عبد النور إدريس
كاتب
(Abdennour Driss)
الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 18:35
المحور:
الادب والفن
الكتابة النسائية تراجيديا اللغة واختلاف الهوية.
د.عبد النور إدريس
ملخص:
المقال يتناول مفهوم "الكتابة النسائية" كفعل مقاومة يتحدى الخطاب الذكوري المهيمن. يُبرز الكتابة النسائية كتجربة تتجاوز الأسلوب لتصبح انزياحًا في اللغة والهوية، حيث تكتب الأنثى من موقع التهميش، مستعيدة جسدها وذاكرتها. ويركز المقال على الجسد كنص سردي يعكس القمع والرغبة، واللغة المؤنثة كأداة لتقويض النحوية السلطوية. من خلال أعمال كاتبات عربيات مثل أحلام مستغانمي، نوال السعداوي، هدى بركات، ورجاء عالم، يُظهر النص كيف تُفكك الكتابة النسائية المعاني التقليدية، مُعيدة تشكيل العالم من شقوق الصمت والجرح. الكتابة هنا ليست بوحًا فحسب، بل فعل وجود وتمرد يتحدى السلطة والمحو.
الكلمات المفتاحية: الكتابة النسائية ،اللغة المؤنثة ،الجسد النصي ،المقاومة،الهوية.
Summary :The article explores "feminine writing" as an act of resistance against dominant patriarchal discourse. It presents feminine writing as a transgression beyond style, embodying a shift in language and identity, where women write from the margins, reclaiming their bodies and memories. The article emphasizes the body as a narrative text reflecting oppression and desire, and the feminine language as a tool to subvert authoritative grammar. Through the works of Arab women writers like Ahlam Mosteghanemi, Nawal El Saadawi, Hoda Barakat, and Rajaa Alem, it illustrates how feminine writing deconstructs traditional meanings, reshaping the world from the cracks of silence and wounds. Writing here is not merely expression but an act of existence and rebellion challenging power and erasure.
Keywords: Women s writing, feminine language, textual body, resistance, identity.
العتبة المفهومية:
عندما تَكْتُبُ الأنثى مِنْ فَجَواتِ السَّرْدِفي "الكِتابَةِ النِّسائيَّةِ"، لا يَسْتَقيمُ المَعْنى إلَّا إذا انْزاحَ عَنْ بَداهَتِهِ. فَلَيْسَتِ الكِتابَةُ هُنا فِعْلًا مُحايِدًا، بَلْ مُواجَهَةٌ صامِتَةٌ، مُشْتَبِكَةٌ، مَعَ مَنْظوماتِ التَّمْثيلِ. الكِتابَةُ لا تُعْرَفُ إلَّا مِنْ حَيْثُ هيَ خُروجٌ، مِنْ حَيْثُ هيَ فِعْلُ اخْتِلافٍ، مِنْ حَيْثُ هيَ تَصَدُّعٌ في جِدارِ المَعْنى الذَّكَريِّ- وهذا المفهوم يتخلف عن الذكوري-، لا مِنْ حَيْثُ هيَ هُوِيَّةٌ مُكْتَمِلَةٌ أوْ خِطابٌ مُوازٍ.تَحْضُرُ هذِهِ الكِتابَةُ بِوَصْفِها قَلَقًا مَعْرِفيًّا وجَماليًّا، لا يَدَّعي امْتِلاكَ جَوابٍ بِقَدْرِ ما يُفَكِّكُ :
كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْأنْثى أنْ تَكْتُبَ خارِجَ قَواميسِ الهَيْمَنَةِ؟
كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْجَسَدِ، والذَّاكِرَةِ، والرَّغْبَةِ أنْ تَتَجَلَّى خارِجَ التَّشْييءِ، خارِجَ الأُسْطُرَةِ، وخارِجَ المَحْوِ؟
الأنْثى، حينَ تَكْتُبُ، لا تَفْعَلُ سِوى أنْ تُعيدَ تَشْييدَ العالَمِ بِكَلِماتٍ مَغْموسَةٍ بِالجُرْحِ، بِالكِتْمانِ، وبِأَحْلامٍ مَكْسورَةٍ
أسئلة الاختلاف: تفكيك ثنائية الكاتب/الكاتبة.
