ثائر أبوصالح
الحوار المتمدن-العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 16:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العملية العسكرية الإسرائيلية على إيران، والتي تحولت لحرب، ليست حدثاً عادياً وعابراً؛ فنتائجها يمكن أن تغير الشرق الأوسط بأكمله، وستنتج حتماً قواعد لعبة جديدة بين كل الدول الفاعلة في المنطقة، ولفهم هذا الحدث لا بد من تناوله على مستويات ثلاثة، أولاً مستوى الدولة وصانعو القرار، ثانياً، مستوى النظام الإقليمي، ثالثاً، مستوى النظام الدولي.
1- مستوى الدولة وصانعو القرار: مناحيم بيغن أحد الزعماء التاريخيين لحزب الليكود ورئيس وزراء إسرائيل الأسبق (1977-1983) أقدم على ضرب المفاعل النووي العراقي في السابع من حزيران عام 1981 بعملية عرفت باسم " عملية أوبرا" قبيل الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية التي جرت في 30 حزيران 1981ونجح، نتيجة هذه العملية، بحشد التأييد الشعبي، وفاز هو وحزبه للمرة الثانية في الانتخابات البرلمانية، وذلك بعد أن نجح عام 1977 بانتزاع الحكم من يد حزب المعراخ (حزب العمل + مبام) الذي قاد إسرائيل لعشرات السنين.
يعلم بيبي نتنياهو، علم اليقين انه يتحمل مسؤولية الفشل الإسرائيلي في هجوم حماس على منطقة غلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023. فبالرغم من محاولته التنصل من المسؤولية، ورميها على الجناح العسكري، حيث اقدم على اقالة وزير الدفاع يوآف كالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي ورئيس الشاباك رونين بار، لكنه يعلم علم اليقين بقرارة نفسه أنه سيعاقب في الانتخابات القادمة على يد الإسرائيليين؛ واستطلاعات الرأي العام تثبت ذلك من خلال انخفاض شعبيته وصعود نجم نفتالي بنيت كقائد جديد لمعسكر اليمين في إسرائيل، هذا عدا عن خوفه من تشكيل لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في احداث السابع من أكتوبر، والتي من المرجح ان تحمله مسؤولية كبيرة عما حصل بكونه رئيساً للوزراء. هذا إضافة الى محاكمته الجارية بتهمة الفساد. لذلك هو بحاجة الى عمل كبير لترميم موقعه الانتخابي، فمن المرجح أن يجد ضالته في نموذج مناحيم بيغين، رغم اختلاف الظروف،
لا شك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومن خلال ما يواجه من التحديات التي ذكرناها سابقاً تجعله يفتش عن طريق الخلاص، خصوصاً أنه يعلم أن الانتخابات البرلمانية قادمة خلال سنة ونصف على الأكثر، وجاء تصرف الأحزاب الدينية (الحريديم) مؤخراً ليدق ناقوس الخطر من خلال تهديدهم الانسحاب من الحكومة بسبب قانون تجنيد الحريديم، ولذلك كان لا بد له أن يقوم بعملية استثنائية كالهجوم على إيران بحجة منع وصولها الى انتاج السلاح النووي لكي يعيد ثقة الإسرائيليين به، ويستطيع من خلالها ترميم شعبيته، ليتم انتخابه في الدورة القادمة، كما فعل مناحيم بيجين سابقاً.
2- مستوى النظام الإقليمي: لا شك أن هناك تغييراً جذرياً في مبنى النظام الإقليمي بعد هزيمة محور المقاومة، من خلال الضربة التي وجهتها اسرائيل لحزب الله في لبنان، وضرب حماس في غزة، وسقوط نظام الأسد في سوريا، حيث فقدت ايران اذرعها، خصوصاُ حزب الله اللبناني الذي كانت إسرائيل تخشى من ردة فعله في حال خروجها للحرب ضد إيران مما سيستجلب حتماً تدخل حزب الله وحماس اللذان يشكلان تهديداً كبيراً لإسرائيل بسبب قربهما الجغرافي، ولكن وبعد الضربة التي تلقاها حزب الله وحركة حماس اصبحت مهمة ضرب ايران مطروحة على الطاولة، خصوصاً ان إسرائيل كانت قد صرحت انها قضت على الدفاعات الجوية الإيرانية في الجولات السابقة المحدودة مع ايران، خلال حربها على حزب الله.
