أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن إدريسي - الحقد الثقافي














المزيد.....

الحقد الثقافي


حسن إدريسي
كاتب وباحث من المغرب

(Hassan Idrissi)


الحوار المتمدن-العدد: 7162 - 2022 / 2 / 14 - 00:27
المحور: الادب والفن
    


الحقد الثقافي و زمن التفاهة
كان التخصص مطلبا للتعمق فصار مسعى نحو السيادة. هي واحدة من الحكم الهادفة التي استقيناها من أستاذ مقتدر لقبناه اعترافا بـ"المدفعية الفكرية" في حق أولئك الذين خلعوا طيلسان العلماء لخبثهم، فصاروا بذلك أشد عداء للعلم والمعلومة. كلما نمت أفكار غيرهم ساءهم ذلك، يتنافسون على المصالح والغايات، ويتحاسدون كما تتحاسد الباعة في الأسواق لتبرز فيهم بواعث الحسد والأنانية، لأنهم عجزوا عن التفوق بين الأقران مما يدفعهم إلى الازدراء الحاقد المجرد من البرهان، براكين سافرة مليئة بالحنق واللؤم، لا يستطيعون كتم ذلك فيطفو على وجوههم سما ناقعا ضد كل عمل معرفي في شكل نقد جارف يأتي على الأخضر واليابس، و من دون محاججة.

الشائع أن يكون الحسد بين التجار والمهنيين على اعتبار أن مجالهم يسمح بذلك. لكن من غير المقبول أن نرى هذا -وبحدة- بين العلماء والطلاب وبعض المحسوبين على الثقافة، أولئك الذين يجدر بهم الاقتراب من الناس لتكميل أخلاقهم. إلا أن الداء استشرى بينهم فلم يعدو أمثلة صالحة للإيثار والتواضع. لو كان ذلك من إنسان جاهل عامي لهان الأمر كون الناس أعداء ما جهلوا، لكن رُبّ عالم جَهلَ بعلمه أو كما قال الشاعر:

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه """ فالقوم أعداء له وخصوم

كضرائر الحسناء قلن لوجهها """" حسدا وبغضا إنه لدميم

من العجب إذن أن يحسد مثقفٌ مثقفا ومرد ذلك إلى السقم الذي لا تكاد تسلم منه نفس بشرية ضعيفة يثنيها ضعفها عن بلوغ المعالي كما هو الحال مع رفيق في الدراسة وهو يتحدث عن أستاذ جاد يشهد له كثيرون بإسهاماته العلمية والثقافية، وهو يقول: "ألقيت إطلالة على موقعه "حتى هو وْلاّ أْوِيسْتِيذْ وبقى كيكتب" - وأضاف كلاما آخرا لا يسمح المقام بذكره- كان تعليقه هذا على أستاذ لم يبخل عليه يوما بمعلوماته ومساعداته، لا لشيء إلا لكونه كان يبذل مجهودا مضاعفا مكنه من التألق علميا ومعرفيا ورأى أن ينشر علمه ليستفيد منه الجميع. فيما هو لم يوفق في مسيرته العلمية لتقاعسه فارتأى أن يطلق النار على من سمحت لهم الأقدار بذلك في محاولة منه لخلط الصالح بالطالح. فصدق فيه قول توماس أديسون:" سقوط الإنسان ليس فشلاً ولكن الفشل أن يبقى حيث سقط" وإن كان الفشل أحيانا تجربة ثمينة أهم من النجاح شريطة أن نحسن التعامل معها ونحول اتجاهها ناحية إيجابية.

هذه العادة السيئة لم تكن جديدة على مجتمعنا فقد وردنا من أخبار الحقد على العلماء المتميزين قديما أخبارا ما هي بالقليلة مما دار في قصور الأمراء والخلفاء من مناظرات أشعلتها نار الغيرة والحقد مما نتج عنه استخفاف بعضهم ببعض، والتقليل من شأنه. وقد يتجاوزه إلى التحقير والاستهتار قصد إظهار الانتصار مما يسبب آثارا سلبية لدى الطرف الآخر قد تصل حد الانكسار النفسي كما حصل - مثلا- مع سيبويه عندما تحامل عليه الكسائي والأمين في قول القائل: "كنتُ أظن أن الزنبور أشدُّ لسعًا من النحلة، فإذا هو هي، أو إياها؟"، فخرج من بغداد مغمومًا، وقد حمل في نفسه لما جرى عليه. حسب ما أورده ابن خلكان في "وفيات الأعيان".

كانت هذه الأفكار مثار الجدال بين الكتاب والمثقفين باستمرار، بيد أنها لم تكن مطلقا أكثر إثارة للنزاع والجدال منها اليوم، حيث إنه لم تعد هذه الفكرة أو تلك هي محل النزاع الدفين بينهم، بل الأفكار بوجه عام. إنه الحقد الثقافي الذي هو أولا وقبل كل شيء حركة عاصفة بالسًّموم، قوامها نزعة نرجسية مبنية على ذم كل مشروع فكري يهدف إلى التنوير. أو على الأقل انتقاده بصورة مجحفة أحيانا.

ختاما فالنجاح يبدأ بالانتصار على الذات واستلهام مقوماتها، وتلك هي بداية الطريق لأن أضخم المعارك في حياة الإنسان هي التي يقضيها ضد نفسه. فبداية البشرية واحدة وإذا لم تزد على الدنيا كنت زائدا عليها كما قال الشافعي. وعلى متانة الأسس تبنى الأسوار لبنة تلوى الأخرى تأسيسا على المنطق العملي المؤطّر بالمبدأ الأخلاقي لأنه الضامن للاستمرار وبفضل ذلك صارت العلماء حكاما على الملوك.



#حسن_إدريسي (هاشتاغ)       Hassan_Idrissi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفكر اللغوي عند دي سوسير


المزيد.....




- إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف ...
- بوابة التعليم الفني.. موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- البندقية وزفاف الملياردير: جيف بيزوس يتزوج لورين سانشيز في ح ...
- شاهد.. الفنانون الإيرانيون يعزفزن سمفونية النصر في ساحة الحر ...
- طلبة التوجيهي يؤدون امتحان -اللغة الإنجليزية-.. مروحة واسعة ...
- “برقم الجلوس والاسم فقط” Link الاستعلام عن نتيجة الدبلومات ا ...
- العراق يواجه خطر اندثار 500 لهجة محلية تعكس تنوعه الثقافي ال ...
- رحيل الفلسطيني محمد لافي.. غياب شاعر الرفض واكتمال -نقوش الو ...
- موعد نزال توبوريا ضد أوليفيرا في فنون القتال المختلطة -يو إف ...
- الليلة..الأدميرال شمخاني يكشف رواية جديدة عن ليلة العدوان ال ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن إدريسي - الحقد الثقافي