أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عماد حسب الرسول الطيب - لا ثورة بلا قطيعة، ولا يسار بلا عدو طبقي















المزيد.....

لا ثورة بلا قطيعة، ولا يسار بلا عدو طبقي


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8390 - 2025 / 7 / 1 - 09:13
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


حين نقرأ مقال "هل لا يزال لليسار معنى في ظل العولمة النيوليبرالية؟" لرياض الشرايطي، والمنشور بالحوار المتمدن بتاريخ 30 يونيو 2025، نشعر للوهلة الأولى أننا أمام نصّ صادق يحاول أن يصوغ مأزقًا تاريخيًا بلغة لا تساوم، ولا تتخفّى خلف البلاغة أو الاعتذارية. هو مقال يضع إصبعه مباشرة على جرح مزدوج: جرح اللغة المبتذلة التي صادرت معاني العدالة والتحرر، وجرح العجز التاريخي الذي حوّل كثيرًا من اليسار إلى ما يشبه ديكورًا ناعمًا لنظام خشن. من يكتب بهذا النفس لا ينقصه الحس الثوري، ولا الصدق النظري، ولا القدرة على تفكيك أدوات الاحتواء التي استخدمتها النيوليبرالية كي تُخضع حتى الخصم المفهومي. وقد أصاب الكاتب حين بيّن كيف أصبح "التمكين" بديلاً عن "الاستيلاء"، و"المواطنة" بديلاً عن "الطبقة"، و"المجتمع المدني" أداة لتفكيك القوة التنظيمية لا لبنائها. هي رؤية نقدية ضرورية، لأن أي مشروع استرداد لليسار لا يبدأ من هكذا مساءلة، سيعيد إنتاج المأزق ذاته، بلغة مغايرة فقط.

لكن ما بدأ كتشخيص واعد، انتهى إلى نقد لم يجرؤ على تسمية ما يجب تسميته. لقد اكتفى المقال، رغم جرأته الشكلية، بطرح سؤال اليسار في مستواه اللغوي أو التموقع الرمزي، دون الغوص في بنيته الطبقية الملموسة، أو مساءلة شروط إنتاجه الواقعية. فهل أزمة اليسار اليوم هي أزمة لغة فحسب؟ أم أنّها أزمة تنظيم، وخيانة، وتحالفات طبقية خاطئة، وانسحاب من ساحات الصراع الحقيقية؟ الماركسي لا ينخدع باللغة، لأن الماركسية ليست فلسفة للمعاني بل علم مادي للصراع. فحين نتحدث عن يسار فقد معناه، يجب أن نكشف من سلبه هذا المعنى، ولماذا، وبأي أدوات، وتحت أي شروط تاريخية. وهنا بالضبط يتوقف المقال عند العتبة ولا يقتحم الأسئلة الجذرية التي من دونها يظل الخطاب، مهما بدا جذريًا، حبيس الفضاء الرمزي ذاته الذي ينتقده. فحين نحلّل انزياحات المفردات دون أن نحلّل انزياحات المواقع الطبقية، فإننا نقوم بتمرين بلاغي لا ثوري.

وما يزيد المأزق حدة، أن الكاتب ذاته يتفادى تحديد ما هو "اليسار الحقيقي" بدقة طبقية. يذكر أن بعض فصائل اليسار صارت أذرعًا للتمويل الأجنبي، وأن بعضها اندمج في منظمات الدولة، وبعضها الآخر تشظى في الخطابات الهوياتية. لكن هذا التوصيف، رغم صحته، يظل عامًا وغير حاسم. ما الذي يجعل تيارًا ما يساريًا؟ هل هو الموقف من الملكية الخاصة؟ من الدولة؟ من الثورة؟ من العدو الطبقي؟ من وسائل الإنتاج؟ إن تعريف اليسار دون المرور عبر تحليل علاقته بالبنية الطبقية يفتح الباب أمام كل تمويه إصلاحي. ولأن المقال لا يطرح بوضوح ضرورة استعادة مشروع ديكتاتورية البروليتاريا، أو مصادرة الملكية الكبرى، أو تحطيم الدولة البرجوازية، فإنه يبقى في دائرة النقد الأخلاقي، لا النقد الماركسي.

