً سياسياً يمتلك فيه رجال الدين (الكهنة) التحكم والسيطرة . . . . إنه أمر قديم جداً وبعيد جداً في المستقبل، إنها فكرة العودة إلى ما كان عليه الإسلام في عصر النبي، ولكن في نفس الوقت مع التقدم نحو نقطة بعيدة ومضيئة يمكن عندها تجديد الإيمان أكثر من المحافظة على الطاعات. ولتحقيق هذا الهدف، بالتوافق مع دين خلاق كالإسلام، يبدو لي أن التشكيك في مسألة الفهم الحرفي للشرع أمر جوهري”.ــ 16 ـ اعتبر فوكو الخميني ممثلاً ومعبراً كلياً عن الإسلام كدين خلاق، ودافع بشدة عن حكومة الخميني باعتبارها "عودة" لعهد النبوة. نقرأ في كتاب الخميني، ولنتبين بأن عهد النبي نفسه لم يحقق الإسلام كما ينبغي حسب عقيدة الخميني، وبل وأن الأئمة هم مفضلون على الأنبياء والرسل، ومحمد بن عبد الله واحد منهم، بل وأن الأئمة يتلقون الوحي من الله مباشرة: يقول الخميني: ( إن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب و لا نبي مرسل .. و قد ورد عنهم (ع) أن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب و لا نبي مرسل ) . انظر الحكومة الإسلامية ص 52. ويقول أيضاً في خطاب ألقاه في ذكرى مولد الرضا الإمام السابع عند الشيعة بتاريخ 9/8/1984م : ( إني متأسف لأمرين أحدهما أن نظام الحكم الإسلامي لم ينجح منذ فجر الإسلام إلى يومنا هذا ، وحتى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يستقم نظام الحكم كما ينبغي ). يتهم الخميني النبي صلى الله عليه وسلم بعدم تبليغ الرسالة كما ينبغي، يقول في (كتاب كشف الأسرار ص 55 ) : ( و واضح أن النبي لو كان قد بلغ بأمر الإمامة طبقاً لما أمر الله به وبذل المساعي في هذا المجال لما نشبت في البلدان الإسلامية كل هذه الاختلافات والمشاحنات والمعارك ، ولما ظهرت خلافات في أصول الدين وفروعه ) يقول الخميني ( تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن ) . الحكومة الإسلامية ص 113. وينسب لهم صفة الألوهية فيقول: (فإن للإمام مقاماً محموداً وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات الكون). ـ 17 ـ إذن فوكو كان غافلاً تماما عن النظام السياسي الخميني الذي يؤله الحاكم ويجعله وكيلاً عن الله بدون واسطة، وهو بذلك تجاوز المفهوم الثيوقراطي لنظام الحكم، وحوَّل الأئمة لألهه يتحكمون بذرات الكون، هل وعي فوكو تلك العقائد الرئيسة في حكومة الملالي؟ بالتأكيد لم يدرك، أي لم يفتش ويبحث ويقرأ، ولم يعي، أي لم يفهم ولم يفكر ولم يتبصر وينتقد، فيما كان مسحوراً بهالة شخصية ووهم غيبي أمضى حياته لهدمه ومناهضته. أين هي فكرة العودة المزعومة إذا كان النبي لم يبلِّغ صراحة عن الإمامة ولم يقيم الإسلام كما ينبغي؟ يقول الخميني: (إني متأسف لأمرين أحدهما أن نظام الحكم الإسلامي لم ينجح منذ فجر الإسلام إلى يومنا هذا، وحتى في عهد الرسول ولم يستقم نظام الحكم كما ينبغي) يقول فوكو: "لكن ما أذهلني في إيران هو عدم وجود صراع بين عناصر مختلفة. وهذا ما يمنحها ذلك القدر من الجمال، والخطورة في الوقت نفسه، إذا لا توجد سوى جبهة واحدة. إنها بين الشعب من جهة والدولة المتسلطة التي تهددهم بأسلحتها وشرطتها”. وها هنا كان لإنكار فوكو وجود أي فروق وتمايزات اجتماعية أو سياسية في إيران وقع يقطع الأنفاس." هل حقا كان في إيران طرفان فقط، جماعة الخميني ونظام الشاه؟ هل غفل فوكو عن التعدد الديني والمذهبي والعرقي والتاريخي في الدولة الإيرانية قبل ثورة الخميني، لقد كان وما يزال ذلك الأمر حقيقة واقعة لا جدل فيها ولا تخفى عن البصر قبل البصيرة، لكن فوكو عمي عنها. ومن المعروف والمشهور أن فوكو كان من مؤيدي المثلية الجنسية، والحريات الشخصية في اللباس والاعتقاد لكنه هنا أيضا لم يتراجع ولم يصحح. "مع حلول ربيع 1979، بلغت المجادلات ذروتها. في 24 آذار (مارس) نشر مقال حواري موجه ضد فوكو في جريدة “لو ماتين” اليومية اليسارية والتي توجهت افتتاحيتها بقوة ضد ما سمته اتجاه الخميني نحو الثورة المضادة والنظام الأخلاقي. جاء المقال تحت عنوان “بماذا يحلم الفلاسفة؟”. كتبته كلاودي وجاك بريل وهما صحفيان ناشطان في الحركة النسوية، سخرا فيه من حماس فوكو تجاه الحركة الإسلامية: “عاد ميشيل فوكو قبل بضعة أشهر ليقول لنا بأنه (متأثر) بـ (محاولة فتح بعد روحي للسياسة) يبدو له في مشروع الحكومة الإسلامية. اليوم هناك بنات صغيرات يلبسن الأسود، من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين؛ أو يتم طعنهن لرفضهن ارتداء الحجاب؛ في حين تجرى عمليات إعدام علنية للمثليين جنسياً، وقد تم إنشاء وزارة خاصة بالإرشاد الإسلامي وفق أحكام القرآن، أما اللصوص والبغايا فيجلدن”. " ـ 18 ـ لقد وقع فوكو في الكثير من الأخطاء التي ما كانت لتخفى على باحث بدأ للتو بخط مقالته الأولى، الغريب أنه لم يكن يفهم الإسلام في الأصل، وظن كغيره من المثقفين أن الفكر اليساري والماركسي له أصول متينة في التراث الإسلامي وهذا في الحقيقة محض هراء. لم يفكر ولو لحظة واحدة بوجود صراع على السلطة قبل كل ما يمكن بحثه، ففكرة الإمساك بالسلطة والسيطرة والهيمنة على الجماهير هي في صلب وصميم وجوهر التوجه الديني الخميني الشيعي، لأن المنتخبين المنتجبين المعصومين الأبرار والأخيار المتحكمين بذرات الكون هم، وهم فقط من يجب ويحق له الحكم والسيطرة والهيمنة. ولا يخفى تاريخ الصراع على السلطة منذ بدء قيام دولة الإسلام، ولا يمكن لدارس مبتدأ أن يغفل عن الصراع الدموي الذي شهدته تلك الفترة. ففوكو لم يعرف تاريخ إيران ولم يعرف تاريخ الإسلام منذ الوهلة الأولى. أسئلة كثيرة لا بد من الإجابة عليها بعد الاطلاع على كتابات فوكو تلك. هل كانت تلكم الكتابات انحرافاً وتيهاً، وهل هي ناتجة عن جهله بالتاريخ والثقافة الإيرانية والثقافة والتاريخ الإسلامي عموما؟ وهل كان غافلاً عن التنظيم العالمي الإسلامي الطامح للإطاحة بالنظم والحكومات العربية والشرق أوسطية كبداية لإقامة الإمبراطورية ودولة الخلافة المنشودة؟ مكسيم رودنسون : "علق ميشيل فوكو آمالاً كبيرة على الثورة الإيرانية. كانت معرفته بالتاريخ الإسلامي ناقصة للغاية، ولهذا السبب أعاد صياغة الأحداث في إيران، متقبلاً اقتراحات أصدقائه الإيرانيين، التي غالباً ما كانت شبه نظرية. كُتب فوكو مقال "الخميني وأولوية الروحانية" في الأصل لتوضيح ما اعتقد أنه موجة من الضلال. على أي حال، لا يزال المقال شاهداً على الأجواء التي سادت المثقفين الأوروبيين (وأحيانًا اليمينيين) والأمريكيين خلال الفترة التي أطاحت فيها الثورة الإيرانية بالشاه تحت راية الإسلام الشيعي. لم يستغرق آية الله هذا، الذي كان يتمتع بعدة أنواع من الكاريزما، وقتًا طويلاً للكشف عن ميله نحو أحلك أشكال الثقافة القديمة؛ نحو الأساليب التقليدية للحكم، التي كانت مخفية تحت عباءة الإسلام الخضراء دون الكثير من الصدق الفكري؛ وببرودها تجاه الجروح التي يسببها عناد الشيخوخة وغضبها الغريب. في فبراير/شباط ١٩٧٨، بينما كنت لا أزال أكتب بحذر، خطرت في بالي رواية "توركومادا". سرعان ما تبددت هذه الشكوك تماماً.
