إسرائيل تشنّ هجوم - الحلّ الأخير - في غزّة – مصير وجود فلسطين غير معلوم ... ما الذى ستفعلونه ؟

شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 8348 - 2025 / 5 / 20 - 22:13
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    

جريدة " الثورة " عدد 906 ، 19 ماي 2025
www.revcom.us

تنبيه : من أفظع الجرائم ضد الإنسانيّة في العقود الأخيرة على وشك الوقوع . إسرائيل – بدعم نشيط و إلهام من نظام ترامب الفاشيّ – قد أعلنت مخطّطات للترحيل القسريّ لسكّان غزّة الفلسطينيّين و الفلسطينيّات تحت تهديد التجويع و القتل . لا يجب أن يمرّ هذا المشروع !
في اجتماع الأحد الماضي لجهاز الحكم الإسرائيلي ، الكنيست ، أوضح الوزير الأوّل بنيمين نتنياهو أنّ نيّة نظامه هي جعل غزّة غير قابلة للحياة ، و إجبار الناجين الفلسطينيّين و الفلسطينيّات على المغادرة ، في نكبة ثانية ، و عدم السماح لهم بالعودة أبدا : " نحن بصدد تدمير المزيد و المزيد من المنازل و ليس لسكّان غزّة مكان يعودون إليه . و المخرج الحتميّ سيكون أن يتمنّى الغزّيون الهجرة إلى خارج قطاع غزّة ... و المشكل الأساسي هو العثور على بلدان تستقبلهم ."
بكلمات أخرى ، المغادرة... أو الموت .
و " النكبة " تعنى الكارثة في اللغة العربيّة . و هي عبارة تحيل على تأسيس إسرائيل سنة 1948 حيث أطلق الصهاينة العنصريّون و التفوّقيّون اليهود موجة واسعة من العنف و الإرهاب ضد الفلسطينيّين و الفلسطينيّات الذين سكنوا الأرض لقرون . حوالي 750 ألف فلسطيني و فلسطينيّة – أكثر من 80 بالمائة من سكّان ما أضحى معروفا بدولة إسرائيل – تمّ طردهم أو فرّوا و صاروا لاجئين و لاجئات . و زهاء 400 مدينة و قرية فلسطينيّة إمّا جرى هدمها تماما أو إعادة إعمارها بمستوطنين يهود و أطلقت عليها أسماء عبريّة جديدة .
هذه نيّة إسرائيل الواضحة الجليّة . وهي تلقى الدعم و التمويل و التشجيع من قبل الولايات المتّحدة و فاشيّة ترامب الماسكة الآن بزمام السلطة . عقب 19 شهرا من مذابح الإبادة الجماعيّة ، الحياة و المجتمع الفلسطينيّين معلّقان بخيوط رفيعة . الآن شنّت إسرائيل " حركاتها الختاميّة " – النكبة الثانية لإجتثاث تلك الحياة و ذلك المجتمع ، بصفة مستمرّة .
و هذه ليست مبالغة . كنّا شهودا على الجريمة التاريخيّة – العالميّة ضد الإنسانيّة و الآن يمكن أن تعني نهاية الحياة الفلسطينيّة في غزّة – ما لم تجد الجماهير الشعبيّة حول العالم ، لا سيما في الولايات المتّحدة ، أصواتها و شجاعتها اتعارض جماهيريّا هذا و تضع له حدّا .
" عربات غديون " الإسرائيليّة التي تلقّت ضوءا أخضر من ترامب – عربات إبادة جماعيّة :
وعد نتنياهو بأنّ " في الأياّم القادمة ، سنمضى بكامل قوّتنا لإنهاء العمليّة ... سنمضى بكلّ طاقتنا ". و مرّة أخرى ، أوضح أنّ " بكلّ طاقتنا " يعنى نقل من ينجو من حملات القصف الكبرى إلى بلدان أخرى " تنوى إستقبالهم . هذا ما نعمل من أجله الآن بالذات . "
و صرّح نتنياهو بأنّ الجيش الإسرائيلي سيدخل غزّة " بكلّ قوّة " في قادم الأيّام .
