جميلة مزرعاني
الحوار المتمدن-العدد: 8347 - 2025 / 5 / 19 - 08:41
المحور:
الادب والفن
على كرسيّ وثير، ألِفت جلساتها الطويلة، نلتفّ حولها كعشّاق. تهوي على شاطئ مهجتها قلوبنا، كهواتف التشريج، تستمدّ من حنوّها زبد البقاء. على لسانها خبزها اليوميّ، مردّدةً: "أولادنا أكبادنا". بعين الشمس تنتظر قهوة المساء، بفيض الشغف، يملأ صوتها المكان والآذان: "جملو جملو يا جملو، يا عشيرة زماني..." فيخترق مسمعي كلحنٍ مفضّل، ويمسّني شعورٌ برهف الإحساس.
فلا تتوانى يداي في صنع أشهى فنجان، تتذوّقه شفتاها، قهوة محلّاة برحيق المحبّة، وابتسامة الرضا تنزل على قلبي بردًا وسلامًا. كنّا قربها كأطفال صغار، نتعطّش لنبع حنانها، ننتصر بضحكتها، ونشفى ببلسم روحها، يعيد إلينا الحياة. ما كنت أدري أنّ الأيام تخبّئ المفاجآت، وأنّ سقوط الفنجان من يدي عنوة يتناثر قطعًا قطعًا، نذير سوء، قبل أن أقرأ لها الطالع كالعادة على هامش التسلية. فمسّني شعور حزين، مردف بكآبة لاذعة. تلفت نظري إلى وجهها، بدا شاحبًا كبرتقالة، يخيّم عليه النعاس. ولأوّل مرّة شعرت أنّها غير راغبة في ارتشاف القهوة.
يغيب عن لسانها لحني المفضّل. غابت أمّي، وفي عينيها بصيص دمعة، وعلى معالم وجهها غصص فراق. لا أخفيكم سرًا، لم يعد للقهوة ذاك المذاق المنكّه بحضورها القويّ.
#جميلة_مزرعاني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