أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فراس الجندي - الانشطار النفسي














المزيد.....

الانشطار النفسي


فراس الجندي

الحوار المتمدن-العدد: 8381 - 2025 / 6 / 22 - 15:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يواجه الفرد في المجتمعات العربية الإسلامية أزمةً حقيقيةً على صعيدِ الحاضر والمستقبل، يعيش حالةً من الفوضى الفكريةِ والمنهجية، يحلمُ بعمليةِ التغيير والولوجِ في عالم الحداثة وعقلُه مازال في الماضي يتماهى في لحظةٍ مع هذا الماضي كأنّه حقيقةٌ مطلقةٌ وكأنّ أحداثَه حقيقيةٌ.
هذا الفردُ يعاني من السلبيّةِ والهروبِ من استحقاقِ الحاضرِ الذي يتطلّبُ عقلًا نقديًّا وليس عقلًا إيمانيًّا. والسؤالُ الذي يطرحُ نفسَه: هل الفرد في مجتمعنا -بما يحمله من أدواتٍ معرفيٍّة فقهيّةٍ شفهيّةٍ- مهيأٌ للدخول في هذا العالم؟ وهل يستطيع مواجهةَ عالم المعرفةِ وهو منشطرٌ نفسيًّا ويعاني من اضطرابٍ سلوكيٍّ على المستوى النفسيّ بسبب منظومةِ الاستلاب؟
في هذا المقالِ أحاول الإجابةَ عن هذه الأسئلةِ من المنظور النفسيّ.الفرد في المجتمع العربيّ الإسلاميّ يخضع للنصِّ الدينيّ ويشكّلُ النصُّ منظومتَهُ المعرفيّةَ وبالتالي يبقى أسيرَهُ ولا يستطيع الخروجَ من هذا النصِّ ومحتواه ولا يستطيع أن يخرج من الماضي الذي يأسره النصُّ به. يتعامل مع الواقع بناءً على ثقافتِهِ الفقهيّةِ الشفويّةِ التي تلقّنَها في البيتِ والمسجدِ والمدرسة، هذه الثقافةِ المشبعةِ بالأساطيرِ والخرافاتِ عن ماضٍ كان الفردوسَ الذي ضاع من بين أناملِ العرب بسببِ الآخرِ، ماضٍ لا دليلَ على أنّ أحداثَهُ صحيحةٌ.
ولكن الفردَ لا يجرؤُ على التفكير إنّ المشكلةَ تتعلّق بالفرد نفسِه وبالعقليةِ التي يتعاملُ من خلالِها مع المتغيّراتِ التي تحدثُ حولَه. فالفرد يتعامل مع العقيدةِ بشكلِها المقدّسِ الذي يمنع الاقترابَ منها أو نقدَها أو تجاوزَها. العقيدة وجدت عبر التاريخ كحالة مصالحةٍ مع الواقعِ الدنيويّ، وجاءتْ الأديانُ لتمارسَ السلطة. لذلك -عبر التاريخ- كانت الأديانُ تتعارض مع السلطات لأنها كانت تعلّم (أو تلقّن) الناسَ السلطةَ التي هي تريدُها عبر الكهنوتِ وبالتالي سُلطةُ الدينِ تتعارض مع سلطةِ الدولةِ بمفهومها الحديث، لأن السُلطةَ الدينيّةَ تريد من البشر الاعتمادَ والتوكُّلَ في كلِّ شيءٍ على الغيب وتطالب الغيبَ أيضا بالحقوق التي يتمتَّعُ بها الفردُ في المجتمعاتِ الغربيّة التي تتعلّق بحقوقِ الإنسان وبالحريةِ الشخصيّةِ وبالعدالةِ أمامَ القانون، الفرد يطلب –مثلا- من الله معاقبةَ القاتل وليس من المحكمة، هذه المطالباتُ ليست إلا تعبيرًا عن الاغتراب النفسيِّ للفرد واغترابِه عن واقعِه المعاشِ.
هل يستطيع الفرد الدخولَ في العالم الحديث؟ لا أعتقد أنّ الفردَ العربيَّ يستطيع دخولَ عالمِ الحداثةِ وهو يرفع شعارَ الماضي. هذا الفرد الذي شكّلَهُ النصُّ يصعب عليه الدخولُ في العالمِ الحديثِ المتغيّر الذي يُسجّل فيه اختراعٌ كلَّ دقيقة، ما يتطلب من الفرد أن يتعلّمَ منهجَ البحثِ العلميّ لا الحفظَ والاسترسالَ بسرْدِ الحوادثِ التاريخيّةِ وعبادةَ وتقديسَ الأفرادِ الذين نسجَت المخيلةُ الشعبيّةُ قصصَ بطولاتِهم. فالمنهجُ العلميّ يتطلّب البحثَ والتدقيقَ والشكَّ والملاحظة، وبالتالي التربية العربية لا تملك هذه الشروط، بل هي تبني سدًا وخطًا دفاعيًّا لمقاومةِ أيّ عمليّةِ تغييرٍ بل بالعكس تستنفرُ كلَّ طاقاتِه في مواجهةِ التغيير لأنّهُ يعتقدُ أنّ التغييرَ القادمَ من الآخر سيحطّمُ الدين. بذاتِ السياقِ يُحاول رجال الدين السعي لعملية التوفيقِ بين العلمِ والدِين من أجل الاستمرار في شلّ منظومةِ الفرد المعرفيّةِ من خلال إقناع الفرد أن النصّ يحتوي على كلّ العلوم. هنا ينشأ الاستلابُ الذي يدمّر منظومةَ إحكامِ العقلِ، ومن هنا يبدأ ترويضُ الفرد على الإذعانِ وقبولِ كلِّ ما يَصْدرُ عن رجال الدين والسلطاتِ السياسيّة. فالفرد لا يكتفي بالخضوع والإذعان لسلطةِ رجال الدين، بل يقوم على استخدام آليّةِ الترويض الذاتيّ لكي تكتمل عملية الاستلاب والهدر ، فالفرد في هذه المجتمعات لا يستطيع توجيهَ غضبِه إلى سلطة رجال الدينِ الذين ساهموا في تدميرِ منظومة العقلِ ولا يستطيعُ توجيهَ غضبه ضد سلطة التربية الأسريّةِ التي روّضَتهُ على الخضوع، هذا الغضبُ والصراعُ النفسيّ يرتدّ إلى الذات بموجاتِ عنفٍ وبالتالي يُكسِّر صورتَه بالمرآةِ لأنّهُ يطمسُ هويَّتَهُ ولا يريد أن يرى نفسَه كعبدٍ منعدمِ القيمةِ وغيرِ قادرٍ على تحقيق ذاتِهِ وغير قادرٍ على الإنتاجِ المعرفيِّ لذلك يتماهى ويُفتَنُ بثقافة رجال الدين التي تقومُ على تعظيمِ التاريخ والقوّة، هذا التعظيمُ يجعله في حالة الرضوخِ التامِّ من أجل إرضاءِ منظومةِ الاستلابِ والتخفيف من حدّةِ الانشطارِ النفسيّ.
هذا الفرد الذي نشأ وترعرع في ظلّ الاستبداد والطغيان وتعرّضَ لهدرِ قيمتِه كإنسانٍ كيف له أن يدخل العالمَ الحديث؟ يدخلُ إلى هذا العالمِ عبرَ تكفيره لكلِّ القيمِ الإنسانيّةِ التي افتقدَها في ظلّ الاستلابِ، لذلك يلجأ لتبخيسِ المعرفةِ نتيجةَ عجزِهِ وإدانتِه لذاتِه، ويبني ترسانةً من آلياتِ التحريمِ لأنه يخشى الدخولَ في عالمٍ إنسانيٍّ يعرّي منظومةَ معتقداتِه الوهميّةِ التي ترعرعَ عليها.
هذا الفشلُ في الدخولِ إلى عالمِ الحداثةِ يتعلّق بأنَّ الفردَ لم يستطع الخروج من عباءةِ النص فيحاول مواجهةَ إذلالِهِ النرجسيّ بالتمسُّكِ بالماضي لأنّه يعجّزُ عن إنتاج المعرفة، بل يحاربُها، لأن إنتاج المعرفة بالنسبة إليه عمليّةٌ صعبةٌ وشاقَّة. وأيضا لا يجرؤ عليها لأنّها تحتاج إمعانَ العقلِ وإمعانُ العقل يلزمُهُ دفعُ الثمنِ والمستلبُ لا يقدر على دفعِ ثمن المعرفةِ لذلك يبقى هامشيًا ضائعًا تتقاذفُهُ الصدماتُ والخيباتُ فيبقى الهروبُ إلى الماضي والاحتماءُ به وسيلةً وحيدةً لتضميدِ جُرحِهِ النرجسيّ.