هذه ما يسمّيها نتنياهو " الحركات الختاميّة " للإبادة الجماعيّة في غزّة التي أطلقوا عليها إسم عمليّة " عربات غديون " . و يشمل هذا إنتشارا كبيرا للقوّات الإسرائيليّة عبر غزّة و تدمير هائل لأيّ بناية متبقّية في غزّة . هدفهم هو " الإستيلاء على غزّة " . إنّهم ينوون إفتكاك الأرض و التمسّك بها ، و إحتلال غزّة إلى ما لا نهاية له . إنّهم يُجبرون كافة الفلسطينيّين في غزّة – في الشمال و الوسط و الجنوب – إلى الإخلاء و التوجّه إلى مكان شبيه بجهنّم مدمّر على طول الحدود المصريّة ، ما كان يُعرف بمدينة رفح . كيف ستقوم إسرائيل بذلك ؟ من خلال هجمات " على مدى واسع " و تحطيم كلّ ما تبقّى من البنية التحتيّة لغزّة – مساكنها و مستشفياتها و مزارعها و مخابزها و غير ذلك . (1)
يقول حكّام إسرائيل إنّهم يطبّقون خطّة ترامب التي أعلن عنها في فيفري ، ل " إمتلاك " و إعادة بناء غزّة لتصبح " لاريفيارا الشرق الأوسط " – و لا يسمح لأيّ فلسطيني بالتواجد بها . و يوم الأحد الفارط ، نتنياهو ( نتن - النازي ) صرّح بأنّ الإسرائيليّين لن يقطنوا غزّة لأنّ الولايات المتّحدة لا تزال " مهتمّة بوضع يدها عليها " . و كرّر ترامب كذلك حديثه عن وضع يده على غزّة أثناء جولته بالشرق الأوسط في الأسبوع الماضي ، و في 16 ماي ، جاء في تقرير لقناة أن بى سى نيوز أنّ " إدارة ترامب تعمل على خطّة لتهجير مليون فلسطيني إلى ليبيا ." (2)
تُشنّ العمليّة الإسرائيليّة مع تصعيد صارم للمذابح و التجويع :
قصف غزّة طولا و عرضا بالقنابل كان يتصاعد و معه يتصاعد عدد القتلى كلّ يوم . و تأتى روايات وسائل التواصل الاجتماعي من داخل غزّة زاخرة بالناس الذين يودّعون أسرهم و أصحابهم :
" أكثر من عشرة غارات جرت في وقت واحد !! إنّهم يمحون أحياءا بأكملها كما أنّها لا تساوى شيئا ! " ، " لقد حاصرتنا المدافع و هي تطلق النار علينا ، و نحن نموت " ، " إنّ الضربات الجوّية المتتابعة تطال المدينة من جميع الجهات ". " قصف قطاع غزّة بالقنابل دام ساعات ثلاث دون توقّف ، بشدّة غير مسبوقة كما لو أنّه أوّل يوم من الحرب . التفجيرات تهزّ الأرض هزّا ، و يملئ الدخان السماء ، و يعيد المشهد التذكير بتلك الأيّام الأولى التي إعتقدنا أنّنا تجاوزناها " ، " و بهذه الكلمات ، أقول لكم وداعا أيضا . لن أنجُو الليلة – أشعر بذلك بعمق في داخلي ".(3)
" عدد القتلى جرّاء الغارات العسكريّة الإسرائيليّة قد تصاعد بشكل دال في الأسبوع الفارط " ، هذا ما جاء في تقرير لجريدة " هآرتز " . " منذ الأحد [ 11 ماي ] إلى الثلاثاء ، تقريبا 20 إلى 50 إنسانا قُتلوا يوميّا . و وفق السلطات في غزّة ، ما لا يقلّ عن 70 فلسطينيّا و فلسطينيّة قُتلوا يوم الأربعاء و 120 قُتلوا يوم الخميس . " و تاليا ، في غضون 24 ساعة ( 16-17 ماي ) ، ما لا يقلّ عن 146 إنسانا قُتلوا .
