أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شوقية عروق منصور - في غزة ... جمجمة بين الشيخ والرضيع














المزيد.....

في غزة ... جمجمة بين الشيخ والرضيع


شوقية عروق منصور

الحوار المتمدن-العدد: 8307 - 2025 / 4 / 9 - 19:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



أصبحت الكتابة كالنباتات التي تتسلق الجدران باحثة عن الضوء، عن شعاع شمس يخطف برودة الواقع، وحين نكتب عن غزة تتجمع أمامنا جميع الفصول ، من فصول الخوف إلى فصول الجوع إلى فصول طوابير الخبز إلى فصول الجثث الجماعية المكومة في الحفر تنتظر صاحب الجرافة الذي سيهيل عليها التراب لكي تدفن بصمت إلى فصول صراخ الأمهات وعويل النواح ولطم الآباء ، إلى فصول التشرد والدمار والبيوت والعمارات التي سويت بالأرض حتى أصبح التساؤل ، هل فعلاً كانت هناك بنايات وحياة ؟ أما أعجب الفصول التي تحاول غيوم الأحزان الابتعاد عنها هي فصول التفتيش عن بقايا الجثث ، يد من هنا أو رجل من هناك ، حيث تطايرت الجثث من شدة الانفجارات ، أما أصعبها حين تجد الأم أو أحد الرجال الذين يبحثون بين الأنقاض جمجمة ، إذا كانت الجمجمة كبيرة يبدأ التساؤل من الذي دفنوه دون رأس ..!! أما إذا كان الرأس صغيراً فتنتابك الحيرة لأن هناك عشرات الأطفال وجدوا دون رؤوس، وعلى كل أم أو أب يبحثان عن رأس طفلهم التمعن جيداً بالجمجمة حتى يتم دفنها مع بقايا الجسم .
نتنهد ...قد يصل الخيال إلى الهذيان العبثي، لكن في مدن وطرق وحواري وأزقة وساحات ومدارس ومؤسسات وملاعب قطاع غزة تمشي الحضارة الإنسانية عارية وهي تفتش عن ترجمة جديدة لمعنى " الحضارة الإنسانية " فلا تجد إلا ضجراً سئم الحبر والصراخ والشعارات الملونة ، سئم الأقنعة والخطابات العنترية.
في غزة كل شيء يركض، سباق يومي مع الحياة ، لا تعرف بأي ثانية ، بأي لحظة خاطفة يكون موتك، رأيت الموت محاطاً بالدم والفزع والهلع ، مجموعة شباب كانوا يقفون أمام المواقد البدائية ، يقفون أمام الطناجر الكبيرة ، يحركون الطبخات البسيطة التي أعدت للمئات الذين ينتظرون في الطوابير ، فجأة لا نعرف كيف سقط الصاروخ، و كيف تبعثرت الطناجر ، ولكن كان على الأرض جثثاً متناثرة ، اختلطت الدماء مع بقايا الأطعمة التي سالت على الأرض .
ثمة علاقة بين الدم والطعام، لعبة تاريخية بدأت مع بداية الخليقة ، ولكن في غزة كانت العلاقة تفتش عن حضارة جديدة بعد أن وضع الانسان قوانينه وشعاراته في جيوب المؤسسات والمواثيق الدولية ، تفتش عن معنى حصار " التجويع والتعطيش " حصار الانفصام الإنساني الذي سقط في فخ ومصيدة حضارة العصر الحديث .
كلما زارتني صورة الشيخ الذي يبكي زاحفاً على الأرض لا يستطيع المشي ، بعد أن أجبروه على النزوح ، أصاب أنا بالعجز والاختناق ، صورة تؤكد أنه طالع من زمن حمل حكايات الشيوخ والمسنين ووضعهم في غابات متوحشة للتخلص منهم.
أما القهر والذعر والجوع وتلك المرأة المسنة التي تنادي أولادها التي لا تعلم أين هم ؟ هي لوحدها في ازدحام لا يلتفت إليها أحد ، كل واحد يبحث عن مكان يحميه من رعب الطائرات التي تلقي بصواريخها وقنابلها .
امرأة مسنة مشلولة ، تتنقل فوق التراب ، بعد أن جعلت كفوف يديها خطوات متحدية ، لقد تحولت يداها إلى سيقان ، إلى أرجل تعينها على المشي، في الازدحام هناك من يساعدها في حمل كيسها ، لكن الخطوات ، كفوف يديها تحفر فوق التراب تاريخاً صامتاً ، حيث تسقط الإنسانية المتعجرفة التي تقف أمام النصب التذكارية التي تتغنى بحياة كبار السن الذين يعيشون " سنواتهم المرفهة " .
اعترفت إحدى الأمهات أن الكلب نهش جثة رضيعها، لقد هجمت الأم على الكلب وطردته وأكدت وهي تبكي بحرقة ، لقد كفنت أبنها وأرادت أن تدفنه وهي تنتظر أحد الرجال ، لأن جميع أفراد عائلتها استشهدوا ، لا تعرف كيف تسلل الكلب إلى الخيمة وأخذ ينهش رضيعها ، لمجرد صورة النهش تجعلنا نفكر بمئات الأطفال الرضع الذين يعيشون في ظروف صعبة، فقدان الرعاية والعناية والعلاج والأدوية، فقدان الأجواء الصحية ، هذا إذا بقيت الأم على قيد الحياة .
في غزة تحولت تفاصيل الحياة الشخصية إلى خيام متنقلة وازدحام ونزوح وجوع وعطش وانتظار يغطس في التساؤل ؟ في غزة غابت حقيقة الاسرار الشخصية و الإنسانية والتفاصيل الخاصة الدقيقة التي تعجن مشاعر الانسان وتصبح عنواناً له، أضحت على الملأ ، على شاشات الهواتف والفضائيات وجميع سائل الاعلام ، مكشوفة على جميع الجهات لم يعد يقدمها للمجتمع صدقاً وحباً وعطاءً واهتماماً، بل تقف هذه المشاعر في حضرة الحياة المرتجفة ، المذعورة ، المطاردة ، تتدلى أعناقها على أعمدة الخوف والجوع .



