رشيد غويلب
الحوار المتمدن-العدد: 8359 - 2025 / 5 / 31 - 23:52
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
نشر موقع "تحرك يسارا" وهو موقع مفتوح مخصص للحوار وتناول مختلف الأسئلة والتفاصيل من قبل أعضاء حزب اليسار الألماني، نشر في 16 أيار، أي بعد 6 أيام من انتهاء أعمال المرحلة الثانية من المرحلة الثانية من مؤتمر الحزب التاسع، الذي استضافته مدينة كمنتس (كارل ماركس سابق) أيام 9-10 أيار2025، تناول فيه رئيسا حزب اليسار المشاركان إينيس شفيردتنر ويان فون آكين أسئلة تتعلق بكيفية تحقيق شعار المؤتمر الرئيسي "نظموا الأمل"، وكذلك تنفيذ المهام والسياسات التي اقرها المندوبون. فيما يلي عكس لأهم ما ورد في الحوار.
التحالف مع الشعب
خلال الحملة الانتخابية، أصبح الحزب، بالنسبة لملايين من السكان، مكانًا للأمل: حزب يريد ً تغييرا فعليا، لكي تصبح حياة الناس أفضل، حزب يقدم المساعدة العملية ويكون قريبًا من الناس. وفي زمن انتشر فيه اليأس أو الشعور بالعزلة، يتعين على الحزب تبني سياسة أفضل.
وهذا يعني إعطاء هذا الأمل منظورًا عمليًا قابل للتطبيق. عندما يقف المستشار الألماني الجديد ميرتس في البرلمان ويقول إن الممرضة أو سائق الشاحنة لا يعملان بجد كافٍ، فهذه إهانة لا تصدق وافتراض لا أساس له من الصحة. وعندما يقول إن الجيش الألماني يجب أن يصبح أكبر جيش تقليدي في أوروبا، فهذا أمر خطير للغاية. باعتبارنا يساريين، يتعين علينا أن نقف ونظهر أن الأمور يمكن أن تتم بشكل مختلف. بإمكاننا إصلاح نظام كبح الديون وتوظيفه لتمويل تعليم أفضل وسكك حديد أفضل بدلاً من تمويل أكبر جيش في أوروبا. بالإمكان جعل النظام الضريبي عادلاً وفرض الضرائب على المليارديرات بدلاً من أصحاب الدخل المنخفض. وبالإمكان فرض سقف أعلى للإيجارات واستثمار أموال طائلة في الإسكان الاجتماعي، وهو الأمر الذي لم يكن قائماً منذ عقود. على الحزب أن يدرك دائمًا أنه لا يستطيع تحقيق ذلك إلا بالتحالف مع الشعب. لا يمكن منع التخفيضات الاجتماعية وإعادة التسلح إلا إذا دافع الناس عن أنفسهم. دور الحزب لا يقتصر على مجرد إعلان الأمل، بل عليه تنظيم الناس.
على الرغم من أهمية النضال ضد التحالف الحاكم الجديد وحزب البديل من أجل ألمانيا (نازيون جدد)، فإن خصم الحزب الأكبر هو الياس والاستسلام. بالنسبة للعديد من الناس أصبحت السياسة بعيدة جدًا عنهم. ولا يأملون شيئا من السائد منها، وهذا صحيح. وهذا يجعل اوساطا منهم يتقبلون شعارات حزب البديل من أجل ألمانيا. خلال عمليات طرق الأبواب اثناء الحملة الانتخابية، كان واضحا بشدة مدى استسلام الكثيرين، والغرق في كثير من الأحيان في عزلة اجتماعية.
إذا أرد الحزب تحقيق تغيير سياسي نحو الأفضل، يتعين عليه إخراج هذه الأوساط من اليأس والعزلة. وليس ممكنا تحقيق ذلك بواسطة توزيع البيانات، او الحديث المجرد عن الطبقة العاملة. لا تسير الأمور على هذه الشاكلة. لم يعد من الممكن الوصول إلى العديد من الناس من خلال وسائل الإعلام التقليدية.
النجاح بشكل جيد يكمن في أن يبين الحزب لهم بشكل ملموس أنه يقف بصفهم. عندما يقدم استشارات اجتماعية، أو مراجعة لتكلفة التدفئة، أو حساب تكلفة الإيجارات، هذه خدمات منخفضة التكلفة يمكن للناس المشاركة فيها، حتى لو لم تكن لديهم علاقة قوية بالسياسة والأحزاب السياسية. وهذا بالطبع هو المدخل فقط. الهدف هو أن يدرك الناس أن هناك حزبا وافرادا مهتمين بهم ومن ثم يصبحون نشطاء سياسيين. إذا انتموا للحزب، فهذا أمر مثالي. ولكن حتى المشاركة في اجتماع المستأجرين الذي ينظمه الحزب يمكن أن يكون، على سبيل المثال، اجتماعًا عاديًا ثم يتحول جمعية للمستأجرين. هذا ما يعنيه الحزب بـ "تنظيم الحزب الطبقي".
الفعل المعارض
من موقع المعارضة يمكن تحقيق الكثير، لم يكن الحزب أبدًا جزءًا من حكومة اتحادية. ورغم ذلك، فقد نجح الحزب في تحقيق أحد مطالبه المركزية اليوم: الحد الأدنى للأجور. عندما طلب الحزب به أول مرة، سخر منه الحاكمون. ولكنه لم يستسلم، وراكم ا ضغوطا سياسية، طيلة سنوات عديدة لتحقيق هذا الهدف. وفي مرحلة ما، لم يعد من الطبيعي أن يكسب الحلاق في المناطق الريفية في شرق ألمانيا ة 3 يورو في الساعة فقط. لم يعد الأمر غير مقبول فقط، بل أصبح يُنظر إلى حقيقته، باعتبارها فضيحة.
وهنا يأتي دور القدرة على تنظيم الحملات. تقول الخبرة المكتسبة، إن التأثير الاجتماعي يتحقق، عندما يتم التركيز على مهمة بعينها، ويتعين على الحزب الانتباه إلى هذا النوع من التركيز في تنظيم الحملات الانتخابية. إذا أرد تحقيق حد أقصى للإيجارات على مستوى البلاد، يتعين عليه أن يكون بنفس القدر من التركيز والمثابرة كما فعل في معركة فرض الحد الأدنى للأجور. وهذا لا يعني أن الحزب لا يعالج قضايا أخرى؛ وقد أشارت وثيقة المؤتمر السياسية صراحة إلى ذلك. مهم جدا اختيار التوقيت، والتفاعل مع اللحظات الفاصلة في حياة الناس.
قسوة الخصوم
أصبحت لهجة المنافسين والخصوم تجاه الحزب أكثر قسوة، وهناك عودة جديدة إلى الافتراءات القديمة ضد اليسار، "الذي يريد إطلاق النار على أصحاب الملايين"، وغير ذلك من هذا الهراء السخيف. ويعود ذلك لحاجة التحالف الحاكم لأصوات كتلة الحزب في البرلمان الاتحادي، في الملفات التي يحتاج تمريرها إلى أغلبية الثلثين، مثل إصلاح قانون كبح الديون. وهذا اعتراف بأن حزب اليسار أصبح يملك الآن قوة تفاوضية حقيقية في البرلمان. ومن الواضح أن تصعيد الخطاب ضد الحزب اليسار يسعى إلى تنبيه قوى التحالف الحاكم.
وهذ مؤشر جيد. لم يتحدث الناس عن حزب اليسار، إلا في الفترة التي تلت تأسيسه عام 2007، عندما لم يكن الناس يعرفون بعد على وجه التحديد إلى أي مدى سيتم إعادة تنظيم اللوحة الحزبية في ألمانيا نتيجة لتأسيس حزب اليسار. لقد عكس الحزب في مؤتمره الأخير مستوى من الثقة بالنفس والوعي الذاتي يجعل من المستحيل تمامًا استمرار تجاهله. عندما تقف رئيسة كتلة الحزب في البرلمان الاتحادي هايدي رايشنك وتقول بكل ثقة أننا نريد إلغاء الرأسمالية، فهذه رسالة واضحة للنخبة في هذا البلاد.
