أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فراس الجندي - المثقف والعبودية وصناعة الطغاة















المزيد.....

المثقف والعبودية وصناعة الطغاة


فراس الجندي

الحوار المتمدن-العدد: 7707 - 2023 / 8 / 18 - 17:52
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يُروى أن ليكورغس مُشرع اسبرطة الأسطوري الذي عاش في القرن 19 قبل الميلاد والذي حول اسبرطة إلى مجتمع عسكري وفقاً لعرافة معبد أبو لو في مدينة دلفي، والذي قامت إصلاحاته على ثلاث فضائل، المساواة بين المواطنين، واللياقة العسكرية، والصرامة. يُروى بأنه ربى كلبين شقيقين، رضعا من ثدي واحد، فسمن إحداهما في المطبخ، وترك الثاني يجري في الحقول على صوت البوق في الصيد، ولما أراد أن يبرهن لشعب لاسيديمونيا أن الناس هُم على ما يُربون عليه. وضع الكلبين في وسط السوق ووضع بينهما طبق الحساء وأرنباً برياً، فجرى أحدهما نحو الطبق والآخر وراء الأرنب، ومع ذلك قال فهما شقيقان، هكذا أفلح ليكورغس بفضل قوانينه وأنظمته في تربية أهل لاسيديمونيا، حتى أن الفرد يفضل الموت ألف مرة على أن يعترف بسيد آخر غير القانون والعقل. بينما نرى مجتمعنا العربي كيف يحارب العقل ولا يمتثل لسلطة القانون، فالقانون بالنسبة له هو ما يقوله رجل الدين، وزعيم الطائفة وزعيم العشيرة، والسلطة الدينية. إن النظرة لواقع المجتمع العربي الذي يعيش حاضره على نحو ساذج غارقاً بالماضي، ويستجدي أمجاد ملوكه وخلفائه ، ويعيش المستقبل على القدرية والجبرية وثقافة الانتظار ، يبحث عن المخلص الذي يخلصه من واقعه المزرى، حتى أنه أ صبح يؤمن بالسحر والشعوذة كطريق للخلاص ، ولكنه في ذات السياق يرفض التمرد والثورة على هذا الواقع ،لأن الجزء الكبير من هذا الواقع المؤلم هو من صنعه بنفسه حين سمح لرجل الدين ، ورجل السياسة أن يضع الأغلال في يده والنير في عنقه ، تحت شعار أن العصيان ذنب من الذنوب الخطيرة وكفر يحاسب عليه الفرد يوم القيامة . أن البشر التي تخضع للسلطة الدينية تعاني الأمرين، ولكنهم لا يملكوا الشجاعة على رفض أوامر هذه السلطة، ويفضلون المعاناة ويقبلون الآم ويتلذذون به بطريقة مازوشية، هذا الأمر يدعو للحزن حين نرى الحشود والملايين من الناس يقبلون يد رجل الدين أو رئيس الطائفة على نحو يُرثى له، يتهافتون على الطاعة والنير في أعناقهم، هل هم مجبرين على تنفيذ هذه الطاعة؟؟ نعم هم مجبرين بسبب الاستلاب الذي جردهم من العمليات العقلية منذ نعومة أظفارهم. الاستلاب الذي جعل الفرد مشلولاً أمام رجال الدين، فرجل الدين يمثل جزءاً هاماً في حياتهم، حتى أنه أصبح يعمل طبيباً في الكثير من الأحيان، ويعالج الأمراض النفسية والأمراض المزمنة، وفي الكثير من الأحيان يستشير الناس رجل الدين عن الأطعمة التي يجب تناولها، وبأي قدم سيدخل الحمام، فرجل الدين أصبح يتدخل في أبسط شؤون الحياة، من أعطى رجل الدين هذه السلطة؟؟ إن البشر تصنع طواغيتها، وتخلق أفكارها وتعبدها، البشر هم من جعل رجل الدين صاحب السلطة عليهم، السلطة التي تتحكم في رقابهم، ورجل الدين هو من يقذف بهم إلى آتون الحرائق في الصراعات الدينية والطائفية عبر الفتاوى التي لا تستند للمنطق والعقل، رجل الدين الذي جعل منه البشر طاغية يقودهم كالخراف للذبح في صراعاته المذهبية بالتحالف مع السلطة السياسية التي تبارك وتحمي سلطة رجل الدين. لماذا البشر في مجتمعاتنا العربية تفضل البقاء تحت رحمة القلق والعذاب والاضطهاد، فقط من أجل السيد الذي لا يحترم إنسانتيهم ولا يحترم جوعهم، ومع ذلك يخضع هؤلاء للقوة التي منحوها للطاغية في لحظة ما، ويسجدون له خوفاً من القتل أو نتيجة عجزهم بسبب الاستلاب والخوف المغروس بنفوسهم على التمرد على سلطة رجل الدين. العبد يفضل البقاء تحت رحمة العذاب من أجل إرضاء سيده، يعشق بؤسه ويدافع عن هذا البؤس، ويروي الحكايات عن التعب لأولاده وأحفاده في ليالي البرد والصقيع على ضوء فانوس، لأنه لا يملك مقومات الحياة ولا يجرؤ على قول الحقيقة من الذي منع عنه الكهرباء، ولا يجرؤ أن يطالب بحريته، لأن حريته سُحقت منذ نعومة أظفاره بسبب التربية العجزية التي تلقاها من أسرته، ولأن الحرية تتطلب ثمناً هو يخشى أن يدفع هذا الثمن، ويخشى أن يسترد حريته وأن يسترد حقه بالعيش كإنسان يخلع عن رقبته نير العبودية. إن منظومة الاستلاب التي شلت مراكز العمليات العقلية والتي قهرت منظومة الأنا لديه التي جعلته مشول الإرادة، بالتالي تخلى عن حريته ووضع السلاسل والنير في عنقه، رافضاً الحرية والعيش بحرية من أجل إرضاء منظومة الاستلاب التي قهرته، ففضل العيش تحت رحمة القلق وصليل سكاكين الظلم والجوع والاضطهاد. إن الشجاعة هي الفعل الطبيعي الذي يُفترض أن يقوم