الجميلات فى مصر -المَكَنَّة- وأسلوب التعميَّة فى المصرية الحديثة

أيمن غالى

الحوار المتمدن-العدد: 8305 - 2025 / 4 / 7 - 10:04
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

عُرف أسلوب التعمية Cryptography فى النقوش المصرية القديمة لإخفاء ما يهم إخفاؤه عن الأرواح الشريرة والأعداء .. أسلوب يعلمه صاحب النقوش وأحباؤه ويجهله الأغراب
نفس الفكرة إمتدت فى المصرية الحديثة ونجد إنتشار أسلوب التعميَّة بين أفراد المجتمع المصرى دون باقى المجتمعات الناطقة بالعربية وأحياناً داخل بعض المناطق الجغرافية أو الأحياء السكنية على نطاق ضيق دون غيرها داخل الحدود المصرية؛ مُستخدمين شفرة ولغة غير مفهومة للتواصل فيما بينهم ولا يعلمها غيرهم ..
ومن الكلمات الشهيرة والمستحدثة فى المصرية الحديثة والتى تخضع لما يعرف بأسلوب التعمية؛ كلمات مكنة, فرسة, مُزَّة, .. وغيرها
وهى كلمات تستخدم حالياً ومنذ سنوات؛ كناية عن الفاتنات والممشوقات من الفتيات والسيدات الجميلات وهى مفردات منتشرة بين الطبقات المتدنية

وتناوُلنا الحالي للموضوع لتوضيح تاريخية استخدام المفردات السابق ذكرها فى قاموس مفردات المصرية الحديثة والشارع المصري وفى طرحنا هذا؛ نبدأ بكلمة "مَكَنَّة"
يرجع أصل كلمة مَكَنَه للكلمة الإيطالية Macchina ماكينه
وكانت تستخدم في مصر للتعبير عن كل مُعِدَّة ميكانيكية تعمل بالدفع اليدوى أو بالبخار في بداية مطلع القرن التاسع عشر وإمتد إستخدامها لكل مُعدة تعمل آلياً بأى وسيلة من وسائل الطاقة المختلفة’أو مُعدّة تعمل بموتور كهربى أو تعبيراً عن الموتور نفسه ويأتى إستخدامها في تعبيرات (وردت في السينما المصرية) على النحو التالى: سكر مَكَنَه, مَكَنَه المركب, مَكَنَه لنش, مَكَنَه كاشير, مَكَنَه خياطة, مَكَنَه حلاقة, مَكَنَه رىّ, سيجارة مَكَنَه, مَكَنَه سنارة صيد,موتوسيكل, مَكَنَه ميكروفون, آلة كاتبة, ..

ويرجع تاريخية إستخدام الكلمة (للتعميَّة) للتعبير عن الفاتنات ممشوقات القوام إلى فيلم "العريس يصل غداً"؛ إنتاج 1964
من متابعتنا لمشهد سينمائي بالفيلم يبدأ في الدقيقة 4:22
بعد مراجعة الحاج عوض الله – صاحب مصانع جاد الله الكبرى للغزل والنسيج - بمكتب إدارة المصنع؛ لمحتويات حافظة للصور الفوتوغرافية لأخيه الأصغر (المهندس فتح الله)؛ وسط فتيات في إحدى السهرات
ودخول صديق الأخ الأصغر لصاحب المصنع؛ المهندس ممدوح بعد استدعائه من قِبَل صاحب المصنع ..
● صباح الخير يا فندم انا في الخدمة
○ الجواب ده وجدته غلط في البوسطة بتاعتي؛ الظاهر إنه علشانك يا ممدوح أفندي
● متشكر يا فندم .. نياهاه (وحالة فزع مفاجئة من مراجعته لصور الحافظة)
○ إيه ؟! فيه حاجة بتخُض في الجواب ده ولّا إيه يا ممدوح أفندى ؟!
● لا أبداً يا فندم دي صور العينات الجديدة بتاعة الماكينات الجديدة بتاعة المصنع يا فندم
الموقف المفاجئ والحرج للمهندس ممدوح دفعه لادعاء أن الصور لماكينات لا لفتيات
وتتوالى الأحداث ويأتي المشهد التأكيدي في الدقيقة 49:03 واستخدام لفظ "مَكَنَّة" كناية عن إحدى الجميلات

ممدوح: وأنت بقى إن شاء الله بتتذَوّق ورايح على فين ؟
فتح الله: يعنى إيه باتذوّق ورايح على فين ؟! أنا رايح أعاين مَكَنَّة ؛ مَكَنَّة جديدة
ممدوح: مَكَنَّة بيضا ولا شقرا ولا سمرا ؟
ومن سياق الحوار يمكننا فِهم المغزى من كلمة "مَكَنَّة" ومفهومها في الحوار.

وظهر إستخدام الكلمة في الشارع المصرى تعبيراً عن الجميلات في ثمانينات القرن الماضى؛ تبعاً للفيلم المُشار إليه ..

ويغيب استعمال لفظ "مَكَنَّة" بحوارات مشاهد السينما المصرية للتعميَّة عن جميلة ممشوقة القوام؛ حتى سنة 2010؛ إلى أن تظهر مُجدداً وفيلم "أبو شنب" ككنايّة عن الجميلات
https://www.youtube.com/watch?v=ZVy56r6a-Fo&t=2580s
في الدقيقة 19:33, ومشهد عصمت؛ ضابطة الشرطة وإحدى فتيات الليل (شوشو)
عصمت: بالنسبة للألوان إللى فى خِلقتِك دي؛ هي الدهانات ليها حد متخصص ؟
عصمت: متخصص وأنا موجودة ؛ بتشًكي فى قدراتي ؟! طب علىّ النعمة لأخرّجِك من تحت إيدى مَكَنَّة
عصمت: يالَّا يا مَكَنَّة

أى أن الكلمة كان بداية ظهورها وإستخدامها للتعمية وتحولت للكناية عن الجميلات.
ويظل إستخدام لفظ "مَكَنَّة" للتعبير عن إحدى الجميلات او مغازلتها؛ قاصراً على الطبقات المتدنية والمناطق الشعبية ولا تُستخدم بين المثقفين والمجتمعات الأكثر تحضراً, وتعتبر إحدى مفردات لغتنا المصرية الحديثة ويصعب فهمها لغير االمصريين.

#أيمن_غالى (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل