أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - الطيب عبد السلام - العقل و الوجود بين هايدغر و اركون















المزيد.....

العقل و الوجود بين هايدغر و اركون


الطيب عبد السلام
باحث و إعلامي

(Altaib Abdsalam)


الحوار المتمدن-العدد: 7879 - 2024 / 2 / 6 - 16:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ما يجمع هايدغر و أركون هو سعيهما للحفاظ على حيوية الوجود و تجدده بل و إيقاظه في الأثر و الفعل الإنساني.
فإن كان هايدغر أيقظ الوعي الإنساني من نسيانه للكينونة و لمفعول الصيرورة كونها تصوغ الفاهمة البشرية و تصاغ منها، ساعيا لتوضيح ذلك "الأثر الحي" الكامن في العمل الفني الذي "يصون الوجود و ينبته" فإن أركون سعى لقول الشيء عبر إيقاظه ل "حرارة المعنى" الكامنة في النص و إعادة تأويله بما يوقظ "الوجود" الكامن فيه و يبعث الكينونة من وهدة التوصيف و الترديد و المصادرة.
بهذه المقدمة المكثفة نستطيع إقامة ذلك الحوار المتخيل بين فيلسوفين اقاما منهجا جديدا في الفهم البشري و هو الفهم التأملي الذي يجعل السؤال حاضرا بوصفه وجها من وجوه الإجابة و الإجابة بوصفها اليد الناهلة من نهر السؤال "المتجدد".
و انا كعادتي لا أتقيد بالمسميات الأكاديمية او حتى الدقيقة لما نحته الفلاسفة بل أناقش الأفكار الكامنة خلف تلك التساؤلات و أفتح ازهارها.
ان العالم في نظر العقل الغربي قبل هايدغر منقسم الى ذات وهو العقل الغربي العلمي و بردايم العقل الديكارتي الذي يجعل الانا البشرية في علاقة متعاليه تجاه الواقع تنتج مفاهيمها و تصوراتها الباردة عنه في مناهج و طرائق علمية أكاديمية جامدة تجعل من الوجود خاضعا لحالة من التعريف المسبق و النسيان المغلق في القوانين و الرموز "العلمية" التي يقف الواقع تجاهها أشبه بالصنم الحجري، واقع عليه ان يكون التعريفات، لقد ارتاع هايدغر من هذه الحياة الفكرية الأوروبية "النمطية" التي أعادت "تعريف الحقيقة" و اقامت "انجيل علمي أكاديمي" لها و كنائس اسمها الجامعات و المؤسسات، هذا هو هاجس هايدغير الحقيقي و نقده المضمر للعقل الأوروبي اليد ظل يدور في فلك "مأسسة الحقيقة" باعتبار أن المؤسسة في العقل الغربي هي التي تشكل الحضور و الحياة و العلن و ما يعدوها هو "الهرطقة" حينما كانت المؤسسة الأوروبية الحاكمة هي الكنيسة، و خرافة حينما صارت المؤسسة الحاكمة هي الجامعة.
فهو يسجل نقدا مسبقا للمنهج العقلي الأوروبي كونه ظل عقلا لا تأمليا لا واقعيا بل متعاليا و غيبيا حارما نفسه من تقييم جدواه و قيمته في خضم الوجود و حارما الوجود من الإفصاح عن نفسه و الحضور خارج ما رسم له من الحدود لذا صار العقل الأوروبي هو عقل نسيان الوجود و عقل للا مفكر فيه بتعبير أركون، و الحل الذي يطرحه هايدغر لهذه المعضلة هو "الحل الجمالي" عانيا بذلك أن العمل الفني بالرغم من التصاقه بالوجود و وصفه له إلا انه يحافظ على إيراقه و إشراقه المستمر و تخلقه الدائم مستندا في ذلك الى ريشة فان جوخ هذه الريشة التي تعيد الروح الإنساني للفن فيمتزج فيها "الشعور و الانطباع الإنساني بمجريات الوجود" فتكون شخصياته المرسومة هي في حالة مستمرة من الإحالة لبعضها، فالنافذة هي الحقل و الحقل هو السماء و السماء هي عباد الشمس و عباد الشمس هو بورتريه فان جوخ نفسها، أذن فالوجود في نظر فان جوخ و هايدغر من خلفه هو وجود للامتزاج و التداخل المستمر بين الموجودات و الانسان، الوجود في نظر هايدغر هو "الحالة الدائمة من التبادل" و ليس وجودا "للذات و الموضوع" حيث الهمود و الجمود و البرود و حيث يسبح كل شيء في عدمية الوصف و التعريف، هو وجود للقادم و المتحلل الدائم،هو وجود ينبغي الإصغاء له و الانغمار في تأتياته فتتحول الفاهمة البشرية من فاهمة وظيفية اكاديمية الى فاهمة مفعمة بالوجود و متفاعلة معه.
