أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - احمد الجسار - الإحصاء الإيجابي في البحث الأكاديمي: نحو إطار تحليلي يبني على الإمكانات لا الأزمات














المزيد.....

الإحصاء الإيجابي في البحث الأكاديمي: نحو إطار تحليلي يبني على الإمكانات لا الأزمات


احمد الجسار
كاتب وباحث

(Ahmed Al-jassar)


الحوار المتمدن-العدد: 8343 - 2025 / 5 / 15 - 15:57
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


يشهد البحث الأكاديمي اليوم تحولات معرفية متسارعة، إلا أن إحدى التحديات الجوهرية التي ما زالت ماثلة تتمثل في هيمنة المقاربات الإحصائية التقليدية التي تتعامل مع الظواهر الاجتماعية والاقتصادية بوصفها حالات اختلال تتطلب التشخيص والتقويم. هذه النظرة، على أهميتها، غالبًا ما تغفل ما تختزنه الأرقام من إمكانات إيجابية قد تسهم، لو أُحسن تحليلها، في إعادة توجيه السياسات والخطط نحو البناء لا التصحيح فقط.

انطلاقًا من هذا الوعي، ظهرت منهجية الإحصاء الإيجابي لتشكل إطارًا تحليليًا جديدًا يتجاوز الطابع التشخيصي إلى قراءة شاملة للواقع، تُعنى برصد مؤشرات النمو والتحسن، وتوظيفها في بلورة رؤى تنموية أكثر واقعية وإنصافًا. ويُعرّف الإحصاء الإيجابي هنا بوصفه منهجًا كميًا تحليليًا يركّز على تحليل المؤشرات التي تدل على التقدم والتحول الإيجابي، في مقابل اقتصار الأدبيات السائدة على تسليط الضوء على مظاهر التراجع والضعف فقط.

لا يُعد هذا المنهج بديلًا عن المقاربات الكلاسيكية، بقدر ما هو مكمل لها ومصحح لاتجاهها الأحادي. فهو يفسح المجال أمام أسئلة بحثية من نوع جديد، تسأل عمّا نجح، ولماذا نجح، وما الذي يمكن تعزيزه، بدلاً من التركيز على مكامن الفشل وحدها. ومن خلال هذا المنظور، يمكن إعادة تعريف النجاح البحثي ليشمل التحسن النسبي والإنجاز التراكمي ضمن السياق، وليس فقط النتائج الدالة إحصائيًا وفق النموذج التقليدي.

كما يمنح الإحصاء الإيجابي الباحث القدرة على استشراف المستقبل، عبر تتبع المسارات الإيجابية في البيانات، وبناء سيناريوهات واقعية تستند إلى ما هو قائم بالفعل، لا إلى تصورات نظرية معزولة عن الواقع. وهذه القدرة الاستشرافية تجعل نتائج الأبحاث أكثر ارتباطًا بصنّاع القرار، وأكثر قابلية للتطبيق في البيئات المؤسسية والتنموية.

وتكمن قوة هذا المنهج أيضًا في مرونته، إذ يمكن توظيفه في مراحل البحث المختلفة. ففي تصميم الدراسة، يمكن للباحث تضمين أهداف تحليلية تسعى إلى رصد مؤشرات التمكين والإنجاز والتقدم، كما يمكن تطوير أدوات جمع بيانات تُعنى بقياس الرضا والمبادرات والمشاركة المجتمعية. أما في مرحلة التحليل، فيُصبح من الممكن استخدام مؤشرات التحسن ومعدلات النمو كمحاور رئيسة، والقيام بمقارنات مكانية بين المحافظات أو الفئات وفقًا لفرص التطور، وليس فقط تبعًا لحجم التراجع.

وقد أُتيحت فرصة لتطبيق هذا المنهج بصورة عملية في دراسة موسعة تناولت المؤشرات السكانية في العراق، استنادًا إلى بيانات التعداد العام للسكان والمساكن للعام 2025. وقد كشفت نتائج الدراسة عن فرص ديموغرافية نوعية، من أبرزها وجود أكثر من 60% من السكان في سنّ العمل، ما يشكل طاقة بشرية قادرة على إحداث نمو اقتصادي ملموس إذا ما أُحسن استثمارها. كما أظهرت الدراسة توازنًا نوعيًا بين الذكور والإناث، يمكن أن يُوظف في تعزيز سياسات التمكين والمشاركة، إلى جانب الارتفاع الملحوظ في نسب التحضر، ما يتيح فرصًا لتخطيط عمراني أكثر عدالة وكفاءة.