الاخْتِلافُ هُنا لا يَعْني التَّنابُذَ، بَلْ يَقْتَرِحُ انْزِياحًا، إيقاعًا آخَرَ في القَوْلِ، إيماءَةً مُغايِرَةً في الحَكْيِ. فَإذا كانَ الفِكْرُ الحَداثيُّ قَدْ راكَمَ أَطْروحاتٍ مُتَشابِكَةً حَوْلَ الكِتابَةِ النِّسَائية، فَإنَّ الإشْكالَ لا يَكْمُنُ في إسْنادِ الجِنْدِرِ إلى الأُسْلوبِ، بَلْ في القُدْرَةِ عَلى زَعْزَعَةِ مَرْكَزِيَّةِ الذَّكَرِ بِوَصْفِهِ الفاعِلَ الوَحيدَ لِلْكِتابَةِ.هَلْ تَكْتُبُ المَرْأَةُ كِتابَةً مُخْتَلِفَةً لِأنَّها امْرَأَةٌ؟ أَمْ لِأنَّها تَكْتُبُ مِنْ مَوْقِعِ التَّهْميشِ، مِنْ خارِجِ المَرْكَزِ، مِنْ هَوامِشِ اللُّغَةِ والهُوِيَّةِ؟لَيْسَتِ القَضِيَّةُ مُتَعَلِّقَةً بِأُسْلوبٍ "أَنْثَوِيٍّ" مُقابِلَ "أُسْلوبٍ ذَكَرِيٍّ"، بَلْ تَتَعَلَّقُ بِانْفِلاتِ النُّصوصِ مِنَ الحُدودِ التَّعْريفِيَّةِ، وتَحَوُّلِها إلى حُقولِ تَمْثيلٍ مَشْروطَةٍ بِالسُّلْطَةِ واللُّغَةِ والرَّقابَةِ. هَكَذا تُصْبِحُ الكِتابَةُ النِّسائيَّةُ فِعْلَ مُقاوَمَةٍ داخِلَ النَّصِّ، لا خارِجَهُ.الأنوثة كجمالية مضمرةبَيْنَ مَفْهومَيْ "feminist writing" و"écriture féminine"، تَظْهَرُ الكِتابَةُ النِّسائيَّةُ بِوَصْفِها لَحْظَةَ انْثِيالاتٍ لُغَوِيَّةٍ لا تَحْتَكِمُ إلى مَقاييسَ عَقْلانِيَّةٍ مَحْضَةٍ، بَلْ تُحاوِلُ إعادَةَ تَشْكيلِ اللُّغَةِ بِما يُشْبِهُ الحُلْمَ، أَوِ النَّشْوَةَ، أَوْ حَتَّى الغَضَبَ المُقَنَّعَ.وإذا كانَتْ بَعْضُ التَّنْظيراتِ الغَرْبِيَّةُ قَدْ رَبَطَتْ هذِهِ الكِتابَةَ بِجَسَدِ الأنْثى وذَاكِرَتِها الجَريحَةِ، فَإنَّ النُّصوصَ النِّسائيَّةَ العَرَبِيَّةَ تُقَدِّمُ مُقارَباتٍ أَكْثَرَ الْتِباسًا، حَيْثُ تَتَقاطَعُ الحَميميُّ بِالسِّياسيِّ، ويُصْبِحُ الحَكْيُ ذاتُهُ وَسيلَةً لِإعادَةِ بِناءِ الذَّاتِ، لا فَقَطْ لِبَثِّ الحَنينِ أَوْ تَوْثيقِ الأَلَمِ.الجسد بوصفه نصًّا سرديًّافي عُمْقِ هذِهِ التَّجْرِبَةِ الكِتابِيَّةِ، لا يَظْهَرُ الجَسَدُ بِوَصْفِهِ مادَّةً بَيولوجِيَّةً، بَلْ يَتَحَوَّلُ إلى عَلامَةٍ نَصِّيَّةٍ، إلى سَطْحٍ مِنَ الكِتابَةِ يَعْكِسُ القَمْعَ والمَحْوَ والرَّقابَةَ. الجَسَدُ هُنا لا يُوصَفُ، بَلْ يُكْتَبُ، لا يُعْرَضُ، بَلْ يُفَكَّكُ.هَكَذا تَتَحَوَّلُ الحَواسُّ إلى أَدَواتِ سَرْدٍ، وتَغْدو الأَعْضاءُ الجَسَدِيَّةُ إشاراتٍ مُشَفَّرَةً لِفَهْمِ العَلاقَةِ المُعَقَّدَةِ بَيْنَ الأنْثى والعالَمِ، بَيْنَ الرَّغْبَةِ والنِّظامِ، بَيْنَ اللُّغَةِ والصَّمْتِ.تُفْتَحُ شُقوقُ النَّصِّ لِتَمْريرِ مَشاهدِ الغَوايَةِ، التَّهْميشِ، والعُنْفِ الرَّمْزيِّ، دونَ الوُقوعِ في فَخِّ الإباحَةِ أَوِ الخِطابِيَّةِ. فَالجَسَدُ لَيْسَ وَسيلَةً لِلْإثارَةِ، بَلْ أَداةً لِزَعْزَعَةِ تَمْثيلاتِ الذُّكورَةِ المُؤَسَّسَةِ.
