حسن إدريسي
كاتب وباحث من المغرب
(Hassan Idrissi)
الحوار المتمدن-العدد: 8343 - 2025 / 5 / 15 - 04:47
المحور:
المجتمع المدني
في خطوة تحمل بعدًا استراتيجيًا وتجاوبًا مع التحولات الرقمية المتسارعة، كشف وزير الثقافة والشباب والتواصل المغربي محمد المهدي بنسعيد عن ملامح مشروع قانون وطني طموح لتنظيم الفضاء الرقمي، في سعي واضح لسد الفراغ التشريعي الذي طالما استفادت منه المنصات الرقمية الأجنبية على حساب السيادة الرقمية الوطنية.
هذا التوجه التشريعي يُعد نقلة نوعية في تعامل الدولة مع المنصات الرقمية التي أصبحت اليوم مؤثرة بشكل مباشر في تشكيل الرأي العام، وتوجيه السلوك الاجتماعي، بل وتهديد التوازن القيمي داخل المجتمع المغربي، خاصة في ظل غياب آليات رقابية فعالة ومساءلة قانونية واضحة.
من أبرز ما يلفت الانتباه في هذا المشروع هو اعتماده على تجارب دولية متقدمة، خصوصًا النموذج الأوروبي في قانون الخدمات الرقمية (DSA)، مما يعكس وعيًا رسميًا بأهمية الانفتاح على مرجعيات تشريعية رائدة بدل الاكتفاء بإجراءات معزولة قد تفتقر للفعالية أو للانسجام مع النظام الدولي.
غير أن الرهان الحقيقي، كما يبدو، لا يقتصر فقط على إصدار نص قانوني، بل على قدرة الدولة على تفعيل مضامينه، وتأهيل المؤسسات القائمة، وعلى رأسها الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، لتكون فاعلًا حقيقيًا في ضبط هذا المجال المعقد. فالتنصيص على تعيين ممثل قانوني للمنصات داخل المغرب، وتوسيع صلاحيات التتبع والمراقبة، يشير إلى إدراك رسمي بأن "الرقابة الفعلية" لا تتحقق دون أدوات تنفيذية قوية.
في المقابل، ستظل معركة التوازن بين حماية القيم المجتمعية من جهة، وضمان حرية التعبير من جهة أخرى، اختبارًا دقيقًا لهذا المشروع، فالهواجس المرتبطة باستغلال التنظيم القانوني كغطاء لتقييد الأصوات المعارضة لا تزال قائمة، وتستوجب ضمانات دستورية وقانونية واضحة.
في المحصلة، ما قدمه الوزير بنسعيد اليوم لا يمثل فقط مقترحًا تقنيًا لتأطير المجال الرقمي، بل هو إعلان نية سياسية لإعادة رسم العلاقة بين الدولة ومواطنيها في الفضاء الافتراضي، وهو ما سيحتاج، بلا شك، إلى نقاش عمومي واسع، واستشارة مجتمعية تشاركية، حتى لا يتحول الضبط إلى قيد، ولا تنقلب الحماية إلى وصاية.
#حسن_إدريسي (هاشتاغ)
Hassan_Idrissi#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