#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوعزيزي الفلسطيني وجمل المحامل
- غزة .. جاء البريد بساع ولكن بغير بريد
- على الأكتاف ووجوه الأحباب قصص ليست عابرة
- ثورة العودة في الشارع الغزي
- حكايات من تحت الركام
- العربي والفلسطيني 2024
- أيها الرئس من كان منكم بلا سجن فليبدأ ويرمه بحجر
- رغيف خبز يتحدث عن نفسه في غزة
- بين الموت والركام لا أحد
- من اتكل لى زاد ترامب طال جوعه
- مقابر جماعية - هنا غزة
- أنا لا أثق ... آخ ياغزة
- في غزة .. شكراً للهواتف وصفحات التواصل الاجتماعي
- لن يكون في غزة - اربز جوت تالنت -
- الصبي الفلسطيني ودراجة الانتصار
- المطر الأحمر والأطفال
- خيمة وزغرودة وساق رجل
- حياة الماعز وحياة العامل الفلسطيني العاجز
- زمن الأوزان تحت الأنقاض في غزة
- الطفولة والحصان في غزة


المزيد.....




- خبير: الكرملين لا يسعى لإسقاط النظام الإيراني بل يراهن على ج ...
- في ملجأ محصن.. خامنئي يعزل نفسه ويحدّد خليفته تحسبًا لاغتيال ...
- القبض على أول شخص من عائلة بشار الأسد في سابقة أمنية لافتة ب ...
- تل أبيب تصعّد حملتها ضدّ المنشآت النووية ال?إيران?ية وتلوّح ...
- مساعدات التنمية: ألمانيا تقلص الإنفاق على الناس الأكثر فقراً ...
- فرنسا: المنطاد الأولمبي سيعود للتحليق في سماء باريس بعد تحول ...
- بالأرقام.. هكذا يضيّق الاحتلال الخناق على خان يونس
- عبر الخارطة التفاعلية.. آخر التطورات في المواجهة الإيرانية ا ...
- ردّا على ترامب.. الكنديون يلغون رحلاتهم إلى أمريكا.. من يدفع ...
- الجيش الإسرائيلي: قتلنا قائدا آخر بفيلق القدس.. ونخوض -واحدة ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شوقية عروق منصور - في غزة ... جمجمة بين الشيخ والرضيع