شادي الشماوي
الحوار المتمدن-العدد: 8341 - 2025 / 5 / 13 - 22:14
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
جريدة " الثورة " عدد 905 ، 12 ماي 2025
www.revcom.us
إن كان هذا العنوان يصدمك ، لا ينبغي أن يفعل ذلك .
كمعكسر إبادة تماما ، أوشفيتز يقف فيردا من نوعه . 1.2 مليون إنسان – بصفة طاغية من اليهود -جرى بشكل منهجيّ تجويعهم و إهانتهم بطرق شتّى و في الختام نقلوا جماعيّا إلى أماكن إستحمام حيث تمّ قتلهم بالغاز ، جماعيّا . و شعُر العالم بالخزي لوقوفه موقف المتفرّج من ذلك . و كانت أوشفيتز جزءا من ما سمّاه النازيّون " الحلّ النهائي " .
و مع ذلك وجّهوا أنظاركم إلى غزّة و إسألوا أنفسكم : إلى أين يمضى هذا ؟ و أين الصراخ ضدّه ؟
في غزّة ، أكثر من مليوني فلسطيني تقتلهم إسرائيل و تسبّب لهم في إعاقات و الجوع و الإهانة و الرعب و التهجير . مجتمعهم يجرى تدميره ، منازلهم تحوّل إلى ركام ، مدارسهم إلى غبار ، و أراضيهم تُجرّف و حقولهم تمزّق . و لأكثر من 70 يوما لم يدخل الغذاء و الماء و الوقود أو المؤن الطبّية لأنّ إسرائيل تعتبر غزّة منطقة محاصرة . و القنابل لم تتوقّف و يبدو أنّه لا نهاية للرعب .
و ربّما ما يقطع الأنفاس أكثر من أيّ شيء آخر هو أنّ 96 بالمائة من الأطفال في غزّة الذين وقع إستجوابهم في دراسة يشعرون بأنّ موتهم قريب ، و تقريبا نصفهم يقولون إنّهم تمنّوا الموت . هؤلاء هم الأطفال في غزّة . أطفال يتعيّن أن يكونوا جوانبهم مليئة فرحا و طاقة و فضول و أمل ، و حياتهم أمامهم . بدلا من ذلك ، يتمنّون نهاية للعذابات و الجوع و البؤس .
جوهر و منطق الإبادة الجماعيّة هو نفسه في كلّ الأماكن : القتل الواعي و التدمير المنهجي لشعب بأكمله ، جاعلين من غير الممكن لأفراده أن يعيشوا و يبقوا على قيد الحياة .
الآن ليس وقت إدارة الظهر . حان وقت التقدّم و المطالبة من كلّ جوارحنا : يجب إيقاف هذه الإبادة الجماعيّة ... و يجب على الولايات المتّحدة أن تكفّ عن تسليحها و دعمها !
عمليّة " عربات الإبادة الجماعيّة " :
يوم الإثنان 5 ماي 2025 ، أعلن الوزير الأ,ّل الإسرائيلي ، بنيمين نتنياهو أنّ كابينته صادق على هجوم جديد أكثر" قوّة " على غزّة . و أطلق على العمليّة " عربات جديون " ، و وجّهت إسرائيل الدعوة إلى عشرات آلاف الجنود الإحتياطيّين لغزو غزّة و الإستيلاء و وضع اليد على كلّ أو تقريبا كلأّ غزّة . (1) و سيجد سكّان غزّة الذين يعدّون أكثر من مليوني إنسان أنفسهم مجبرين على الهجرة و مكتظّين في مناطق " جدباء " – لنقرأ معسكرات إعتقال – تساوى أقلّ من رُبع مناطق غزّة الكثيفة السكّان بعدُ .
و هذه المناطق توجد في جنوب غزّة ، على جانب الحدود مع مصر . و قال ضابط عسكريّ إنّ " برنامج الترحيل التطوّعي لسكّان غزّة ... سيكون جزءا من أهداف العمليّة ". و ترجمة ذلك هي : سيكون هذا في الواقع ترحيلا قسريّا – تنفيذا لأهداف إسرائيل البعيدة المدى و تهديدات ترامب الحديثة ب" إنّنا سنحصل على غزّة ...سنستولى عليها " . (2)
إنّ إسرائيل – و ليست الأمم المتّحدة أو منظّمات إنسانيّة أخرى – ستتحكّم في الغذاء و توزيع المساعدات . (3)
" أخيرا سنستولى على قطاع غزّة " :
مطلقة حاجزها العادي من الأكاذيب ، المكرّرة بشكل مطيع من قبل أهمّ وسائل الإعلام في الولايات المتّحدة ، تزعم إسرائيل أنّ عمليّتها تهدف إلى تحرير بقيّة الأسرى الإسرائيليّين الذين تعتقلهم حماس (4) و أنّه يجب نقل سكّان غزّة من أجل " حمايتهم " الخاصة .
