فريدة لقشيشي
الحوار المتمدن-العدد: 8369 - 2025 / 6 / 10 - 14:57
المحور:
الادب والفن
"أخاف أن أفتح غرفتكِ فلا أجدكِ"
أنا في حضنكِ، أمّي،أتوسّد راحتيكِ كما يتوسّد الغريقُ خشبةً طافية.أُخفي رأسي في صدركِ،لأخدع نفسي بأنّ الدفءَ ما زال كما كان،أنّكِ ما زلتِ أنتِ…لكن الحقيقة تهمس لي من بين عروقكِ الواهية:كلّ شيءٍ يتغيّر… حتى مَن نُحب.
أُقبّل جبينكِ،لا شكرًا… ولا امتنانًا،بل خوفًا،كأنّ قبلتي ختمٌ مؤقت على الحياة التي تسرقكِ منّي شيئًا فشيئًا.
أجثو لقدميكِ…لستُ عابدة، ولا راهبة،لكنني رأيتُ فيكِ الله حين ابتسمتِ،ورأيتُ الجحيم حين غفوتِ متعبةً، لا تقوين على الهمس.
لماذا لا أمرض أنا؟لماذا لا أشيخ مكانكِ؟يا الله…خذ صحّتي، وجسدي، وعُمري،لكن دعها ترجع كما كانت…
أمّي،أشتاق لصراخكِ في وجهي إن تأخرت،للغضب الذي كنتِ تُخفيه خلف دعواتكِ،أشتاق حتى لعتابكِ،الذي كان يُشبه قُبلةً مكسورةً على جبيني.
الآن، لا توبخينني،ولا تسألينني إن أكلت.تبتسمين بصمتٍ…كأنكِ تلوّحين للوداع، دون أن تنطقيه.
أنا يتيمة… وأنتِ ما زلتِ هنا،لكنّكِ تنسحبين من تفاصيلكِ،كمن يترك جسده خلفه شيئًا فشيئًا…
أتعثر كلّما حاولتُ كتابتكِ،تخذلني اللغة…تضيق بي الحروف،فأسقط عند قدميكِ…كأنّ الركوعَ لكِ، هو آخر أشكال الحب.
كلّما تماثلتُ للشفاء،عادني وجعكِ مثل ريحٍ لا تُرى،كأنكِ تسكنين دمي، ووهنكِ يسكنني.
لم أعد قادرة على الصمود…وكلّ ما فيّ يصرخ،لكنّي أخاف أن أُطلق صراخي،فأسمع صداه وحيدةً… دونكِ.
أخاف أن يأتي اليوم،الذي أضمّ فيه الغيابَ بدلًا منكِ،أن أفتح باب غرفتكِ،فلا أجد سوى الدفء العالق على وسادتكِ.
فابقَيْ،ابقَيْ، كما أنتِ…ولا تغادري ببطء،فأنا لا أعرف كيف أكون… إن لم تكوني.
...
فريدة
#فريدة_لقشيشي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