وصف ناطق باسم الدفاع المدني بغزّة القوّات الإسرائيليّة وهي تصعدّ " قصفها العشوائيّ ، مستهدفة دون تحذير مساكنا مأهولة و مستهدفة عربات الإسعاف التي تحاول الوصول إلى الناجين . " (4)
و قد قصفت إسرائيل مستشفيان في خان يونس ، مستشفى الناصر و المستشفى الأوروبي ، متسبّبة في إغلاق المستشفيات الوحيدة في غزّة التي تقدّم خدمات ل 10 آلاف مصاب بالسرطان هناك . و منذ أكتوبر 2023 ، سجّلت منظّمة الصحّة العالميّة 686 هجمة إسرائيليّة على الخدمات الصحّية في غزّة ، بما في ذلك مدمّرة ما لا يقلّ عن 33 من 36 مستشفى بغزّة. و الهجوم على المستشفيات جريمة حرب .
و يوفّر هذا لمحة عن مزيد الفظائع التي تعهّد بها ترامب و نتنياهو .
سواء كنتم في " ملاجئ أو خيام أو مساكن ... عليكم بإخلاء المكان و التوجّه إلى الجنوب فورا " :
سواء كنتم في " ملاجئ أو خيام أو مساكن ... عليكم بإخلاء المكان و التوجّه إلى الجنوب فورا " . هذا محتوى أوامر الإخلاء و التهديدات التي أطلقها الجيش الإسرائيلي عبر معظم مناطق شمال غزّة . وصفت دروب سايت نيوز ما يُجبر الناس على تحمّله :
" مشاهد النزوح الجماعي يوم الأربعاء [ 13 ماي ] كانت تشبه موجة بشريّة تتنقّل ببطء مارة عبر الشوارع المدمّرة . و كان هدير الطائرات الحربيّة يمتزج بطنين المسيّرات فوق الرؤوس . و كان الرجال يحملون ما يقدرون عليه من القليل من ممتلكاتهم : حشايا للنوم ممزّقة و أغطية يعتليها الغبار و حقائب رثّة . و كانت النساء تمشين خلفهم ، حاملات أو متبوعات بالأطفال . و كان بعض الأطفال يمشون حفاة القدمين ، و كان آخرون يسحبون حقائبهم المدرسيّة مليئة بالثياب و ببضعة قوارير من الماء .
و جاء في تقرير دروب سايت ، " وثّقت الصور التي حصلت عليها الجزيرة القوّات الإسرائيليّة وهي تستهدف و تقتل بنار رشّاشاتها مدنيّين يحاولون الفرار " .
هدمُ رفح ك " ملجأ آمن " :
كما جرى التخطيط له ، يضطرّ الفلسطينيّون و الفلسطينيّات في غزّة إلى الفرار بلا مكان يأوون إليه .
سنة 2024 ، فرّ حوالي مليون إنسان في غزّة إلى أقصى مدن الجنوب ، مدينة رفح هروبا من المذابح الإسرائيليّة . و الآن كجزء من " عربات غيديون " ، تقوم إسرائيل بتدميرها لتبقى أثرا بعد عين – غير مبقية على أيّ هيكل واقفا . و قد جاء في تقرير لجريدة نيويورك تايمز أنّ صور القمر الإصطناعي التي قاموا بتحليلها تبيّن " أنّ الجيش الإسرائيلي قد سوّى بالأرض مناطق واسعة داخل و حول مدينة رفح و أقام بنية تحتيّة عسكريّة جديدة في الشهرين الأخيرين ... و الدمار الحديث أبعد مدى ، سوّى المساجد و الجوامع بالأرض و المدارس و المعاهد و البيوت المكيّفة و مزارع الخضر ."
" الحصار الإسرائيلي أداة للإبادة " :
و كلّ هذا يجرى ، الحصار الإسرائيلي الكامل للغذاء و الماء و الأدوية و حاجيات أخرى يتواصل و المجاعة الجماعيّة ليست تحوم فقط على نطاق أوسع ، بل قد حطّت رحالها بعدُ هناك . و أمست منظّمات الإغاثة مفتقدة للأغذية و أكثر من 500 ألف إنسان في غزّة يواجهون المجاعة . الأطفال – أعيد : الأطفال – يجوعون حدّ الموت .
و يحذّر المسؤولون في الإغاثة من أنّ هذه المجاعة من صنع إسرائيل تغدو بسرعة أشدّ فأشدّ يوميّا . و في قمّة هذا ، 75 بالمائة من سكّان غزّة لا يتوفّر لديهم ماء صالح للشرب . و كلّ هذا يمكن الحيلولة دونه بيسر و فورا لأنّ آلاف شاحنات المساعدات مصطفّة على الحدود مع غزّة و تنتظر وهي مستعدّة لدخول غزّة . ببساطة إسرائيل تمنعها من ذلك . (5)
و قد منعت إسرائيل حتّى المكمّلات الغذائيّة و الغذاء الطبّي لمعالجة سوء التغذية من دخول غزّة ! و تستخلص منظّمة حقوق الإنسان ، هومن رايت ووتش ، " الحصار الإسرائيلي قد تجاوز التكتيكات العسكريّة ليصبح أداة إبادة . "
مهما كانت إختلافاتهم ، ترامب غارق تماما في التطهير العرقي :
قبل و أثناء جولة ترامب لأربعة أيّام في الشرق الأوسط ، إستشرى تخمين ، في وسائل الإعلام الإسرائيليّة بخاصة ، أنّ ترامب و الولايات المتّحدة لديهما إختلافات حقيقيّة مع الحكومة الإسرائيليّة حول المنطقة و غزّة ، و كانا يضغطان على إسرائيل لتوافق على إيقاف إطلاق نار جديد في غزّة .
و إنّه ليس المجال في هذا المقال أن نبحث ما يمكن أن تكون – أو لا تكون - إختلافات نظام ترامب / الماغا الفاشيّ مع حكومة نتن – النازي بشأن الإستراتيجيا في المنطقة أو بشأن غزّة ، و ما يمكن أن تكون هذه الإختلافات .
و مع ذلك ، و نحن نخطّ هذا المقال ، الوقائع الأساسيّة هي :
- إسرائيل قد صعّدت من مذابحها عندما كان ترامب تماما في المنطقة و لم يقم ترامب بأيّ نقد للمجازر الجماعيّة السافرة. لم يعترض نظامه عندما شنّت إسرائيل عمليّتها " عربات غيديون " .
وقد كرّر ترامب دعوته لتحكّم الولايات المتّحدة في غزّة بعد أن تطهّرها إسرائيل إثنيّا من كافة الفلسطينيّين والفلسطينيّات : " لديّ مفهوم لغزّة أعتقد أنّه جيّد ؛ إجعلوها منطقة حرّة ، و شرّكوا الولايات المتّحدة في ذلك، إجعلوها فقط منطقة حرّة "، هذا ما قاله ترامب، مضيفا: " سأكون فخورا بأن تستولي عليها الولايات المتّحدة وتضع يدها عليها و تجعلها منطقة حرّة ".
و عقب عودة ترامب ، تسرّبت أنباء بأنّ نظامه كان يستكشف إمكانيّة إرسال مليون فلسطيني من غزّة إلى ليبيا – أين تستمرّ حرب بين مختلف الفصائل الحاكمة و ظروف الجماهير الشعبيّة رهيبة .
و في اجتماع الكنيست يوم الأحد ، لمّا سأله عضو حزب معارض حول الإختلافات الممكنة مع ترامب ، أجاب نتنياهو : " تذكّروا الكلمات - لا نتّفق على كلّ شيء لكن لن يحدث شيء يمكن أن يمثّل خطرا على إسرائيل ، و لن توجد دولة فلسطي و نيّة ."
و نحن نتوجّه إلى المطبعة ، تحدث عديد المفاوضات تشارك فيها إسرائيل و حماس و الولايات المتّحدة و بلدان أخرى بالمنطقة و أبعد منها و إسرائيل تقترف فظائعها . و يمكن أن يفرز هذا إيقاف إطلاق نار مؤقّت . لا نعلم إلى أين سيفضى الأمر ، لكن نتن – النازي يعلن تصميمه بوضوح : " لن يوجد وضع نتوقّف فيه عن الحرب . يمكن أن يحدث إيقاف نار مؤقّت ، لكنّنا نمضى تماما في حربنا " .
" المراقبة الإنسانيّة " للولايات المتّحدة – إسرائيل :
ختاما ، شيء يبدو أنّه تجسّد و تمّ الإتّفاق بشأنه بين الولايات المتّحدة و إسرائيل في الأسبوع المنقضى هو إنشاء مؤسّسة إنسانيّة للولايات المتّحدة مركّزة في غزّة . و هذا يفترض أنّه سيُدخل الغذاء و المساعدات الأخرى إلى غزّة . و مع ذلك ، كما حلّلنا في الأسبوع الفارط في مقال " إسرائيل تعلن " أوسفيتش " الخاص بها ..." هذا المشروع لن يضع نهاية للجوع في غزّة .
يحاجج آلاكس دي وال ، مختصّ في المجاعات ، بأنّه حتّى إن جرى تطبيق خطّة الولايات المتّحدة ، " من الواضح تماما أنّ الختام هو أنّ المجاعة الجماعيّة ستتواصل ، و إن كانت بوتيرة أبطئ ... هذا الصنف من المراقبة الإنسانيّة النزعة المستهدفة للفرد تبقى الأشخاص و الأسر على قيد الحياة لكنّها تفكّك كامل الهيكلة الإجتماعيّة . "
بإختصار ، ستساعد على تكريس – و لن توقف – " رؤية " ترامب لغزّة و الإبادة الجماعيّة الإسرائيليّة .
" اللحظة تتطلّب ذلك " :
داعيا الناس في الولايات المتّحدة ليتكلّموا عن و ضد تصعيد الإبادة الجماعيّة ، كتب الصحفيّ زاك بوشن :
" ...إن كانت هناك لحظة لتجديد إنتباه الرأي العام ، فهي الآن . هذا الوقت مختلف حقّا : الأيّام و الأسابيع القادمة يمكن أن تقرّر بطريقة جدّية ما إذا كانت ستكون هناك أم لا حياة فلسطينيّة في غزّة عقب الحرب بالمعنى الدال للكلمة . لا يتحكّم الأمريكيّون العاديّون في الحكومة الإسرائيليّة أو في حكومة ترامب ، إلاّ أنّهم يمتلكون القدرة على التعبير عن الغضب الأخلاقي . هذا ما تتطلّبه اللحظة . "
كان عمر عامر محمّد ربيع 14 سنة . كان مواطنا أمريكيّا . في 7 أفريل 2025 ، أطلقت عليه القوّات الإسرائيليّة النار و أردته قتيلا في مدينة ترمس آية بالضفّة الغربيّة المحتلّة . لم يصدر أيّ تحذير . لا بحث . فقط رصاصة ، جثّة و صمت عميق يهدّد بأن يبتلع العدالة برمّتها .
إنّ قتل طفل ينبغي أن يقطّع أوصال العالم . و بدلا من ذلك ، قتل عامر لحق بسجلّ متنامي من حياة الفلسطينيّين و الفلسطينيّات التي وقعت تصفيتهم يدوّنها الذين في السلطة لكن لا يندبوها أبدا . لم يتمّ أيّ تحقيق في الأمر من قبل قسم الدولة . و لا موقف من الكنغرس . لا حزب عام على طفل وُلد تحت رايتين ، قُتل تحت راية ثالثة . حتّى في موته ، كان عامر بلا دولة .