و إعتبارا لأكثر من 62 ألف فلسطيني قتلتهم إسرائيل طوال الستّة عشرة شهرا الماضيين – و مواصلتها عمليّات القتل – و حربها المستمرّة عبر التجويع ، فإنّ أيّ حديث إسرائيلي عن " حماية " الفلسطينيّين و الفلسطينيّات أمر بذيء و معيب .
لكن لنترك حكّام إسرائيل الآن يتحدّثون بأنفسهم . إليكم ما صرّح به نيزلال سموتريتش ، وزير المالية الفاشيّ الإسرائيلي و عضو مفتاح في كابينت نتنياهو في الأسبوع الفارط أو قبله أو بعده بقليل :
- " نحن نحتلّ غزّة لنبقى فيها " ، " لن يوجد بعد الآن دخول و خروج " .
- " أخيرا سنستولى على قطاع غزّة . لم نعد نخشى كلمة " إحتلال ". نحن سنستولى على غزّة و ننظّفها و نتحكّم في كلّ منطقة من المناطق التي ندخلها ".
- "... يمكن أن نصرّح بأنّنا حقّقنا النصر . كيف ستكون الصورة ؟ غزّة مدمّرة بالكامل " و سكّانها الفلسطينيّين " سيغادرون بأعداد كبيرة إلى بلدان من العالم الثالث ".
و قد نشرت وسائل الإعلام الهامة في إسرائيل مثل القناة 14 الإخباريّة مئات مثل هذا الموقف المنادية بسفور بالإبادة الجماعيّة : " الآن ثمّة حاجة حقيقيّة للسحق الكامل . لا يتعيّن أن نخشى من مفردات إنسانويّة كالكارثة . " " نحتاج إلى أن نقصف بالقنابل قصفا عشوائيّا " . غزّة كما توجد اليوم يجب أن تُمحى من الوجود " . " لا وجود لأبرياء ". الغزّيون " حيوانات " يجب " القضاء عليهم قضاء مبرما " . " الحلّ الأكثر إنسانيّة هو تجويعهم ، أليس كذلك ؟ أعتقد أنّ مصلحة إسرائيل هي المجاعة و الكارثة الإنسانيّة في غزّة " .
و مثلما قال القائد الثوريّ بوب أفاكيان في السنة الماضية ، " لقد قامت إسرائيل بشيء لا يصدّق حقّا – تصرّفت إسرائيل بحث حوّلت اليهود إلى نازيّين ! "
في 8 ماي 2025 ، أمضى عدد من منظّمات المجتمع المدنيّ عريضة قدّموها إلى المحكمة العليا للعدالة الإسرائيليّة محاججين بأنّ القناة 14 قد " أذاعت مئات المواقف الداعية إلى الإبادة الجماعيّة و العنف و العنصريّة " . و أيضا تمّ توجيه العريضة ضد ال العام الإسرائيلي ، و مدّعى الدولة و شرطة إسرائيل لإخفاقهم في فتح بحث إجرامي ضد القناة 14 . إلى حدّ الآن لت تقدّم المحكمة العليا إجابة (5)
" النظام المهندس للحرمان " :
ما الذى سيعنيه هجوم إسرائيلي جديد للناس في غزّة ؟
أكثر من 1.9 مليون فلسطيني – حوالي 90 بالمائة من سكّان غزّة – وقع بعجُ تهجيرهم منذ بداية المذابح الإسرائيليّة طوال العشرين شهرا السابقين . و العديد منهم لعدّة مرّات . و تقريبا بأكملها مساكن و مباني غزّة تعرّضت للتدمير ما أجبر الناس على البحث عن اللجوء إلى الخيم ، مآوى مؤقّتة أو إلى مباني مهجورة .
