زياد عبد الفتاح الاسدي
الحوار المتمدن-العدد: 8103 - 2024 / 9 / 17 - 22:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ تصاعد المظاهرت الشعبية الغاضبة في دول الغرب احتجاجاً على المجازر الوحشية التي تعرض لها سكان قطاع غزة والتي تزامنت مع عدد الانتخابات البرلمانية ولاسيما في بريطانيا وفرنسا والانتخابات الرئاسية في الولايات المُتحدة فقد شهدنا بوضوح ظاهرة تمرد الاجيال الحديثة والصاعدة في مجتمعات الغرب ولا سيما في دول اوروبا الغربية والولايات المُتحدة على الاحزاب والقوى السياسية التقليدية الحاكمة ومن يقف ورائها من الاثرياء والنخب الطبقية العليا التي تُهيمن على مفاصل الاقتصاد ووسائل الانتاج والبنوك والعقارات والتجارة العالمية ومصادر الطاقة والصناعات الثقيلة والعسكرية ...الخ . وهذه النخب الطبقية العليا تتحكم للاسف بنتائج الانتخابات الديمقراطية بصورة مباشرة وغير مُباشرة لتامين وصول القوى السياسية التي تحمي مصالحها الى وسائل الحكم والسلطة التنفيذية, ويتم ذلك عن طريق مختلف أشكال الدعم والتمويل المالي وتجنيد مُختلف وسائل الاعلام لدعم حملاتهم الانتخابية ...الخ . وقد شهدنا مُؤخراً هذا التمرد لدى الاجيال الصىاعدة ليس فقط من خلال المظاهرات العارمة والغاضبة التي اجتاحت فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المُتحدة لاسباب عديدة ومن ضمنها ما يجري من قتل وابادة جماعية لعرب فلسطين ولا سيما في قطاع غزة . بل شهدناه أيضاً وهذا في غاية الاهمية من خلال التغير الكبير في نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت مُؤخراً في بعض دول الغرب ولا سيما في فرنسا وبريطانيا والتي أظهرت فوز تكتل أحزاب اليسار التي تصدرت نتائج الانتخابات الفرنسية الاخيرة بقيادة اقصى اليسار , بينما سجل يسار الوسط مُمثلاً بحزب العمال البريطاني انتصاراً ساحقاً على حزب المحافظين اليميني .. أما في الولايات المُتحدة فقد ظهر أيضاً بوضوح هذا التحول الجديد نحو اليسار وذلك ليس فقط من خلال المظاهرات العنيفة والغاضبة التي اجتاحت العديد من المدن الامريكية التي قادتها المجموعات الصاعدة من الشباب وطلبة الجامعات من قوى اليسار إحتجاجاً على ما يجري في قطاع غزة , بل أيضاً من خلال التحول المُفاجئ الاخير في مسار الحملات الانتخابية الرئاسية للحزب الديمقراطي الذي يشهد حالياً بوضوح صعود جناح اليسار ويسار الوسط في الحزب الديمقراطي مُمثلاً بمُرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة كمالة هاريس بعد الضغوط التي مارستها بعض قواعد الحزب على قيادة الحزب من أجل تنحي الرئيس الحالي عن الترشح لولاية اخرى .
وهنا وفي إطار هذا الصعود المُفاجئ لقوي اليسار ويسار الوسط في منظومة الغرب يُمكننا أن نُسجل الملاحظات التالية :
1 . في فرنسا :
رغم حصول تحالف أحزاب اليسار بما يشمل اليسار الراديكالي في حزب فرنسا الابية والحزب الشيوعي الفرنسي وحزب الخصر ويسار الوسط في الحزب الاشتراكي الفرنسي على المرتبة الاولى في عدد المقاعد , فقد فشلت للاسف هذه الاحزاب بمجموعها في مُتابعة التحالف والتنسيق فيما بينها بعد الانتخابات والاتفاق على برنامج سياسي واصلاحي موحد لتشكيل الحكومة الجديدة ولا سيما في مواجهة حزب ماكرون الذي استطاع بدهاء جذب قوى اليمين الجمهوري وبعض أطراف الجناح المُعتدل في الحزب الاشتراكي الفرنسي الى صفه والحفاظ بالتالي على الاغلبية البرلمانية لتشكيل الحكومة الاخيرة بالرغم من التدني الكبير في شعبية ماكرون خلال السنوات الاخيرة ولا سيما في عام 2023 وما قبله والتي شهدت أزمات سياسية وأعمال عنف ومظاهرات غاضبة ضد ماكرون والحكومة الفرنسية إعتراضاً على التعديلات العديدة التي أجرتها الحكومة الفرنسية ومن اهمها زيادة سن التقاعد وتعديل قوانين الهجرة ورفع اسعار الوقود والطاقة ....الخ .
2 . في بريطانيا :
يُمثل حزب العمال البريطاني عموماً يسار الوسط في تحالف القوى السياسية والنقابية داخل الحزب بما يشمل حركة نقابات العمال والجمعيات الاشتراكية وحزب العمال المستقل والجمعيات النقابية والاتحاد الاشتراكي الديمقراطي الماركسي والعديد من القوى اليسارية والنقابية الصغيرة .
