أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزالدين محمد ابوبكر - ديالكتيكيّة تفسير الأحلام عند ابن سيرين















المزيد.....

ديالكتيكيّة تفسير الأحلام عند ابن سيرين


عزالدين محمد ابوبكر

الحوار المتمدن-العدد: 8366 - 2025 / 6 / 7 - 23:40
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في البدء :
ابن سيرين ، هو محمد بن سيرين البصري ، الأنصاري بالولاء ، ويُكنى بـ أبا بكر ، وقد كان إمام وقته في علوم الدين بالبصرة ، و هو تابعي من أشراف الكتَّاب ، ويعرف عنه قديمًا و حديثًا أن له اليد الطولى في تعبير الرؤى والأحلام ؛ حيث يُنسب إليه كتاب ”تعبير الرؤيا“ الذي ذكره ابن النديم في الفهرست ، وقد أكثرت المراجع في ترجمته والحديث عنه ، لكن في تدوينتي هذه ، سوف أحاول قراءة ما يُنسب إلى ابن سيرين من الأفكار التفسيرية ، بطريقة فلسفية بواسطة مقاربات ديالكتيكيّة هيجليّة وماركسيّة ، و فرانكفورتيّة ، و وجوديّة.

و ابن سيرين هو واحد من أبرز علماء تفسير الأحلام في التراث الإسلاميّ ؛ حيث إن ذكرت تفسير الأحلام وجدت نفسك تذكر ابن سيرين نفسه ، ويقوم التفكير المناميّ عنده على أن الرؤيا ليست مجرد صورة عقليّة أو هلوسات ليلية ، بل هي رسائل رمزيّة ذات دلائل ومغزى ، تأتي من الله عزّ وجل ، أو من النفس ، أو الشيطان ؛ حيث يقول النبي ﷺ : «الرؤيا من الله ، والحُلْمُ من الشيطان» ، والمضاف إلىٰ الله سبحان وتعالى من ذلك هو الصَّالح ؛ وإن كان جميعه بمعنى الرؤيا الصادقة والكاذبة خلقًا لله سبحانه وتعالى ، والرؤيا الصادقة هي التي قال عنها النبي ﷺ أنها جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة ، وقد يرى المؤمن وغير المؤمن الرؤيا الصادقة ، وهناك نوع ثالث من الأحلام وهي أضغاث الأحلام ؛ التي تنشأ من انعكاسات الحياة اليوميّة.

و أولى قضايا الديالكتيك في الفكر المناميّ عند ابن سيرين ، هي "جدليّة المصدّر" ؛ حيث إن كانت الرؤيا صادقة وانطبقت عليها قواعد الرؤيا الصادقة ، فهي من عند الله ، وتأتي لتبشر ، أو تنذر ، أو تُرشد ، والحلم ؛ وهو على النقيض من الرؤيا الكاذبة ؛ حيث لا تنطبق عليها أحكام الرؤيا الصادقة ، ومن هذه النقطة يكون الحلم من الشيطان ، و يُقصد به التشويش أو التخويف ، و اطغاث الأحلام هي أحلام لا تنتمي إلى أيّ فئة من الفئتين السابقتين ؛ حيث لا تنطبق عليها أحكام الرؤى الصادقة أو الكاذبة ، لأنها ناشئة من الحياة اليوميّة للفرد وتحتوي على جانب هام ، من فردانيته وفكره ، وما سبق هو عرض لفكرة "جدليّة المصدّر المناميّ" ؛ حيث يتردد سؤال مصدرية هل هو من عند (الله ، الإنسان ، الشيطان) في ذهن المُعبر أو مفسر الأحلام ؛ حيث إن كان الحلم من عند الله فهو يُؤوَّل ، أما إن كان من عند الشيطان فهو يُتجاهل ، ومن عند النفس الإنسانية فهو يُعالج نفسيًا ، ويقوم المُعبر بدور المرشد النفسي للرائي.

