أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مامند محمد قادر - قصة قصيرة / العبور الفائت














المزيد.....

قصة قصيرة / العبور الفائت


مامند محمد قادر

الحوار المتمدن-العدد: 8393 - 2025 / 7 / 4 - 23:13
المحور: الادب والفن
    


في بلدة يلفُها الضباب , يعيش الناس منذ أمد بعيد في انتظار تحقق عبارة واحدة كُتبت بخط باهت على جدار شامخ عند مدخل البلدة : " عندما يحين الموعد , سأكون بينكم ."
لا أحد يعرف من كتب العبارة , و لا متى . لكنها تحولت الى وعد مقدس , يتغنى بها الناس , و يحفظونها عن ظهر قلب , و يُخبئونها في صمتهم .
توقفت الحياة عند عتبة هذا الأنتظار . لم تُهدم الأسوار , لأنهم قيل لهم انه سوف يهدمُها بيده . لم تُفتح صناديق الاقتراع , لأنه دونما شك , سيكون هو القائد المرتقب . و تحولت الأحلام الى مخططات مؤجلة على رفوف الغبار .
نُصب له تمثالاً اِجلالاً . لم تُلق القصائد في المناسبات , بل خُبأت في حناجر الشعراء في أنتظار اللحظة المهيبة . الحلاق رفض قص لحى الرجال , قائلاَ : " حين يجيء , نريد وجوهاً مهيبة في استقباله . " أما الخياط فكان يخيط بدلات لا تُلبس , بل تُعلق في الواجهات , بأنتظار أن يختار هو ما تُليق به .
لم تُقدَم القهوة في المقاهي, بل وُضعت أباريقها على الطاولات كعلامة التهيؤ .
لم تُزرع الحدائق , لأنهم ظنوا أنه حين يجيء , سيزرع بنفسه زهرة البداية .
كل ليلة , و حين يحل الظلام كان الشيوخ يجتمعون عند بئر البلدة , و يضعون فوقها خارطة قديمة , يقولون أن عليها علامات مروره .
و كان الشيخ ذو اللحية البيضاء يقول بصوت متردد كأنما يخشى ان يوقظ الزمن :
" اِنه بيننا , ربما فقط ينتظر لحظة مناسبة ."
في مساء بارد دخل رجل غريب البلدة , بلا اعلان , بلا موكب , و لا طبول . كان يمشي على مهل , يتلفت بهدوء , كمن يرى أحلاماَ متجمدة . حدق في آثار أقدام اندثرت على الرصيف , في طيف الضوء المتسلل بين شقوق الجدران , و في مصباح خافت يئن في زقاق خلفي .
وقف عند التمثال , تمعن فيه اِن كان يشبه أحداً !
اقترب من دكان الخياط , تطلع الى البدلات المعلقة مثل أجساد فارغة تنتظر أرواحها .
رأى الاطفال يخرجون من المدرسة , يحملون كتباَ ثقيلة بكلمات غائبة .
دخل بهدوء الى الساحة , جلس على المقعد الحجري في منتصفها , و كانت عيوناً تراقبه خلف النوافذ , صامتة , متوجسة .
تطلع الى الجدران , الى الساعة المعطلة , الى الأبواب المغلقة و النوافذ المحفورة بالخوف .
نظر الى العبارة القديمة على الجدار , قرأها متأمِلاً معانيها ,
أحس بشيء غامض , كما لو أنَ الريح همست له : " انك هو ."
لم يتكلم .
و لم يسأله أحد .
و لم يخرج احد للقائه .
و لم تُلق القصائد .
خيَم الصمت على البلدة , و ظلت نائمة كما كانت دائماً , تنتظر .
و في الصباح , حين مالت الشمس على الجدار , كان قد اختفى .
لكن على الجدار نفسه , حيث كُتبت العبارة القديمة , ظهرت كتابة جديدة , بخط واضح , و صارخ في سكونه :
" كنتُ بينكم , لكن لم يستقبلني أحد ."




* شاعر و قاص عراقي كوردي



#مامند_محمد_قادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة / التمرين الأخير
- قصة فصيرة / الحافلة رقم 18
- قصة قصيرة / البديل
- قصة قصيرة / القطار الذي قد يصل
- قصة قصيرة / الطائرة الورقية
- قصة قصيرة / الوجه الذي لم يكن مألوفاً
- عزف على الرمال ... قصة قصيرة للنشر
- ( لا تنس ) قصيدة للنشر
- قصيدة للنشر
- قصيدة
- سقوط في الضفاف


المزيد.....




- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...
- معرض -حنين مطبوع- في الدوحة: 99 فنانا يستشعرون الذاكرة والهو ...
- الناقد ليث الرواجفة: كيف تعيد -شعرية النسق الدميم- تشكيل الج ...
- تقنيات المستقبل تغزو صناعات السيارات والسينما واللياقة البدن ...
- اتحاد الأدباء ووزارة الثقافة يحتفيان بالشاعر والمترجم الكبير ...
- كيف كانت رائحة روما القديمة؟ رحلة عبر تاريخ الحواس


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مامند محمد قادر - قصة قصيرة / العبور الفائت