وهذا التنوع الكبير في تشكيلة حزب العمال شكل صعوبات عديدة في توجهات السياسة الخارجية لحكومة حزب العمال ولا سيما في تبني موقفاً واضحاً تجاه مجازر غزة من قبل حكومة اليمين الديني المتطرف بقيادة نتنياهو .. وهذا ما قد يُشكل مُعضلة كبيرة تجاه مُستقبل الحزب في أي انتخابات برلمانية قادمة .. فالموقف الغير حازم لحزب العمال من حرب الابادة الاجرامية على قطاع غزة قد يُكلف الحزب في المستقبل خسارة الكثير من الاصوات لصالح بعض المرشحين المستقلين الداعمين للقضية الفلسطينية طالما أن الحزب لم يُقدم سوى تصريحات نارية لوقف فوري لإطلاق النار .
3 . في الولايات المُتحدة :
هزت حرب الابادة الهمجية على قطاع غزة الرأي العام الامريكي بقوة من خلال اندلاع الاحتجاجات االعارمة والغاضبة في مختلف المدن والجامعات الامريكية وقد استغلت قوى اليسار من طلبة الجامعات انعقاد المُؤتمر العام للحزب الديمقراطي في شهر آب الماضي لتنظيم مظاهرات احتجاجية خلال أيام المُؤتمر على السياسة الامريكية تجاه إسرائيل والغير حازمة تجاه المجازر التي ترتكبها حكومة اليمين الديني المُتطرف بقيادة نتنياهو . ورغم وجودِ بعض الفوارق الهامة في مواقف الحزبين تجاه الشرق الاوسط والقضايا العربية والقضية الفلسطينية تحديداً مقارنةً بتلك الفوارق التي كانت في انتخابات سابقة , إلا ان كلا الحزبين لا يترددان في دعم و حماية اسرائيل وأن لم يكن بنفس الدرجة , فالادارات الجمهورية السابقة وتحديداً إدارة ترامب السابقة قد تطرفت كثيراً في انحيازها لإسرائيل لدرجة فاقت كل أشكال الانحياز الأمريكي السابق لاسرائيل بما يشمل حتى جميع الحكومات الجمهورية السابقة . فقد أظهرت إدارة ترامب اليمينية المُتطرفة بقوة انحيازها لاسرائيل ولحكومة نتنياهو من خلال ثلاثة مواقف مُتطرفة للغاية.. وأول هذه المواقف المتطرفة الغاء التزامها باتفاقية أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع الذي وقع عليه وزير الخارجية الامريكي عام 1993في عهد الرئيس كلنتون . ثم تابعت إدارة ترامب مواقفها القذرة تجاه القضية الفلسطينية باعترافها الصارخ بالقدس بكاملها عاصمة لاسرائيل ولم تكتفي بذلك بل نقلت السفارة الامريكية الى القدس في موقف مخالف ليس للمواقف الامريكية السابقة بل لجميع المواقف الغربية السابقة ومنها حل الدولتين واعتبار القدس الشرقية عاصمة السلطة الفلسطينية .. ولم تكتفي بذلك بل شجعت إدارة ترامب حكومة نتنياهو واليمين المُتطرف بمتابعة بناء المستوطنات في الضفة الغربية في خرق كبير لاتفاقية اوسلو ... أما التحول الآخر في سياسة ادارة ترامب السابقة تجاه الشرق الاوسط، فكان بالغاء الاتفاق النووي مع ايران , ثم ممارسة الضغوط على أنظمة الخليج العربي وإقناعها من أجل حمايتها من إيران بأن عليها التطبيع مع اسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية معها فيما عُرف عندها هذا التوجه لادارة ترامب بصفقة القرن , وذلك في نسف واضح لمبادة السلام العربية التي شكلت الحد الادنى من مصادر الدعم المالي والسياسي للسلطة الفلسطينية .
على أية حال في نهاية الامر يُفترض على الجالية العربية في الولايات المُتحدة وتحديداً في ولاية ميشيغان وهي من الولايات الانتخابية المُتأرجحة والهامة للغاية في حسم نتائج الانتخابات المُتقاربة جداً , ان تستغل صوتها الانتخابي بطريقة عقلانية وليس عاطفية من خلال التصويت للمرشحة الديمقراطية كاملة هاريس والتي تمثل الى حدٍ كبير اليسار أو يسار الوسط في الحزب الديمقراطي ... وهي بالتالي الاقرب بين جميع قادة الحزب الديمقراطي في موقفها من القضية الفلسطينية بما في ذلك الرئيس بايدن نفسه رغم كونها نائبة الرئيس ... فمن المُؤكد أن المرشحة كاملة هاريس ستقود تغييراً كبيرأ في السياسة الخاجية الامريكية تجاه الشرق الاوسط ليكون أكثر عدلاً تجاه القضية الفلسطينية حيث شددت بقوة في خطابها الختامي في مُؤتمر الحزب الديمقراطي بأنها ستعمل على وقف فوري ونهائي لاطلاق النار في غزة وأنها تُؤيد حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وستعمل بقوة غلى حل الدولتين باقامةدولة فلسطينية باالضفة والقطاع وفقاً لقرارات المجتمع الدولي والامم المُتحدة .
اما أذا امتنع العرب عن التصويت لكاملا هاريس في نوفمبر أو قاموا بإعطاء صوتهم لمرشحة حزب الخضر التي لا وزن لها على الاطلاق ( يُقارب الصفر ) في الانتخابات الجارية فهم بالتالي قد يُساعدون للاسف وبكل غباء على إعطاء ترامب اليميني العنصري والمجرم المُتطرف بحق القضية الفلسطينية فرصة للنجاح بهذه الانتخابات المُتقاربة للغاية.
#زياد_عبد_الفتاح_الاسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