بدون الغرق في تفاصيل هايدغر بمنطق أكاديمي فإننا هنا "انبتنا" هايدغر المنظور و الرؤية، هذا المنظور الذي سنستشعره كمشارقة يحضر في أذهاننا الإسلام في طريقة تفكيرنا و وعينا بصورة أكبر مع محمد أركون، هذا الفيسلوف الذي صادم ذات المشكلة و أقترح هو الأخر "حلا تأمليا" لها.
فاذا كان هايدغر صادم العقل الأوروبي الوصفي الوظيفي الذي يلغي الوجود لصالح المفهوم، فإن اركون صادم و -على جبهتين- العقل المشرقي الذي يلغي حيوية الوجود و دوام تجدد و إنسانيته لصالح النص الديني الذي يرتفع به الى أفق الحقيقة المطلقة و الكلمة النهائية، و بالتالي يتحول العقل المشرقي الى مجرد نص "مفسر" و مغلق يهدر زهرة عقله في هموم "الهوامش" ناسيا "هموم الأصول" هذه الأصول التي كانت يوم ولادتها في حالة من الانفتاح و النقاش العقلي المستفيض بل و نجحت هذه "الحيوية الأولى للنقاش حول الأصول" من إقامة عصر التدوين في القرن الرابع الميلادي حيث كان الفضاء الديني الإسلامي هو فضاء التعدد و النقاش، لإن الأصول يومها كانت مرتبطة بالحياة و المعاش و قريبة من الواقع و ملتحمة مع "أسباب نزولها".
و من جهة أخرى العقل الاستشرافي الأوروبي الذي يحاكم النص الديني "بالمسطرة و البرجل" و يستخرج قياسات منه يسقطها على كل النصوص الأخرى، هذه العقلية الأوروبية التي "تنسى" تفاعل النص و مفاعيله في عالمه و تعزله من سياقاته لتجرمه و تضعه في سجن "الا حقيقة"
و بالتالي تستكين لتعريفها المضمر تجاه "الا أوروبي".
في توجهه للعقلية المشرقية يفتح أركون "ملف الانسان المنسي في النص" فيشير الى ان فهم النص هو حصيلة التفاعل بين الإنسان و البيئة التي تنتج الثقافة المحلية و المحكية هذه الثقافة هي التي تشكل العقل و المخيال و بالتالي هي التي تستقبل النص و تفهمه، يقول اركون ان المجتمع المسلم في داخله هو عبارة عن مجالات انثربولوجية متعددة و متصلة و متداخله، هذه الكتل الانثربلوجية المتعددة تخلق فهما متعددا للاسلام و تجعل له "قيما محورية" مختلفة وفقا لظروفها البيئية و التاريخية و السياسية، و على سبيل المثال فالجهاد بالنسبة ل إسلام الجزيرة العربية هو قيمة مبدئية و عليا في الإسلام و ذلك ناتج من ضغط البيئة التي تجعل من اسنان الجزيرة العربية مكافحا مقاتلا بينما قيمة "الشفيع" امام الموت هي القيمة المحورية في الإسلام المصري باعتباره مجتمعا زراعيا مستقرا لا يحتاج الى الكفاح العسكري بقدر ما يبحث عن ضمانات لاستمرار هذه الحياة الهادئة بعد الموت، لذا تركزت الثقافة الدينية الشعبية المصرية حول معنى "الشفاعة" في فهمها للإسلام، و قد عرفنا ذلك عبر التحليل لكتابات تلك الشعوب المدونة في كتبها و أشعارها الثاوية في تراثها و تاريخها المحفوظ، اذا هو بحث و تنقيب و "حفر" حي في الذاكرة الثقافية و تجلياتها الحاضرة تمنحنا "متسعا" امام النص و تجعلنا نجس دم الإنسان "الا مفكر فيه" و "المهمل" و "المنسي" في حناياه، و بالتالي نفتتح مساحات عمل واسعة مع النص تنزله من علياء التقديس و التلاوة الى واقعية التفكير و المعاودة.
أراد هايدغير تقريب هذه الفكرة باستخدامه للمعنى الجمالي امام عقلانية أوروبية اكاديمية فجة صادرت الواقع لصالح التصورات الجامدة، و بالتالي إنقاذ هذا الانسان من هذه الغيبوبة و تحقق ذلك الانسان الذي يفتح زراعيه للوجود و يجتمع به مجددا بعد طول فراق و "نسيان"..يحقق الذات الراعية للوجود بتعبيره هو.
بينما توسلها اركون بالانثربلوجيا و التاريخ امام نص "غيبي" يصادر الواقع و ينفيه و ينساه في فكرة وجود جامد لا حيلة للإنسان ازاءاه غير الاستسلام و الخضوع، و بالتالي تحقق الذات المُسلمة الواعية المُستخلفه.