نحو كتابة تُعرّي السلطة:
ما بَيْنَ السَّرْدِ الرِّوائيِّ، والمَقالَةِ، واليَوْمِيَّاتِ، تَنْزَعُ الكِتابَةُ النِّسائيَّةُ إلى نَزْعِ الشَّرْعِيَّةِ عَنْ أَنْظِمَةِ الخِطابِ المَهيمِنِ، بِما في ذلِكَ اللُّغَةُ ذاتُها. فَكُلُّ حَرْفٍ، كُلُّ مُفْرَدَةٍ، تَتَحَوَّلُ إلى مَعْرَكَةٍ ضِدَّ المَحْوِ، ضِدَّ النِّسْيانِ، ضِدَّ الوُجودِ المَقولَبِ.إنَّها كِتابَةٌ لا تَصْرُخُ، بَلْ تَهْمِسُ في قاعِ الجُمْلَةِ: أَنا هُنا، عَلى الهامِشِ، أَكْتُبُ لِأُوجِدَ نَفْسي. كِتابَةٌ تَتَسَلَّلُ مِنْ شُقوقِ الصَّمْتِ، وتُعْلِنُ حُضورَها بِما يُشْبِهُ الشِّعْرَ الخَفيَّ، العَنيفَ، القاطِعَ كَسِكّينٍ عَلى جِلْدِ اللُّغَةِ.
الكتابة النسائية بين الحفر السردي ومرايا التمثيل .
أولًا: نحو تفكيك" الجمالي "عبر التجربة الأنثوية:
في أَعْمالٍ مِثْلِ "ذَاكِرَةِ الجَسَدِ" لِأَحْلامِ مُسْتَغانَمي، لا تُبْنى الرِّوايَةُ حَوْلَ الحِكايَةِ فَحَسْبُ، بَلْ حَوْلَ صَمْتِ الحِكايَةِ. فَالرَّاوي هُنا لَيْسَ فَقَطْ مُتَكَلِّمًا، بَلْ كائِنٌ مُثْقَلٌ بِالتَّاريخِ، يَحْمِلُ في جَسَدِهِ ذَاكِرَةَ اسْتِعْمارٍ، ويُواجِهُ في قَلْبِهِ تَمَوُّجاتِ أَنْثى تُشْبِهُ الوَطَنَ وأحيانا الذَّاكِرَةِ بِوَصْفِها إقامَةً في ما لَمْ يَقَعْ بَعْدُ، ويُمْكِنُ قِراءَةُ نَصِّ مُسْتَغانَمي كَفَضاءٍ اسْتِعاديٍّ لا يَعُودُ إلى الماضي، بَلْ يُعيدُ اخْتِراعَهُ مِنْ مَوْقِعِ.فالكِتابَةُ هُنان تمجد الأَنْثَوِيَّةِ كَمَجازٍ سَرْديٍّ"، تَنْزاحُ عَنِ الخِطابِ المَعْياريِّ لِتُقَدِّمَ جَمالِيَّةً مُتَوَتِّرَةً، هَشَّةً، لَكِنْ قاتِلَةً بِبُطْءٍ. تَسْتَبْطِنُ هذِهِ الكِتابَةُ ازْدِواجِيَّةَ الرَّغْبَةِ في الانْتِماءِ والتَّمَرُّدِ، فَتُظْهِرُ المَرْأَةَ بِوَصْفِها مَفْعولًا بِهِ لُغَوِيًّا، لَكِنَّها –وبِدَهاءٍ رَمْزيٍّ– تَتَحَوَّلُ إلى فاعِلَةٍ تَحْكُمُ إيقاعَ السَّرْدِ، وتَقودُ حَرَكَةَ اللُّغَةِ مِنْ خَلْفِ سِتارٍ.
ثانيًا: الجرح كعلامة سردية في نصوص نوال السعداوي:
إذا كانَتْ مُسْتَغانَمي تُمارِسُ غَوايَةَ الجُمْلَةِ، فَإنَّ نَوالَ السَّعْداوي تُمارِسُ فَضْحَ البِنْيَةِ. لا تَكْتُبُ مِنْ أَجْلِ الجَمالِ، بَلْ مِنْ أَجْلِ الجُرْحِ. فَالنُّصوصُ التي اشْتَغَلَتْ عَلَيْها تُحيلُ إلى مَجازِ الرَّحْمِ المُمَزَّقِ، والأنْثى التي تَكْتُبُ مِنْ دَمِها لا مِنْ حِبْرِها. الكِتابَةُ هُنا لَيْسَتْ تَمْثيلًا لِلذَّاتِ، بَلْ تَفْجيرًا لِعُقَدِ المُجْتَمَعِ والسُّلْطَةِ والذُّكورَةِ، كَما عَبَّرَت سابقا معتبرا الْأَنْثَوِيَّةِ كَمَجالِ عُنْفٍ رَمْزيٍّ وسيميائيٍّ في آنٍ.
إنَّ خِطابَ السَّعْداوي هُوَ خِطابٌ مُزْدَوَجٌ: يُشْهِرُ سَيْفَهُ ضِدَّ اللُّغَةِ الجاهِزَةِ، وفي الآنِ ذاتِهِ، يُقْحِمُ الجَسَدَ كَمَيْدانٍ لِلْمَعْرِفَةِ. إنَّها كِتابَةٌ تُنْتِجُ وِعْيًا مُشَوَّشًا عَنْ قَصْدٍ، لِأَنَّ وِعْيَها لا يُريدُ أَنْ يُطَمْئِنَ، بَلْ أَنْ يُفَجِّرَ. فالكِتابَةُ التي لا تُصْدِمُكَ، لا تُحاوِرُكَ... إنَّها فَقَطْ تُعيدُكَ إلى السَّريرِ النَّحْويِّ لِلسُّلْطَةِ.
ثالثًا: رواية هدى بركات وتفكيك اللغة من داخلها:
مَعَ هُدى بَرَكاتٍ، تَدْخُلُ الكِتابَةُ الأَنْثَوِيَّةُ مَرْحَلَةً أَكْثَرَ تَعْقيدًا: فَلَيْسَتْ فَقَطْ كِتابَةَ امْرَأَةٍ، بَلْ كِتابَةُ "لا جِنْسِيَّةَ" تَتَسَلَّلُ مِنْ خَرائِبِ الحَرْبِ والخَرابِ الدَّاخِليِّ. الشَّخْصِيَّاتُ عِنْدَها مُعَلَّقَةٌ، مَفْجوعَةٌ، غائِمَةٌ في حُدودِ اللُّغَةِ والواقِعِ. يُمْكِنُ مُقارَبَةُ تَجْرِبَتِها بِمَفْهومِ "الأَنْثَوِيَّةِ اللاَّواعِيَةِ" حَيْثُ تَتَحَوَّلُ الذَّاتُ إلى رُكامٍ لُغَوِيٍّ لا يَبْحَثُ عَنِ الخَلاصِ، بَلْ عَنِ اعْتِرافٍ بِفَوْضاهُ.الرَّغْبَةُ، الجُرْحُ، الغِيابُ، واللُّغَةُ – كُلُّها تَتَرابَطُ في نُصوصِ بَرَكاتٍ بِوَصْفِها طَبَقاتٍ سَرْدِيَّةً لا تَتَراصَفُ بَلْ تَتَصادَمُ. فَالكِتابَةُ هُنا لا تَسْعى إلى بِناءِ عالَمٍ بَلْ إلى تَفْتيتِهِ، إلى جَعْلِهِ يَتَكَلَّمُ مِنْ شُقوقِهِ. إنَّها كِتابَةٌ لَيْسَتْ لِلْبَوْحِ، بَلْ لِلْاحْتِراقِ الدَّاخِليِّ.
رابعًا: رجاء عالم وسحر النص الكوني:
أَمَّا عِنْدَ رَجاءِ عالَمٍ، فَإنَّ الكِتابَةَ تَدْخُلُ حَقْلًا أُسْطورِيًّا مَشْبَعًا بِالرَّموزِ والصُّوفِيَّةِ، حَيْثُ تَتَقاطَعُ المَرْأَةُ بِالجُغْرافْيا، والذَّاتُ بِالزَّمَنِ المُقَدَّسِ. المَرْأَةُ لَيْسَتْ فَقَطْ كائِنًا أَوْ شَخْصِيَّةً، بَلْ تَميمَةٌ نَصِّيَّةٌ، تُشْبِهُ في حُضورِها الغائِبَ أَنْثَوِيَّةَ الغَيْمِ، أَوْ رَعْشَةَ الرَّمْلِ.في نُصوصِها، نَلْمَحُ أَثَرًا لِجَمالِيَّةِ القِناعِ، حَيْثُ اللُّغَةُ لا تَقولُ فَقَطْ، بَلْ تَتَسَتَّرُ، وحَيْثُ النَّصُّ يُدَوِّنُ المَرْأَةَ بِوَصْفِها غَيْبًا، لا يَقينًا، ضَوْءًا، لا جَسَدًا مُباشِرًا.رَجاءُ عالَمٍ لا تَكْتُبُ لِتُعْلِنَ، بَلْ لِتُخْفيَ. ومِنْ هُنا تَتَحَوَّلُ كِتابَتُها إلى طَيْفٍ سَرْديٍّ، يَتَنَقَّلُ بَيْنَ الحِكايَةِ والنَّصِّ الدِّينيِّ، بَيْنَ الذَّاكِرَةِ والميتافيزيقا، لِيَصوغَ كِتابَةً أَنْثَوِيَّةً تَكْتُبُ مِنْ داخِلِ الطَّقْسِ، لا مِنْ داخِلِ الحَدَثِ.
اللغة المؤنثة، الجندر، والجسد كأفق نصي: بحثٌ عن صوت مغاير:
اللُّغَةُ، لَيْسَتْ أَداةً لِلتَّوْصيلِ فَقَطْ، بَلْ "كائِنٌ حَيٌّ، يَحْمِلُ في تَجاويفِهِ أَثْقالَ التَّاريخِ، وشُروخَ الجِنْدِرِ، ورَغَباتِ السُّلْطَةِ." في هذا السِّياقِ، تُطْرَحُ فِكْرَةُ "اللُّغَةِ المُؤَنَّثَةِ" بِوَصْفِها تَقْويضًا لِلْمَرْكَزِيَّةِ الذَّكَرِيَّةِ داخِلَ البِنْيَةِ اللُّغَوِيَّةِ ذاتِها. فَالكَلِمَةُ حينَ تُقالُ مِنْ فَمِ امْرَأَةٍ، لا تَكونُ هيَ ذاتَها التي يَقولُها الرَّجُلُ، لِأَنَّ الصَّوْتَ مَشْحونٌ بِتاريخٍ آخَرَ، وبِعُنْفٍ رَمْزيٍّ مُخْتَلِفٍ.لَيْسَ المَقْصودُ هُنا إنْتاجَ لُغَةٍ وَرْدِيَّةٍ، بَلْ إعادَةَ تَشْكيلِ العَلاقَةِ بَيْنَ الذَّاتِ والقَوْلِ؛ فَاللُّغَةُ المُؤَنَّثَةُ هيَ تِلْكَ التي تُزَعْزِعُ نَحْوِيَّةَ القِيَمِ، وتُعيدُ تَرْتيبَ البَديهِيَّاتِ. وهيَ في جَوْهَرِها لَيْسَتْ مَسْأَلَةَ أُسْلوبٍ، بَلْ رُؤْيَةً لِلْعالَمِ تَنْبَعُ مِنْ عُمْقِ التَّجْرِبَةِ الأَنْثَوِيَّةِ.فحينَ تَكْتُبُ المَرْأَةُ، فَهيَ لا تَسْتَعيرُ لِسانًا، بَلْ تَسْتَرْجِعُ جَسَدًا تَمَّ مُصادَرَتُهُ مِنْ مَعاجِمِ اللُّغَةِ، وتُخْضِعُ الحَرْفَ لِرَجْعِ الأَلَمِ، لِارْتِجافَةِ الرَّحْمِ، لِاهْتِزازاتِ الصَّمْتِ الطَّويلِ.في هذِهِ الرُّؤْيَةِ، تُصْبِحُ اللُّغَةُ نَفْسُها حَلْبَةَ صِراعٍ بَيْنَ الغِيابِ والحُضورِ، بَيْنَ ما يُقالُ وما يُكْتَمُ، بَيْنَ الإشْهارِ والتَّوْرِيَةِ. فَالنَّصُّ المُؤَنَّثُ هُوَ الذي لا يَمْنَحُ نَفْسَهُ بِسُهولَةٍ، بَلْ يَفْرِضُ عَلَيْكَ أَنْ تَلْمِسَ مَعانيهِ بِأَطْرافِ الأَصابِعِ.
#عبد_النور_إدريس (هاشتاغ)
Abdennour_Driss#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