أما ثاني القضايا الجدليّة في الفكر المناميّ ، فهي "جدليّة الرمز والمعنى" ؛ حيث نجد أن ابن سيرين لا يقوم بتفسير الأحلام تفسيراً حرفياً ، بل يعتمد على التأويل الرمزي ؛ حيث إن الرمز هو أمر مرتبط بالوجود الإنسانيّ ، فهو يتداخل ضمن جميع علاقات الفرد مع الغير ، ويمكن القول بأن الرموز هي أحلام اليقظة للإنسان التاريخيّ على حد قول ميشيل مسلان ، حيث إن رؤية البرق في المنام تدل على العذاب ، والرحمة ، والمطر ، والدلالة الاولى دلالة "العذاب" قد تشير إلى ما يحدث عن طريق إصابة البرق للأرض ، وتبدو مروية "العذاب" مروية ذات مصدرية شيطانية ، أما الدلالة الثانية فتشير إلى ما يحدث من تبعات بعد هطول الأمطار ، وهي مروية منامية ذات مصدرية إلهية ، ويقول ابن سيرين : "من رأى برقًا دون الناس ، أو رأى أنواره تضربه أو تخطف بصره أو تدخل بيته ، فإن كان زارعًا قد اجدبت أرضه وعطش زرعه ، وإن كان مولاه والده أو سلطانه ساخطًا عليه ، ضحك في وجهه" ، يلاحظ من سياق التفسير الأخير الذي يتحدث عن ضحك السلطان ، إن هذه المروية المنامية ذات مصدرية نفسانية ؛ حيث إن المرء إن كان عاملاً مع مدير بغيض ، فسوف يُصعق عندما يراه يضحك ، وهذا التفسير نابع من واقعانية الموقف الإنسانيّ ؛ ومن ما سبق يتبين أن التفسير يكون حسب سياق الرؤيا ، وشخصية الرائي ومدى استيعاب المُعبر للرؤيا و الوقائع المحيطة برموزها.

وثالث القضايا الجدليّة في الفكر المناميّ ، "جدليّة الزمان والمكان وأثر الشخصية" ؛ حيث نجد أن ابن سيرين يقوم بتفسير الحلم في ضوء شخصية الرائي ، ونوعه (إن كان ذكرًا ام انثى) ، وحالته الإجتماعية (إن كان غني ام فقير ، أو متزوج أو أعزب) ، ومدى طهارة نفسه (إذا كان تقي أم فاجر) ، ونجد أن الزمان والمكان يؤثران على شكل التفسير وهدفه ؛ حيث أن رؤية الثلج في المنام ، تدل على عند الذين لا ينكر وجود الثلج عندهم ، على الخصب لأهل ذلك الموضع ، والثلج إذا ذاب ذاب عندهم (مروية منامية ذات مصدرية نفسانية) ؛ ومن اشترى وقر ثلج في الصيف ، فإنه يصيب مالاً يستريح إليه ، ويستريح من غم بكلام حسن ، وعلى رأي هيجل يبدو أن الموجب والسالب يعبران عن اختلاف مطلق أو تضاد كامل ، غير أننا لو نظرنا إليهما بنظرة أعمق لوجدنا أنهما شيء واحد ، ومن ثمّ فالموجب والسالب يرتبط كل منهما ارتباطاً كاملاً ولا يمكن أن ينفصل عن الآخر ، فالقطب الشماليّ في المغناطيس لا يمكن أن يوجد بدون القطب الجنوبي والعكس صحيح ، (راجع "قضية التناقض" ، المنطق الصوري) ، وهكذا يتضح أن رؤية الثلج في البلد الحار تختلف عنها في البلد البارد.

و رابع القضايا الجدليّة في الفكر المناميّ ، هي "جدليّة الثبات والتحول" ؛ حيث نجد أن لبعض الرموز معاني ثابتة لا تتغير ، و ليس للصيرورة عليها يد مثل رؤية النبي ﷺ ؛ حيث قد قال أبا هريرة : سمعت رسول اللّه ﷺ يقول : "من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة ، فإن الشيطان لا يتمثل بي ، وقد حكى أبو قتادة ، قال رسول الله ﷺ : "من رآني فقد رأى الحق" ، وهكذا يتبين وجود رموز ثابتة لا تتغير ، أما عن جدل أو تناقض المعنى في التحوّل ، فنجد أن لبعض الرموز معاني تتحول أو تتغير مع تغير السياق ؛ حيث البكاء في الحلم عادة ما يعني السرور ، لكن في سياق آخر عندما يكون هناك بكاء مع عويل ، فإنه يعني مصيبة وترحة ، و الديالكتيك في فكر ابن سيرين لا يُستخدم بمعناه الهيجليّ المُجرد (اطروحة-نقيض-توليف) ، وإنما بمعنى جدل مستمر بين عناصر متعددة داخل الحلم وحوله ، وكل ما سبق كان من مستويات هذه الجدليّات المنامية ، و الديالكتيك في الفلسفة الماركسية هو علم القوانين العامة لتطور الطبيعة ، والمجتمع ، والفكر ؛ ونظرية ومنهج دراسة ظواهر الواقع في تطورها وحركتها النابعة من تناقضاتها الداخلية ، و الديالكتيك قديم قدم الفكر اليوناني وزيادة ، لكن قد قام هيجل بوضع الأُسس النظرية له ؛ و أعاد ماركس النظر فيه (راجع رأس المال) ، وقام من تبعه ولحق به في الفكر الماركسي ، بتطوير النظرية وإعادة استخدامها وخير مثال على هذا نجده عند لينين ، لكن ؛ ماذا عن المنهج التأويليّ عند ابن سيرين؟

