شادي الشماوي
الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 23:44
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
جريدة " الثورة " عدد 908 ، 2 جوان 2025
www.revcom.us
" ليس هناك طحين و لا غذاء لتغذية الأطفال و لا الكهول و الشيوخ . الجميع يعانون من الجوع . ما من أحد يحصل على الطعام . ما من أحد يحصل على الطعام . إن وجدت كيلوغراما من الأرزّ تطبخه اليوم ، لن تجده غدا . عليك تقسيمه على يومين و تغذية الأطفال قليلا قليلا . "
- فاطمة أحمد ، مدينة غزّة
" غزّة أكثر مكان يتعرّض للمجاعة على كوكب الأرض ... إنّها المكان البلد...الوحيد أو منطقة محدّدة ضمن بلد حيث يتعرّض جميع السكّان لخطر المجاعة . مائة بالمائة من السكّان يتعرّضون لخطر المجاعة " .
- منسّق الإغاثة الإنسانيّة للأمم المتّحدة
حوالي 90 يوما . هذا هو المدى الذى أقامت فيه إسرائيل بدعم من ترامب و نظامه الفاشيّ (1) ، حصارا على الغذاء و الماء و الوقود و الأدوية و حاجيات أساسيّة أخرى للبقاء على قيد الحياة و منعتها من الدخول إلى غزّة .
من المتضرّر بأكثر وحشيّة من هذا ؟ أطفال غزّة الذين يشكّلون نصف السكّان .
نجوى حسين حجّاج و عمرها ستّ سنوات و ذات الذراعين الرقيقين كالأغصان و كانت ضلوعها ناتئة من هيكلها المنكمش ، واحدة من هؤلاء الأطفال . وقد تسبّب لها سوء التغذية في فقدان أكثر من أربعين بالمائة من وزنها في فقط الشهرين الأخيرين – و نزل وزنها من 34 رطلا إلى 21 لا غير .
منذ أن شنّت إسرائيل مذابحها بلا رحمة في أكتوبر 2023 (2)، زهاء 17 ألف طفل وقع قتلهم و أكثر من 34 ألف جُرحوا – " ما جعل ذلك أكثر النزاعات قتلا بالنسبة إلى الأطفال في الذاكرة الحديثة "، طبقا لما صرّح به المدير التنفيذيّ لليونيسيف.
و ليست القنابل الإسرائيليّة الشيء الوحيد التي تبيد أطفال غزّة – فهناك أيضا المجاعة من صنع إسرائيل . و وفق اليونيسيف، " كلّ سكّان غزّة يواجهون الآن إنعداما حادا فى الأمن الغذائيّ . قرابة نصف السكّان يتأرجحون على حافة المجاعة . و نقدّر أنّ أكثر من 71 ألف طفل و 17 ألف أمّ سيعانون من سوء التغذية المتميّزة بالفقدان السريع للوزن و نسبة منخفضة متباعدة بين الوزن و الطول ، في الأشهر العشرة القادمة في غياب المساعدات الإنسانيّة و العلاج ". (3) مثل سوء التغذية الحاد هذا يمكن أن يؤثّر على بقيّة حياتهم .
و مع ذلك ، بطريقة ما ، يصبح الأمر أسوأ . و إليكم ثلاثة طرق ترتفع بها وتيرة كابوس الإبادة الجماعيّة المريع :
مراكز " المساعدات " للتطهير العرقيّ ، مجاملة من إسرائيل و الولايات المتّحدة :
في الأسبوع الفارط ما يُسمّى " المؤسّسة الإنسانيّة لغزّة " – إرتأتها و بعثتها إسرائيل بمساعدة من مؤسّسة أمن خاصة بالولايات المتّحدة يديرها عاملون بوكالة المخابرات الأمريكيّة ، السى آي آي ، سابقا (4)- فتحت أماكن ثلاثة لتوزيع المساعدات الغذائيّة . و كان من الواضح فورا أنّ هدفها لم يكن أبدا وضع نهاية للمجاعة الحادة في غزّة .
