أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فراس الجندي - سيكولوجية الطاغية















المزيد.....

سيكولوجية الطاغية


فراس الجندي

الحوار المتمدن-العدد: 7723 - 2023 / 9 / 3 - 00:30
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن ثمة علاقة وثيقة بين عقدة أوديب وعقدة السلطة (شهوة السلطة) بالنسبة للطاغية .ونحن نعرف أن عقدة أوديب تشير إلى تعلق الطفل بالوالد من الجنس الآخر تعلقاً يتناوله الكبت بسبب الصراع الذي ينشأ من اصطدام هذا التعلق بمشاعر الحب والكره والخوف، التي يشعر بها الطفل اتجاه الوالد من نفس الجنس ،وهو ما يسمى بعقدة أوديب الإيجابية .أما عقدة أوديب السلبية فتكون حين يحل التعلق الشبقي محل مشاعر العدوان التي يستشعرها الطفل حيال الوالد من نفس الجنس .وهذا يقودنا إلى تفسير حالة الخصاء لدى الطاغية وهو الخوف اللاشعوري من فقدانه للسلطة . فالخوف من الخصاء ينشأ نتيجة لوجود الموقف الأوديبي، ولأن الطاغية لديه متلازمة عقدة الخصاء التي يستشعر بها بالتالي يعاقب الناس ويعذبهم ويقتلهم. وبالتالي يقوم الطاغية على تشكيل نُظم تعبوية لصنع العبيد، ولإنتاج أشكال من الخضوع والطاعة من خلال أجهزته القمعية المتمثلة بالأجهزة الأمنية والجيش. والموقف المتعلق بالسلطة أوديباً يحدث نتيجة التوحد بالوالد، وهذا يقودنا إلى استنتاج هو أن الطاغية توحد بوالده بصبغة عدوانية كي يحل محل الأب اتجاه الأم (الشعب). أن الأنظمة القمعية تعمل بالتحالف مع رجال الدين على تصنيع العبيد، وإنتاج أشكال الخضوع والإذعان. لأن العبيد تغذي نرجسية الطاغية بالمديح، وتسوق له هزائمه على أنها انتصارات تاريخية. مثال على ذلك هزيمة حزيران الذي برروها النظام السوري أنداك بقوله إن البعث لم يسقط فلأرض ليست مهمة المهم لم يسقط حزب البعث. وحرب تشرين التي سُوقت على أنها انتصارات ويحتفل بها النظام وُيجبر الناس على قبولها على أنها انتصار، في الوقت التي بقيت الجولان محتلة. لذلك يلجأ الطاغية عبر أجهزته الإعلامية والأمنية والتربوية على خلق إنسان مسلوب الذات، ومستلب الإرادة، ومعزول عن ممارسة أي عمل إنساني، وبالتالي يتوقف التاريخ عند معاني وممارسات فرضها الطاغية. يحتفلون بالانتصارات التي هي في حقيقة الأمر هزائم والعدو يحتل أرضهم منذ أكثر خمسة عقود ويدمر كل يوم بيوتهم ومازالوا يعيشون وهم الانتصار، يتحالفون مع الوهم الديني تحالفاً أبدياً عسى أن يخرج المهدي المنتظر من سردابه ويحرر لهم أرضهم المسلوبة. الطاغية يعيش حالة السلطة بهوس استمتاعي أهوج ويطلب من الحاشية الطاعة العمياء لأي عمل يقوم به. وحسب التحليل النفسي لشخصية الطاغية الذي يسعى لامتلاك السلطة والتشبث بها، هو شخصية بارا نوية شخصي مصابة باضطراب النرجسية. فالشخص البارانويى يشعر بالدُّونية وباحتقار الآخرين له، ومحاولاتهم اضطهاده وسحقه وتدميره «هكذا يعتقد» لذلك فهو لا يثق بأحد، ويتوقع السوء من أقرب الناس إليه، ويشعر في بدايات حياته بالظلم والاضطهاد، وينظر إلى الناس بعين الشك ويسيء الظن بهم ويتوقع منهم الإيذاء والتآمر ضده، لذلك يسعى لامتلاك أدوات القوة ويسعى بكل ما يملك نحو السلطة عساها تحميه من غدر الناس وتعطيه القوة والسيطرة. أما الشخص النرجسي فهو يشعر شعوراً مبالغاً فيه بذاته، ويتصور أنه متفرد وأنه شيء خاص جدّاً، وأنه محور الكون، وأن لديه ملكات لا يملكها غيره، ويشعر بأن الشعب الذي يحكمه محظوظ بحكمه ، وكلما اتسعت سلطته كلما تضخمت ذاته أكثر وأكثر، حتى يصعب عليه في مرحلة من المراحل أن يرى بجواره أحداً، فهو الملهَم والعظيم وتتعقد الأمور حين يعمل مَن حوله من المتزلِّفين والمنتفعين على النفخ في هذه الذات لتتضخم أكثر وأكثر حتى تمحو ما حولها ويشعر صاحب السلطة بامتلاكه كل شيء وبالتالي يتوحد الوطن مع ذاته، وهذه هي نقطة اللاعودة التي يصعب عليه عندها ترك السلطة طواعية لأنه ابتلع الوطن في ذاته المتضخمة .