و بعدُ الجوع المستشري ينتشر أكثير يوما إثر يوم بفعل الحصار الإسرائيلي المضروب على الغذاء و الماء و الأدوية و حاجيات أخرى . و يحذّر المسؤولون في غزّة من أنّ " 3500 طفل صغير يواجهون الموت الكامن جوعا ، و 70 ألف طفل آخرين في المستشفيات لسوء تغذية حاد ، و 1.1 مليون طفل فلسطيني يفتقرون إلى الحاجيات الغذائيّة الدنيا للبقاء على قيد الحياة " . (6)
في نداء مدوّى إلى الضمائر ( هذه لحظة المحاسبة الأخلاقيّة في غزّة ) كتب شين كارول ، " مليونا إنسان في غزّة ، تقريبا نصفهم أطفال ، يبقون الآن على قيد الحياة بفضل وجبة واحدة كلّ يومين أو ثلاثة أيّام . في مصحّات مايكشيفت/ البديل المؤقّت التي تديرها منظّمتى الإغاثيّة ، American Near East Refugee Aid ، تصبح علامات الجوع أكثر إنتشارا و خطورة ".
" حصار إسرائيل – و التأخير المتعمّد ، و المنع المتعمّد و المغالاة في الإجراءات الأمنيّة المحيطة بذلك – ليس مجرّد إخفاق في اللوجستيك " و يسترسل ، " إنّه نظام مهندس للحرمان " (7)
و الآن الهجوم الإسرائيلي الجديد و الأكثر عدوانيّة يعد بالدمار الكبير لما بقي من البنية التحتيّة لغزّة ، و بمزيد القتل الجماعي للمدنيّين . و هذا يعنى أنّ إسرائيل تُعلن أنّ الناس في غزّة سيمنعون من العودة إلى ديارهم – ربّما لن يعودوا أبدا .
" لم نعد نرغب في سماع حتّى كلمة " الإخلاء " مرّة أخرى " قال أحد المهجّرين الفلسطينيّين الذين يعيشون في ملجأ مايكشيفت شمال غزّة . هو و أسرته وقع تهجيرهم بعدُ ما لا يقلّ عن ستّ مرّات . " و التهجير يعنى الموت و الإهانة و التشرّد ."
أنظروا ملحق " أصوات من الإبادة الجماعيّة " .
ما تقترحه إسرائيل من " محاور مساعدة " – مساعدة المهجرين قسرا :
كجزء من الهجوم الجديد الموعود ، أعلنت إسرائيل عن خطّة لإنشاء " مراكزها " الخاصة جنوب غزّة لأجل توزيع المساعدات الضروريّة ، و إفتراضيّا لمنع حماس من سرقتها . و هذه كذبة مكرّرة بإستمرار و قد وقع فضحها مرارا و تكرارا، بما في ذلك من قبل وكالات الإغاثة و العمّال على الأرض . (8)
و هذا ليس مجرّد مسعى منافق لإيقاف السخط عبر العالم قاطبة جرّاء الإستخدام المتعمّد للتجويع كسلاح في الحرب – جريمة حرب . إنّه يستهدف أيضا تيسير التهجير القسري و الطرد القسري الممكن للفلسطينيّين و الفلسطينيّات في غزّة . و ليس ذلك فحسب ، " مساعدة " إسرائيل لن تبدأ حتّى في إنهاء الجوع في غزّة .
لقد شنّت إسرائيل بعدُ هجوما كبيرا على منظّمة الأونروا (9) ، أهمّ منظّمة تابعة للأمم المتّحدة تقدّم المساعدات للفلسطينيّين في غزّة و في أماكن أخرى . وهي تعمل إسرائيل أيضا لإستثناء منظّمات إنسانيّة أخرى . و الإستيلاء على المساعدات التي تدخل إلى غزّة سيمكّنها (إسرائيل ) من قبضة أشدّ على الحياة ذاتها .
خطّة إسرائيل يدعو إلى السماح بدخول 60 شاحنة من المساعدات إلى غزّة يوميّا سيوزّعها مقاولون من الولايات المتّحدة على 6 إلى 10 مراكز . و هناك الآن 400 مركز توزيع عبر غزّة ( وهي في معظمها لا تستطيع العمل نظرا للحصار ) . أثناء إيقاف إطلاق النار بين إسرائيل و حماس قبلا هذه السنة ، حوالي 600 شاحنة من المساعدات كانت تدخل غزّة بصفة يوميّة . و لم تقع الإشارة في هذه المخطّطات لتقديم المساعدة الصحّية و تصريف المجاري و المياه و الوقود و حاجيات أخرى للحياة .
لذا ، " مراكز المساعدة " الإسرائيليّة لن تقترب من إنهاء الجوع و المجاعة أو الأزمة الإنسانيّة في غزّة .