لقد أوضح الحزب في المؤتمر موقفه بشكل تام: يصف الحزب نفسه بأنه مناهض للمؤسسة السائدة. ولكن دوره يتعدى المعارضة الأساسية في البرلمان. يأخذ مسؤوليته كقوة ديمقراطية على محمل الجد. ولكن لديه حق في النضال في سبيل التغيير الجذري، والذي يأخذه على محمل الجد أيضا، ولن يتراجع عنه: يريد الحزب اقتصادا يعطي الأولوية لمصالح الكثيرين، وليس مصالح الأثرياء. لقد أصبح هذا التوجه واقعي بالنسبة للكثيرين.
مهام قيادة الحزب المقبلة
نتج عن مناقشة الوثيقة السياسية الرئيسية والمناقشات العامة واقتراحات المندوبين، جملة من المهام الملقاة على عاتق قيادة الحزب، ولهذا سيم التركيز على بناء هيكلية قادرة على تنفيذ حملات مؤثرة. وكما تم الاتفاق، ستطرح قيادة الحزب مشاريع ملموسة، لتحديد عدد الدورات البرلمانية لعضو البرلمان وتحديد سقف راتبه. وكذلك العمل على تحسين مشاركة العمال وذوي الخيارات الحياتية الخاصة في حياة الحزب. والعمل على بناء هياكل سياسية لضمان تعاون مختلف مستويات الحزب بشكل أفضل وفي وقت مبكر بشأن القضايا الرئيسية في المستقبل. هنا تجري الإشارة إلى التباين الذي حدث بين موقف الحزب في البرلمان الاتحادي، وموقف ممثليه في برلمان ولايتين بشأن حزمة القرارات التي اتخذتها أغلبية حكومية في البرلمان الاتحادي، ودعمها ممثلو الحزب في هذين الولايتين في تصويت في المجلس الاتحادي، الذي يضم ممثلي حكومات الولايات، ويعد الغرفة الثانية في السلطة التشريعية في المانيا. لم يلتزم ممثلو الحزب في هاتين الولايتين بموقف الحزب المركزي، لأسباب تتعلق بتمويل موازنة الولايتين التي يشاركون في حكوماتها.
عشرات الآلاف من الأعضاء الجدد
بلغت عضوية الحزب وفق آخر الإحصائيات أكثر من 112 ألف عضو، وهناك تفاؤل بإمكانية دمج الرفاق الجدد والاستفادة من مؤهلاتهم وتطوير امكانياتهم. وأقر المؤتمر برنامج تأهيل سيلعب دورًا مهمًا، وكذلك العمل في المنظمات المحلية. ومن المهم ان يتحول الحزب إلى فريق للتعلم. يشمل ذلك تعامل الرفيقات والرفاق مع بعضهم البعض بشكل عادل وتضامني، وثقافة مفتوحة على الخطأ، وفهم أساسي لطبيعة الحزب، باعتباره حزباً تعددياً يجمع مناضلين وافدين من تقاليد سياسية مختلفة جداً وتجارب حياة مختلفة جداً. وهناك اعتقاد داخل قيادة الحزب بأن التطور يسير في الاتجاه الصحيح.
إن هناك قناعة داخل قيادة الحزب في القدرة على خلق الروابط بشكل أفضل من خلال العمل السياسي المشترك الملموس. ان التنظيم المشترك للحملات السياسية المختلفة، يسهل مناقشة التباينات السياسية لاحقا، بشكل أكثر مرونة. وقد اتفقا رئيسا الحزب المشاركان على الاستمرار في الدفاع العلني عن الآخرين عندما يتم تجاوز حدود المناقشة العادلة داخل الحزب. ومن المهم أن تصبح الصورة واضحة أمام الرفاق الجدد: إن حزب اليسار، حزب مناضل، فيه مساحة للنقاش المثير للجدل أحيانا، على أن يكون ذلك في إطار التضامن، وبعد ذلك يعود الرفاق للاحتفال معا، هذا هو الحزب المراد.
#رشيد_غويلب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