نايري عبدالله الشياعي
الحوار المتمدن-العدد: 8398 - 2025 / 7 / 9 - 08:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد عام 2003 شهد العراق تحولات جذرية في البنية السياسية والاجتماعية؛ بسبب الاحتلال الأميركي للعراق أدى إلى سقوط النظام الشمولي وتأسيس حكومة عراقية مؤقتة وقيام نظام سياسي وفق مبدأ المحاصصة الطائفية وكل ذلك أدى إلى ترسيخ الانتماءات المذهبية والطائفية والقومية. وفي ذلك السياق, يسعى هذا المقال إلى بيان ما هو العنف الجماعي؟ وما هي أسباب تفشي ظاهرة العنف الجماعي في العراق؟ وهل يمكن القضاء على العنف وتفكيكهُ وترسيخ ثقافة الاخر في العراق؟.
ما هو العنف الجماعي؟
يرى الدكتور علي رسول الربيعي بأن العنف الجماعي هو أن يحاول أعضاء الجماعة أستعادة قيمتهم الذاتية عن طريق تدمير الجماعة الأخرى أو اضعافها بشدة. وبطريقة أخرى عرفه الدكتور الربيعي العنف الجماعي بأن العنف الذي يتخذ طابعاً جماعياً وتديره جماعات أخرى تختلف دينياً أو ثقافياً أو عرقياً( ). ووفقاً لما سبق, أرى أن العنف الجماعي هو استخدام العنف من قبل جماعة ذات هوية طائفية ضد جماعة أخرى ذات هوية طائفية مختلفة عنهم سواء كان بالمذهب او الطائفة او القومية بهدف أبادتها او تهميشها او اقصاءها.
لماذا يحدث العنف الجماعي؟
أو بمعنى أخر ما هي أسباب تفشي العنف الجماعي في العراق برؤية الدكتور على رسول الربيعي؟
يقول الفيلسوف جان جاك روسو "الانسان طيب بالفطرة لكن المجتمع هو الذي يُفسده". ويقول روسو أيضاً "لا يولد الانسان شريراً لكن يُفسده الجشع والسلطة والتفاوت الطبقي". وتقول حنة ارندت "الشر هو طبيعة أنسانية لكنه سطحي وتافه؛ لانه منفصل تماماً عن الفكر العميق والمعقد او الأيديولوجيا عكس الخير الذي ينطلق من قناعات راسخة ونية حقيقة لفعله". وفي ذلك السياق, يقول الدكتور علي الربيعي بأنه لدى الافراد حاجة أساسية وضرورية للانتماء للجماعة. فقد تصبح الكراهية والعنف محتملة الحدوث أذا أدرك أعضاء الجماعة بأنهم لا يمكنهم تحقيق هذه الهدف الا بأقصاء الجماعة الأخرى. كما يرى الدكتور علي الربيعي بأنه لا يمكن اختزال الكراهيات والعنف في دوافع وسمات الشخص لانها ناتجة من عضوية الفرد في جماعة ولان الجماعة التي ينتمي لها الفرد هي التي تشكل افعالهُ. ويرى الدكتور علي الربيعي بأن المركزية الطائفية سواء كانت عرقية او دينية تمثل ديناميات تصعيدية للكراهية والعنف الجماعي, وأن كل جماعة تغذي غرورها وتنظر بازدراء الى الجماعة الأخرى( ). وعلاوة على ذلك, أرى بأن الافراد لديهم حاجة ضرورية للانتماء للمجتمع الذي يحمل نفس الهوية الطائفية او القومية. وقد يحدث العنف عندما يدرك أعضاء الجماعة بأنهم لا يمكن تحقيق مصالحهم الجماعاتية الخاصة الا عن طريق اقصاء الجماعة الأخرى المختلفة عنهم بالهوية الطائفية. وأرى أن الطائفية الموجودة لدى مجتمع ما لها دور كبير في زيادة الكراهية والعنف الجماعي والشر, وأن كل جماعة ترغب بتحقيق مصالحها الخاصة حتى وان كانت على حساب الجماعة الأخرى. وكذلك أن العنف والكراهية لا يقتصر على أنها سمات او دوافع موجودة لدى كل فرد وانما المجتمع لها دور وتأثير في تنمية وترسيخ ذلك العنف. وتكمن مشكلة العنف الجماعي عندما يتم تبريره وتغليفه بغطاء أيديولوجي. كما حدث في العراق بعد عام 2003 وبلدان عربية أخرى. ووفقاً لما تقدم, يمكن تشخيص أسباب تفشي العنف الجماعي في العراق بعد عام 2003 هو تفكك الدولة العراقية وانهيار مؤسساتها بشكل تام. وقيام نظام سياسي معتمد على مبدأ المحاصصة الطائفية, ومن ثم كل ذلك أدى الى أقصاء سياسي لبعض مكونات المجتمع العراقي وترسيخ الهوية الطائفية التي أصبحت معياراً للولاء السياسي بدلاً من الهوية العراقية. فضلاً عن الخطابات الدينية المتشددة وضعف مؤسسات العدالة والمصالحة الوطنية وسوء توزيع الثروات والموارد وتفشي الفساد والتهميش الاقتصادي والاجتماعي لبعض مكونات المجتمع العراقي وأنعدام الامن الذي ساهم في ظهور الجماعات المتطرفة ولاسيما تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
