ويصا البنا
مقدم برامج _ اعلامى _كاتب - مشير اسرى -قانوني
(Wisa Elbana)
الحوار المتمدن-العدد: 8356 - 2025 / 5 / 28 - 16:11
المحور:
قضايا ثقافية
في زمنٍ أصبحت فيه الميكروفونات أقوى من الحرب١، والمنصات الرقمية مثل الأكسجين ، جلس زاهي حواس، حامل مفاتيح التاريخ المصري، في قلب استوديو أمريكي، ليواجه أكثر مقدمي البرامج إثارة للجدل: جو روغان. لم يكن اللقاء حوارًا بقدر ما كان صراعًا بين الحقيقة والحماسة، بين المعرفة والانفعال، وبين إرث الحضارة وأزمة التواصل.
أمام جمهور عالمي بالملايين، جلس حواس ليدافع عن واحدة من أعرق حضارات الأرض. كان المفترض أن تكون اللحظة التي تُرفع فيها راية مصر عالية، حيث ينطق العالم باسم "الفرعون" بتقدير، لا بسخرية. لكن ما حدث كان أقرب إلى نزال صوتي، لا لقاء فكري. ظهر حواس كمن حمل عصا التوت عنخ آمون ليضرب بها خصوم الخرافة، لكنه نسي أن العالم يتحدث لغة "الإقناع"، لا "الاحتقان".
حواس، رغم علمه الواسع واطلاعه الدقيق، أخفق في الترجمة بين عظمة التاريخ ولغة الإعلام الحديث. فبدلًا من أن يكون سفيرًا لروح الحضارة، خرج بصورة الأستاذ الغاضب من طلابه. مقاطعته المتكررة، نبرة صوته المرتفعة، واستهزاؤه بخصومه، كلها كانت موادًا سهلة لصناعة "ترند سلبي" على السوشيال ميديا، شوه الرسالة قبل أن تصل.
لنكن منصفين: جو روغان لم يقدم حوارًا نزيهًا. بل فتح الباب لاستفزاز ضيفه ثم جلس يتفرج عليه وهو يقع في الفخ. لكنه ليس مذنبًا بقدر ما هو محترف يعرف قواعد لعبته. والقاعدة الأهم: المتوتر يخسر. وقد بدا زاهي حواس متوترًا إلى حد أن شغفه تحوّل إلى خصومة، وغضبه إلى مادة ساخرة.
ما زاد الطين بلة هو رد حواس اللاحق، الذي اتهم فيه فريق البرنامج بالتلاعب والتقطيع. لكنه لم يُدرك أن الضرر كان بصريًا وسلوكيًا قبل أن يكون تقنيًا. فالعالم لم يشاهد "مونتاجًا"، بل رأى رجلاً يملك كنزًا معرفيًا هائلًا، لكنه لا يحسن عرضه. وهذه، في معادلة الإعلام، جريمة بحق الفكرة لا تقل عن إنكارها.
ربما لم يكن زاهي حواس مجرد فرد، بل نتاج مؤسسة ثقافية لا تزال تعيش داخل خطاب خشبي مملوء بالاستعلاء. فالعالِم المصري لا يزال، غالبًا، يتحدث وكأن العصر لم يتغير، وكأن المعلومة وحدها كافية دون تغليفها بحكمة التقديم ولطافة التواصل. في حين أن العالم الخارجي لا ينتظر الحقائق فحسب، بل يبحث عن الرواية التي تُروى بإبداع وثقة ورقي.
في النهاية، لم يخسر زاهي حواس كعالم، بل كرسول لحضارة. خسر لحظة كان يجب أن تكون انتصارًا لمصر كلها. ففي زمن البودكاست واللقطات القصيرة، لم يعد التاريخ يُحكى في المجلدات، بل يُختصر في دقيقتين على اليوتيوب. وإن لم نعد صياغة رسالتنا، فسيكتب عنا الآخرون ما يشاؤون، بصوت أعلى، وتأثير أعمق.
#ويصا_البنا (هاشتاغ)
Wisa_Elbana#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