هذا الغياب يتجلى أيضًا في انفصال المقال عن البنية الطبقية الراهنة للمجتمعات التي يُفترض أن اليسار يناضل فيها. فكيف يمكن نقد "يسار بلا جماهير" دون تحليل لما حلّ بالجماهير ذاتها؟ أين العمال غير المهيكلين؟ أين الفلاحون المطرودون من الأرض؟ أين المهمشون في العشوائيات، واللاجئون، والعاطلون عن العمل؟ وكيف أعادت النيوليبرالية تشكيل هذه الطبقات بما يمنع التنظيم الثوري؟ حين كتب لينين "ما العمل؟"، لم يكن يكتفي بنقد المثقف المتردد، بل كان يؤسس لشكل تنظيم جديد يلتحم بالطبقة العاملة رغم كل المعوّقات. وحين وضع تروتسكي أطروحاته حول الثورة الدائمة، لم يكن ينعى الثورة، بل يكشف شروط تجاوز المراحل، عبر فعل سياسي شجاع لا يحتكم إلى موازين القوى بل إلى مشروع تغيير جذري يبدأ من الهامش ويصعد. أما المقال، فيقف عند التشخيص دون المرور إلى البناء البديل.

وإذا كان المقال قد أحسن في وصف النيوليبرالية كمحرقة لغوية، فإنه لم يتقدم نحو الإجابة عن سؤال: كيف نعيد المعنى؟ فالاستشهاد بمقولات ماركس أو غرامشي لا يكفي، ما لم تُترجم هذه المقولات إلى مشروع سياسي ومادي محدد، يُخاطب ليس فقط الأزمة الفكرية، بل البنية الفعلية. إنّ المعنى لا يعود إلا إذا عادت علاقات القوة التي تنتجه. كل خطاب عن "استعادة اليسار" دون استعادة مواقع الإنتاج، ودون قيادة نضالات فعلية من قلب الحقول والمصانع والمدن المسحوقة، هو خطاب زائف، أو في أفضل الأحوال خطابة بلا خطر. ولذلك حين يتحدث المقال عن الحاجة إلى يسار لا يهادن، لا يبرر، لا يطلب موطئ قدم في المنظومة، فإنه يطرح هذا كشعار، لا كمهمة مادية واضحة. لم يحدد طبيعة التنظيم الجديد المطلوب، ولا العلاقة بين الحزب الثوري والحركات الاجتماعية، ولا مسألة العنف الثوري أو السيطرة على أدوات الدولة. ولهذا يظل الكلام، رغم صدقه، في حدود النقد الرمزي لا التأسيس الجذري.

لقد كانت لحظات النهوض اليساري الكبرى لحظات قررت فيها قوى الثورة أن تصطدم بالبنية، لا أن تتأملها. من كومونة باريس إلى ثورة أكتوبر، ومن الحرب الفلاحية في الصين إلى اللجان الثورية في الجزائر وفنزويلا، لم يكن الفاعل فيها ناقدًا لغويًا بل مناضلًا سياسيًا يحاول إعادة تنظيم الطبقات العاملة حول مشروع للاستيلاء على السلطة. وفي عصرنا، يمكن أن نرى هذا النمط في الانتفاضات الشعبية غير المنظمة التي هزّت النظام من السودان إلى كولومبيا، لكنها لم تجد قوى يسارية تمتلك مشروعًا واضحًا لتأطيرها. لهذا، فالمشكلة ليست فقط في موت اللغة، بل في موت التنظيم. وكما قال سلامة كيلة: "النيوليبرالية لا تخاف من النقد، بل من التنظيم"، وهذا ما لم يُبْنَ عليه المقال بالشكل الكافي.

إنّ خطر التموقع الوظيفي لليسار لا يكمن فقط في التمويل أو المشاركة في الدولة، بل في إعادة إنتاج الخطاب ذاته ضمن شروط لا تُفزع النظام. اليسار الذي لا يعلن عداءه الطبقي للنظام، ليس فقط خائفًا، بل مدجّن. والمقال حين يطلب إعادة المعنى، لم يُسمِّ العدو بوضوح. من هو العدو؟ هل هو الدولة؟ أم السوق؟ أم البنية الطبقية برمتها؟ أم المنظومة الدولية التي تعيد إنتاج التبعية عبر الدين، والمساعدات، والمؤسسات؟ لا يسار دون وضوح العدو، ودون الرغبة في إسقاطه، لا التفاوض معه.