#الطيب_عبد_السلام (هاشتاغ)       Altaib_Abdsalam#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأفق الشعري
- نحو إصلاح الحركة الليبرالية السودانية
- تجدد المعني القرآني
- النبؤة
- ثورة الطبقة الوسطى و واقع ما بعد الثورة
- جامعة الخرطوم..المركز الثقافي الفرنسي و بالعكس.. كلام في الز ...
- من الاسلام الإستشراقي إلى الاسلام التاريخي
- اركون قارئا و مقرؤاً
- إستعراب السودان / حوار مع البروفيسير عبد الله علي إبراهيم
- المهدي السوداني
- تدوين تاريخ السودان المفقود
- السودان من حكم الفونج الأفارقة إلى حكم الجلابه العرب..قرأة ف ...
- القربان البشري بين الرؤية الإستشراقية و الرؤية النقدية
- ما هي الفلسفة؟ حوار جماعي مع خالد تورين
- محمود محمد طه بعيون محمد اركون / الإسلام السوداني و إمكان ال ...
- من شاعرية اللفظ إلى شاعرية المعنى.. نحو رؤية جمالية جديدة.
- تأملات في رحلة المعراج.. في تحيين المتخيل العربي
- من تاريخ التفكيك إلى تاريخ الصيرورة... نحو نظرية جديدة في ال ...
- بين العرب و المغول - تأملات جديدة في حاضر التاريخ
- فوكو نيتشويا


المزيد.....




- السعودية.. مكتب محمد بن سلمان ينشر فيديو على قارب وينعى بدر ...
- السعودية تقتص من الغامدي بقضية وفاة شعيب متأثرا بطعنة آلة حا ...
- ماكرون يواصل -غموضه الاستراتيجي- تجاه روسيا
- أميت شاه: استراتيجي هادئ، يخشاه الجميع، وكان وراء صعود مودي ...
- عالم روسي يتحدث عن تأثير التوهج الشمسي
- مركبة كيوريوسيتي تكتشف ماضيا شبيها بالأرض على الكوكب الأحمر ...
- أسباب الرغبة الشديدة في تناول الجعة
- أيهما أسوأ، أكاذيب إسرائيل بشأن غزة أم الداعمين الغربيين لتل ...
- البيت الأبيض يعترف بأن المساعدات الأمريكية لن تغير الوضع في ...
- تقارير: لا اتفاق حتى الآن في مفاوضات القاهرة بشأن غزة والمنا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - الطيب عبد السلام - العقل و الوجود بين هايدغر و اركون