#فراس_الجندي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيكولوجية الذات الزائفة
- ثقافة التخلف وسيكولوجية الفرد
- سيكولوجية الطاغية
- المثقف والعبودية وصناعة الطغاة
- سيكولوجية الفرد بين الإذعان والتمرد
- المهاجر بين الشعور بالدونية وأزمة الهوية
- العبودية وصناعة الأمراض النفسية في المجتمع الرأسمالي
- النكروفيليا في الخطاب التيارات الإسلامية الجهاد والشهادة
- سيكولوجية العنف في خطاب السلفية الشيعية
- اضطراب الضلالة وحقيقة شعار لبيك يا حسين
- التثاقف ولاختلافات في الاتصال غير اللفظي
- قصيدة أنا العاشق
- الاحتراق النفسي عند اللاجئين السوريين في السويد
- قلق التثاقف عند المهاجرين السوريين
- التثاقف وقلق التثاقف عند المهاجرين السوريين
- الوطن ينتظرك


المزيد.....




- شاهد.. فوضى وذعر بمركز تجاري بالدوحة عقب هجوم إيران الصاروخي ...
- إيران تدعي سقوط 6 صواريخ على قاعدة العديد الجوية.. وتؤكد: ال ...
- أول تعليق من إدارة ترامب بعد هجوم إيران على قاعدة العديد بقط ...
- تداول فيديو مزعوم عن -هروب جماعي من قطر نحو السعودية عبر منف ...
- وزارة الصحة الفلسطينية في غزة: مقتل أكثر من 17 ألف طفل منذ ا ...
- تضامن عربي مع قطر إثر القصف الإيراني لقاعدة العديد
- حماس تنفي بيانا منسوبا إليها بشأن التصعيد العسكري في الخليج ...
- قراءة في الحسابات الإسرائيلية بعد الضربة الأميركية لإيران
- عشرات الشهداء في غزة والقسام تعلن استهداف 3 جنود إسرائيليين ...
- الفلاحي: إيران بدأت تنوع أهدافها وتستهدف إيلام إسرائيل


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فراس الجندي - الانشطار النفسي