أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حسن إدريسي - من الشهادة العلمية إلى السلعة السوقية














المزيد.....

من الشهادة العلمية إلى السلعة السوقية


حسن إدريسي
كاتب وباحث من المغرب

(Hassan Idrissi)


الحوار المتمدن-العدد: 8345 - 2025 / 5 / 17 - 22:50
المحور: المجتمع المدني
    


في زمن تتسارع فيه مجتمعات المعرفة نحو اقتصاد المعرفة، وتحتدم فيه المنافسة حول الابتكار والكفاءة، تعود للواجهة واحدة من أخطر القضايا التي تمس في العمق مصداقية الدولة ومؤسساتها. يتعلق الأمر بفضيحة "بيع الشواهد الجامعية" التي تفجرت مؤخراً بعد توقيف أستاذ جامعي على خلفية تورطه في شبكة منظمة لتزوير الشهادات الجامعية مقابل مبالغ مالية مهمة.
هذه الحادثة، -وإن بدت فردية في ظاهرها- تكشف عن ظاهرة بنيوية تنخر الجسد الجامعي المغربي، وتهدد أسس العدالة الاجتماعية والمهنية، وتفتح الباب على مصراعيه أمام تسلل غير الأكفاء إلى مناصب القرار وبالتالي التأثير في قرارات الدولة والمجتمع، وفرملة قطار التنمية.
تمثل الشهادة الجامعية في جوهرها تتويجاً لمسار علمي تعليمي تعلّمي أكاديمي شاق، إنها إقرار رسمي لحاملها بالكفاءة العلمية والمهنية التي تؤهله للاندماج في سوق الشغل، أو المساهمة في تطوير البحث العلمي. غير أن تحول هذه الشهادة إلى سلعة تباع وتشترى في السوق السوداء، يُفقدها قيمتها المعرفية الرسمية والأخلاقية، ويُفرغ الجامعة من مضمونها التربوي الوطني، ليحل محله منطق الزبونية والتواطؤ.
تفشي الظاهرة يدفعنا للتساؤل وبحسرة عن كيفية بناء دولة حديثة ومؤسسات ناجعة على أساس شهادات مزورة ونخب مصطنعة؟ كيف نضمن جودة التعليم والبحث إذا كان الحاصلون على الماستر أو الدكتوراه لم يقرؤوا في حياتهم كتاباً أكاديمياً واحداً؟ وماذا سيقول التاريخ عن جيل من المسؤولين صعدوا إلى المراتب العليا فوق ركام الكفاءة والاستحقاق؟
الأسباب البنيوية للظاهرة
لا يمكن اختزال أسباب هذه الظاهرة في الجشع والوصولية التي تسم بعض المندسين داخل الجسم الجامعي المغربي، إنها نتاج لمجموعة من الاختلالات البنيوية المتراكمة، لعل من أبرزها ضعف آليات الرقابة داخل المؤسسات الجامعية مع غياب التدقيق في عملية ولوج سلك الماستر والدكتوراه، ومحدودية آليات التحقق من الملفات والمضامين العلمية. وهو ما فتح الباب أمام الزبونية والمحاباة والرشوة والبيع والشراء، وغذّى الإحساس الظلم.
وهذا راجع إلى انعدام نظام موحد وشفاف لرقمنة الشهادات، ذلك أن معظم الجامعات ما زالت تعتمد وثائق ورقية يسهل التلاعب بها وسرقتها دون حسيب ولا رقيب، إذ لا توجد قاعدة بيانات وطنية موحدة يمكن الرجوع إليها للتأكد من صحة الشهادات والإنتاجات العلمية.
ناهيك عن غياب المحاسبة الصارمة للمتورطين، وتأخر القضاء في الحسم في مثل هذه القضايا ما شجع على تغولها.
التأثيرات العميقة على الدولة والمجتمع
تتجاوز آثار هذه الظاهرة المجال الأكاديمي، لتنعكس سلباً على البنية العامة للدولة والمجتمع من خلال تقويض الثقة في الجامعة، حيث يفقد المواطن إيمانه بقيمة التعليم، ويغيب الحافز لدى الطالب، وتنتشر السطحية واللامبالاة.
ولا يقف الضرر ها هنا، بل يتعداه إلى سوق الشغل، ففي الوقت الذي يحصل فيه المزورون على مناصب لا يستحقونها، ويُقصى الأكفاء الحقيقيون، تتكرس الرداءة داخل الإدارات والشركات.
ويبقى المتضرر الأكبر هو منظومة البحث العلمي، حيث تُسجل أطروحات دون مضمون، وتُنشر مقالات بلا قيمة. وفي ذلك مس مباشر بمصداقية البحث العلمي المغربي دولياً.
والأكيد أن الوصولي المزور لا يدرك خطره على الأمن المؤسساتي للدول، فعندما يتسلق المزورون إلى المناصب العليا، تصبح الدولة رهينة لقرارات غبية غير مبنية على الكفاءة.
حلول قانونية ومؤسساتية لمكافحة الظاهرة
وللخروج من هذا النفق المظلم لابد من تأسيس هيئة وطنية مستقلة لمراقبة الشهادات الجامعية، تتكلف بتدقيقها، وتتأكد من مطابقتها للمعايير البيداغوجية، وتضع لوائح رسمية للخريجين على منصات رقمية مفتوحة.
كما يتعين إلزام الجامعات برقمنة الشهادات واعتماد التوقيع الإلكتروني عبر منح كل شهادة رقماً تسلسلياً غير قابل للتكرار، يمكن التحقق منه في أي وقت عبر منصة وطنية مفتوحة.
وإجراء إصلاح شامل لمساطر الولوج إلى الدراسات العليا يقضي بتوحيد المباريات الوطنية لسلك الماستر والدكتوراه بما يضمن مبدأ تكافؤ الفرص وشفافية النتائج.
مع العمل على تشديد العقوبات القانونية بإدراج جرائم تزوير الشهادات ضمن خانة الجرائم الخطيرة، التي تصل عقوباتها إلى السجن والغرامات المالية، والحرمان الدائم من ممارسة المهام الأكاديمية أو الإدارية.
وأيضا تعزيز ثقافة النزاهة داخل الجامعة المغربية بتنظيم دورات تكوينية وندوات للطلبة والأساتذة حول أخلاقيات البحث العلمي وخطورة الفساد الأكاديمي، دون أن نغفل عن تعزيز دور الإعلام والمجتمع المدني في تتبع خروقات المنظومة الجامعية وفضح مظاهر التزوير، مع توفير الحماية القانونية للمبلغين عن الفساد داخل المؤسسات والإدارات.
وختاما لا ينبغي اختزال الجامعة في مجرد فضاء للتعليم والتكوين، بل هي مؤسسة لصناعة الوعي الجمعي، وتشكيل النخب، وبناء مستقبل الوطن. وبالتالي فتحويلها إلى سوق سوداء لتجارة الشهادات ينذر بانهيار أخلاقي ومعرفي لا حدود له.
وعليه فالرهان اليوم لا يتوقف عند مجرد فضح الفساد، بل يتطلب بناء جبهة وطنية لحماية المدرسة والجامعة من عبث المزورين وعديمي الضمير، وصيانة الكفاءات الوطنية من الاستغلال، وإعادة الاعتبار لقيمة الاستحقاق في أمة مغربية لن تنهض إلا بعلمائها ومفكريها الحقيقيين.