ويرى "إريك فروم" أن الإنسان في مسيرة حياته الطويلة في ظل المجتمع يكَّون حاجاته النفسية، ولا يمكن فهم سيكولوجية الفرد إلا بفهم هذه الحاجات. ومن هذه الحاجات حاجة الفرد إلى الانتماء، وإلى إثبات هويته الفردية، وإلى أن يكون خلاقاً، ويرى " فروم " أن على المجتمع أن يعمل على تمكين الفرد من إشباع هذه الحاجات. انطلاقاً من هذا الكلام نجد أن الطاغية يقوم بالتحالف مع السلطة الدينية والأجهزة الأمنية البوليسية، والنظام التعليمي على قمع هذه الحاجات، وبالتالي يفتش الفرد عن حاجاته عبر أشكال من الانتماء الطائفي والمذهبي بدلاً عن هويته الوطنية. والطاغية يقوم على تشجيع ثقافة الانحطاط ونشر ثقافة العجز، وكما قال أحد الحكماء يبدأ انحطاط المجتمع بدءاً بالأغنية وانتهاءً بالسياسة. فالمراقب للحالة الثقافية في المجتمع العربي والسوري نجد أن مرتزقة الفن والدعارة هم من يتصدون المشهد الثقافي حيث يصبح الديك رمزا للأغنية الوطنية وسارة السواس أم كلثوم عصرها. هذه الثقافة الانحطاطية تنتعش مع الاستبداد، ويروج لها الطاغية ويباركها رجال الدين ويجد لها الفتاوى التي تتناسب مع رؤية الطاغية. الدين والاستبداد السياسي يعملان معاً على إلغاء العمليات العقلية وبنفس الوقت يعزز السلوك القدري والتبريري. فالهزائم تصبح انتصارات والعجز عن القيام بالتنمية والديمقراطية قدر من الله. ولذلك عبر التاريخ نجد التحالف العضوي بين الدين والسلطة السياسية لإنتاج هذه الثقافة. فثقافة الانحطاط تقوم على مفاهيم أساسية الجهل، والقدرية، والتبرير، والانكار. الطاغية يعمل جاهداً بالتحالف مع السلطة الدينية والأجهزة الأمنية على نسف البنية الأخلاقية عند الناس وتعزيز الانتماء ما قبل الدولة المدنية، وإلغاء القانون. والنتيجة الحتمية لذلك كما عبر عنها الفيلسوف توماس هوبز هي "حرب الكل ضد الكل"، لأن الناس إما أن يكونوا في حالة حرب فعلية بصورة مستمرة، أو يكونوا في خوف دائم من أن يهاجم بعضهم بعضاً. وهذا ما شجع عليه النظام السوري في نشر ثقافة الخوف بين مكونات المجتمع السوري، بأن السنة سيتقتلون الأقليات لأن الحرب لا تكمن فقط في القتال، بل تكمن أيضاً في الخوف الدائم والاستعداد للصراع. أن الطغيان كما عبر عنه الفيلسوف جون لوك، هو «عبارة عن ممارسة السلطة التي لا تستند إلى أي حقٍّ أبدا، والتي تستحيل أن تكون حقاً لشخصٍ ما، والطغيان استخدام السلطة من شخص لمصلحته الخاصة، لا من أجل منح الخير لعموم المحكومين، وتتجسد السلطة المطلقة حينما يجعل الحاكم إرادته قاعدةً للسلوك عوضاً عن القانون، وعندما تتجه أفعاله نحو إرضاء تطلعاته، أو شفاء غليله عوضاً عن المحافظة على مكتسبات شعبه". هذا الكلام الذي عبر عنه الفيلسوف جون لوك يقودنا إلى مرض الضلالة الفكرية لدى شخصية الطاغية. فصام الضلالة في الفكر مرض الضلالات الفكرية هو نوع من أنواع الاضطرابات الذهانية والتي يفقد فيها المريض الاستبصار ويعيش في عالم من الأوهام والأفكار الخاطئة. وهذا المرض يأتي في العادة في سن متأخرة وهي أواخر الثلاثينات على صورة اعتقاد وإيمان بفكرة خاطئة متوهمة على إنها حقيقة ويتفاعل معها. ويكون المصاب بهذا المرض بحال جيدة من الناحية النفسية فيما يتعلق بالجوانب الأخرى من النفسية. فقد يكون ناجح في عمله، وعواطفه حية وأفكاره معقولة وسلوكياته متزنة إلا فيما يتعلق بالضلالة الفكرية، فيكون في الأمور المتعلقة بالضلالة يتصرف وهذا وما نلاحظه في سلوك شخصية الطاغية، فعندما تختلف معه سياسيا أو فكريا. يبدأ بالشتم والتخوين والتكفير. والتحليل النفسي يرشدنا إلى أن الضلالات الفكرية له علاقة بصراع نفسي مرتبط بالشخص الذي هو موضوع الضلالة الفكرية. والضلالات الفكرية أنواع أشهرها: ضلالات الشك والاضطهاد (paranoid and persecutory delusion) وهي من أشهر أنواع الضلالات الفكرية والتي يتوهم فيها المريض بأن هناك من يؤذيه أو يريد ان يؤذيه ويحيك له المكائد، فيعيش في عالم من الشكوك والظنون والتوجس ويتعامل مع أفكاره الوهمية الخاطئة التي مصدرها الشكوك على انها حقائق لا تقبل المناقشة ولا شك فيها يتفاعل معها. فتجده مثلا يتوهم بأن هناك من يطارده ويراقبه ويتتبعه ويتفاعل مع الناس المحيطين به على هذا الأساس فنجده يحتك بهم بعدوانية. وهناك ضلالات العظمة (grandeous delusion) ويشتهر حدوثها في الاضطراب الوجداني ثنائي القطب مع حالة الهوس. ويتوهم فيها المريض بأنه إنسان مهم وعظيم ويتفاعل مع الناس والأحداث من حوله من هذا المنطلق. فمنهم من يتوهم بأنه نبي وآخر يتوهم بأنه ملك وهذا ما نلاحظه عند أغلب المثقفين والسياسين.,والذي يتابع تصريحات السياسيين ويقرأ ما بين السطور لبعض المثقفين يكتشف هذا المرض. والذي يتابع صفحات التواصل الاجتماعي والحوارات التي تدور بين البشر يكتشف مدى بؤس هذه العقلية التي تقوم على مبدأ الإقصاء والتكفير . فكيف لنا أن نطاب بدولة مدنية وديمقراطية ونحن نُحكم بعقلية فصامية وكل فرد فينا يعتبر نفسه نبياً أو زعيماً. فمن أجل بناء دولة مدنية ينبغي الشفاء من هذا المرض. وأعتقد أن الشفاء من الفصام يحتاج إلى زمن طويل