لقد قدمت الدراسة مقترحات عملية متصلة بالتعليم وسوق العمل والتخطيط المكاني، ما يعكس قابلية الإحصاء الإيجابي للتطبيق الأكاديمي من جهة، وقدرته على دعم صناعة القرار من جهة أخرى.

انطلاقًا من ذلك، فإن تبني هذا التوجه المنهجي في المؤسسات الأكاديمية ومراكز الأبحاث يُعد خطوة ضرورية لإعادة التوازن في التفكير الكمي، وتمكين الباحثين من إنتاج معرفة ذات بعد تحويلي. إذ لم يعد كافيًا أن نعرف أين الخلل، بل يجب أن نرصد أيضًا أين ومتى يتحقق التحسن، وكيف يمكن دعمه واستدامته.

من هنا، فإن الدعوة اليوم موجّهة للجامعات إلى دمج الإحصاء الإيجابي ضمن مناهج الإحصاء التطبيقي والعلوم الاجتماعية، وتشجيع الطلبة والباحثين على اعتماده في رسائلهم وأطروحاتهم. كما يُستحسن إطلاق مشاريع بحثية جماعية تستند إلى البيانات الرسمية لتقديم قراءات تحليلية جديدة تُبنى على مؤشرات القوة، لا على سرديات الأزمة وحدها.

في خاتمة المطاف، لا يُطرح الإحصاء الإيجابي كموضة معرفية، بل كموقف علمي وأخلاقي معًا؛ يسعى إلى إبراز ما هو فعّال، والبناء عليه، ويمنح الباحث فرصة للاقتراب من الواقع بمنظار أكثر إنصافًا ودقة، في سبيل إنتاج معرفة تخدم المستقبل، لا تكتفي برصد الماضي.



#احمد_الجسار (هاشتاغ)       Ahmed_Al-jassar#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحليل المؤشرات السكانية في العراق وفق منهجية الإحصاء الإيجاب ...
- دليل الإحصاء الإيجابي: رؤية شاملة للمفاهيم والأدوات والتطبيق ...
- الإحصاء الإيجابي وعلم النفس الإيجابي: تكامل في خدمة الرفاهية
- الإحصاء الإيجابي: أساس لبناء مجتمعات مزدهرة
- الإحصاء الإيجابي: الجذور الفلسفية والتطبيقات المعاصرة في الس ...
- تطبيقات الإحصاء الإيجابي في تطوير الأفراد: نحو بناء منهج علم ...
- كتاب الإحصاء الإيجابي: نهج مبتكر لقياس النجاح والتحفيز
- الإحصاء الإيجابي: نهج مبتكر لقياس النجاح والتحفيز
- الإحصاء الإيجابي: نحو تأصيل فلسفي ومنهجي لمفهوم جديد في الإح ...
- في حضرة الوطن.. تأملات في تعزيز الهوية الوطنية العراقية
- هل يمكن للذكاء الاصطناعي اتخاذ قرارات أخلاقية؟
- لماذا نقرأ؟
- رحلة البحث عن العم سامي - قصة قصيرة
- لماذا نكتب؟
- العلاقة بين الأدب والسياسة في العالم العربي
- حلم كاتب... من أوراق الحلم إلى -أرض بلا أكاذيب-
- الأدب الرقمي: هل هو امتداد للأدب التقليدي؟
- أدب التصوف: تجربة روحية وفنية
- الموت يزورنا مرتين - قصة قصيرة
- تأثير الجوائز الأدبية على حركة الإبداع العربي


المزيد.....




- -محارب عظيم ورجل قوي جدًا-.. ترامب يمتدح الشيخ محمد بن زايد ...
- إثيوبيا توجه -رسالة قوية- لدول الجوار بشأن سد النهضة
- محمد ولد عبد العزيز.. 15 سنة سجن بحق الرئيس الموريتاني الساب ...
- ترامب في مسجد الشيخ زايد…كيف استقبلت الإمارات الرئيس الأمريك ...
- -السلطات المعنية-.. أمير الكويت يصحح وصفه للحوثيين بعد تنبيه ...
- تفاهمات حماس وواشنطن تثير قلق إسرائيل: تغيير منهجي شامل له م ...
- ترامب مكرماً بـ-وسام زايد-: العلاقات بيننا ستكون أقوى من أي ...
- طهران تنفي تلقيها مقترحاً أمريكياً مكتوباً بشان اتفاقٍ نووي ...
- هدايا وعملات مشفرة.. اتهامات لترامب بالفساد واستغلال النفوذ ...
- مصر.. إحالة 3 مسؤولين باتحاد الكاراتية للمحاكمة بتهمة التسبب ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - احمد الجسار - الإحصاء الإيجابي في البحث الأكاديمي: نحو إطار تحليلي يبني على الإمكانات لا الأزمات