السادية التي كانت في البداية تتذرع بخدمة الناس أو الإنسانية، أو على مستوى أعلى، خدمة إله منتقم، أصبحت أكثر وضوحاً في عالمه العقلي الناقص. السادية التي تُرسل المحكوم عليهم إلى العدالة الإلهية بأسرع وقت ممكن. بموافقته، شمر مرؤوسوه عن سواعدهم وعذبوا أجساد السجناء أو المحكوم عليهم بالإعدام بمتعة. سرعان ما أصبح الملا خلخالي شخصية دينية بارزة في هذا المجال. كان ميشيل فوكو، المفكر الكبير وأحد المنتمين إلى التيار الفكري الراديكالي المعارض، قد علق آمالًا كبيرة على الثورة الإيرانية. كانت معرفته بالتاريخ الإسلامي تعاني من ثغرات كبيرة، ولذلك أعاد صياغة الأحداث في إيران، متقبلًا اقتراحات أصدقائه الإيرانيين، التي غالباً ما كانت شبه نظرية، واستنبط منها صورة لنهاية التاريخ عوّضت عن خيبة الأمل في أوروبا وغيرها." ـ19ـ
(توماس دي توركيمادا (بالإسبانية: Tomás de Torquemada) 14 أكتوبر 1420 - 16 سبتمبر 1498)، هو راهب إسباني دومينيكاني عاش في القرن الخامس عشر للميلاد، وهو أول محقق عام في محاكم التفتيش في ذلك الوقت لمواءمة الممارسات الدينية مع ممارسات الكنيسة الرومانية الكاثوليكية) شبَّه رودنسون خلخالي قاضي الخميني، بتوركومادا، أول محقق في محاكم التفتيش الإسبانية) (آية الله صادق خلخالي مسؤول المحاكم الثورية الإيرانية التي شكلت بعد الثورة الإسلامية عام 1979. الملقب بالقاضي الأحمر توفي 27/11/2003 ) التركيبة المفاهيمية ولعلها الاستبداد المفاهيمي للعقل الفلسفي، تمنح صاحبها وهم الهيمنة على ما تتدخل فيه وتعالجه، بهذه الصفة يغدو الفيلسوف هادياً وداعياً ومبشراً بالنور وداحضا للظلام، أي بعبارة أخرى يتحول لرجل ديني مع الافتراق في المرجعية باستثناء الوهم بالوسع الكلي. أراد فوكو عيش الحلم الطوباوي الذي يحلم به متأولاً المدينة الفاضلة الأفلاطونية، ووجد في ثورة الخميني، وهذا في تصوره الشخصي البحت فقط، ذلك الوهم يتحول إلى واقع، وهنا أكرر كان ذلك في تصوره الشخصي البحت، فالمشانق لم تتأخر والسواد كان أسرع ما يكون انتشاراً ثم جاءت الحروب التي ما زالت مفاعيلها مشتعلة ولهيبها حارقاً إلى يومنا الراهن. لم يكن يدرك أن هناك تنظيماً عالمياً أصولياً متواطئاً، يرى في السيطرة على العالم حلماً وغاية استراتيجية يعمل ويجتهد للوصول إليها، ووجد في ثورة الخميني الحمراء الأمل وبداية لتحقق الهدف. بالرغم من اعتراف الكثيرين بعبقرية فوكو وأثره الجلي في البنية المعرفية الإنسانية الحديثة، لكنه وقع ضحية حلمه وتعنته وعدم إصغائه للنقد، واكتفى بوضع حجب حددت مسار تفكيره ضمن مسار مغلق نتيجة انبهارٍ بشخصية اعتبرها فوق طبيعية حققت انتصاراً مذهلاً، ولم يكن يدرك أنَّه كان خلف تلك الشخصية دول وأنظمة وأجهزة مخابرات عالمية صنعت تلك الأسطورة المشوهة. فآخر الرسل والأنبياء الموحى إليهم هم محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي. أما من سواه فهم متنبئون كاذبون ومتألهون تائهون.
