زياد عبد الفتاح الاسدي
الحوار المتمدن-العدد: 8385 - 2025 / 6 / 26 - 16:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يُمكننا بكل تأكيد وصف المشروع الإسرائيلي كوطن قومي لليهود والذي تبنته بريطانيا العظمى في الحرب العالمية الاولى بأنه بكل بساطة عبارة عن مشروع يهدف لانشاء دولة ليهود أوروبا وترسانة عسكرية مُتقدمة للغرب في الشرق الاوسط ... وكما نعلم فقد ظهرت فكرة هذا المشروع خلال الحرب العالمية الاولى كمشروع استيطاني ليهود أوروبا المتهضدين في قلب المنطقة العربية وذلك في إطار هدف استراتيجي للغرب بقيادة بريطانيا العظمى في إحكام الهيمنة والسيطرة على المنطقة العربية والشرق أوسطية بعد الانهيار السريع للامبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الاولى .. وكانت خلفية الاهداف والاطماع البريطانية الاستعمارية في المنطقة العربية تتمحور حول ما تتمتع به هذه المنطقة ليس فقط بموقع استراتيجي يتوسط الجغرافيا العالمية بين القارات وفي إطلالته على اهم المضائق والممرات البحرية الاستراتيجية للتجارة العالمية , بل أيضاً لما تحويه المنطقة في باطن الارض من مخزون كبير وثروات هائلة من النفط والغاز الطبيعي وغير ذلك من المعادن والخامات الهامة والنادرة والثروات الباطنية والزراعية عدا عن المتاحف التاريخية والمناطق الاثرية والسياحية ...الخ .
وقد تحول هذا المشروع الاستيطاني بعد عشرات الاعوام من وعد بلفور وتهجير يهود أوروبا للاستيطان في فلسطين في ظل الانتداب البريطاني الى واقع مزمن من المستوطنات ثم الى دولة وكيان اسرائيلي من الصعب تجاهله وتمتع للاسف بعد انشائه عام 1948 باعتراف دولي كبير من قبل الغرب والاتحاد السوفييتي ومعظم دول العالم بما يشمل حتى بعض الدول العربية والاسلامية التي اعترفت لاحقاً بإسرائيل وأقامت معها علاقات دبلوماسية , .. وهنا تحولت للاسف دولة اسرائيل ولا سيما مع ولادة الملايين من الاجيال الاسرائيلية على أرض فلسطين العربية على مدى عقود طويلة الى واقع اجتماعي وكيان قومي وديني يتحدث بلغة عبرية واحدة بما يُشكل للاسف مجتمع شبه قومي مُتماثل في ظل استمرار ولادة الملايين من الاجيال في فلسطين منذ القرن الماضي والى يومنا هذا بما يزيد عن مئة عام .. وهنا علينا للاسف الشديد أن نُقر ونعترف بأن هذه الاجيال التي وُلدت وتوالدت على ارض فلسطين لسنوات وعقود طويلة لا تعرف في الحقيقة ( شئنا أم أبينا ) سوى دولة إسرائيل كوطن لها ... وهنا يظهر لنا مدى حجم التآمر البريطاني الخبيث والمُدمر على المدى البعيد في خلق هذا المشروع الاستيطاني الاسرائيلي وترسيخه على ارض فلسطين في بلاد الشام على حساب سكانها العرب .. وليس ذلك وحسب , بل وضع ما تبقى من عرب فلسطين بعد الهجرة الكبرى في 1948 (عام النكبة) في صراع وجودي شبه دائم مع الكيان الاستيطاني الاسرائيلي , وهو صراع لا حل له للاسف مع مرور الزمن ولا عدل فيه للمواطنين الذين لا ذنب لهم من كلا الجانبين .
ولكن علينا أن نعلم أن الوضع الخطير القائم حالياً في فلسطين والكيان الاسرائيلي يتمثل في صعود وهيمنة اليمين الديني المُتطرف بقيادة حزب الليكود مع تصاعد ظاهرة العنصريين والمُتطرفين الدينيين في المجتمع الاسرائيلي الذين يُشجعهم حزب الليكود والاحزاب الدينية المُتطرفة في ارتكاب شتى انواع الاضطهاد والجرائم بحق عرب فلسطين مع إغراءهم وإعطاءهم أولويات في الحصول على سكن مجاني في المستوطنات . وقد تحالفت هذه الاحزاب الدينية اليمينية المُتطرفة مع بعضها تحت قيادة حزب الليكود واحتكرت السلطة في اسرائيل منذ مُنتصف التسعينات من القرن الماضي الى الآن وتحديداً بعد إغتيال اسحاق رابين في نوفمبر 1995 والذي كان يقود حزب العمل الاسرائيلي الذي يُمثل اليسار واليسار المُعتدل في اسرائيل . حيث قرر اسحاق رابين في تلك الفترة بالاشتراك مع حركة السلام الاسرائيلية التي نشطت بقوة منذ سبعيات القرن الماضي في تبني عملية السلام في فلسطين بين العرب والاسرائيليين وتلقت الدعم والتشجيع من قبل الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون ومُشاركة من الراحل ياسر عرفات .. ولكن تم عندها إغتيال عملية السلام بمجملها مع إغتيال اسحق رابين من قبل أحد المُتطرفين الدينيين اليهود .. وكان هنالك شكوك قوية على تورط المجرم نتنياهو في بدايات ظهوره السياسي في عملية إغتيال رابين ليتمكن بعدها من قيادة حزب الليكود ومن ثم نجاحه في عام 1996 بتشكيل اول حكومة لحزب الليكود الديني والعنصري المُتطرف .. ولكن الغريب في الامر أن صعود اليمين الديني المُتطرف في اسرائيل تم بالتزامن وبنفس الفترة تقريباً التي انتشرت فيها ألاحزاب الدينية والاخوانية المُتطرفة ومُجمل تنظيمات الاسلام السياسي وفصائل المقاومة الاسلامية المذهبية في دول المنطقة .