و جعل المراكز بالجنوب وسيلة لإجبار الغزّيين على الخروج من كامل الجزء الشمالي من غزّة . و في السياق عينه ، سيتمّ تصويرهم ، إفتراضيّا لمنع أيّ " تسرّب " لحماس لكن على الأرجح لخلق سجلّ للسكّان . و عندما يتوجّهون إلى المراكز ، سيكون عليهم جمع المساعدة " النظرة اليقظة للمقاولين الأمنيّين من الولايات المتّحدة ، الذين سيستخدمون تقنية التعرّف على الوجوه ليدقّقوا في من يحصل عليها " . أجل مقاولون أمنيّون أمريكان ! و يثير هذا الأفق الحقيقيّ لمنع المساعدات و الإستجوابات أو حتّى القتل من قبل إسرائيل أو الآن ، أمريكيّون يسيّرون قوّات الأمن .
مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيّة ( OCHA ) قد ندّد بمخطّط إسرائيل و قال إنّه لن يشارك في ذلك : " هدف الخطّة المقدّمة لنا ستشمل أنحاء واسعة من غزّة ، بما فيها الناس الأقلّ حركة و الأكثر عرضة للأذى و الذين سيظلّون دون تزويد ". و أضاف أنّ الخطّة " تتنافى مع المبادئ الإنسانيّة الجوهريّة ... وهي خطيرة ، تدفع المدنيّين إلى مناطق عسكريّة للحصول على حصص من المساعدات ... بينما تزيد فى تكريس التهجير القسريّ ".
" هذا مخطّط لجعل الأمر يبدو و كأنّه يتعلّق بالمساعدات " ، هذا ما قاله أحد العاملين في الإغاثة الإنسانيّة ، " لكن الأمر يتعلّق في الواقع بفرض الاحتلال العسكري لغزّة ."
نظام ترامب وفي لدعم الإبادة الجماعيّة التي تقترفها إسرائيل – إستخدام التجويع كسلاح في الحرب :
يواصل نظام ترامب الفاشيّ في الدعم الكامل لإسرائيل وهي تقوم بتجويع الناس في غزّة ، مكرّرا كذبة أنّ التجويع سببه حماس . في ندوة صحفيّة حديثة ، قال ترامب ، " سنسعى إلى مساعدة الناس في غزّة للحصول على الغذاء . الناس يجوعون و سنساعدهم على الحصول على بعض الغذاء . و الكثير من الناس يمرّون بظروف سيّئة و سيّئة جدّا . حماس تجعل من غير الممكن ذلك لأنّها تأخذ كلّ ما يقع إدخاله إلى غزّة . لكنّنا سنساعد الناس في غزّة لأنّهم يعاملون معاملة جدّ سيّئة من حماس . "
و في الأثناء إسرائيل هي التي تتحكّم في نقاط عبور الشاحنات . إسرائيل هي التي تمنع دخول شاحنات المساعدة . و إسرائيل هي التي تمنع دخول الوقود . و إسرائيل هي التي قطعت الكهرباء عن غزّة ! و إسرائيل هي التي تقصف بالقنابل الناس في غزّة .
و في منعرج مريض أكثر ، تناقش الولايات المتّحدة و إسرائيل إمكانيّة أن يقود " مسؤول أمريكي " " إدارة مؤقّتة لغزّة ما بعد الحرب " . وفق وكالة رويتر للأنباء ، " ناقشت الولايات المتّحدة و إسرائيل إمكانيّة أن تقود واشنطن إدارة مؤقّتة لغزّة ما بعد الحرب ... [ مركّزة ] حول حكومة إنتقاليّة يتراّسها مسؤول أمريكي و تُشرف على غزّة إلى أن يقع نزع السلاح منها و تصبح مستقرّة ، و تكون قد ظهرت إدارة فلسطينيّة قابلة للدوام " (10)
الصورة الأشمل :
و يشدّد هذا على الحاجة الملحّة أن ينهض الناس في هذه البلاد في مقاومة جماهيريّة للمطالبة ب : أوقفوا الإبادة الجماعيّة التي تقترفها الولايات المتّحدة / إسرائيل في حقّ الشعب الفلسطيني ! و يشدّد على الحاجة الملحّة لأن ينهض كلّ فرد ضد القمع الفاشي للأصوات التي تصرخ ضد الإبادة الجماعيّة . و يشدّد كذلك على الحاجة إلى التعمّق في مصدر هذه الفظائع ضمن هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي و البحث و التفاعل بنشاط مع التحليل الشيوعي الثوري و البديل الذى يطرحه بوب أفاكيان .