هل من الممكن تفكيك خطاب الكراهية والعنف وترسيخ ثقافة قبول الاخر في العراق؟
يقول الدكتور علي رسول الربيعي بأن العنف ملازماً للمجتمع البشري طوال التاريخ, وأنّ الاعتقاد بإمكانية إنجاز تنوير حاسم ونهائي, أو بإمكانية وجود طريقة محددة تضع نهاية للعنف بشكل دائم يخلص البشرية هو اعتقاد واهم ومضلل, وهو تضليل خطير؛ لأنّ مهمة التنوير استمرار اليقضة في مقاومة العنف والحد من تفلت أشكاله. وكذلك الطبيعة المتلونة للعنف تجعلهُ يأخذ أشكالاً جديدة ومختلفة في أي وقت مضى. أنه يتخفى مثل بروتيوس آلهة البحر في الأسطورة الإغريقية, ولا يمكن الحد مسبقاً من الطرق التي قد يظهر بها في مسيرة التاريخ, لذلك فإن الوعي بأشكاله الجديدة والمتوقعة, وفهم بنياتها وديناميكياتها, والتوعية بخطورتها وكشفها للرّأي العامّ هي أكثر ما يواجهنا من تحديات صعبة ومستمرة, فالاستجابة والجدّيّة تجاه العنف هي أن نفهمه ونحلله. ويقول الدكتور علي الربيعي أيضا إن مهمة تثوير المفاهيم وتطوير أشكال الوصف وانماط التحليل التي تمكّن من استكناه ماهية هذه الظّاهرة تصبح ترفاً فكريّاً وعملاً لا فائدة منه ما لم يرافقها جهد تنويريّ يتثقف به المجتمع ويحفزه على الرّد العقلانيّ المطلوب تجاه السلوك العنيف. ولكي يكون الموقف قويّاً إزاء العنف لابدّ من ترقية الوعي الجمعي وتحفيزه على قبول التغير على احترام الاختلاف والمغايرة والإقدام بشجاعة على رفض العنف. كما أن تقييد العنف وكبحه ليست مهمّة السّياسييّن فحسب, وانما هي مهمة مشتركة بين قطاعات الدولة يتصدّى لها المربّون والوعّاظ والمفكّرون والفلاسفة والاطبّاء وعلماء النفس ورجال السلطة وفقهاء القانون والمؤرخون وعلماء الاجتماع. أنها مهمّة نبيلة وصعبة يتعيّن أن يتجنّد لأدائها الجميع حتى تحقّق النجاح المرغوب. أي بمعنى أخر أكثر وضوحاً يرى الدكتور علي رسول الربيعي بأن العنف ظاهرة لصيقة بالمجتمع منذ التاريخ, ومن غير الممكن القضاء على العنف بشكل نهائي؛ لأنّ العنف يحتاج إلى معالجة باستمرار لكي يتم الحد منه او التقليل من أثاره. وكذلك لابد من توعية المجتمع وتعزيز ثقافة قبول الاخر المختلف بالرأي والفكر والهوية. وأن مهمة تقييد العنف والحد من تطوره المخالف لا تقع على عاتق الحكومة فقط وانما المجتمع بجميع اطيافهُ( ). ووفقاً لما سبق, أرى أنه من الممكن تقييد العنف والحد من تطوره عن طريق وضع برامج الإصلاح السياسي ولاسيما تحقيق المشاركة السياسية العادلة, ووضع برامج المصالحة والتأهيل وفرض سيادة القانون وتعزيز قوته. فضلاً عن تعزيز ثقافة الحوار والتسامح والاصغاء للرأي الاخر المختلف فكرياً.
المصادر والمراجع:
1_ علي رسول الربيعي, الكراهيات والجماعات تنظير ونقاش للمصادر, أقلام فكرية, صحيفة المثقف, 15 / 7 / 2021 .
2_ علي رسول الربيعي, الكراهية والعنف.. أثر الانتماء في أذكاء التطرف العنيف, مجلة التحالف, 16 / 7 / 2021 .
3_ علي رسول الربيعي, في النقد.. نقدنا للعنف, صحيفة المثقف, 30/ 5 / 2018 .
#نايري_عبدالله_الشياعي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