منذ أكتوبر 2023 ، قُتل ما لا يقلّ عن 17 ألف طفل فلسطيني في غزّة . و تؤكّد الأمم المتّحدة الآن أنّ ما لا يقلّ عن 100 طفل قُتلوا أو جُرحوا كلّ يوم منذ أن إستأنفت إسرائيل هجومها في مارس 2025 ...
لكن هذه الحرب ليست ببساطة حول الموت . إنّها حرب للمحو المنهجي للحياة الفلسطينيّة – أنساقها و أجيالها و مستقبلها . إنّها ، كما حذّر مسؤول من الأمم المتّحدة ، توجد ظروف حياة غير منسجمة مع تواصل تواجد الفلسطينيّين كمجموعة ...
المجاعة عنف بطيء و التجويع الجماعي لمليوني إنسان يدلّل على أنّ نوايا إسرائيل هي الإبادة الجماعيّة . يبدأ التجويع بالتعب و الإضطراب و ينتهى بتداعى الأجهزة و الصمت . إنّه يقتل الأطفال أوّلا لأنّ أجسادهم لديها أقلّ من غيرهم ما تخسره . و في غزّة ، هذا الصمت يتفاقم ...
و حتّى في الموت ، يعاقب الأطفال الفلسطينيّون . الجثث تحجب . و الدفن محدود . و الرايات ممنوعة . و المدارس تستجوب. و الحزب يُجرّم ...
و تموّل الولايات المتّحدة الجيش الإسرائيلي بمال يقدّر ب 3.8 مليار دولار سنويّا . و القنابل التي تسقط على مباني غزّة قنابل أمريكيّة . و الرصاصات التي إخترقت جسد عامر ربيع رصاصات أمريكيّة . و بعدُ ، لا محاسبة . لا تبعات . فقط المزيد من الأسلحة و المزيد الصكوك البيضاء ، و المزيد من التغطية الدبلوماسيّة .
قتل طفل يساوى فسخ مستقبل . حينما يموت طفل ، ينتهى عالم . و لا يتعلّق الأمر بالأجساد بل بالذاكرة . يتعلّق الأمر بالتنكّر لحقّ الفلسطينيّين و الفلسطينيّات في تصوّر غدهم . ما يتبقّى من شعب لا يستطيع دفن موتاه ، أن يعلّم أبناءه في المدارس أو أن يعبّر عن حزنه ؟
إسرائيل تعرف هذا . إنّها تقصف بالقنابل الأرشيف و الجامعات . و تستهدف المدارس و المعاهد و المستشفيات ليس لمجرّد أنّها تأوى بشرا بل لأنّ لها دلالتها . فسكّان محرومون من الذاكرة و المستقبل يسهل حكمهم ، يسهل فسخهم من الوجود ...
كان لعامر إسم . و كانت له إبتسامة . كان محبوبا . كان حقيقيّا و الآن ، مضى .
من يدين له بأكثر من الصمت . إنّنا ندين لأطفال غزّة المجوّعين بأكثر من الصمت .
هل كنتم صامتين ؟
مقتطفات من " إسرائيل تمحو الأطفال الفلسطينيّين . و كان عامر ربيع أحدهم " لأحمد بسيّس ، جيل أوّل من الفلسطينيّين الأمريكيّين ، طالب حقوق ، و شاعر يكتب لنيوز لاتر ستايت أف سيدج :
" تتصاعد وتيرة الإبادة الجماعيّة السافرة التي تقترفها إسرائيل في حقّ الشعب الفلسطيني . و ترامب يدعم دعما سافرا لهذا و عبّر عن رغبته في التحكّم في غزّة . و يقمع ترامب بخبث المحتجّين الموالين للفلسطينيّين و يحاول تجريم كلّ إحتجاج على هذه الإبادة الجماعيّة .