بالمقابل، الدول الإقليمية وعلى رأسهم دول الخليج، سوريا بقيادتها الجديدة، الأردن، مصر وتركيا ترحب بإضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة، بالرغم من الضريبة الكلامية التي تصدر عن بعض هذه الدول؛ من خلال ادانة أي هجوم إسرائيلي بشكل علني ودعمه من تحت الطاولة، فعدا عن فتح الأجواء أمام الطائرات الإسرائيلية واعطائها حرية العمل في أجوائها، فقد شارك بعضها سابقاً في الدفاع عن إسرائيل من خلال المساهمة بالتصدي للصواريخ الإيرانية التي كانت تطلق باتجاهها. لذلك فإن النظام الإقليمي مريح جداً لإسرائيل حيث تستطيع ان تستعمل الأجواء العربية بكل أمان للوصول الى إيران.
3- المستوى الدولي: في هذا المستوى، الموقف الأهم هو الموقف الأمريكي، فهي اللاعب الدولي الأساسي في المنطقة، أما روسيا فقد تقلص نفوذها بشكل كبير في المنطقة بعد سقوط نظام الأسد، وبسبب انشغالها في الحرب مع أوكرانيا، لذلك من المرجح أنها غير قادرة على دعم حليفتها ايران عسكرياً، وقد يقتصر دعمها على المجال الدبلوماسي في مجلس الأمن، أما الصين ورغم الضرر الذي من الممكن أن يقع عليها اقتصادياً نتيجة للحرب، لأن إيران تشكل أحد أهم مصادر الطاقة بالنسبة لها، ولكنها لن تصل الى حد التدخل في الصراعات العسكرية، وبأحسن حال، من الممكن أن تدعم ايران من خلال مدها بالأسلحة بشكل سري، في حال امتدت الحرب لفترة طويلة، لأنها لا ترغب في المواجهة مع أمريكا في الشرق الأوسط، أما الأوربيون، وخصوصاً بعد تقرير وكالة الطاقة النووية قبل أيام، على أن ايران لا تمتثل للضمانات النووية، لن يخرجوا عن اطار السياسة الأمريكية، وقد يكون هذا التقرير أحد الخطوات التمهيدية لضرب ايران.
الرئيس ترامب والذي أعلن أنه يريد أن يتوصل لاتفاق مع إيران، ولا يفضل استعمال القوة، بدأنا نسمع منه بالآونة الأخيرة تصريحات مختلفة؛ فقد أعلن ان "إيران لن تمتلك السلاح النووي سواءً باتفاق او بغير اتفاق"، ونتنياهو طبعاً لن يجرؤ على الخروج الى حرب ضد إيران دون اعلام أمريكا وموافقتها الضمنية التي سيحتاج اليها حتماً في الدفاع عن إسرائيل؛ من خلال اسقاط الصواريخ الإيرانية الموجهة لإسرائيل، ومن خلال وضع نهاية لهذه الحرب، وإعادة إيران الى طاولة المفاوضات ضعيفة لتملي عليها شروطها.
يبدو أن الرئيس ترامب وجد بقرار نتنياهو فرصة للضغط على ايران دون اي تدخل علني من أمريكا، فاذا نجحت إسرائيل فقد ينضم للإنجازات في الوقت الذي يراه مناسباً، واذا فشلت فستتدخل امريكا لتنهي الحرب وتملي شروطها على ايران وعلى إسرائيل، فايران تعود لطاولة المفاوضات ضعيفة مهيضة الجناحين، ونتنياهو يتجاوب معه في طلب انهاء الحرب في غزة وفتح مسار تفاوضي مع الفلسطينيين، والدخول بالمشروع الأمريكي الذي يسعى للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، ولاحقاً التطبيع مع ما تبقى من الدول العربية، وبضمنهم سوريا ولبنان بهدف بناء حلف برعاية أمريكية، يمنع النفوذ الصيني في الشرق الأوسط من جهة، ويمنع عودة روسيا مستقبلاً للعب اي دور في المنطقة من جهة ثانية، هذا إضافة الى تحجيم الدور الإيراني ووضع حد لتهديداتها للمصالح الأمريكية وحلفائها في المنطقة العربية.
يبدو واضحاً أن الوضع الداخلي والإقليمي والدولي مثالي ومريح جداً لنتنياهو، ولذلك أقدم على هذه العملية على إيران واستطاع أن ينجز الضربة الأولى بنجاح، مما رفع من معنويات الإسرائيليين وأعطاهم إحساساً بالتفوق والقدرة، وفرض على المنافسين السياسيين لنتنياهو كيل المدائح له، مما ساهم في إعادة ترميم موقعه السياسي وتعزيزه من جديد، ولكن هذه الضربة تحولت الى حرب وبدأ الإنجاز يتآكل مع بداية الرد الإيراني وتوجيه الضربات للعمق الإسرائيلي، حيث بدأت تعلو الأصوات حول كيفية انهاء الحرب، فنتنياهو استطاع ان يبدأ الحرب ولكن هل يستطيع إنهاءها؟
هذا هو السؤال المفصلي في المرحلة القادمة، فتاريخ إيران في الحروب يشهد لها بالقدرة على التحمل والاستمرار، وهذا ما فعلته مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين، حين بدأ الحرب على إيران عام 1980 واستمرت لثماني سنوات، واستطاع ان ينجز بعض المكاسب في بدايتها، ولكنه لم يستطع إنهاءها، فانقلبت الحرب عليه وبدأ يطلب وقف النار، ولم ينقذه إلا قرار مجلس الأمن رقم 598 والذي اعتُمد بالإجماع في 20 تموز 1987، وأصبح نافذاً في 8 آب 1988، فهل سيتكرر هذا السيناريو ثانية مع نتنياهو؟
كل السيناريوهات مفتوحة، ولكن من المرجح أن أمريكا هي الوحيدة القادرة على انهاء هذه الحرب، سواءً عن طريق الانضمام اليها فيما إذا أخطأت إيران الحسابات وهاجمت القوات الأمريكية المتواجدة في العراق او الخليج، وإما عن طريق لعب دور الوسيط، اذا بقيت خارجها، وفرض الشروط على الطرفين من خلال إنجاز اتفاق نووي مع إيران، ووضع حد لتهديد الأخيرة لمصالح أمريكا وحلفائها بالمنطقة، وبالمقابل الضغط على نتنياهو لإنهاء الحرب على غزة والتساوق مع المشروع الأمريكي في التطبيع مع الجانب العربي وإقامة حلف يمنع أي نفوذ للصين وروسيا في المنطقة العربية.
وفي هذا السياق يمكننا وضع مجموعة من السيناريوهات المحتملة لتطور هذه الحرب:
1- بقاء أمريكا خارج الحرب، وإعطاء إسرائيل الفرصة والزمن اللازم وتمكينها عسكرياً لإنجاز المهمة من خلال ضرب المنشآت النووية وتعطيليها على الأقل لسنوات، إضافة الى النيل من البرنامج الصاروخي الإيراني. ومن ثم تتدخل أمريكا كوسيط لإنهاء الحرب وعقد اتفاق نووي مع إيران يستجيب للشروط الأمريكية ويأخذ بعين الاعتبار المصالح الإيرانية للحفاظ على ماء الوجه.
2- دخول أمريكا الحرب الى جانب إسرائيل، ومحاولة اسقاط النظام الإيراني من خلال تشجيع حركة انقلابية داخل إيران، أو خروج احتجاجات شعبية ضد النظام الإيراني كما حصل سابقاً ولكن تم قمعها، وفي هذه الحالة ممكن ان تُقدم إسرائيل على التعرض لحياة علي خامنئي لإحداث الفوضى داخل إيران.
3- تحول الحرب الى حرب استنزاف طويلة الأمد، يحاول كل طرف استنزاف قوة الطرف الآخر، وهذا السيناريو المفضل لإيران، الذي استعملته بنجاح مع العراق، لأن إسرائيل لا تستطيع أن تستمر في حرب طويلة في ظل تعرضها للضربات الصاروخية اليومية من قبل إيران، ولكن هذا السيناريو يتطلب بقاء أمريكا خارج الحرب، ولذلك من غير المرجح أن تسمح أمريكا لهذا السيناريو الا لفترة قصيرة، لتفرض شروطها على نتنياهو والذي من المفروض أن يستجيب لها حتى لا يخسر ما أنجزه وخصوصاً ترميم موقعه السياسي ليعاد انتخابه لدورة جديدة.
#ثائر_أبوصالح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