المراجع والمصادر والهوامش: * هذا البحث جزء من فصل في كتابي: الدولة والمجتمع إشكالية الشرعية والعدالة،
13 ـ مترجم بتصرف عن المصدر : https://medcraveonline.com/JHAAS/theocratic-system-of-government-religious-judgment.html 14 ـ كترجم بتصرف عن المصدر: https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/08913811.2022.2133803 15 ـ قراءة في كتاب: فوكو، الجنوسة، والثورة الإيرانية - 24 نوفمبر,2016ز مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية. 16 ـ المصدر السابق. 17 ـ من كتاب تحرير الوسيلة جـ2 من صفحة 241 الى 291 ، المصدر: http://arabic.islamicweb.com/Shia/khumaini.htm 18 ـ ـ قراءة في كتاب: فوكو، الجنوسة، والثورة الإيرانية - 24 نوفمبر,2016ز مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية. 19 ـ مكسيم روبنسون: نقد تفسير فوكو لثورة 1979. المصدر https://www.radiozamaneh.com/752913/ 20 ـ 26 مكسيم روبنسون يناير 1915, باريس – 23 مايو 2004, مرسيليا) ابدى انتقادات حادة ومعارضة سياسات استيطان للدولة اليهودية. يرجع بعض الفضل إليه مع سك مصطلح «الفاشية الإسلامية» التي وصمت بها الثورة الإيرانية (الفاشية الإسلامية) في عام 1979 من آثاره: «مباحث في فن الطبخ عند العرب» (1949م)، «محمد» (1961م)، «الرأسمالية والإسلام» (1966م)، «الماركسية والعالم الإسلامي» (1972م)، «عظمة الإسلام» (1980م). ترجمت جميع كتبه إلى اللغة العربية عدا كتاب «محمد».
#احسان_طالب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوعي بالشعور سُبل التفكير الايجابي
-
في مفهوم الديموقراطية الالتباس والواقعية السياسية
-
ثقافة التسامح بين الفكر الوصفي والفكر الغائي وفي ضوء علم الن
...
-
الفرق بين النويما والنويزس في فلسفة أدموند هوسرل*
-
ثنائية العقل والنقل تفكيك التعارض دراسة فلسفية*
-
الاقتصاد الإسلامي التحديات والآفاق دراسة مقارنة
-
الكَلِماتُ والْمَعاني ما يُعَوَّلُ عَلَيْه بَيْنَ الفَلْسَفَ
...
-
القاموس التاريخي لفلسفة هوسرل جون جيه. دروموند
-
التجديد الديني، في المعنى والتاريخ. مقاربات الأصوليين والإصل
...
-
أصل المعرفة هل حقا المعرفة النهائية لا أدرية كما يدعي هربرت
...
-
محاورة إحيانون، الاستدلال والقياس
-
جدوى الفلسفة نظرية المعرفة
-
الإشكالات الأساسية في الفلسفة
-
ما هي الفلسفة
-
مقالات التنوير 10 عقدة أو مركب التفوق الحضاري
-
مقالات التنوير 9 الأصولية ليست حلا عقلانيا الراديكاليون الجد
...
-
مقالات التنوير 8 مأزق العقل الأصولي بحث أركيولوجي
-
مقالات التنوير7 مقايسة الأصولية ومستوياتها بالعلمانية وحدوده
...
-
مقالات التنوير 6 الإسلام السياسي كمفهوم يرتكز على أسس وتحليل
...
-
مقالات التنوير 5 تفكيك ظاهرة التطرف والتشدد الديني
المزيد.....
-
قائد الأمن الداخلي في السويداء: دخلنا المدينة بالتنسيق مع ال
...
-
مشروع قانون أميركي لتصنيف -الإخوان- منظمة إرهابية
-
سوريا: قوات الجيش تدخل السويداء وفرض حظر تجول والطائفة الدرز
...
-
قادة الكنائس ودبلوماسيون يدينون عنف المستوطنين بالضفة
-
النظام العربي والإسلام السياسي.. أدوار وليس مواقف
-
حظر تجوال في السويداء والسلطات تطالب بتعاون المرجعيات الديني
...
-
أخر تحديث لـ تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد على نايل سات 2
...
-
لماذا حذر إيهود أولمرت من بناء الجيش الإسرائيلي لـ-المدينة ا
...
-
السجن 22 عاما للخطيب الإدريسي -زعيم التيار السلفي- في تونس
-
الجمعيات الإسلامية في بوركينا فاسو تدعو لمكافحة خطاب -الكراه
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|