لا ، نحن لا " نتحكّم " في هذه الأشياء . لكن ما نقوم به – أو لا نقوم به – سيعطى إمّا ضوءا أخضر لكلّ هذا ، من خلال صمتنا المتواطئ . و إمّا سنتحرّك – في إحتجاجات جماهيرية مستمرّة و غير عنيفة لكن مصمّمة – مطالبين بإيقاف هذا الكابوس .
و كما كتبنا في المدّة الأخيرة :
" مع تسريع الفاشيّة من نسقها ، الهجوم على الحرّيات الأكاديميّة و الهجوم على الحركة المناهضة للإبادة و الموالية للفلسطينيّين متداخلين عن كثب . و إحتجاجات السنتين الماضيتين تقريبا هي نوع الأشياء التي يرغب نظام ترامب أن يستبعدها ، كجزء من الهجوم الشامل . يجب التصدّى لكلّ هذا – و يجب تشريك أناس ذوى آفاق و وجهات نظر مختلفة وراء مطلب موحّد : يجب على نظام ترامب الفاشيّ أن يرحل – الآن !
أوقفوا مذابح الإبادة الجماعيّة الأمريكيّة / الإسرائيليّة في حقّ الشعب الفلسطيني !
باسم الإنسانيّة ، نرفض القبول بأمريكا فاشيّة ! "
إحتجاجات حديثة بصدد ما يجرى في غزّة :
+ مقتطف من حوار صحفي مع مايا عبد الله التي تقوم بإضراب جوع من أجل غزّة ( التحيين من أنستاغرام على حساب sjpchapman :
مايا عبد الله @mayaaayouniالمضربة عن الطعام أُدخلت المستشفى هذا المساء بسبب دعم جامعة كاليفرنيا لوس أنجلاس UCLA للإبادة الجماعيّة .
" نحن نعلم في أي جانب تقف جامعاتنا ، لكن قمعها لا يفعل سوى مدّنا بالجسارة . نقف إلى جانب المضربين عن الطعام و هم يواصلون وضع أجسادهم على المحكّ لمطالبة جامعاتنا بأن تتجرّد من و تقطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني .
+ لوغان روزوس ، متحدّثة في معهد غلاتين بجامعة نيويورك ، تفضح الإبادة الجماعيّة في غزّة و دور الولايات المتّحدة في ذلك . و كعقاب على هذا العمل الجريئ لقول الحقيقة ، حجبت جامعة نيويورك شهادة روزوس الجامعيّة عنها " بشكل غير محدّد " !
+ طالب GWU يندّد بصمت الجامعة عن علاقاتها مع إسرائيل .
+ صانعو وسائل إعلام إجتماعيّة في إضراب جوع إحتجاجا على منع إسرائيل الغذاء و الماء من الدخول إلى غزّة .
+ تهانينا ، هارفارد ، لوقوفك من أجل الإنسانيّة .
صوت من أصوات من الإبادة الجماعيّة :
" كما تعلمون ، أكثر من تسعين بالمئة من سكّان غزّة مصنّفون على أنّهم يعانون من إنعدام الأمن المائيّ . وفي أيّامنا هذه، يستخدم معظمهم مياه و مصادر مياه غير آمنة . لذا ، لهذا نقول أنّ هناك تدهور سريع للصحّة العامة ...
و في أيّامنا هذه ، لا يستطيع الناس تدبّر حتّى وجبة واحدة في اليوم . لذا ، ما نراه على الأرض هنا ، بسبب شدّة الأزمة ، هو أنّ الناس مجبرون على تغذية أبنائهم بطحين فاسد أو ملوّث ، ببساطة لأنّه لا بديل لديهم، إنّهم مجبرون على فعل ذلك. و أيضا ، في الوقت نفسه ، نشاهد أناسا لم يحظوا لعدّة أيّام بفرصة الحصول على الخبز . و الناس ، الكهول و معيلو الأسر ببساطة يصرخون لأنّهم لا يقدرون على تغذية أطفالهم . بوسعكم تصوّر أنّ الوضع على هذا النحو . "
محمود السقّة ، منسّق الأمن الغذائي و المعيشي لأوكسفام في غزّة ، " الديمقراطيّة الآن ّ " ، 13 ماي 2025 .
