رقية الخاقاني
صحفية وكاتبه وناشطة في حقوق المرأة
(Ruqaya Alkhaqani)
الحوار المتمدن-العدد: 8339 - 2025 / 5 / 11 - 20:16
المحور:
الادب والفن
كانت سارة وأحمد يعيشان حياة مستقرة، مليئة بالتفاهم والحب، حتى بدأت شاشة الهاتف تتسلل بينهما كظل ثالث. في البداية، بدا الأمر عادياً؛ منشور هنا، تعليق هناك، إعجاب عابر بصورة قديمة لصديق من الماضي. لكن مع الأيام، تحولت تلك اللحظات الصغيرة إلى شقاق يتسع كصدع في جدار بيتهما.
لم تعد سارة تشعر بوجود أحمد بجانبها، رغم جلوسه على الأريكة كل مساء. عيناه معلقتان بالهاتف، يمرر أصبعه بلا وعي على شاشة الفيسبوك، بينما هي تحاول مشاركته تفاصيل يومها. (هل سمعت ما قلته؟) تسأله بصوت حاد، فينهال عليها بغضب: (دعيني لحالي، كل شيء على ما يرام!). لكن كل شيء لم يكن على ما يرام.
الغرفة نفسها.. عالمان منفصلان
أصبحت المنصات الاجتماعية كابوساً يطاردهما. أحمد، الذي كان يعتبر نفسه رجلاً واثقاً، بدأ يشعر بغصة كلما رأى تعليقات الرجال على صور زوجته، حتى لو كانت بريئة. أما سارة، فلم تعد تطيق رؤيته منشغلاً بمتابعة حياة الآخرين، بينما ينسى تهنئتها بعيد زواجهما. (كأننا غرباء نتشارك السرير نفسه)، هكذا وصفت شعورها لصديقتها في رسالة خاصة.
من الإعجاب إلى الشك.. ثم الانهيار
لم تكن الخيانة الجسدية هي المشكلة، بل الخيانة العاطفية التي ولّدتها تلك المنصات. محادثات سرية مع أصدقاء القدامى، إعجابات متعمدة بصور تثير الغيرة، مقارنات مستمرة بين حياتهم وحياة الآخرين على السوشيال ميديا. كل ذلك أشعل نار الشك، حتى في أبسط التفاصيل. (لماذا تحذفين سجل المحادثات؟) سؤال بريء تحوّل إلى شجار مرير.
هل يمكن إنقاذ ما تبقى؟
قررا الذهاب إلى مستشار أسري كحل أخير. هناك، اكتشفا أن المشكلة ليست في الهواتف، بل في الفجوة التي خلقتها. نصحهما المستشار بـ( الصيام الرقمي) ساعة يومياً بدون إنترنت، إغلاق الإشعارات ليلاً، وإعادة تعريف الحدود. (التواصل الحقيقي يبدأ عندما تضعون الشاشات جانباً)، كانت تلك كلمته الأخيرة لهما.
العودة من حافة الهاوية.
اليوم، بعد عام من تلك الأزمة، تعلم أحمد وسارة أن المنصات الاجتماعية سلاح ذو حدين. لم يتخلّيا عنها تماماً، لكنهما وضعا قواعد لا هواتف أثناء العشاء، لا متابعة لحسابات تثير المشاكل، والأهم، الاعتراف بالخطأ قبل أن يتحول إلى جرح غائر.
قصتهما ليست فريدة، فالكثير من الأزواج يعيشون نفس الكابوس. ربما يكون الحل بسيطاً أن نتذكر أن الزواج يحتاج إلى عيون تلتقي، لا إلى أصابع تتمرغ على شاشة الهاتف الباردة.
#رقية_الخاقاني (هاشتاغ)
Ruqaya_Alkhaqani#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