محمد المحسن
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8401 - 2025 / 7 / 12 - 21:32
المحور:
الادب والفن
ظاهرة الحزن في الشعر العربي المعاصر،مالبثت تزداد إنتشارا أفقيا ورأسيا،أفقيا منذ نازك الملائكة وحتى اليوم وفي جميع أجيال الشعراء،شبابا وكهولا،ورأسيا في تنوع تناولها من حيث الصورة الفنية والتجربة الشعورية وزاوية التناول.
والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع:
هل يعود ذلك إلى واقعنا العربي الذي يزداد سوءا،ظلما”و ظلاما،ومواجع تنخر جسد المبدعين..ولا معين..؟!
ما أيد أن أقول تصريحا وليس تلميحا..؟
كما تتنقّل راقصات الباليه بخفّة ولطف على أنغام «كسّارة البندق»،للمؤلّف الموسيقي الرّوسي «تشيكوفسكي»،كذلك يتنقّل الشّاعر التونسي القدير جلال باباي برقّة وعذوبة في قصيدته«أنا مريض..أنا كئيب»،على أنغام موسيقاها الشّعريّة الكامنة في عمقها الإنسانيّ.أبيات شعريّة منسوجة بالحزن والاشتياق والحنين والألم والغضب والوجَع،تعكس لنا مكنونات شخصيّة الشّاعر وهو يواجه معاناته بصبر الأنبياء،وتدخلنا إلى عالمه بسلاسة،فيطيب لنا أن نقرأ السّطور وما بينها.
يطارد الحزن الشاعر جلال باباي في قصيدته"أنا مريض..أنا كئيب" حتى يشكل إطارا كليا يحتويه لا يغادره إلا قليلا..فيغدو أسلوبا لشاعريته يؤطرها نسقا مبثوثاً في المشاعر والتصوير والتدفق..وهذا النسق يمنح قصيدته وجهها ووجهتها وحيويتها.
فأي بحر يغسل عن الشاعر القدير جلال باباي الآلام..وأي يَم سيقذف به إلي زمن جميل لن يمنح فرصة واحدة للمواجع..؟
ويظل..سؤالي حافيا،عاريا،ينخر شفيف الرّوح..!
أنا مريض....أنا كئيب
الإهداء..إلى " لارا فابيان"*صوت ملائكي يقتحم صمت الليل.
لم ادخن ..
لم اتجرٌع نبيذا مذ غادرت التاريخ
لم يعد يروق لي شيء لما أعلنت الرحيل
بات فراشي رصيفا لمحطة القطارات
حين تركتني لوحدتي بتٌ مفردا أنا جدٌ كئيب..
أنا مريض لمٌا اطبقت أمٌي بوٌابة صدرها البلٌورية
تركتني فريسة لليل والنسيان
عامين مرٌوا وجسدي مازال متكلٌسا
أهملني الرفاق وحلٌ باليسار الشقاق
كانت حبيبتي جلمود صخر ..
قلب متيبٌس همت بنبيذي وسجائري ورقائق المواعيد
علقت قدماي بآخر السفن
ولم أكن أفقه وجهتي
أنا مريض..أنا كئيب..
أنا جدٌ مريض..
أتطاير بأحلام اليقظة
جمرا في أحراش البادية
أنا مريض..أنا كئيب
أفقت من إغماءة حولين أفتٌش لي عن حبيب
فداهمني بالحلول شرخ ذاكرتي المفقود أن أكون...
أو ..أغيب!!!
جلال باباي
مما لا شك فيه،أن كل قصيدة هي مرآة تعكس صراع الإنسان مع ذاته ومع محيطه وأيضا مع مواجعه،سيما إذا -ارتعش-الشعر بين أنامل الشاعر المسكون بالمواجع،حيث نقف أمام مشاهد شعرية تحاكي لحظات الانكسار،لكنها في الوقت ذاته تبث ومضات من الأمل الخافت.
وجلال باباي شاعر مسكون بالحرف والشعر والوجع المتخفي بين ثنايا القصيد،والشعر بالنسبة إليه وطن يلجأ إليه..وهو يعرف جيدا..كم وجعا يحتاج إلى قصيدة..!
لكن في كل هذا وذاك يمتح من حب لا ضفاف له ولا شطآن..
صبرا جميلا..يا شاعرنا الفذ..وشفاء لا يغادر سقما..
#محمد_المحسن (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