#حسن_إدريسي (هاشتاغ)       Hassan_Idrissi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ترامب ونهب خيرات الخليج في ثوب استثمار وصفقات
- قانون تنظيم الفضاء الرقمي المغربي، أبعاده وتحدياته
- الآلهة الجدد.. !
- أي مستقبل للشغّيلة والعمل النقابي بالمغرب في ظل التشتت؟
- تغير بتغير الواقع من حولك -من الذي حرك قطعة الجبن الخاصة بي؟ ...
- مرت سنتان على تلقيحنا ضد الوباء ولم نمت!
- أوكرانيا.. بين مطرقة بوتين الغاضب وسندان الغرب الانتهازي
- الحقد الثقافي
- الفكر اللغوي عند دي سوسير


المزيد.....




- حماس تطلب -ضمانات أميركية-.. وتعرض نصف الأسرى الأحياء
- إيران.. القضاء يؤيد حكم الإعدام بحق مغني راب شهير بتهمة -الت ...
- رئيس بعثة مفوضية شؤون اللاجئين في سوريا: 500 ألف لاجئ عادوا ...
- الأمم المتحدة تقلص مساعداتها الإغاثية في الصومال واليمن لأكث ...
- آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بصفقة تبادل أسرى
- الخارجية الأمريكية: روبيو يرحب باتفاق تبادل الأسرى بين روسيا ...
- الداخلية السورية تعلن تصفية 3 من أفراد خلية لتنظيم -داعش- في ...
- -ضع حدا لنتنياهو-.. هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة ت ...
- مفوض -الأونروا-: الخطط الجديدة لتوزيع المساعدات هدر للموارد ...
- مركز حقوقي فلسطيني: نساء وأطفال غزة الأكثر تضررا جراء التجوي ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حسن إدريسي - من الشهادة العلمية إلى السلعة السوقية