يوم الإثنين ، فتح موقع أبوابه على أنقاض ما كان ذات يوم مدينة رفح . و ظهر آلاف الغزّيين الجائعين – رجال و نساء و أطفال . و قد سار البعض لعديد الأميال ، عادة عبر أنقاض و تضاريس خطرة ، باحثين بيأس عن الغذاء ، ليجدوا أنفسهم موجّهين إلى أماكن مكتظّة بالبشر مغلقة بحواجز. و لمّا فقد الأمن السيطرة على هذه الأمواج من البشريّة الجائعة بيأس ، أطلقت القوّات الإسرائيليّة نيرانا تحذيريّة على المركز لتفرقة الحشود . و تكرّرت مثل هذه المشاهد في مكان مختلف خارج خان يونس يوم الخميس حيث أطلقت المدافع الرشّاشة النار و إستخدمت قوّات الأمن قنابل تخدير في محاولة للسيطرة على الحشود البشريّة . و مع نهاة الأسبوع ، قُتل عشرات الفلسطينيّين و الفلسطينيّات و جُرح العديد و العديد منهم و هم يسعون للحصول على فتات من الغذاء من هذه المراكز التي تديرها إسرائيل . و هناك تقارير جاء فيها أنّ المتعاقدين من الولايات المتّحدة المسؤولين أجروا المراقبة الأمنيّة للهويّات و إستعملوا مسح العين ، و أنّ الجيش الإسرائيلي إستجوب و إعتقل بعض الفلسطينيّين الذين كانوا يحاولون الوصول إلى مراكز توزيع المساعدات . (5)
و مع غرّة جوان ، زعمت المؤسّسة الإنسانيّة لغزّة أنّها وزّعت 67.200 صندوق مساعدة ، و كلّ صندوق يمكن أن يغذّي " 5.5 شخص لمدّة ثلاثة أيّام " . و مجمل هذا الغذاء لا يكفى إلاّ ل369.600 من سكّان غزّة – من أصل مليونين ! و وصف مسؤولو الإغاثة بالأمم المتّحدة ذلك ب " أقلّ من قطرة في محيط " .
و ليس هذا كلّ ما في الأمر أو الأسوأ فيه :
- صناديق " المساعدات " التي تمّ توزيعها كانت تتضمّن فقط أغراض غذائيّة أساسيّة مثل الزيت و السكّر و الملح و الطحين و المعجّنات و معلّبات الفاصوليا و لا تحتوى على " عناصر غذائيّة أساسيّة مثل اللحم و البيض و حليب الأطفال و الغلال و الخضر " ، قال مسؤول في برنامج الغذاء العالمي ، مشيرا إلى أنّ الهدف هو تقديم فقط ما يكفى ل " منع الناس من الموت جوعا " . ( أنظروا مقالنا في الأسبوع الماضي عن التكتيك الإسرائيلي المتعمّد من عدم عرقلة دخول قدر من المساعدات لتجنّب السخط العالمي ، بينما تصعّد عمليّا من إبادتها الجماعيّة في غزّة .)
- و تزعم إسرائيل أنّ هذا التنظيم الجديد لازم لأنّ حماس كانت تسرق المساعدات التي تُجلبها المنظّمات الإنسانيّة و تستخدمها لأغراضها الخاصة . هذا كذب . قبل الحصار الإسرائيلي ، الأمم المتّحدة و الأونروا و منظّمات أخرى كانت تسيّر نظاما كبيرا و فعّالا لتوزيع المساعدات من خلال 400 مركز مختلف عبر غزّة . بينما تزعم إسرائيل أنّها خفّفت من حصارها لغزّة ، لا تزال تمنع كلّ شيء عدا حفنة نسبيّة من المساعدات التي تبلغ السكّان لأنّها ترفض ضمان توزيعها توزيعا آمنا . ( أنظروا مثلا ، أطفال في غزّة يموتون جوعا . دعوا الأمم المتّحدة تقوم بعملها ، جريدة نيويورك تايمز ، 29 ماي 2025 )
- قرار إسرائيل بفتح عدد قليل من مراكز المساعدات جنوب غزّة ، قرب حدودها مع مصر تقصد منه إستخدام الغذاء كطُعم لتهجير كامل سكّان غزّة إلى " منطقة معقّمة " في الجنوب ، مثلما وضع ذلك الوزير الأوّل بنيمين نتنياهو ( نتن-النازي ). و يؤطّر هذا و يسرّع في دفع التهجير القسري لفلسطينيّين و الفلسطينيّات من غزّة ، كما دعا إلى ذلك ترامب بصفة متكرّرة و بشكل منتظم تذكر إسرائيل ما قاله على أنّه خطّتها .
