أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - الطيب عبد السلام - الأبعاد الانطولوجية في القرآن الكريم














المزيد.....

الأبعاد الانطولوجية في القرآن الكريم


الطيب عبد السلام
باحث و إعلامي

(Altaib Abdsalam)


الحوار المتمدن-العدد: 8399 - 2025 / 7 / 10 - 21:17
المحور: قضايا ثقافية
    


الأبعاد الانطولوجيه في القرآن الكريم

في القرآن الكريم هنالك زمانين، الزمن الأول هو الزمن البشري المتعلق بالأحداث و المسائل التشريعية و أسباب النزول و هو زمن مفهوم.
الزمن الأخر هو الزمن الكوني الذي يتجاوز السقف الثقافي إلى الأفق الكوني الرائي للبشرية بوصفها جزاء من هذه الديمومة.
القرآن الكريم، في نصوصه، لا يقدّم فقط شريعة أو أخلاقًا، بل يكشف للإنسان عن أبعاده الأنطولوجية، ويضعه وجهاً لوجه أمام حقيقته، أمام الوجود، وأمام سؤال "الماهية".
حينما أتحدث عن "الأنطولوجيا"، فإنني، وباختصار، أعني بها مكانة الإنسان ومكانه في هذا الوجود اللامتناهي. فالأنطولوجيا، في فهمي، تسبر العلاقة الحيّة بين محدودية وجود الإنسان ولا نهائية الوجود المحيط به؛ ذلك الوجود الذي له حياة وعمر وأحداث كبرى، تجعل الإنسان يبدو ككائنٍ ضئيل، بالكاد يُرى على هامش مسيرتها العظيمة.
حين نطرق باب العلاقة الأنطولوجية بين الإنسان والوجود، أو الإنسان والكون – أو إن شئت، الأكوان – فنحن نتحدث عن شعور الإنسان بعمر هذا الوجود، وعن إحساسه العميق بمآلاته، وتحوّلاته، وامتداداته المهيبة. هذه التحولات عصيّة على التصور أحيانًا، وعصيّة على التعبير أحيانًا أخرى، بل حتى الفيزياء وعلوم الفلك تقف صامتة أمام ذلك الشعور الفجائي بأننا – نحن البشر – موجودون في خضم كونٍ، وأحداثٍ، ووقائع، نحن أقلُّ شهودها شأنًا، وأضعفهم أثرًا.
الإنسان في هذا التصور يبدو كما الرقم الواحد بعد تريليون صفر؛ كائن على هامش الهامش من حدثٍ كونيٍّ مهيب.
تستوقفني كثيرًا الآية الكريمة:
> "هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْـًٔا مَّذْكُورًا" (الإنسان: 1)
إنها ليست مجرد وصف لمرحلة من مراحل الخلق، بل تلويحة وجدانية إلى ماضٍ لا يُرى، إلى لحظة كان فيها الإنسان معدوم الذكر والوجود، ثم جاءت لحظة تشكُّله، ووعيه، وحضوره المؤقت، كضيف عابر في عالم لا يشاركه أزليته، ولا ديمومته، ولا مصيره.
كذلك، حين يقول تعالى:
> "فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ" (التكوير: 15-16)
رُبّما فُسرت هذه الآية بأنها تشير إلى الثقوب السوداء في الفضاء، لكن الذي يعنيني شخصيًا ليس إثبات التطابق بين النص القرآني والاكتشافات الفلكية، وإنما الإحساس بذلك الشعور العميق الذي يمنحنا إياه النص، شعور الاندهاش أمام كينونة كونية عظمى، تلمحها الكلمات القرآنية بكل ما فيها من دفء وبلاغة.
إن هذه الوقائع الكونية الكبرى التي يصفها القرآن ليست غريبة عنا، بل نحن جزءٌ أنطولوجي منها، نتقاطع مع وجودها، ونحيا على هامشها، ونُستوقف عند مشاهدها.
وفي مشهد آخر، يقول تعالى:
> "إِذَا السَّمَاءُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ..." (التكوير: 1-3)
هنا، يُستحضر مشهد النهاية الكونية، مشهد الزوال والتحوّل، فنشعر – لا بعجزنا – بل بضآلة كياننا مقارنةً بعظمة الحدث. ليست ضآلة مذلة، بل ضآلة ذات بعد معرفي وشعوري: الإنسان يشعر أنه يلامس أطراف شيء لا تحيط به اللغة، ولا تحتضنه العبارات المباشرة.
إن الكلمات القرآنية، في مثل هذه المشاهد، لا تُقال لتشرح، بل تُلقى كما تُلقى النجوم في عتمة الفضاء، لتضيء المجهول، وتكون بمثابة فنارات صغيرة في محيط شاسع، يتيه فيه زورق الإنسان الصغير، تتقاذفه أمواج الأحداث، ويشاهد من بعيد مشاهد كبرى، تشي بمصائر لا يستطيع عقلُه أن يحيط بها، ولا لغته أن تصفها.
لقد نجح القرآن الكريم، في كثير من المواضع، في أن يصور لنا العلاقة بين الإنسان والكون، بين الوعي الفردي والمصير الكوني. تلك اللحظات التي يخرج فيها الوعي البشري من دائرة التفكير اليومي المحدود، والمصير الشخصي الصغير، ليفكر – ولو للحظة – في معنى الوجود، واتساع الزمن، وسرّ المصائر.
إنه خروج مؤقت من الإنسان، ليكون شاهدًا على ما حوله، ليعير هذا الكون فكره، ويمنحه لغته، ويكتب عنه بحروفه، رغم أنها أضعف من أن تقول كل شيء.
القرآن لا يطلب من الإنسان أن يكون عالِم فلك، ولا أن يحصي النجوم، لكنه يدعوه لأن ينظر بعين وعيه، لا فقط ببصره.
يدعوه لأن يستشعر، لا أن يحصي. أن يتأمل، لا أن يشرح.
في عالم تتكاثر فيه الضوضاء، وتُسرق فيه لحظات التأمل، يعيدنا النص القرآني إلى أنفسنا، ويقول لنا بلطف عظيم:
"أنتم، مهما بلغتم من علمٍ وقوةٍ وحضارةٍ، ما زلتم كائنات تسير في صمتٍ بين كواكب لا تعرفونها، ووقائع لا تشهدونها".
القرآن لا يصغر من شأن الإنسان، بل يكشف له عظمته الحقيقية حين يعترف بحدوده، ويتأمل في ما وراء هذه الحدود.
وهذا هو لبّ الأنطولوجيا في أرقى تجلياتها:
أن تستشعر وجودك وحالاته ازاء الوجود "المهيب" الذي الذي انت في معيته، رحلة "الوجود بأكمله".
إن اقتفاء هذه التأملات الكونية في القرآن تخرجنا من هذه الجدالات و الصرعات العقيمة بين "مؤمن اعمى" و "منكر متحامل" لنرى بعين النبي و نستشعر ذلك الشعور المفعم الذي ينبض في قلبه و هو ينظر إلى الفضاء و يستشعر هذا الجلال..لينفتح النص القرآني لمتدبريه على معنى إنساني يفوق الإنسان نفسه و يدعوه للإطلالة و أستشعار الضألة على ماضيه حين لم يكن شيئا مذكورا و على مستقبله حين تطوى السماء طي السجلات للصحف.



#الطيب_عبد_السلام (هاشتاغ)       Altaib_Abdsalam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذه لغتي ومعجزتي
- أزمة الشعر العربي المعاصر
- الإصلاح الديني بين المسيحية و الإسلام
- العقل و الوجود بين هايدغر و اركون
- الأفق الشعري
- نحو إصلاح الحركة الليبرالية السودانية
- تجدد المعني القرآني
- النبؤة
- ثورة الطبقة الوسطى و واقع ما بعد الثورة
- جامعة الخرطوم..المركز الثقافي الفرنسي و بالعكس.. كلام في الز ...
- من الاسلام الإستشراقي إلى الاسلام التاريخي
- اركون قارئا و مقرؤاً
- إستعراب السودان / حوار مع البروفيسير عبد الله علي إبراهيم
- المهدي السوداني
- تدوين تاريخ السودان المفقود
- السودان من حكم الفونج الأفارقة إلى حكم الجلابه العرب..قرأة ف ...
- القربان البشري بين الرؤية الإستشراقية و الرؤية النقدية
- ما هي الفلسفة؟ حوار جماعي مع خالد تورين
- محمود محمد طه بعيون محمد اركون / الإسلام السوداني و إمكان ال ...
- من شاعرية اللفظ إلى شاعرية المعنى.. نحو رؤية جمالية جديدة.


المزيد.....




- -كانت تضيء الغرفة بابتسامتها-.. رصاصة تنهي براءة طفلة بعمر 3 ...
- -كمين قاتل- لجنود الجيش الإسرائيلي يُظهر تحولا جديدًا في قتا ...
- الشرع يلتقي علييف في باكو.. وحديث عن لقاء إسرائيلي-سوري على ...
- -كانوا مجرد أطفال-: أم تنعى أولادها الذين قُتلوا في غارة إسر ...
- العلاقات الألمانية الصينية بعد حادثة الليزر
- محادثة في -قمرة القيادة- تشير إلى سبب كارثة الطائرة الهندية ...
- ما حققه نتنياهو وما لم يحققه من زيارة واشنطن
- اجتماع مرتقب في بروكسل يضم وزيري خارجية فلسطين وإسرائيل
- المستوطنون يكثّفون انتهاكاتهم بالضفة وشهيد ثانٍ في رام الله ...
- أميركا تطالب اليابان وأستراليا بتوضيح دورهما إذا خاضت حربا م ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - الطيب عبد السلام - الأبعاد الانطولوجية في القرآن الكريم