مامند محمد قادر
الحوار المتمدن-العدد: 8371 - 2025 / 6 / 12 - 00:15
المحور:
الادب والفن
في ظهيرة احد أيام أواخر شهر أيار , جلس الطفل على تلة خالية من الاشجار تغطيها بقايا حشائش الربيع المتيبسة , مديراً ظهره الى المدينة الميتة التي يتكرر فيها كل شيء بلا حياة . شرع بيديه الصغيرتين بصنع طائرة ورقية من ورقة كبيرة , و قام برسم خارطة وطن على جناحي الطائرة , وطناً لم يعش فيه قط , ولكن احتفظ بتفاصيله الدقيقة التي تمنَاها في مخيلته , رسم فيها قرية تنام مبكرا في أرجوحة من الهدوء و تصحو على زقزقة العصافير , و رسم فيها بيوتاً , و دروبا , و جداولا , و وزَع عليها الواناً تشبه حنينه و أحلامه الطفولية , لوَن التراب , لوَن السماء الصافية التي طالما حلم بها في ليالي الغربة . لم تكن الطائرة مجرد لعبة , بل كانت له سفينة تحمل في أشرعتها صفقات أجنحة الطيور و وشوشة فراشات مهاجرة و خفقات قلبه الصغير . رفع الطائرة نحو السماء و الرياح تلعب برفق بأوراقها الرقيقة . بدأت الطائرة تصعد , تصعد في عمق السماء اللامتناهية , و مع كل ارتفاع كانت خطوط الخارطة تتلاشى و تتبدد بين الغيوم . كان يتابعها بعينيه المبللتين و هي تختفي عن الأنظار , شعر و كأنً وطنه يغادره . ظل واقفاً في صمت عميق , تتلاطم في ذهنه موجات الذكريات , وجه الجد المليء بالحكايات , ابتسامة الأم التي كانت تشبه دفء الشمس , ضحكات و صيحات الاصدقاء و هم يركضون في الأزقة الضيقة التي لم تعد موجودة . كانت الوجوه ترتسم أمامه كلوحات محاطة بضباب الفقدان و الغياب . في تلك اللحظة شعر بثقل الغربة يعصر كيانه . وطن لم يُفقد من الأرض فحسب , بل من الذاكرة و من الروح . حدَق صامتاً في السماء متمنياً أن تعود الطائرة يوماً ما حاملة وطنه , وطن لا تتغيب عن أرضه الشمس و لا تتلاشى فيه الوجوه .
* شاعر و قاص عراقي كوردي
#مامند_محمد_قادر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