مُضيّ إسرائيل قُدُما في الإبادة الجماعيّة بلا هوادة بدعم من الولايات المتّحدة :
بينما تركّز وسائل الإعلام و يركّز العالم نظره على التحرّكات " الإنسانيّة " الجديدة لإسرائيل ، تتواصل إبادتها الجماعيّة في دوس غزّة .
فيوم الخميس 29 ماي هو اليوم 600 من المذابح الإسرائيليّة في غزّة . و في يومي الجمعة و السبت مجتمعين ، ، قُتل تقريبا 150 إنسانا و جُرح المئات .
و مع تواصل هذه المذابح ، أصدر الجيش الإسرائيلي أمرا شاملا بإخلاء معظم شمال غزّة ، محذّرا السكّان من أنّ " نشاطا هجوميّا " موسّعا جديدا قادم . و هدفه : تنظيف معظم شمال غزّة .
و قبلا هذا الأسبوع ، أعلن الجيش الإسرائيلي خططا للسيطرة على ثلاثة أرباع غزّة في غضون الشهرين القادمين و إجبار الفلسطينيّين و الفلسطينيّات على اللجوء إلى فقط رُبُع غزّة . وعند إصدار هذا الإعلان ، سكرتير الأمن القومي لنظام ترامب، كريستى نُآم كان يزور القدس و يتجوّل على حدود غزّة .
نصف أطفال غزّة يفكّرون في الإنتحار :
و لنعد من حيث بدأنا ، إلى أطفال غزّة . الدكتورة فيروز سيضوا ، طبيبة كسور و جراحة و عناية مركّزة كانت متطوّعة في غزّة ، أفادت حديثا البى بى سى بأنّ وضع أطفال غزّة كان " مريعا " للغاية بحيث يصعب وصفه . إلى جانب فقدان أو نقص الغذاء و الرعاية الصحّية ، قالت الدكتورة سيضوا ، " الدمار النفسيّ الذى يواجهه الأطفال لم يُسبق له مثيلا أبدا، أعتقد في تاريخ العالم بأسره ".
و مذكّرة ب تقرير حديث ، أعربت الدكتورة سيضوا عن أنّ : " تقريبا نصف أطفال غزّة يفكّرون في الإنتحار ... و يتوقّع 96 بالمائة منهم أن يموتوا في هذه الحرب . هذا في حدّ ذاته يبعث على السخط ! إذن وضع الأطفال بلغ حدّ أنّه لا يُسمح لهم بأن يكونوا أطفالا بعد الآن . "
فكّروا في هذا مليّا . تقريبا نصف أطفال غزّة – بشر يجب أن تكون كامل حياتهم أمامهم – يفكّرون في الإنتحار . و معظمهم يتوقّعون الموت في المذابح التي يفرضها هذا النظام .
لنسأل أنفسنا : ما هي مسؤوليّتنا تجاه هؤلاء الأطفال الذين يموتون بفعل القنابل المصنوعة في أمريكا و أمريكا تقبل بالمجاعة ؟
جاء في تقرير لجريدة " النيويورك تايمز " أنّ " المطالب العالميّة إشتدّت يوم الجمعة [ 30 ماي ] على إسرائيل لتسمح بدخول قدر إستعجالي كبير من المساعدات لتجنيب كافة غزّة الغرق في المجاعة ." هذه الصرخة العالميّة هامة لكن يجب بصفة إستعجاليّة أن تترافق و تتوسّع بنهوض إحتجاجات جماهيريّة واسعة في هذه البلاد ، الولايات المتّحدة ، ذلك أنّ حكومتها تمكّن من كلّ ما هو مريع من قتل و جرح و تجويع و عذابات غير ضروريّة من خلال الدعم العسكري و السياسي و الدبلوماسي .