به الفرد للتخلص من العبودية وأن يسترد حقه الطبيعي في العيش كإنسان. إن الحرية تتطلب الإرادة والشجاعة، والحرية هي الشجاعة في رفض الأفكار التي تُفرض على الإنسان والقبول بها على إنها الحقيقة المطلقة. فالإنسان ليس مجبراً على الطاعة لأي سلطة غير سلطة العقل والقانون. ولكن في المجتمعات العربية الإنسان مجبراً على طاعة العادات والتقاليد، وطاعة رجل الدين، معلم المدرسة، الأب، الأخ الأكبر، العم.. الخ من هذه السلطات التي جعل الفرد منها سلطة تحكمه. فالسلطة تجبر الفرد على تنفيذ الأوامر والطاعة العمياء للحاكم من خلال الإجراءات القمعية التي تمارسها. والسلطة الدينية تجبر الفرد على الالتزام بقوانينها مستغلة خوف الفرد من سلطة العادات والتقاليد أو التكفير. إن العصيان هو فعل ثوري هو فعل ممارسة الحرية، إن رفض الإذعان لأصنام السلطة يمنح الفرد القدرة على رؤية الأشياء بشكل صحيح، والتعبير الحر عن رأيه رافضاً منظومة الأساطير والخرافات التي تستملها السلطة الدينية والسلطة السياسية لتخدير الناس بهذه الخرافات، من أجل إبعادهم عن المشاركة السياسية والاهتمام بالشأن العام. أن الثورة على الطاغية والقضاء على الطغيان يتطلب الشجاعة في رفض كل الأوامر التي لا تتناسب مع منطق العقل ، وأن يقف الفرد موقفاً شجاعاً ضد منظومة خرافات رجل الدين، لان سقوط السلطة الدينية يعني سقوط منظومة الطغيان ، السلطة الدينية هي التي تغذي السلطة السياسية بجعل البشر مجرد خراف تقدم للذبح من خلال شل عقولهم بالخوف من رفض سلطة الدين .إن التمرد على سلطة الدين هي شرارة النار التي تزداد اشتعالاً عندما نلقي حطب الوصايا والخرافات في آتونها وبالتالي تسقط سلطة الطاغية، لأن الطاغية يحتاج إلى حاشية ليمارس طغيانه ،إن قطع الموارد الأولية التي تغذي نرجسية الطاغية تسهل عملية سقوطه. وبالتالي على المثقف العضوي أن يكون هو حامل الحطب من أجل اشتعال النار التي تحرق الطغاة، لا أن يصب الماء عليها لإخمادها. الطاغية يخشى أن يفقد طاعة الناس له، لان هذه الطاعة تغذي نرجسيته، وفي حال فقدها يتحول إلى وحش يقتل نفسه بنفسه نتيجة جنون العظمة. إن عدم الطاعة والتمرد، تجعل الطاغية عارياً لأنه فقد التغذية النرجسية، وفي حال فقد التغذية يصبح ذابلا قابلا للموت. أن السلطة الدينية هي من تغذي الطاغية بشريان الحياة، حين تجعل البشر يقبلون أوامرها وخرافاتها على أنها نصوص مقدسة يمنع الاقتراب منها وهي التي تؤكد أن التمرد على الحاكم هو تمرد على شريعة الله، هنا يكمن واجب المثقف في التصدي لهذه الخرافات، وقطع شريان الحياة عن الطاغية وفي وضع لحد لسلطة رجال الدين. أن التمرد على السلطة الدينية هي الخطورة الأولى نحو قطع شريان الحياة الذي يغذي الطاغية. أن العصيان هو الفعل الذي يساعد البشر للتخلص من عبوديتها اتجاه الطاغية، فالحرية لا تأتي بالتمني والدعاء. الحرية تتطلب الشجاعة والدم هو ثمن الحرية، فالفرد في المجتمعات العربية يعيش الحرية بالتمني والدعاء للرب أن يتخلص من نير العبودية والتخلص من الطاغية، لأن منظومته المعرفية والتربوية قائمة على ثقافة الانتظار والقدرية، انتظار المخلص الذي سيأتي ويخلص البشر من عذابها. الحرية تتطلب الشجاعة على رفض كل سلطة غير سلطة العقل والقانون. لقد كتب كارل ماركس حول بروميثيوس " أنه فضل أن يظل مقيداً في صخرته على أن يكون عبداً طائعاً للآلهة." هذه المقولة تشير بوضوخ إلى الشجاعة التي قدمها بروميثيوس، كما نتذكر سقراط الذي فضل الموت على الخضوع للسلطة وكذلك حين رفض الفيلسوف سبينوزا منصب أستاذ جامعي لأنه كان في صراع مع السلطة، هذا هو دور الفيلسوف والمثقف العضوي، فالمثقف الذين يخدم سلطة الطاغية هو طاغية أيضاً لأنه يبرر للطاغية إجرامه وفساده، هذا التبرير هي آلية دفاعية تنتجها البنية النفسية للمثقف السلطوي كي يحافظ على توازنه النفسي، لذلك يمارس الخداع وإسقاط الأخطاء على عامة الشعب. أن المثقف الحقيقي هو المتمرد على كل أشكال السلطة القمعية، الذي يرفض خرافات السلطة الدينية وأوامر السلطة السياسية التي لا تتناسب مع وجوده الإنساني، وهو الذي يعرف أن الحرية يلزمها التضحية والشجاعة. أن الفرد الذي يدافع عن الحرية ويموت من أجلها، هو الفرد الذي ينتمي للحياة ويحب الحياة، أما الفرد الذي يتمنى الموت ويعيش الموت لأنه عاجزاً عن القيام بفعل ثوري لا يستطيع أن يخلق الحياة بل يدمرها، نتيجة عجزه الذي يتحول إلى كتلة عدوانية، فالعبد المسلوب الإرادة يحب الموت ليتخلص من عذابه، وهذا انحراف عن طبيعة الحياة ،فالفرد الحر يحب الحياة لأنه يؤمن بالحب. فالثقافة التي تشجع على الموت في سبيل الطاغية هي ثقافة منحرفة لا تنتج إلا التدمير والخراب.
د.فراس الجندي