نجد عند مطالعتنا لما يُنسب لابن سيرين من النصوص ، أن ابن سيرين لم يكتفِ بجمع الرموز ، بل قام بتوظيف "منهج تأويلي قائم على التفسير النصي والمقارنة الرمزية" ؛ حيث نجد ابن سيرين يستخدم في تفسيره ، عدة قياسات تحكم العملية التفسيرية وتديرها ، مثل "القياس الشرعي" الذي يستند إلى القرآن الكريم والحديث الشريف في تفسيره للرموز ، مثل حديث رؤية النبي في المنام الذي سبق وقمت بعرضه ، ومن رأى في المنام ، أنه يصلي بالناس صلاة نافلة ، دخل في ضمان لا يضره ، فإن كان القوم جعلوه إمامًا ، فإنه يرث ميراثًا ، لقوله تعالى: ﴿وَنَجْعَلَهُمْ أئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِيِنَ﴾ [القصص ، ٥] ، وهذه المروية ذات مصدرية إلهية ؛ حيث أن معانيها ورموزها صالحة ، إذن فهي من عند الله.

أما "القياس اللغوي والثقافي" ، فنجد أنه يستخدم اللغة العربية أو الثقافة اللغوية في التفسير ؛ حيث أن من رأى هلالاً طلع من مشرق أو مغرب ، والناس ينظرون إليه بعد أن لا يكون ذلك أول ليلة من الشهر أو طلع منها ، و لاحظ معي تعبيرية كلمة هلال (هل/ظهر) ، أو قد تكون رمزًا مستمد من الوعي الجمعي ، مثل رمزية الخيل الذي قد يشير إلى العز ، و "القياس الشخصي" هو من أهم النقاط ، التي يرجع إليها المُعبر لإتمام العملية التأويلية ؛ حيث أن "القياس الشخصي" يعتمد على تفاصيل الرائي وحالته ، فيفسر الرمز وفقاً لها ، مثل من رأى كأنه أدى زكاة الفطر فإنه يكثر الصلاة و التسبيح ، لقوله تعالى ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبَّه فَصَلّى﴾ ، [الاعلى: ١٤١٥] ، ويقضي دينًا إن كان عليه ، ولا يصيبه في عامه ذلك مرض أو سقم ، ويلاحظ من التفسير أن التفسير الأول موجه لصاحب المال ، أما الثاني فهو موجه لمن ليس لديه مال ، ويلاحظ أن مظهر الرائي عليه عامل كبير لقيام العملية التفسيرية ؛ حيث يشير الملبس إلى الفئة الإجتماعية ، وعند معرفة الفئة الإجتماعية تظهر الآمال الفردية ، التي يخفيها الإنسان في داخله وتظهر في حُلمه.