في نهاية المطاف، فإن المقال، رغم نبرته الثورية، يظل مقيدًا بالخوف من الحسم. يراقب الأزمة، لكنه لا يشارك في تفجيرها. يسائل اللغة، لكنه لا يبني مشروعًا نقيضًا. يضع يده على الجرح، لكنه لا يقترح المشرط. الماركسية ليست مرثية، بل أداة صراع. ومن لا يمسك بها كمطرقة، يتحوّل إلى شاهد على الهزيمة، لا مناضل لتجاوزها. ولهذا، فإن سؤال اليسار الحقيقي اليوم ليس "هل بقي له معنى؟"، بل: "هل بقيت للثورة فرصة دون يسار ينحاز، يقود، يصطدم، ويؤسس للغد؟".

المعركة ليست بين اليسار والعدم، بل بين مشروع تاريخي للتحرر، ومنظومة كوكبية للإخضاع. وإن أخطر ما يواجهه اليسار اليوم ليس هزيمته أمام العدو الطبقي، بل تحلّله في منظوماته، وذوبانه في لغته، وتخلّيه عن جرأة الحلم الجذري. فإما أن يُعيد تنظيم الغضب حول مركز إنتاجه، أو يُترك للعالم أن يُدار بأيدي رأسمالية فقدت كل قيد، إلا قيد السوق. وكما كتب ماركس في «الثامن عشر من برومير»: "يصنع الناس تاريخهم، ولكنهم لا يصنعونه على هواهم، بل في ظروفٍ معيّنة، موروثة عن الماضي." فلنصنع التاريخ إذًا، لا بوهم الإصلاح، بل بيقين الثورة.

"الأزمة الحقيقية للحضارة الإنسانية هي أزمة قيادة الطبقة العاملة. لا مخرج من الكارثة التاريخية إلا عبر الثورة الاشتراكية، لكن هذه الثورة لا تنتصر تلقائيًا، بل تحتاج إلى حزب يُجيد رؤية الهدف ويجرؤ على تحقيقه."

الثورة مستمرة،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القذيفة لا تُنهي الدرس
- 30 يونيو: لحظة الوعي الطبقي وحدود الثورة في السودان
- وعي طبقي في جسد طفلة
- عنف بلا حدود، مقاومة بلا تنازلات
- الفن في مواجهة اغتراب الرأسمالية: صرخة الجمال ضد قبح الاستغل ...
- التعاونيات في السودان: بذور الاشتراكية في مواجهة الرأسمالية ...
- الوعي الطبقي والجهل المُنَظَّم في الصراع السوداني: تحليل مار ...


المزيد.....




- رقابة وسيطرة ناعمة، عبر الذكاء الاصطناعي كأداة قمع سياسي متد ...
- قبل ثلاثين سنة رحل عنا إرنست ماندل
- -انعطف يمينا ثم يسارا-.. طيار بشركة دلتا يعتذر للركاب بعد -م ...
- ثلاثون عامًا بعد وفاته، البناء مع إرنست ماندل
- إرنست ماندل، قبل رحيله: ينبغي أن نمنح التاريخ الوقت لإنجاز ع ...
- م.م.ن.ص// -لن يمروا!- -لن يمروا!-....شعلة تتجدد في صرخة الثو ...
- في ذكرى تأسيس الحزب: العراق بحاجة إلى الشيوعية أكثر من أي وق ...
- حول قرار ما يسمى “بالعباءة الزينبية” زياً رسمياً في بغداد، ا ...
- حول قرار ما يسمى “بالعباءة الزينبية” زياً رسمياً في بغداد، ا ...
- صفحات من التأريخ: الحزب الشيوعي العراقي ، 14 / تموز /1958 و ...


المزيد.....

- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي
- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عماد حسب الرسول الطيب - لا ثورة بلا قطيعة، ولا يسار بلا عدو طبقي