#فراس_الجندي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف والعبودية وصناعة الطغاة
- سيكولوجية الفرد بين الإذعان والتمرد
- المهاجر بين الشعور بالدونية وأزمة الهوية
- العبودية وصناعة الأمراض النفسية في المجتمع الرأسمالي
- النكروفيليا في الخطاب التيارات الإسلامية الجهاد والشهادة
- سيكولوجية العنف في خطاب السلفية الشيعية
- اضطراب الضلالة وحقيقة شعار لبيك يا حسين
- التثاقف ولاختلافات في الاتصال غير اللفظي
- قصيدة أنا العاشق
- الاحتراق النفسي عند اللاجئين السوريين في السويد
- قلق التثاقف عند المهاجرين السوريين
- التثاقف وقلق التثاقف عند المهاجرين السوريين
- الوطن ينتظرك


المزيد.....




- محكمة العدل الدولية ترفض دعوى نيكاراغوا لاتخاذ تدابير ضد تصد ...
- نتنياهو لعائلات الرهائن: قواتنا ستدخل رفح بـ-صفقة أو دونها- ...
- -دون إعلان رسمي-.. هل غيّرت قيادة -حماس- مكان إقامتها من قطر ...
- تعليق الشرطة الإسرائيلية على تصفية السائح التركي الذي طعن عن ...
- محامون يوجهون رسالة إلى بايدن لحثه على وقف توريد الأسلحة لإس ...
- -هل تؤمن بالله-.. مشاهد من عملية الطعن في لندن واستبعاد علاق ...
- مدرعة M88A1 الأمريكية ??في معرض غنائم الجيش الروسي في موسكو ...
- كمائن القسام المفخخة تثير إعجاب المغردين
- شاهد.. شرطة لندن تعتقل رجلا نفذ هجوما بسيف
- انتقادات أممية لتوعد جامعة كولومبيا بفصل طلابها المناصرين لف ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فراس الجندي - سيكولوجية الطاغية