ويصا البنا
مقدم برامج _ اعلامى _كاتب - مشير اسرى -قانوني
(Wisa Elbana)
الحوار المتمدن-العدد: 8346 - 2025 / 5 / 18 - 00:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم يكن ما حدث في المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة مجرد حملة إصلاحية عابرة، بل كان بمثابة ثورة ناعمة على إرث طويل من الوصاية الفكرية، والانغلاق الثقافي، وهيمنة مؤسسات اعتقدت – دون تفويض شعبي – أنها الناطقة باسم السماء، والحارسة الحصرية لما يجوز وما لا يجوز.
لأكثر من أربعة عقود، ظلت المملكة تُدار داخل قوالب مشددة من الفتاوى والتفسيرات التي اختزلت الدين في المظهر، وحاصرت العقل، وحوّلت الإنسان إلى كائن خائف من كل جديد. جرى تكريس ثقافة المنع قبل الإقناع، والتجريم قبل الحوار، والتكفير قبل التفكير. وتمكّنت التيارات الدينية المتشددة من تحويل الخطاب العام إلى ما يشبه غرفة مغلقة، لا يدخلها ضوء، ولا يُسمح فيها بالنقاش إلا بمقدار ما يرضى عنه من نصّبوا أنفسهم "هيئة أمر ونهي".
لكن اليوم، الصورة تتغير جذريًا.
ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لم يواجه فقط تحديات الاقتصاد والتنمية، بل قرر الذهاب إلى جذور المعضلة: العقل أولاً. تحررت السعودية من الخطاب الواحد، وفتحت الأبواب أمام تعددية فكرية وثقافية، لم تكن يومًا مسموحة بهذا الوضوح. عاد المسرح، وعاد الفن، وتراجعت فتاوى "التحريم العشوائي"، وتقدمت مفاهيم "الوعي، والهوية الوطنية، والانفتاح المدروس".
الواقع الحالي يؤكد أن المملكة تعيش مخاضاً حضارياً حقيقياً.
المرأة السعودية تقود سيارتها، وتدخل ساحات العمل، وتشغل المناصب القيادية في الدولة. هيئة الترفيه لم تعد مجرد فكرة مستغربة، بل أصبحت واقعًا يؤسس لصناعة ثقافية وفنية ضخمة. الدروس الدينية المتشددة التي كانت تملأ مناهج التعليم اختفت، لتحل محلها مفاهيم جديدة تتحدث عن "المواطنة، والتسامح، والنهضة".
وفي مقابل كل ذلك، انحسرت سلطة المؤسسات التي كانت ترى نفسها فوق الدولة. لم تعد "هيئة الأمر بالمعروف" تمارس وصايتها كما كانت، ولم يعد لبعض الأصوات الدينية التقليدية التأثير نفسه، بعد أن سحب المجتمع منها شرعية الخوف والتقديس. الآن، السعودية تدفع نحو الاعتدال الواعي، لا التدين القسري.
لكن الطريق لم يخلُ من الصدامات.
من يقفون في خندق الماضي، لا يزالون يحاولون التشكيك في هذه التحولات، يلوّحون بفزاعة "الهوية"، ويتهمون كل من يفكر خارج السياق بأنه "مخترق" أو "تابع للغرب". إلا أن المشروع واضح: هذه ليست حربًا على الدين، بل حرب على من حوّل الدين إلى سجن عقلي وعقبة أمام التطور.
ما يجري في السعودية هو باختصار: استرداد العقل من قبضة التلقين. إنه إعلان بأن الدولة فوق أي مؤسسة، وأن المواطن هو شريك، لا تابع. وأن المستقبل لا يُبنى بالخوف من الحاضر، بل بالشجاعة في مواجهته.
السعودية اليوم ليست تلك المملكة التي عرفت فقط بالنفط، أو الصحوة، أو الصحارى.
بل هي اليوم مملكة تبحث عن ذاتها في الجامعات، في دور السينما، في الابتكار، في رؤية 2030، وفي الإنسان قبل أي شيء.
#ويصا_البنا (هاشتاغ)
Wisa_Elbana#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