أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - المعطف المثقوب















المزيد.....

المعطف المثقوب


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 00:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


281 - أركيولوجيا العدم
العدمية الثورية
29 - سبينوزا

بعد المحاولة الفاشلة لإغتيال سبينوزا وذلك بطعنه بسكين من قبل أحد المتعصبين اليهود، قرر سبينوزا ترك أمستردام نهائيا والإبتعاد عن عائلته والجالية اليهودية، ومواصلة دراسته في الضواحي الهادئة لمدينة ريجينسبورغ Rijinsburg، رغم إحتفاظه بمعطفه المثقوب بطعنة السكين، ربما ليتذكر بان ثمن الحرية، وبالذات حرية الإعتقاد، قد يكون الموت والإغتيال والمنفى. الفكر الحر والذي يجري عادة عكس التيار العام، لا يمكن تقبله بالبساطة التي نعتقدها أو نتخيلها، فهناك دائما من هو مستعد بطعنك بسكين لمجرد إنك تختلف معه في الرأي.
وقد تعلم حرفة صناعة وصقل العدسات البصرية، مما ساعده في العمل في هذه الحرفة اليدوية وكسب قوته ودفع إيجار الحجرات الصغيرة التي كان يؤجرها عادة مفروشة بأثاتها. وواصل في نفس الوقت دراسة الفلسفة والكتابة. ذلك أنه في هذه السنوات، من 1660 حتى 1663، تكونت حول سبينوزا حلقة فكرية وفلسفية من مجموعة من أصدقاءه المهتمين بأفكاره، من بينهم صديقه لودفيك ماير Lodewijk Meyer الطبيب والفيلسوف الذي بدوره كتب ضد الكتب المقدسة وأن الفلسفة وحدها قادرة على الوصول للحقيقة العلمية، مما نتج عنه منع العديد من منشوراته. في هذه الحلقة الضيقة من أصدقاء سبينوزا، كان الهدف هودراسة ومناقشة الفلسفة، وبالذات فلسفة ديكارت التي كانت تثير إهتمام أغلبهم، مثل ماير الذي كان في البداية من أتباع فلسفة ديكارت مثله مثل سبينوزا. وفي هذه الفترة كتب سبينوزا كتابه الأول حول "مباديء الفلسفة الديكارتية"، ثم نشر أول كتاب وضع فيه أفكاره الخاصة ونظرته الفلسفية والأخلاقية التي بدأت تتبلور تدريجيا وتبتعد عن عالم ديكارت الثنائي.
فنشر سنة 1661 كتاب "رسالة في تهذيب العقل - Traité de la réforme de l entendement"، تناول فيه قضايا المعرفة وطبيعة العقل والسبل المناسبة للوصول للفهم الصحيح لمباديء الخير والسعادة. ويرى بهذا الخصوص ضرورة التخلص من الأوهام والأخطاء وتصحيح مسار العقل ليتناسب مع هدف الإنسان في الحياة، وهو السعادة والحياة الكريمة. ولا جديد تحت الشمس بخصوص هذا البرنامج الأخلاقي والذي يمكن إرجاعه إلى الفلسفة اليونانية الأولى، بل ويمكن أرجاعه ألى شذرات بارمينيدس في قصيدته حول الطبيعة. ولكن المهم في مسار سبينوزا الفلسفي هو قطيعته مع ديكارت، وقوله بعدم وجود تناقض بين الروح والجسد، وبين الفكر والمادة، وهي بداية الثورة الميتافيزيقية على ثنائية الفلسفة الديكارتية، وإثبات وحدة العقل والمادة، ووحدة الله والطبيعة.
عندما اكتشف سبينوزا أن النتائج النهائية في رسالة تهذيب العقل هي إثبات وحدة العقل والطبيعة والقضاء على الثنائيات التقليدية في تاريخ الفلسفة، ترك العمل في الرسالة واتجه اهتمامه إلى عمل أكثر ميتافيزيقية يركز على العلاقة بين الفكر والوجود والروح والجسد، ولذلك عكف على تأليف رسالة أخرى عنوانها: «رسالة قصيرة حول الإله والإنسان وصلاحه في الحياة» سنة 1661. لكنه سرعان ما توقف عن كتابتها بسبب عدم الثقة في أفكاره واعتقاده أن هذه الأفكار لن تنال القبول بالطريقة التي يقدمها، وتركها كي ينشغل في عمل آخر يتناول فيه نفس الموضوعات ولكن بمنهج جديد يستطيع به تقديم أفكاره بصورة منطقية رياضية تجبر قارئها على الاعتقاد بها دون معارضة. وهذا هو المنهج "الهندسي" الذي يبدأ بمسلمات وفروض ثم قضايا مستنبطة منها، وهو الذي اتبعه في كتابه الرئيسي «الأخلاق». واستغرق منه العمل في هذا الكتاب سنوات طويلة حتى أكمله سنة 1675، ولم يستطع نشره إلا قبيل وفاته بأشهر سنة 1677 دون وضع اسمه على الكتاب خوفاً من السلطات الدينية. وفي سنة 1663 يترك مدينته الصغيرة وينتقل إلى لاهاي، لأنه أراد أن يخرج قليلا من عزلته ، حيث كان يعيش منذ ثلاث سنوات فقيرا بسيطا ووحيدا كالراهب، لم يتزوج مطلقا، وربما لم يفكر في ذلك جديا في أي لحظة من حياته، وكان يعيش في بنسيونات صغيرة ولم تكن له أية ممتلكات سوى كتبه وكراساته. ومن ناحية أخرى أراد أن يعاين عن قرب الجو السياسي، وبالذات الأفكار الليبرالية الجديدة التي بدأت تنتشر تدريجيا بفضل الحزب الجمهوري