يجب أن يبلغ الإحتجاج الجماهيري كلّ ركن من أركان المجتمع ، و ينمو إتّساعا و عمقا و يصبح أكثر تصميما مطالبا بإيقاف هذه الإبادة الجماعيّة الآن !
يجب إنهاء حصار غزّة ! أوقفوا المذابح الإباديّة الجماعيّة الأمريكيّة / الإسرائيليّة ضد الشعب الفلسطيني !
هذا النظام بأكمله فاسد و غير شرعيّ – نحتاج و نطالب ب : نمط حياة جديد تماما و نظام مختلف جوهريّا !
الهوامش :
1- هناك مفاوضات جارية بين الأطراف المختلفة حول إمكانيّة إيقاف إطلاق نار . الوضع سواده حالك و تحليل الطرفين خارج نطاق هذا المقال . هناك الكثير من التوقّعات في وسائل الإعلام حول غضب ترامب من نتنياهو . بداهة لا نعرف ما يجرى في النقاشات و الجدالات الداخليّة لكن ما نعرفه هو أن نتنياهو يواصل الإحتفال ب " خطّة ترامب " لتهجير كافة الفلسطينيّين من غزّة و أنّ ترامب يواصل إرسال كمّيات كبيرة من التجهيزات العسكريّة و التمويل ، فيما يوفّر الغطاء السياسي للإبادة الجماعيّة الجارية .
2- في أكتوبر 2023 ، شنّت حماس المنظّمة الأصوليّة الإسلاميّة الرجعيّة التي أدارت غزّة منذ 2007 ، هجوما عنيفا داخل إسرائيل و قتلت قرابة 1200 شخص – من المدنيّين أساسا – و أخذت 250 آخرين كأسرى . و إستغلّت إسرائيل الفرصة لتشنّ هجوما إباديّا جماعيّا شاملا على غزّة ، و كان هدفها ليس ببساطة حماس و إنّما مليونين من الفلسطينيّين هناك .
3- Children in Gaza Are Starving. Let the U.N. Do Its Job, Catherine Russell, executive -dir-ector of UNICEF, New York Times, May 29, 2025.
4- " المؤسّسة الإنسانيّة لغزّة " تصوّرها و طوّرها على نطاق واسع الإسرائيليّون كطريقة لتقويض حماس ... و المجموعة الأهمّ التي توفّر الأمن يديرها فليب أف ريلي ، ضابط مخابرات السى آي آي سابقا ... ساعد ريلي في تدريب الكوتراس ، المليشيات اليمينيّة التي قاتلت الحكومة النيكاراغويّة الماركسيّة ".
New Gaza Aid Plan, Bypassing U.N. and Billed as Neutral, Originated in Israel, New York Times, May 24, 2025.
5- وصف أحد الأباء كان عليه أن يمشي ما يقارب ميلين و نصف الميل عبر بقايا دمار مدينة خان يونس للوصول إلى مركز المساعدات للحصول على الغذاء لأسرته . " عندما بلغت المركز ، شاهدت مئات الناس مصطفّين امام حواجز حديديّة تحيط بها أسيجة أمنيّة تعلوها كاميرات مراقبة " ، هذا ما قاله ل Site News . مدخل السيرورة كان صارما – كان يبدأ بالتأكّد من الهويّات و ينتهى بمسح / سكانير للعين . و كان الناس يوجّهون إلى مواقع ضيّقة لكنّ الآلاف الذين قدموا غمروا المتعاقدين الخواص من الولايات المتّحدة المديرين للأمن ، و تدافعوا للحصول على أيّ مساعدة يمكنهم الحصول عليها . " و لمّا كان الناس يحاولون المغادرة بما أخذوه ، كانت الطائرات المروحيّة الإسرائيليّة تحلّق فوق الرؤوس و أطلقت النار على الحشود ، متسبّبة في جرح العشرات . " هذا ما قاله .
Israel’s Weaponized “Aid” Plan Forces Thousands of Palestinians to Trek Miles and Risk Their Lives for Meager Boxes of Food, Site News, May 28, 2025.
#شادي_الشماوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