وهنا علينا أن نُدرك أنه مع انشاء دولة اسرائيل عام 1948 بعد هزيمة مهينة للجيوش العربية في ذلك العام , قامت معظم الدول العظمى بما في ذلك الاتحاد السوفيتي والكثير من دول العالم بالاعتراف الفوري بدولة إسرائيل .. ليبدأ المشروع الاسرائيلي بعد سنوات من حرب 48 وإنشاء دولة اسرائيل وبتشجيع بريطاني وفرنسي في النشاط والتمدد في قلب المنطقة العربي من خلال سلسلة من الاعتداءات والحروب التي بدأت على نحوٍ مُبكر في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 بمُشاركة بريطانيا وفرنسا ثم الهزيمة المُروعة للجيوش العربي في حرب حزيران عام 1967 ليتلوها إخفاقات حرب اكتوبر عام 1973 ثم حرب الجنوب اللبناني في مواجهة المقاومة وقوات العاصفة تحت قيادة اللواء سعد صايل عام 1978 , ثم الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان وحصار بيروت عام 1982 ... ثم دفع إسرائيل بعد سنوات للانسحاب من جنوب لبنان عام 2000 , ثم اندلاع حرب 2006 في مواجهة حزب الله في جنوب لبنان والدمار والضحايا والتهجير الذي خلفته هذه الحرب .. وانتهاءاً بالمناوشات والاعتداءات الاسرائيلية المُتواصلة على مدن الضفة بالاضافة الى مجموعة الاعتداءات على قطاع غزة خلال اعوام 2008/2009 و عام 2012 و عام 2014 .... وانتهاءاً بالحرب الدموية الاجرامية المُدمرة على قطاع غزة بعد عملية السابع من اكتو بر عام 2023 .. التي خططت لها قيادة حماس الاخوانية بتشجيع وتمويل من العميل القطري والتي انقذت حكومة نتنياهو من السقوط بعد مظاهرات عنيفة ضد نتنياهو في اسرائيل دامت لاكثر من عام بسبب التعديلات القضائية العنصرية التي أراد تمريرها في الكنيست .. لتقود المظاهرات العنيفة والطويلة ضد نتنياهو في نهاية الامر الى الدعوة لحل الكنيست واجراء انتخابات مُبكرة كانت ستُسقط نتنياهو بكل تأكيد لولا إطلاق قيادة حماس الاخوانية حينها لعملية السابع من اُكتوبر ليس فقط لتُنقذ نتنياهو من سقوط حكومته , بل أيضاً لتشجيعه وإعطائه المُبرر لتدمير شامل ووحشي للقطاع .. ثم ادخال المنطقة في حروب مُدمرة بعد تدمير مأساوي لقطاع غزة واستشهاد وتجويع قاتل لمئات الالوف من سكان القطاع واغلبهم من الاطفال والنساء والعجزة .. ليُتابع بعدها بتدمير شامل للجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية في بيروت وامتد حتى الى مناطق الهرمل والبقاع اللبناني في ظل اختراق معلوماتي واستخباراتي خطير لحزب الله قاد الى اغتيال العشرات من القادة والعسكريين في حزب الله بما في ذلك زعيم الحزب السيد حسن نصرالله .
وهنا علينا أن نعي بأن هذا الكابوس الاسرائيلي في المنطقة في ظل قيادة حزب الليكود الديني المُتطرف والسفاح نتنياهو , سيقود المنطقة الى الدمار الشامل إذا لم يتم اسقاط حكومة نتنياهو ومجمل اليمين الديني المُتطرف في اسرائيل ... وهذا لن يتم طالما أن اسرائيل لا تزال للاسف تتلقى الدعم الكامل من قبل منظومة الغرب " الديمقراطي " بالرغم من كونها حكومة عنصرية إجرامية يقودها حزب الليكود الديني المُتطرف ويرأسها السفاح المجرم نتنياهو الذي صدر أمر باعتقاله من محكمة العدل الدولية ... وهذا يدل على أن الغرب غير معني سوى بمصالحه الاقتصادية في المنطقة وتجارة الاسلحة وإحكام السيطرة عليها وغير معني بالتأكيد باسقرار المنطقة وسلامة شعوبها .. وبالتالي فلن يكون من الممكن اسقاط حكومة نتنياهو ومجمل اليمين الديني والعنصري المُتطرف في إسرائيل سوى من خلال بذل جهود قوية ومُتواصلة ومُضنية لبناء تحالف استراتيجي قوي بين أنصار حركة السلام والقوى " العلمانية والتقدمية " على الصعيدين الفلسطيني والاسرائيلي .. وكذلك العمل بمنتهى الجدية والتفاني والاصرار على نشر الوعي الفلسطيني والعربي عموماً بخطورة التنظيمات الاسلامية والاخوانية المذهبية المُتطرفة التي بدأت تلفظها جميع شعوب المنطقة من عرب وفرس وأكراد وأتراك وتركمان وآشوريين وسريان ...الخ , بعد أن تبين بأنها تنظيمات قادت المنطقة الى التمزق والخراب والدمار , وهي تختبئ بلا خجل تحت شعارات الوطنية والمقاومة بينما تقودها قيادات مذهبية مُتخلفة ومُشوهة وعميلة سواء لانظمة اسلامية مذهبية ورجعية كتركيا وإيران أو حتى لانظمة خليجيية ورجعية مُتواطئة وعى رأسها دولة قطر .
#زياد_عبد_الفتاح_الاسدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