هوامش المقال :
1- " حماس تقول إنّ وتكوف وعد شخصيّا بتخفيف الحصار على غزّة مقابل أدان ألكسندر " ،
Hamas Says Witkoff Personally Promised to Lift Gaza Blockade in Exchange for Edan Alexander, Site News, May 16, 2025.
2- جاء في تقرير للأن بى سى ، " التفاصيل مظلمة و لم يتمّ التوصّل إلى إتّفاق نهائيّ ، لكن الخطّة تؤخذ بجدّية كافية بحيث أنّ الإدارة ناقشتها مع القيادة الليبيّة " .
NBC News, May 18, 2025.
3 - @SanaSaeed: “Just some of the tweets from Palestinians in Gaza as Israel turns this into one of the bloodiest nights of the genocide,” May 15, 2025.
4- Hamas Says Witkoff Personally Promised to Lift Gaza Blockade in Exchange for Edan Alexander, Site News, May 16, 2025.
5- شأنهم شأن النازيّين ، زعم المسؤولون الإسرائيليّون بوقاحة بأنّ هناك الكثير من الغذاء في غزّة . لكن الآن ، حتّى مسؤولو الجيش الإسرائيلي إضطرّوا إلى التحذير من مخاطر مجاعة وفق جريدة " النيويورك تايمز " بتاريخ 13 ماي 2025 .
6 – " و لا توجد الكثير من التفاصيل بهذا المضمار غير أنّ ما هو معروف هو أنّ الخطّة هي إيجاد أربعة مراكز توزيع لا غير في منطقة صغيرة من غزّة تزوّد ما يقارب الستّين بالمئة من السكّان بأدنى حصص الأكل . و سيجلب الغذاء و يوزّعه أعضاء من هذه المؤسّسة الجديدة ، بمن فيهم متعاقدين عسكريّين خواص من الولايات المتّحدة ، يحميهم جيش الدفاع الإسرائيلي . و ببساطة لن توجد سوى تلك الحصص و الصحّة الأساسيّة و اللوازم الطبّية . لن يكون هناك لا إعادة بناء للبنية التحتيّة ، و لا تغذية مختصّة للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية إلخ . الآن ، حتّى و إن كان هذا لينجح ، إستخلاص الIPC لا يشرح ذلك بعدّة كلمات بيد أنّه من الواضح تماما أنّ الإستنتاج هو المجاعة الجماعيّة ستظلّ مستمرّة ، فقط بنوع من النسق الأبطأ .
لذا ، الخطّة ، بالإستدلال ، هي أنّهم سيصوّرون وجوه جميع الأفراد و سيضعون الأفراد الموثوق فيهم الذين لا علاقة لهم بحماس على قائمة التوزيع . و هؤلاء الأفراد سيتمّ إعلامهم برسالة نصّية ليأتوا لأخذ الحصص الممنوحة لهم ، في وقت معيّن ، و في مكان معيّن . و سيتمّ التثبّت من هويّاتهم بتقنية التعرّف على الوجوه و غيرها من التقنيات . و تاليا سيمضون في حال سبيلهم . و يأخذون هذه الحصص الغذائيّة . و إفتراضيّا ستكون هذه الحصص الغذائيّة كافية لبضعة أيّام ، ربّما لأسبوع ، كي يعودوا لاحقا – هناك فرصة صغيرة جدّا أن تقع هذه الحصص الغذائيّة بيد أيّ شخص آخر . "
“Surveillance Humanitarianism”: As Gaza Starves, U.S.-Israeli Plan Would Further Weaponize Food,” Democracy Now!, May 15. 2025.

#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات