|
الجماعة المصرية: جدل الأمن القومي والمشترك الجيوثقافي العام
حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)
الحوار المتمدن-العدد: 8337 - 2025 / 5 / 9 - 11:18
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
مدخل في أوقات معينة من التاريخ تحتاج الجماعات البشرية لإعادة تعريف وجودها الكلي لتواكب تغيرات مفصلية عمومية تحدث للإنسانية كلها، والواقع المرير أن الجماعة البشرية التي تهرب من مواجهة واقعها العام واتخاذ القرارات اللازمة لإعادة تعريف وجودها ودراسة المتغيرات المحيطة، مهما كانت قاسية وواسعة الأثر ومهما كان ما تتطلبه من تضحيات ومواجهات..؛ فإنها سوف تتعرض بكل أسف لما يشبه "الانقراض" أو "الاضمحلال الحضاري" التام. ولقد وصلنا قرب نهاية النصف الأول من عام 2025م إلى ذروة جديدة من أزمة الذات العربية الإسلامية في القرن الـ21، وفي القلب منها الجماعة المصرية وليست الدولة المصرية وبنيتها السياسية فحسب، تتبدى الأزمة في ملفات مثل: سوريا وغزة والسودان والبحر الأحمر والقرن الأفريقي، والعديد من الملفات الإقليمية والدولية التي ليست في حاجة إلى ذكر، ناهيك عن تأزم الوضع الداخلي لمصر على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.. بما يجعل من الصعب الاستمرار في التعاطي مع الأمر وسياساته الكلية وفق المسار القائم بالفعل، والذي يعد نتاجا لمحصلة التناقضات الداخلية التي حملتها مصر منذ القرن الماضي، ولحظة ما بعد الاستقلال عن الاحتلال الأجنبي وظهور "دولة ما بعد الاستقلال" نفسها في مصر، التي ارتبطت بالشكل الجمهوري وإزاحة الحكم الملكي لأسرة محمد علي. وهنا علينا أن نراجع العديد من المفاهيم المستقرة التي نتعامل معها بوصفها أمرا مسلما وتقليديا، والتي تمثل الأساسات العميقة ومركز القيم الثقافي الحامل لمعظم التمثلات السياسية التي تتحرك من خلالها الجماعة المصرية سلطة ومعارضة، وفي القلب منها يأتي مفهوم "الأمن القومي" بوصفه أحد أبرز المفاهيم التي نشأت في الثقافة الغربية وارتبط بالدولة القومية أو الوطنية الحديثة في مرحلة ما بعد العصور الوسطى، أو مرحلة الحداثة الأوربية.
مفهوم الأمن القومي والدولة الحديثة ودون إغراق في السياق التاريخي ومع التركيز على راهن الحال المصري، يجوز القول إن الأمن القومي يقوم على "مشترك ثقافي" جامع وحاضن لجماعة من البشر قد تنتمي لـ"مستودع هوية" أكبر، تتداخل معه وتتقاطع حسب قدرة نخبتها على تطوير خطابات أو سرديات كبرى تحقق الوجود الاستراتيجي في فضائها الجغرافي ومستوياته وطبقاته.. من ثم فإن مفهوم "الدولة الحديثة" ومفهوم "الأمن القومي" يقومان على علاقة متحركة ومتغيرة بالفضاء الجغرافي وقدرة النخبة الخاصة بكل جماعة بشرية، على الحضور في هذا الفضاء أو الانكماش فيه، حيث الحضور لا يقوم على قوة صلبة فقط أبدا، بل يبنى وجوده الأساسي على حضور سردية ثقافية يقتنع بها البشر بشكل طوعي ويتوحدوا معها وتحميها قوة صلبة، فيما يمكن تسميته بتحقق "سردية جيوثقافية" فاعلة التي هي أعلى مستويات "الأمن القومي" الحديث، حال تفوقه في التوحد بين القوة الصلبة والقوة الناعمة في شغل الفضاء الجغرافي الخاص بالجماعة البشرية. ولكن الآن وفي ظل الواقع الراهن وتشققات المشهد العربي وتأزم سرديات الذات العربية؛ هل يمكن القول إنه لدينا سردية جيوثقافية فاعلة، أم أن لدينا "انسداد كبير" يتطلب بالتبعية "تغييرا كبيرا" لجبر التشققات الواسعة في البناء العربي الإسلامي بسكل عام، ولدى الجماعة المصرية بشكل خاص التي كانت عبر مراحل تاريخية طويلة من الزمن أحد المراكز الحاملة للمشروع الحضاري العربي الإسلامي.
"الأمن القومي" و"المشترك الثقافي" الحاضن وإذا تجاوزنا عتبة التأسيس للمفاهيم والمدخل العام وانتقلنا مباشرة لصلب الأزمة وطرحنا تساؤلا: هل يمكن أن يوجد ما يسمى "أمن قومي" لدى جماعة بشرية ما تفتقد وجود "مشترك ثقافي" جامع وحاضن لها؟ أي تفتقد سردية ثقافية مشتركة وجامعة في عموم فضائها الجغرافي، بما يقودنا إلى عنوان هذه المقالة: "الجماعة المصرية: جدل الأمن القومي والمشترك الجيوثقافي العام". في حقيقة الأمر ودون تجميل أو دبلوماسية وفي إجابة مباشرة صادمة؛ لا يوجد أي تحقق لمفهوم "الأمن القومي" عندما تختفي سرديته الثقافية وقوته الناعمة لدى جماعة بشرية ما، ولا تلتفت نخبته إلى السياق التاريخي المحيط بها وتظل متمسكة أو متمترسة أو متمركزة حول لحظة تاريخية قديمة.. وسرعان ما تتحول القوة الصلبة الخاصة بهذه الجماعة البشرية إلى التأزم الذي قد يؤدي إلى الاضمحلال أو التيه أو الانتحار (قد يفضل البعض استخدام مفهوم الانقراض).
سردية السلطة فيما بعد 2013م واقع الحال يقول إن الجماعة المصرية برمتها تفتقد إلى "مشترك ثقافي" جامع وحاضن، لا في السلطة ولا في المعارضة، السلطة تقوم سرديتها على مشروع "دولة ما بعد 2013م" وتصوير الإخوان كفزاعة أبدية ومبرر لأي قرار أو وضع سياسي مأزوم، مع اعتبار ثورة 25 يناير القشة التي كسرت عصا "سليمان" وأكلتها، وفي الوقت نفسه تقوم تلك السردية على التأكيد على التناقضات بين القوة الصلبة (الجيش) وبين قطاعات من الشعب المصري، عبر الدفع بأبنية القوة الصلبة المصرية العسكرية منافسا في القطاعات المدنية، والمزايدة على من ينتقد ذلك بأنه يكره القوة الصلبة ويعاديها! وفي الوقت نفسه سردية ما بعد 2013م قدمت بنية جيومعرفية وجيواجتماعية مأزومة ونتاجا للتناقضات نفسها، لم تستطع لتشبعها بتناقضاته الذاتية أن تواكب المتغيرات الإقليمية والدولية، ولم تستطع أن تقدم رؤية نقدية للسردية المصرية الرسمية وسياساتها العامة الخارجية والداخلية، وشيئا فشيئا وعلى مدار العقد الماضي انفصل البناء الجيومعرفي والجيو اجتماعي المصري عن الواقع، ورفض الاعتراف بالأزمة والهزيمة على مستوى العديد من الملفات، ورفضت الإدارة السياسية لدولة ما بعد 2013م اتخاذ قرارات حاسمة بالتغيير لتواكب الأزمة الكبرى المحيطة بمصر. وهذه نقطة مهمة للغاية؛ لأن البناء الجيواستراتيجي حينما يتأزم لجماعة بشرية ما، فإنه لا يتأزم بمعزل عن بنيته الجيو معرفية والجيو اجتماعية، فكل سردية كبرى يكون لها بنية جيو معرفية وبنية جيو اجتماعية، بنية جيو معرفية تبرر لها اختياراتها وتمارس نوعا من العماء المعرفي والتغاضي عن تناقضاته الكبرى التي تعبر عن مغالطات بنيوية أو هيكلية في نظريته المعرفية وتمثلاتها السياسية داخليا وخارجيا، وكذلك بنية جيو اجتماعية أو "تراتبا اجتماعيا" داخليا يقوم على فرز عناصر هذه الجماعة البشرية واختيار الفئات أو الأفراد التي تقبل بـ"الدمج والتسكين" الاجتماعي الراهن، وتسكت عن التناقضات الاجتماعية الكبرى التي تهدد هذه الجماعة البشرية بالانفجار او الانسداد أو الانقراض.
سردية المعارضة المصرية فيما بعد 2013م أما المعارضة المصرية فتقع سرديتها في مأزق لا يقل أبدا عن مأزق سردية السلطة، فلقد وقعت المعارضة المصرية في فخ إدارة التناقضات نفسه مرتين من جانب السلطة، المرة الأولى حينما تحالف الإخوان مع القوة الصلبة (الجيش) وممثلها المجلس العسكري بعد إزاحة دولة ما قبل 2011م، معتقدة أنها ستنجح في تمرير سرديتها الثقافية من خلال الجيش (سردية فرق الدين السياسي وشعارات الحكم باسم السماء وباعتبارهم نخبة مختارة تمثل السماء)، لكن الإخوان كانوا بالغباء السياسي الذي منعهم من إدراك أن القوة الصلبة كانت تتمسك بسرديتها الثقافية القديمة (دولة ما بعد الاستقلال والدور المزدوج للمؤسسة العسكرية باعتبارها تنظيما سياسيا سريا أو فوقيا أسس الدولة الجمهورية وحكوماتها المدنية المتعاقبة)، وفي لحظة معينة قامت القوة الصلبة بإزاحة الإخوان من الحكم بعد استخدامهم لتجاوز الغضبة الشعبية والثورة في 2011م. المرة الثانية التي وقعت فيها المعارضة المصرية في فخ التناقضات كانت من خلال اليسار والقوى الليبرالية والقومية، فبعد إزاحة القوة الصلبة للإخوان وسرديتهم الثقافية، استخدمت القوة الصلبة الجانب الآخر من المعارضة المصرية وسرديتهم الثقافية لكي تؤسس لدستور جديد من خلال ما عرف بـ"لجنة الخمسين"، ثم تم انتخاب ممثل القوة الصلبة رئيسا لدولة ما بعد 2013م مع تجاهل السردية الثقافية للقوى المعارضة ومشتركاتها كما تم تجاهل السردية الثقافية للإخوان من قبلهم. ليصبح وضع المعارضة المصرية وسرديتهم ليس بأفضل حال كثيرا عن وضع السلطة المصرية وسرديتها، فإلى جانب أخطائهم السياسية الكاشفة، لا يملك اليمين المصري - أي الإخوان وفرق الدين السياسي- سردية ثقافية جاذبة لتقديمها للناس بعد احتراقهم في مصر وفي معظم أنظمة ما بعد الثورات العربية، ولا يملك الجانب الآخر سردية ثقافية أو سياسية فاليسار المصري والعالمي تأزم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واحترق مشروعهم، والليبراليون المصريون لا يستطيعون التمايز سياسيا عن الطرح الثقافي لسردية الليبرالية الغربية في جوهرها العنصري والاستعماري، والقوميون المصريون لم يقدموا سردية فعالة في فترة ما بعد ثورة 25 يناير. والمعارضة المستقلة على المستوى الثقافي لا تقدم سردية ثقافية كبرى أو غير مهتمة بذلك، وتنشغل بالتفاعل الانطباعي الاحتجاجي مع الأحداث كوسيلة لإبراء الذمة باستمرار والشعور بالتطهر والخلاص الإخلاقي، ولا ينشغل معظمها بالاحتشاد والسكون الكافيين لبناء سردية ثقافية جامعة بديلة.
الجماعة المصرية: أزمة التمثيل والمشترك الجيوثقافي الجامعي من ثم نحن في حاجة إلى تقرير "الوضع المصري الراهن" إجمالا، لدينا أزمة في التمثيل أي أن النخب أو "التنخيب المجتمعي" ومساراته القائمة، عجزت عن تقديم تمثيل أو نخبة جديدة تتجاوز التناقضات وأبنيتها الجيو اجتماعية أو الجيو معرفية سلطة ومعارضة. ولدينا أزمة في السردية الثقافية و"المشترك الجيوثقافي" الجامع والحاضن، فعظم السرديات المصرية التاريخية سلطة أو معارضة انسدت أو تجاوزها التاريخ، لكن في الوقت نفسه يتمترس أصحابها حولها دون وعي بأن لحظتها التاريخية قد انتهت ومرت دون رجعة، وأن التمترس حولها يعني حتمية الانسداد والانقراض الكامن والمؤجل. السياسات العامة الموضوعة لإدارة موارد الجماعة المصرية على المستوى الداخلي والمستوى الخارجي؛ تقع في منطقة رد الفعل والتبعية للسرديات الثقافية القديمة، من ثم تقع في فخ التبرير والمنظور الجزئي ولا ترى الصورة الكبيرة، ويتآكل الحضور المصري باستمرار في الفضاء الجيوثقافي الخاص به، وكذلك تتأثر بالتناقضات وببناء تراتب جيواجتماعي مشوه ويعبر عن "تنخيب زائف" وليس تمثيل او تنخيب حقيقي وطبيعي. إجمالا ودون مواربة؛ "الأمن القومي" المصري القائم على علاقة عضوية بين قوة ناعمة وقوة صلبة لا يتحقق في ظل الوضع الراهن، من ثم نحن في حالة طوارئ -إن أردنا الحقيقة- لكن في حالة طوارئ لسبب ذاتي قبل الظروف الموضوعية ومتغيراتها المحيطة بنا، لأننا نفتقد للسردية الثقافية الكبرى الجامعة، التي تجعل هناك حضورا طوعيا لقوة ناعمة مدعومة بقوة صلبة في الفضاء الجغرافي المصري القريب والداخلي، والفضاء البعيد والمحيط العام.
البديل: لبناء سردية جيوثقافية مشتركة جديدة وقع الأمر يتطلب بناء بديل جديد وسردية ثقافية جديدة تقدم مشتركا جيوثقافيا جامعا وحاضنا لعموم الجماعة المصرية، يجب أن يقوم هذا البديل على الاشتراطات التالية: الدفاع عن ثوابت "مستودع الهوية" المصري بطبقاته ومكوناته المتراكمة والمتعايشة، بناء فرز اجتماعي جديد يقوم على الدفع بأفراد "الكتلة الجامعة" التي تؤمن بمستودع هويتها وتملك الاستعداد الفطري للدفاع عنه، وتعلي من المصلحة الجماعية على حساب المصلحة الذاتية، والتأكيد على وجود لحظة تاريخية جديدة تقدم "مفصلية ثقافية" ممكنة لعموم الجماعة المصرية. في الكثير من جوانب هذا السردية الثقافية الجديدة في السياسات الخارجية، ستقوم على مبادئ "ما بعد المسألة الأوربية" وتجاوز ثنائياتها الحدية وصراعاتها الصفرية، وستؤكد على حق مجتمعات ما خارج المركز الأوربي القديم في التمايز الوجودي والثقافي، كما ستقدم هذه السردية الثقافية الجديدة تصورا في السياسات الخارجية يقوم على بناء "كتلة جيوثقافية" ثالثة، تزن الاستقطاب القائم بين أمريكا من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى. على مستوى السياسات الداخلية ستسعى هذه السردية لبناء نقطة توازن جديدة للجماعة المصرية، تتجاوز آليات الاستقطاب والتشويه القائمة لمختلف الفصائل السياسية، وتسعى لـ"تراتب اجتماعي" موضوعي يقوم على "الفرز الطبيعي" لأفضل عناصر المجتمع ومواهبها، دون ميل لفكرة "الفرز السياسي" لبناء ظهير لها، لأن ظهيرها سيكون متجذرا في مستودع الهوية المصري ذاته. إجمالا ستسعى هذه السردية لتقديم مشترك جيوثقافي جديد للجماعة المصرية؛ يحقق الفعالية بين قواها الناعمة ومستودع هويتها، وبين مواردها المتاحة في فضائها الجغرافي، وبين قوتها الصلبة وتعبيرها عن حاضنتها التاريخية وثوابتها.
غياب الإرادة المحركة و الوعي اللازم الجماعة المصرية وبنيتها الجيو معرفية والجيو اجتماعية السائدة تفتقد منذ لحظة ما بعد 2011م لسردية ثقافية كبرى جامعة تقوم على مشترك ثقافي/ جيوثقافي حاضن، وأثر هذا على علاقة مصر بالفضاء الجغرافي المحيط بها وثوابت الذات العربية ومستودع هويتها، وافتقدت السلطة والمعارضة على السواء للإرادة المحركة والوعي اللازم لضرورة بناء سردية جديدة تضبط السياسات الخارجية والداخلية، وتحمل تبعات هذه الإرادة وهذا الوعي. ووضع الجميع رؤوسهم في الرمل مدعين أن كل منهم يقدم أفضل ما عنده! متمترسين حول ما يسميه بعضهم "تاريخيهم النضالي"، أو "تاريخهم البطولي"، أو إجمالا "سرديته الثقافية القديمة" التي تجاوزها التاريخ في السلطة أو المعارضة على السواء. وأصبح الوجود العام -أو "الأمن القومي" بالمفهوم الشائع- للجماعة المصرية برمتها عرضة للتفكك والانسداد، بسبب تعمق التناقضات وتمترس كل فصيل سياسي سلطة أو معارضة حول سرديته التي تجاوزها التاريخ، وإذا لم تفلح الجماعة المصرية في الانتباه لضرورة إفساح الطريق لسردية ثقافية جديدة، والقيام بـ"تحول طوعي" فإن المقبل سيكون صادما للجميع والسيناريوهات ستكون شديدة القتامة والانسداد، وتنذر بخطر الانقراض أو الاضمحلال الحضاري التام، لصالح السرديات الثقافية للآخر.. ساعتها لا نلوم أحدا سوى انفسنا، وسيكتب التاريخ أنه مر على مصر فترة تاريخية لم تملك نخبتها الوعي والإرادو الكافية والجسارة المطلوبة لمواجهة الواقع، واتخاذ ما يتطلبه من إجراءات ضرورية ولازمة.
خاتمة: المقدمات القديمة لن تؤدي لنتائج جديدة التناقضات القائمة والسرديات الثقافية الآفلة التي تجاوزها التاريخ ويتمسك بها البعض وببنيتها الجيو معرفية الجامدة والعاجزة؛ هي التي وقفت سدا حينما طرح البعض –كنت واحدا منهم- تصورات مغايرة في السياسات الخارجية المصرية تجاه حرب غزة، وتجاه الاستقطاب حول منفذ رفح ومحور فيلادلفيا تحديدا، وقبلها حين طرح البعض نفسه سياسات مغايرة تجاه صفقة القرن وخطاب الاستلاب، وتجاه مشروع "السد الأثيوبي"، وتجاه الاستقطاب الجديد بين حلف "الأوراس الجدد" الصيني الروسي، وبين "الأطالسة" الأمريكان مع نظرية الصدام الحضاري، وضورة تطوير سردية جديدة تقوم على مفاهيم "ما بعد المسألة الأوربية" ومحاولات إعادة إنتاجها في القرن الـ21. إذا لم يكن هناك تصور بتغيير جذري في بنية الجماعة المصرية الجيو ثقافية والجيو معرفية والجيو اجتماعية، فإن المقدمات القديمة لن تؤدي إلى نتائج جديدة، يتغير العالم وسرديته الثقافية الجديدة الإقليمية والدولية بسرعة شديدة، وإذا لم نلتفت إلى ضرورة تجديد السردية الثقافية الخاصة بالجامعة المصرية، وتجاوز التناقضات التاريخية فإن الهزيمة الحضارية والانقراض قادم ولابد، سواء كان بشكل زاعق وواضح، أو بشكل يقوم على التفكيك والاستلاب والقبول بسرديات الآخر الثقافية، بل القيام بالترويج لها، تحديدا في السرديات المخصصة لنا تجت اسم "الشرق الأوسط الجديد" و"الاتفاقيات الإبراهيمية". سيروج البعض للاضمحلال الحضاري والانقراض الثقافي بحجج كثيرة، ولكن ستبقى حجة واحدة يذكرها التاريخ بأن الجماعة المصرية سلطة ومعارضة لم تكن بالصدق الكافي ولا الإرادة الكافية لتعترف بأخطائها، وتعيد البناء من جديد وتستعيد "المشترك الجيوثقافي" الجامع والحاضن لفضائها الجغرافي، الذي الذي تمدد فيه وتجرأ عليه الجميع. إذا لم نعترف بالهزيمة وعجز السيناريوهات والسرديات الثقافية القائمة بظهيرها الجيو معرفي والجيو اجتماعي، ونشرع في التغيير الجذري اللازم، فلا سبيل لنصر حقيقي أبدا، وستستمر آلة البروباجندا في عملها وتأجيج التناقضات والاستقطابات في المجتمع المصري وبين أفراد الجماعة المصرية، لأننا لم نكن بالشجاعة الكافية للاعتراف بالهزيمة والأخطاء، ولم نكن بالإرادة اللازمة لتحمل المسئولية والقيام بالتغيير الجذري الذي تحتاجه البلاد والجماعة المصرية.
أمثلة لمقالات سابقة للكاتب أشار فيها لتأزم السردية الجيوثقافية المصرية ومقارباتها وطرح البدائل لها وفق تصور لسردية ثقافية جديدة
- مصر وجدل الاستراتيجية والمعرفة: الدروس الجيوثقافية لمآلات حرب غزة https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=852170 - مصر والاستراتيجية زيرو: تدافع الموانع والممكنات https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=844296 - حروب اليوم وعالم الغد: بين الجيوحضاري والجيوسياسي والجيوثقافي https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=841211 - دور الإسناد الجيوثقافي في الحضور المصري بالصومال https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=840578 - الثقافة بوصفها مشتركا مجتمعيا عند التحولات التاريخية https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=839726 - استرتيجية للنأي عن الاستقطاب.. أم ديبلوماسية جيوثقافية مصرية جديدة في القرن الـ 21! https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=838088 - سيكولوجية الإنكار: معركة رفح العسكرية ونهاية مرحلة كامب دافيد https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=837469 - مصر والمستقبل: بين الوظيفية الإقليمية والقطبية الجيوثقافية https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=836910 - التراشق بين مصر وإسرائيل: دروس المآلات والممكنات https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=835142 - مصر ومقاربة ما بعد الشرق أوسطية: حقيقة الحرب في رفح https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=831220 - مصر ومعاهدة السلام: بين الالتزام الدولي والرؤية الاستراتيجية المُبَادِرَة https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=829590 - رفح: ما بين التكتيكي والاستراتيجي تصعد وتخفت الأمم https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=827972 - السردية الإسلامية وتعالقات الحضارة المطلقة: المعضلة العربية والإيرانية والتركية https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=823172 - عملية رفح الباردة: سياسة حافة الهاوية بين الاسترتيجي والتكتيكي https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=820090 - حرب غزة: بؤرة الصدام الحضاري الثالث وأفق المستقبل https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=818270 - تناقض الاستراتيجي والتكتيكي: 2024م وتفاقم أزمة الجغرافيا الثقافية العربية/ المصرية https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=816257 - مصر والكتلة الجيوثقافية الثالثة: استراتيجية الخروج من الأزمة https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=813793 - حرب غزة والمسألة الأوربية.. تصريحات بايدن بوتين أنموذجا https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=812011 - مصر ودبلوماسية إدارة التناقضات: مقاربة الحركة بالأهداف المتغيرة والمشتركات المرحلية https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=810076 - مصر بين الجغرافيا الثقافية والجغرافيا السياسية: مقاربة للأمن القومي في ظل أزمة غزة https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=809642 - الحرب قادمة: صفقة القرن 2023م من الناعم إلى الخشن https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=808936
#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)
Hatem_Elgoharey#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زيارة ماكرون: أوربا ترد على ترامب في ملف فلسطين
-
مصر وجدل الاستراتيجية والمعرفة: الدروس الجيوثقافية لمآلات حر
...
-
الحداثة الأبدية قراءة نقدية مقارنة للمشروع الغربي
-
مصر والاستراتيجية زيرو: تدافع الموانع والممكنات
-
هل خسرت المقاومة أم تخاذلت الحاضنة العربية الإسلامية!
-
السودان ومصر: إلى أين، سيصل كل منا على حده!
-
النمط العسكري للاحتلال: التصعيد ثم التوزان واحتمال اشتعال ال
...
-
حروب اليوم وعالم الغد: بين الجيوحضاري والجيوسياسي والجيوثقاف
...
-
دور الإسناد الجيوثقافي في الحضور المصري بالصومال
-
استراتيجية الأمل: أي تجديد من أجل التجديد الثقافي العربي!
-
الوعي الجيوثقافي و دور الدبلوماسية الثقافية في رفد الدبلوماس
...
-
الثقافة بوصفها مشتركا مجتمعيا عند التحولات التاريخية
-
فوق صفيح ساخن: بيانان ثلاثيان ومذبحة ورد منتظر
-
استجابات استراتيجية نتانياهو البديلة: مصر وتركيا وإيران
-
استرتيجية للنأي عن الاستقطاب.. أم ديبلوماسية جيوثقافية مصرية
...
-
سيكولوجية الإنكار: معركة رفح العسكرية ونهاية مرحلة كامب دافي
...
-
مصر والمستقبل: بين الوظيفية الإقليمية والقطبية الجيوثقافية
-
مصر ما بعد معركة رفح: فيلادلفيا وعنتيبي والصومال والدولتين و
...
-
التراشق بين مصر وإسرائيل: دروس المآلات والممكنات
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
المزيد.....
-
تداول فيديو -وصول أول دفعة مهاجرين من أمريكا إلى ليبيا-.. ما
...
-
لندن.. اجتماعات أوروبية بشأن أوكرانيا
-
كتائب القسام تسلم الصليب الأحمر الأسير الإسرائيلي الأمريكي
...
-
لابيد: تحرير عيدان فشل مخز لنتنياهو
-
-التايمز- تكشف عن ملفات يعتزم الشرع طرحها خلال لقاء محتمل م
...
-
السفارة اليمنية بالقاهرة تندد بحملات إعلامية مسيئة
-
تركيا.. ثوان من الهلع تنتهي بسقوط صادم من الطابق السابع (فيد
...
-
بعد قرار الجزائر طرد 15 موظفا فرنسيا: بارو يؤكد أن باريس ستر
...
-
بمشاركة أكثر من 30 دولة: انطلاق الدورة 21 من مناورات -الأسد
...
-
ليبيا: حفتر يلتقي بوتين ووزير الدفاع الروسي خلال زيارته إلى
...
المزيد.....
-
علاقة السيد - التابع مع الغرب
/ مازن كم الماز
-
روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي
/ فاروق الصيّاحي
-
بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح
/ محمد علي مقلد
-
حرب التحرير في البانيا
/ محمد شيخو
-
التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء
/ خالد الكزولي
-
عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر
/ أحمد القصير
-
الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي
/ معز الراجحي
-
البلشفية وقضايا الثورة الصينية
/ ستالين
المزيد.....
|