و مثلما أكّد على ذلك بوب أفاكيان :
" لم يعد بوسعنا أن نسمح لهؤلاء الإمبرياليّين بمواصلة الهيمنة على العالم و تحديد مصير الإنسانيّة . و إنّه لواقع علميّ أنّ الإنسانيّة ليس عليها أن تعيش على هذا النحو . "
أصوات من الإبادة الجماعيّة التي تقترفها إسرائيل :
" اليوم هو اليوم الأخير . ما الذى سنأكل ؟ سنموت جوعا من أجل أطفالنا . لا نزال على قيد الحياة بفضل المطبخ الجماعي. لا نطبخ و لا نخبز أو نفعل أيّ شيء ، لا نقوم سوى بتسخين الغذاء الذى نتسوّل للحصول عليه . إن لم يكن المطبخ الجماعي موجودا ، لكنّا متنا . لأجل الأطفال ، ماذا علينا فعله ؟ يقولون إنّ اليوم هو اليوم الأخير . ما الذى علينا فعله ؟ بماذا سأغذّيهم غدا ؟ "
- هدى أبو ديّة ، أمّ فلسطينيّة مهجّرة
" نحن نعيش مجاعة حقيقيّة و ليست مجازيّة ، لكن الجوع يخنق أنفاسنا و يحوّل كلّ وجبة إلى معركة و كلّ قطعة خبز إلى إنتصار صغير . يتسابق الناس مع بعضهم البعض للحصول على حفنة من الطحين . و يقفون لساعات طويلة ليس لشراء الغذاء و إنّما بحثا عنه . المحلاّت التجاريّة فارغة و الرفوف تندب حظّها . الأكياس المقطّعة و الصناديق الفارغة صارت مشهدا يوميّا . الخضر ، نوع أو نوعان لا يستحقّان الذكر تباع بأسعار – أسعار فوق الخيال . تباع قطعة واحدة من الكمثري بالمزاد العلني . لا غلال و لا حليب و لا بيض و لا زيت . كلّ شيء نادر الوجود ، و كلّ شيء غالي الثمن ، حتّى الماء . يطبخ الناس الآن ما تبقّى من العدس كما لو أنّهم يطبخون الأمل .
و الأمّهات مثلي نخفى جوعنا كي لا يلاحظه أبناؤنا . أمير ، إبنى يسألنى كلّ يوم ، " أمّى متى سنأكل البيتزا من جديد ؟ " فأقول له " قريبا " و أبتسم له فيما يتقطّع قلبي تقطّعا . كريم لا يتكلّم كثيرا إلاّ أنّه يعدو وراء أيّ شيء يشبه الغذاء ، كما لو أنّ الغريزة قد تجاوزت اللغة . "
- ضحى لطيف ، أستاذة من غزّة ، أمّ لطفلين صغيرين .
" هذه الإبادة لا تستمرّ فحسب و إنّما وفق المستويات التي أراها بعينى هي ببساطة – لا مزيد من الكلمات يمكن إستعمالها – " لا تُحتمل " ، " فظيعة " و" لا توصف " ... لدينا هذا الثلاثي الرهيب من المجاعة و النقص في الأدوية و التجهيزات، و القنابل . "
- سندرا أدلار كيلن ممرّضة أطفال ، عادت للتوّ من مهمّتها الثالثة في غزّة .
" بسبب الحصار ، الجوع جزء من واقعنا اليومي الآن . . إنّه عميق و قاسيّ ، و لا وجود لما يخفّف منه .
مرّت الآن أكثر من ثلاثين ساعة منذ أن أكلت آخر مرّة . و تمرّ مدّة تطول يومين دون غذاء . بالنسبة لمعظم الناس عبر العالم ، كلمة جوع شعور عابر ، و المشكل يحلّ بسهولة بتحرّك نحو المطبخ أو إلى متجر قريب . قول " أنّي جائع " شيء روتيني ، تقريبا لا معنى له . لكن تصوّروا انّه في كلّ مرّة تشعرون بالجوع ، لا وجود لأيّ شيء تأكلونه – لا غذاء و لا ما يخفّف الجوع ، فقط فراغ . كان هذا واقعي اليومي في قطاع غزّة لأكثر من شهر ...