وابن سيرين لا يرى فقط أن الرؤيا تعبير عن المستقبل ، بل هي مرآة لحال النفس مع الآخر ، والرؤيا أو الحلم قد يكشف عن رغبات مكبوتة أو مخاوف داخلية ؛ حيث يترك المرء جزءًا منه في حُلمه ، وكثير من الرؤى تعكس أوضاعًا إجتماعية مختلفة ، وحالات فردية حيث يكون الحالم مسترجعًا لذكرياته أثناء نومه ، وهذه الذكريات أو الوقائع هي المادة الخام لكل الأحلام.
ويبدو من كل ما سبق ، أن ابن سيرين لم يكن مجرد مفسر رموز ، بل كان عالِمًا يُدير شبكة جدلية معقدة ، تتكون من عدة عوامل يمكن جمعها في المعادلة التالية :
• المصدر × الرمز × الشخص × السياق = التأويل
وهذه معادلة إنسانية تحتوي على أهم العناصر الجدليّة المنامية ، وهي تلخيص جيد لكل ما سبق تناوله ، لكن ، هل يمكن فهم الأحلام على خطى مدرسة فرانكفورت؟

• محاولة لفهم الأحلام على طريقة مدرسة فرانكفورت

مدرسة فرانكفورت هي تيار فكري نقدي ، نشأ في ألمانيا في أوائل القرن العشرين ، وكان يجمع بين التحليل الماركسي لا سيما نقد الرأسمالية والطبقية ، والتحليل النفسي الفرويدي ، والفلسفة النقدية (وللمدرسة نظرية نقدية خاصة بالمناسبة) ، وتفكيك الأيديولوجيات السياسية وغيرها من الأيديولوجيات ، وقد اهتمت هذه المدرسة بفهم كيف تنعكس هذه البُنى الإجتماعية والثقافية في أشياء مثل: الفن ، الإعلام ، اللغة ، ووصل الأمر إلى الأحلام!

وترى مدرسة فرانكفورت أن الحلم ، ليس معزولاً عن البنية الإجتماعية ، بل هو انعكاس "مشوه" للعالم الواقعي ؛ حيث تظهر التناقضات ، والرغبات المكبوتة ، وأحياناً القمع السياسي (حين يحلم السجين بالطيران مثلاً) ، والاغتراب النفسي حين يكون الفرد وحيدًا وغير مفهوم ، لكن كيف كل هذا؟ تخبرنا مدرسة فرانكفورت يا عزيزي/تي أن الرأسمالية ، لا تتحكم فقط بيقظتنا ، بل تتسلل إلى لا وعينا أيضًا ؛ حيث تقوم الإعلانات ، والجندرية وما يتعلق بها من الأمور ، والعمليات الإستهلاكية ، بتشكيل ما نحلم به ، حتى ونحن نعتقد أنه شيء شخصي ، ويرى هربرت ماركوز أن الحلم ليس فقط هروبًا من الواقع ، بل قد يكون مساحة للمقاومة الرمزية ضد الواقع القمعي ، حيث أن الأحلام تُعبر عن توق الإنسان إلى عالم مختلف ، بلا قمع ، بلا استغلال ، ويمكن تقسيم الأحلام إلى نوعين حسب فكر هربرت ماركوز ، حيث يكون الأول هو "الحلم الزائف" أو المدجن ؛ حيث يعيد الفرد إنتاج قيم المجتمع (مثل الحلم بشراء سيارة فاخرة ، مع العلم بوجود عوائق مادية) ، وهناك الحلم الراديكاليّ ، الذي يتجاوز الواقع ، ويحاول أن يتخيله مُختلفًا (كأن تحلم بعالم بلا سلطة ، بلا فقر ، أو ملكية) ، ويرى ماركوز أن الحلم قد يحمل طاقة "تحررية كامنة" ، تشبه الفن والخيال الثوري ، لكنه يُقمع غالبًا من العقل الأداتي.

أما إريك فروم ، الذي جمع بين التحليل النفسي و الماركسية ؛ نجده يرى أن الأحلام تعكس "عملية الإغتراب" ، التي يُعاني منها الإنسان في المجتمع الرأسمالي حين ينفصل عن ذاته ، وعن الآخرين ، وعن الطبيعة ، ومن هنا تظهر الأحلام كمحاولة لإعادة الإنسجام المفقود ، مثل الحلم بالطفولة ، أو بالطبيعة ، بالحب ، وكل هذا دائماً ما يشير إلى وجود توق ، توق لإستعادة إنسانية حقيقية ، فقدناها حين دخلت قيم السوق والتشييء إلى حياتنا ، ومن ما سبق يتبين أن إريك فروم حين يخوض الحديث عن الأحلام ، فإنه يستخدم معولي التفسير الوجودي والنفسي الإجتماعية.

