مامند محمد قادر
الحوار المتمدن-العدد: 8388 - 2025 / 6 / 29 - 08:33
المحور:
الادب والفن
كانت الشمس تموت ببطء , متكئة على اطراف البلدة كشيخ أنهكه اليقين . و في الساحة التي خلف المدرسة المهدمة , كانت بقايا الحرب تنتظر من يوقظها , مدافع صدئة , عجلات مدرعات نصف مدفونة , و خوذات بلا وجوه .
هنا , اجتمع الأطفال كعادتهم , ليؤدوا لعبتهم , لعبة الحرب . قال مالك , الأكبر بينهم , واضعاَ خوذة فيها شق عميق فوق رأسه : " اليوم نعيد معركة التحرير و و وزَع الأطوار كما يفعل الضباط :
سليم انت القناص , اتخذ السطح العالي فوق العجلة .
خالد , انت الشهيد , تتظاهر بالموت , و تصرخ الأرض لنا .
فراس , انت المسعف , ليكن بيدك شيء بدل النقالة .
رشيد , انت تراقب من بعيد , و تتخذ الأوامر بالهجوم .
أنتم البقية جنود , كل واحد منكم يحمل خشبة بيده , في وضع الأستعداد , اختبأوا خلف المدرعات و الدبابات .
بدأ الصراخ , الركض , أطلاق النار بالعصي , و انفجارات من أفواههم .
أحد يزحف فوق التراب يلوح بمنشفة كالراية , أحد يقفز من فوق ساتر ترابي , و القناص سليم يضع منظاراَ من قطعة بلاستيكية على عينيه , و يقول : استهداف العدو , ثلاث , اثنين , واحد ... ضحك , ركض , صراخ , و التظاهر بالسقوط .
في لحظة , تسلقَ أربعة منهم الساتر , و ركض أحدهم فوق لوح معدني صديء , نصفه مدفون في الأرض , حدث فجأة انفجار , ليس كوميض القنابل , بل كصرخة من جرح قديم لم يغلق . تطاير الغبار , الحديد , و الاجساد الصغيرة . سقط فراس , و ذراعه تنزف . هرب الأطفال مرعوبين , بعضهم يبكي , و بعضهم يصمت و وجوههم مصفرة . لكن سليم , لم يعد معهم , بحثوا عنه بين الحجارة , و وجدوه ميتاَ , وجهه ملطخ بالدم .
عاد الأطفال الى بيوتهم , خلعوا أحذيتهم بصمت , و تسللوا الى الداخل كأنهم لم يكونوا هناك أصلاَ .
قال الكبار لاحقاَ انَ لوح الحديد أخفى تحته عبوة قديمة .
و منذ ذلك اليوم , ظل بعض الناس يقولون انهم حين يمرون من هناك ليلاَ , يسمعون صوتاَ خافتاَ يخرج من بين الأنقاض , دون أن يعرفوا , أ هو صوت الجنود أم الأطفال ؟ : هل يمكن أن نموت ... و نحن نعتقد اننا نلعب ؟
* شاعر و قاص عراقي كوردي
#مامند_محمد_قادر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