الأطفال في قطاع غزّة شرعوا في الموت جوعا . و بخلاف الكهول ، لا يمكنهم تحمّل مثل هذه العذابات . أفكّر فيهم متصوّرا الغذاء الذى يتطلّعون إليه و ليس بوسعهم الحصول عليه – و التفكير يجعل قلبي ينفطر ...
يعشر المرء كما لو أنّ قطاع غزّة لم يعد جزءا من هذا العالم ، كما لو أنّنا نعيش في كوكب ما بعيد ، منسيّ . حياتنا تتميّز بالعذابات و الغرابة بينما بقيّة العالم يواصلون العيش كما لو أنّ واقعنا غير موجود .
لم أفهم حقّا أبدا شعور الجوع – عمقه و قسوته و قبحه – إلى أن جرّبته تمام التجربة ، بكلّ تفاصيله الموجعة ".
- آية الحطّاب ، كاتبة من غزّة .
هوامش المقال :
1- " أثناء ما يقارب 19 شهرا من الحرب ، كان الجنود الإسرائيليّون ينفّذون عمليّا واسعة و كثيرا ما تكون دمويّة غطّت كلّ مناطق غزّة عدا الأقسام الوسطى منها ، لكنّهن قلّصوا إلى درجة كبيرة حضورهم الدائم في منطقة عازلة بحوالي كلم على طول المحيط الترابي المدمّر و ممرّين ضيّقين نسبيّا ، شرق- غرب ".
2- Gaza Ceasefire Holds for Now…But Trump Threats Continue … Escalation of U.S.-Israel Genocide Looms, revcom.us, February 17, 2025.
3- " مسؤول أمني إسرائيلي سابق قال هذا الأسبوع إنّ توسيع القتال في قطاع غزّة ، كما صادق عليه الكابينت ، لن ينطلق بل أن يُنهي رئيس الولايات المتّحدة دونالد ترامب زيارته للشرق الأوسط ، و إنّه سيشنّ فقط إن لم يتمّ التوصّل إلى أيّ إتّفاق لإطلاق سراح الرهائن وقتها ". و يأتي هذا في وقت تقوم فيه الولايات المتّحدة بتحرّكات كبرى في الشرق الأوسط، خاصة تجاه العربيّة السعوديّة و إيران . و في هذا ، كذلك في علاقة بغزّة ، هناك على ما يبدو بعض الإختلافات مع إسرائيل ، و ما ترتئيه على أنّه مصالحها ، حتّى و إسرائيل تتمتّع بدعم وفيّ و شامل من الولايات المتّحدة .
4- حماس منظّمة أصوليّة إسلاميّة رجعيّة دعّمتها إيران . و في 7 أكتوبر 2023 ، نفّذت المنظّمة الأصوليّة الإسلاميّة حماس و قوى فلسطينيّة أخرى هجوما على داخل إسرائيل قُتل خلاله تقريبا 1200- أساسا مدنيّين – و وقع 251 إسرائيلي و إسرائيليّة في الأسر و تمّ إقتيادهم إلى غزّة . إنّ قتل المدنيّين و أخذهم كأسرى جريمة حرب . 59 أسير وأسيرة ( أو جثثهم) لا زالوا محتجزين بغزّة ، 24 منهم يُعتقد أنّهم لا يزالون على قيد الحياة .
5- Gaza Must Be Wiped Out | Pro-Netanyahu Channel 14 Incites to Genocide in Gaza, Israeli Groups Claim in High Court Petition, Haaretz, May 8, 2025.
6-World Central Kitchen Ends Food Distro Due to Israel’s Genocidal Blockade, Democracy Now!, May 8.
7- See also, Israel Calls Up Tens of Thousands of Reserves, Preparing Gaza Escalation… Forcibly Starves Millions in Gaza, revcom.us, May 5, 2025.
8- قال أحد المسؤولين في الإغاثة ل PBS : " المساعدة التي رأيت أنّها توزّع كانت أدوية تمضى مباشرة إلى المستشفيات. كانت أدوية تمضى مباشرة إلى العائلات التي تحتاج إليها ، إلى جماعات في حاجة ماسة إليها . نحن نحفر الآبار كي يكون بوسع الناس على الأقلّ الحصول على مصدر للمياه . لم أشاهد حماس تقترب من أيّ من هذا . "
United Nations Relief and Works Agency for Palestine Refugees. 9-
Exclusive: US, Israel discuss possible US-led administration for Gaza, sources say, Reuters, 10-May 7, 2025.
#شادي_الشماوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