• لكن ، هل يمكن قراءة الأحلام وجوديًا؟

في بداية هذا الأمر ، أود أن أشير إلى أنني أقصد من فعل "القراءة" ، هذه العملية التفسيرية التي تُقام من منظور الوجود الإنساني ، لا من خلال الرموز الثابتة أو التقاليد الدينية فقط ، بل عبر ما تكشفه الأحلام عن ذاتية الفرد ، وحريته ، وقلقه في هذا الوجود ، وبحثه عن المعنى في عالم بلا معنى ، وهذا المنهج مستلهم من قضايا الفلسفة الوجودية ، التي تركز على تجربة الفرد في العالم ، خصوصاً كما نجد عند كيركجور ، و هايدجر ، و سارتر ، أهم أعلام الفلسفة الوجودية.

والقراءة الوجودية لا تعتبر الحلم مجرد نبوئة (أو شكل من أشكالها) ، أو نتيجة لعقد نفسية ، بل تعتبر الحلم "تجربة" داخلية ؛ تكشف عن الذات في أقصى تجلياتها ، والحلم يصبح "لغة وجودية" تعبر عن القلق ، والشعور بالعبث ، والتوقف للحرية ؛ كل تلك المشاعر الإنسانية التي لها الصدارة ، في المواقف الوجودية ، والحلم يُظهر "الذات كما هي" ، دون أقنعة الوعي اليومي أو القيود الاجتماعية ، ويمكن أن نقول عن الحلم ، أنه عملية اللقاء الجميل بين الذات الواعية ، والذات العميقة ؛ حيث تنفجر الأسئلة الكبرى : من أنا؟ ، لماذا انا هنا؟ ، وماذا افعل انا؟

وفي الأحلام ، يظهر القلق ليس كخوف من العدم ، والعزلة ، و اللاجدوى ؛ مثل الحلم بالسقوط ، أو الضياع في مدينة مجهولة ، والحلم لا يسير خطيًا كما الواقع مثل الزمن ، لأنه يحطم الزمن ، وهذا يعكس رؤية هايدجر للزمن كـ"زمانية وجودية" ، لا كـ ساعة ، بل كـ تجربة "أن تكون في العالم" ، وفي الحلم دائماً ما نجد أنفسنا نقوم بأفعال حرة تماماً ، أو نُجبر على مواقف ، وفي هذه النقطة تظهر جدليّة الصراع بين حرية الأختيار ومسؤولية الوجود ، وكما نجد في فلسفة سارتر ، نجد أن الإنسان محكوم بأن يكون حرًا ، حتى في كوابيسه ومناماته ؛ لكن يلاحظ في بعض الأحلام ، أن هناك شعوراً بالاغتراب ، أو بعض الناس دون وجوه واضحة ، وقد تحمل بعض الأحلام رمزيات هامة وخطيرة ، مثل الإنسان الذي يرى نفسه تائهًا في متاهة لا مخرج منها ؛ حيث قد يعني هذا الحلم وجوديًا ضياع المعنى في حياة الشخص ، وعدم قدرته على اتخاذ قرار ، أو الخوف من اللامعنى ، أما الحلم بالطيران فوق المدن ، فقد يعني وجوديًا أن الفرد الرائي لهذا الحلم ، يتوق إلى التحرر من القيود ، ومن قوانين الجاذبية الإجتماع ، والتسلط ، والأنانية الغيرية) ، لكن الطيران قد يعني الهروب من القلق ، لا التحرر الحقيقي منه ، وفي الحلم ، لا نكون بالضرورة كما نحن ، بل كما يمكن أن نكون ، وهذا يعكس مفهوم الذات الممكنة عند الفلاسفة الوجوديين : حيث يصبح الحلم فضاءًا لتجريب خيارات الحياة الأخرى ، دون أن نلتزم بها بعد ، وهكذا يبدو لنا مدى سعة الفلسفة الوجودية و جودتها ، أمام سؤال البحث عن المعنى في محل ميلاد المعنى المناميّ عند الإنسان ، وهكذا يبدو الإنسان بين الرِس 𓍟𓁻𓏛 (اليقظة) ، والرِسوت 𓍟𓍢𓏏𓁻𓏦 (الحل) ، مولوداً وعارفًا ومعترفًا بـ إمكاناته في هذا الوجود.