#فراس_الجندي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيكولوجية الفرد بين الإذعان والتمرد
- المهاجر بين الشعور بالدونية وأزمة الهوية
- العبودية وصناعة الأمراض النفسية في المجتمع الرأسمالي
- النكروفيليا في الخطاب التيارات الإسلامية الجهاد والشهادة
- سيكولوجية العنف في خطاب السلفية الشيعية
- اضطراب الضلالة وحقيقة شعار لبيك يا حسين
- التثاقف ولاختلافات في الاتصال غير اللفظي
- قصيدة أنا العاشق
- الاحتراق النفسي عند اللاجئين السوريين في السويد
- قلق التثاقف عند المهاجرين السوريين
- التثاقف وقلق التثاقف عند المهاجرين السوريين
- الوطن ينتظرك


المزيد.....




- محكمة العدل الدولية ترفض دعوى نيكاراغوا لاتخاذ تدابير ضد تصد ...
- نتنياهو لعائلات الرهائن: قواتنا ستدخل رفح بـ-صفقة أو دونها- ...
- -دون إعلان رسمي-.. هل غيّرت قيادة -حماس- مكان إقامتها من قطر ...
- تعليق الشرطة الإسرائيلية على تصفية السائح التركي الذي طعن عن ...
- محامون يوجهون رسالة إلى بايدن لحثه على وقف توريد الأسلحة لإس ...
- -هل تؤمن بالله-.. مشاهد من عملية الطعن في لندن واستبعاد علاق ...
- مدرعة M88A1 الأمريكية ??في معرض غنائم الجيش الروسي في موسكو ...
- كمائن القسام المفخخة تثير إعجاب المغردين
- شاهد.. شرطة لندن تعتقل رجلا نفذ هجوما بسيف
- انتقادات أممية لتوعد جامعة كولومبيا بفصل طلابها المناصرين لف ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فراس الجندي - المثقف والعبودية وصناعة الطغاة