الذي كان يسيطر عليه الإخوة دي ويت. يوهان دي ويت Johan de Witt كان رجل دولة هولندي وشخصية سياسية رئيسية في الجمهورية الهولندية في منتصف القرن السابع عشر، تمكن من جعل تجارتها البحرية تزدهر في فترة التنافس الكبير بين الدول الإستعمارية الكبرى، إنجلترا، فرنسا وإسبانيا. وجعل من الجمهورية الهولندية قوة تجارية أوروبية رائدة وبحرية يشار إليه الآن باسم العصر الذهبي الهولندي. سيطر دي ويت على النظام السياسي الهولندي من حوالي عام 1650 حتى قبل إغتياله بقليل في عام 1672 هو وأخيه كورنيليوس. وكان سبينوزا على علاقة وثيقة بالأخوين، بل كان مستشارا سريا ليوهان دي ويت لفترة من الزمن. وتوقف سبينوزا مؤقتا عن تحرير كتابه الأساسي "الأخلاق ـ L Éthique"، والذي بدأ في تحريره منذ عدة سنوات، وعاود التفكير في المشكلة القديمة التي دفعته للإحتفاظ بمعطفه المثقوب، وبدأ في تحرير كتاب "رسالة في اللاهوت والسياسة - Traité théologico-politique". وقد حاول في هذه الرسالة أن يجد الأسباب أو الدوافع التي تجعل الإنسان يبتعد عن العقلانية ويغوص في الغيوم الغيبية اللامعقولة. لماذا هذا المنطق المقلوب رأسا على عقب، حيث يقدس الناس عبوديتهم وأغلالهم وسلاسلهم، ويحاربون من أجل أن يبقوا عبيدا، وكأنهم يناضلون من أجل الحرية. لماذا هو صعب وقاس ومستحيل إلى هذا الحد، ليس فقط نيل الحرية، وإنما إحتمال هذه الحرية؟ لماذا الدين الذي يدعي الحب والرحمة والسعادة، يدفع إلى الحروب والمجازر والحقد والكراهية والتكفير والإقصاء، وبالتالي الموت والحزن والفناء؟ سبينوزا في هذه الفترة يبدو مضطربا، لأن الموضوع الذي يعالجه هو موضوع حقيقي وإجتماعي سياسي مباشر، وهو علاقة العقل بالدين وعلاقة الدين بإدارة المجتمع؟. وفي هذا المجال أيضا وجد سبينوزا نفسه غير قادر على تقبل الأفكار الفلسفية المتوارثة من العصور الوسطى، ووجد نفسه مضطرا للثورة على فكرة التوفيق بين العقل والدين كما هو العادة حتى الآن، فإنه قال بكل وضوح بعدم وجود أية علاقة بين العقل والدين وفصل المجالين فصلا قاطعا، وأن أحدهما ليس في خدمة الآخر. غاية التفكير العقلي، أي الفلسفة هي معاينة الطبيعة والوصول إلى الحقيقة المادية للكون والإنسان، بينما غاية الدين هي غاية أخلاقية، الإيمان والطاعة والتقوى. والأمر الغريب أنه لم يجد أي تناقض بين هذين المجالين المختلفين، حيث الفلسفة للفلاسفة والمتخصصين والعلماء، أما الدين فإنه ضرورة إجتماعية للعامة والبسطاء الذين يحتاجون للقصص والخرافات والأساطير ليفهموا بعض قواعد السلوك والحياة العامة في مجتمع معقد، حيث يجب سياسة الترغيب والترهيب والتخويف حتى يطيعوا الأوامر والتعليمات "الإلهية". ولا ضرورة في نظر سبينوزا لتدخل العقل في هذا الأمر أو محاولة إثبات أو دحض المعارف الدينية عقليا، فهذه ليست وظيفته والدين ليس مجاله. وظيفة العقل هي البحث وإكتشاف قوانين الطبيعة، ومن ضمنها بطبيعة الحال، قوانين العقل والمعرفة.
يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليهودي الملعون
- فيخته بين العقل والأخلاق
- إما الثورة وإما العبودية ..
- فلسفة القفزة القاتلة
- الله والذكاء الإصطناعي
- رسالة جاكوبي ضد العدمية
- المثالية الألمانية
- بيكيت بين العبث والعدمية
- الجنون
- محنة هاملت
- النفي والإثبات وما بينهما
- العنصرية والكزينوفوبيا
- مسؤولية العدسة
- الفن من أجل الفن .. !
- ألهة الدمار
- داغرمان ودكتاتورية الكآبة
- حدود العقل
- العلم والجهل والذكاء
- اليوم العالمي للدفاع عن حقوق النساء
- عن الشعر والملل


المزيد.....




- فيديو يرصد وقوع انفجار بقارب وسط الماء وقفز أشخاص منه.. شاهد ...
- سوريا.. -التعب- على وجه أحمد الشرع يثير تفاعلا خلال مراسم تو ...
- لحظة دخول أحمد الشرع.. فيديو وقوف ضابط أمريكي ومبعوث ترامب ل ...
- السعودية.. جريمة مروعة واستدراج أطفال بغية فعل الفاحشة يكشفه ...
- خطأ غير مصير المعركة.. كيف ضلّت مجموعة حماس طريقها إلى الهدف ...
- علماء يدحضون أسطورة المعيار الصحي للنوم
- جنوب السودان تحيي اليوم الدولي لحفظة السلام وسط استمرار التو ...
- كوريا الشمالية تجري تعديلات في قياداتها العسكرية
- الجيش الباكستاني يعلن مقتل 4 من جنوده في اشتباك مع إرهابيين ...
- إصابة جندي إسرائيلي بجروح خطيرة في معارك جنوب قطاع غزة


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - المعطف المثقوب