المصادر :
- صـ ٥٦ ، ٣٠ ، ٧٥ ، ١١٥ ، ١٢١ ، ١٢٣ ، تفسير أحلام التفاؤل ؛ تأليف ابن سيرين ، بدون تاريخ ، مكتبة الإيمان ، المنصورة.
- صـ ٢٤٥ ، علم الأديان : مساهمة في التأسيس ؛ تأليف ميشال مسلان ، ترجمة عزالدين عناية ، دار الكلمة ، الطبعة الأولى -٢٠٠٩ ، أبوظبي.
- صـ ١٥٦ ، ١٩٩ ، معجم تفسير الأحلام ؛ تأليف محمد بن سيرين ، عبد الغني النابلسي ، ترتيب وإعداد ؛ باسل البريدي ، اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى -٢٠٠٨ ، أبوظبي.
- (قراءة عامة) ، المنهج الجدلي عند هيجل : دراسة لمنطق هيجل ؛ تأليف إمام عبدالفتاح إمام ، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة الثالثة-٢٠٠٧ ، بيروت.
- صـ ١٨٣ ، مدرسة فرانكفورت ؛ تأليف توم بوتومور ، ترجمة سعد هجرس ، مراجعة محمد حافظ دياب ، دار أويا للطباعة والنشر والتوزيع والتنمية الثقافية ، الطبعة الثانية-٢٠٠٤ ، بنغازي.



#عزالدين_محمد_ابوبكر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يمكن قراءة الأعمال الكرتونيّة وجوديًا؟
- المنطق الوجوديّ ... -المنطق الذي لا يسعى للتوصل إلى قوانين ث ...
- المنطق الوجودي ... منطق الإنسان الملقى به في الوجود
- مقالة غير ختاميّة عن فلسفة الشوارع المصريّة
- مقالات أدبيّة: الشذرّة الرهاويّة ... من الأدب الرؤيويّ الأپو ...
- مقالات وجودية: نظريّة المراحل الكيركجوريّة
- مقالات وجودية: فلسفة الشوارع المصرية ، الجزء الثاني
- مقالات وجودية: نظريّة المراحل عند كيركجور
- فلسفة الشوارع المصريّة : فلسفة مواقف ، وتفكر إنسانيّ.
- مقالات وجوديّة: أبو الدرداء ، حياته ، ومذهبه ، ومواقفه الوجو ...
- مقالات وجودية: هل يمكن دراسة ”السحر العربي“ وجودياً؟
- مقالات وجودية: كيركجور ومواقفه الفلسفية
- مقالات وجودية: «المتصوف الغريب» ... مقاربات وجودية الجزء الث ...
- مقالات وجودية: «المتصوف الغريب» ، النِفَّريّ مقاربات بين الو ...
- «المتصوف الغريب» ... بدأ من العراق وانتهى في مصر: النِفَّريّ
- وقائع من العصر الذهبي المصري القديم : الجزء الثاني
- مقالات وجودية: هل يمكن قيام تفسيرية ”وجودية“ للآثار المصرية؟
- مقالات وجودية: كيركجور حياته وأثرها على فكره
- وقائع من العصر الذهبي المصري القديم
- هل سوف يُنهيها آتوم؟


المزيد.....




- -الطفل المثالي-!.. شركة أمريكية تطلق نظاما مثيرا للجدل لاختي ...
- -ممنوع عدم اللمس-: معرض -النشوة- في باريس يفتح أبوابه أمام ت ...
- الديموقراطية الفرنسية أمام تحد تدخل -لوبي- المال في الحياة ا ...
- ذوبان الأنهار الجليدية.. يغير وجه العالم ويهدد حياة الملايين ...
- الدفاع الروسية: إسقاط 61 مسيرة أوكرانية غربي البلاد
- أم لطفلين تسرق نصف مليون جنيه.. وتنفقها على مشاهير -تيك توك- ...
- موقع عبري ينشر تقريرا عن معركة إسرائيل المقبلة مع سوريا الشر ...
- جريمة مروعة.. جندي أمريكي يقتل طفلاته الثلاث خلال رحلة تخييم ...
- كولومبيا: مرشح رئاسي يصاب برصاصتين في رأسه خلال تجمع انتخابي ...
- مجزرتان جديدتان بحق طالبي المساعدات بغزة والشركة الأميركية ت ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزالدين محمد ابوبكر - ديالكتيكيّة تفسير الأحلام عند ابن سيرين